عائلة الحَسُّو في الموصل- الجزء الثالث

الأستاذ الدكتور باسل يونس ذنون الخياط
أستاذ مُتمرِّس/ جامعة الموصل

 

عائلة الحَسُّو في الموصل- الجزء الثالث

أصغر أبناء الشيخ عبد الله الحَسُّو هو المهندس سالم الحسّو، وهو شخصية فريدة متعددة المواهب العلمية والأدبية والفنية والثقافية. وهو مهندس وفنان تشكيلي من مواليد الموصل عام 1941 من عائلة دينية من محلة (شهر سوق) بالموصل القديمة.

والده الشيخ الحاج عبد الله بن محمد الحسّو العبيدي (1890-1960م) كان من كبار علماء الموصل وله العديد من المؤلفات الدينية، وأشقائه محمد الحَسُّو؛ وهو عالم ديني من خريجي الأزهر، والطبيب الدكتور عبد الرحمن الحَسُّو، والمؤرخ الأستاذ الدكتور أحمد الحَسُّو. ولسالم الحسّو شقيقتان هما السيدة الفاضلة أم عبد المحسن الأربيلي والسيدة الفاضلة أم ريان؛ وهي والدة رجل الدين المعروف الشيخ الدكتور ريّان توفيق.

التحق سالم الحسّو بالدراسة الابتدائية في مدرسة (الوطن) في (باب لكش)، وأكمل دراسته المتوسطة في المتوسطة المركزية في محلة النبي شيت، أما دراسته الثانوية فكانت في الإعدادية المركزية والتي كانت تشغل موقع الإعدادية الشرقية قبل انتقالها إلى منطقة (باب سنجار).

درس سالم الحسّو الفن التشكيلي في المتوسطة المركزية على يد الفنان التشكيلي الشهير نجيب يونس (1930-2007) الذي اهتم به وعلمه الأصول الصحيحة للرسم. كما كان أحد نجوم الرياضة في المتوسطة المركزية.

أنهى سالم الحسّو دراسته المدرسية بتفوق، فأرسلته الحكومة العراقية عام 1959 ببعثة دراسية إلى إنكلترا. ولم يترك هوايته في الرسم فدخل دورة دراسية للفنون التشكيلية في كلية (كامبرويل) في لندن عام 1960، وشارك في معرض للرسم لطلبة كلية (نور وود) في لندن وحصل على الجائزة الأولى عام 1960. كما حصل على الجائزة الأولى أيضاً في المعرض التشكيلي الذي أقامته جامعة (مانشستر) عام 1965.

نال سالم الحسّو شهادة البكالوريوس في الهندسة الكهربائية من جامعة مانشستر عام 1962، وتعيّن في العام 1966 مهندسا في الموانئ العراقية. وقد تميّز الحسّو في عمله واستطاع أن يصمم ويبني جهاز إرسال لأغراض السيطرة الجوية، كما قدّم العديد من الإنجازات المهمة هناك.

ظل هذا الشاب الكفء يعمل بجهود استثنائية في قسم الاتصالات اللاسلكية حتى عام 1970، حيث أوفد إلى إنكلترا وحصل على الماجستير في علوم الحاسبات من جامعة لندن عام 1975.

عاد سالم الحسّو إلى البصرة، وكانت له إسهامات كبيرة تبلورت في صيانة وتشغيل أجهزة البث التلفزيوني فيها، فضلا عن صيانة وتشغيل الأجهزة الطبية في مستشفى الموانئ ومستشفى البصرة العام.

في العام 1979 مُنح سالم الحسّو إجازة دراسية لنيل شهادة الدكتوراه من جامعة لندن، وفي 22 أيلول 1980 اندلعت الحرب العراقية-الإيرانية التي دامت قرابة 8 سنوات.

وبعد عامين من بدء دراسته، وجد سالم الحسّو نفسه غارقا في الديون الثقيلة، مما اضطره إلى ترك المقاعد الدراسية، والبحث عن عمل يوفر له الملاذ الآمن في غربته اللندنية.

قدّم سالم الحسّو استقالة من العمل إلى دائرته، إلا أن دائرة الموانئ رفضت استقالته وأعلنت الحرب عليه في المحاكم الرسمية المدنية والعسكرية. ثم بعد مدة تم شموله بالعفو عن تهمة الانقطاع عن العمل.

وفي لندن تبوأ سالم الحسّو مركز المدير الفني لشركة (الفاكريت) للفترة من 1981 ولغاية 1990، وأشرف على تصميم وإنتاج وحدة للاتصالات الطرفية تدعى (التراك 280)، كانت صالحة للعمل مع الحواسيب المركزية لشركتي (ديجيتال)، و(بيركن إيلمر).

كما كان سالم الحسّو من أوائل المساهمين في وضع أسس التعريب لأجهزة الاتصالات الطرَفيَة العاملة مع الحاسبات المركزية، ونجح في تعريب وتطوير جهاز الاتصال الطرَفي من نوع (لنك 220) بالتعاون مع شركة (لنك تكنولوجي) الأمريكية للفترة من 1982 ولغاية 1990، والتي لاقت الأجهزة هذه رواجا كبيرا في مراكز الحواسيب في ليبيا والمملكة العربية السعودية.

وفي العام 1992 قام سالم الحسّو بإنشاء شركة (ألترا سوفت) للبرمجة والتدريب، ونجح في ابتكار نظام آلي للسيطرة على أعمال المراقبة التلفزيونية في أروقة الحَرم المكّي الشريف، وقد استمر العمل به لأكثر من عشر سنوات.

العودة إلى عالم الفن:

في العام 1999 أُُحيل سالم الحسّو إلى التقاعد من العمل الهندسي في عالم الحواسيب والاتصالات ليجد أبواب عالم الفن مفتوحة أمامه. وخلال الفترة (1999-2001) تدرّب على مبادئ النحت في بيروت على يد الفنانة (منى السعودي). كما شارك في دورة دراسية للنحت في جامعة (كنكستون) في لندن عام 2008.

لقد تفرغ سالم الحسّو بعد التقاعد ليمارس هواياته الفنيّة والثقافية المتعددة في النحت والرسم التشكيلي والتصوير السينمائي والفوتوغرافي والتمثيل والإخراج التلفزيوني، كما أنه يعشق الموسيقى والأعمال الأدبية ويكتب الشّعر ويميل إلى التأمل الروحي ويحب الرجوع إلى الطبيعة.

في العام 2004 زار سالم الحسّو مدينته الحبيبة الموصل، وقام بتسجيل فيديو عن شوارعها وأزقتها بعد غياب عنها لأكثر من ربع قرن.

وبتاريخ 16/1/ 2014 تم افتتاح موقع (بيت الكتاب) الذي يديره سالم الحسّو المتفرغ لاحتواء وتحميل المصادر والمراجع الأدبية والتاريخية والعلمية من الثقافة والتراث العالمي التي يود مؤلفوها أو ناشروها إهداءها الى طلبة الجامعات والباحثين في الوطن العربي؛ وبخاصة إلى أولئك الذين يصعب عليهم تحصيلها محليا لأسباب تتعلق بالأوضاع المتردية في كثير من البلدان العربية وغيرهما.

وفي العام 2015 كتب سالم الحسّو مقالا مفصلا عن ذكرياته في محلتهم القديمة عنوانه (ذكرياتي في محلة شهرسوق) اعتزازا منه بها، كما قام في آخر زيارة له للموصل بتصوير ونشر فيديو عن هذه المحلة.

وفي العام 2020 عاود الحنين سالم الحسّو إلى الموصل بعد ما عاشته من ظروف قاسية، فزارها ليجد عودة الحياة إليها بهمة وجهود المخلصين من أبناء العراق الغيارى.


https://www.youtube.com/watch?v=TvMJFqTl6sA&t=33s

خلاصة القول فإن سالم الحسّو شخصية نادرة، فهو فضلا عن تفوقه العلمي، يمتلك ثقافة فنية رافقته منذ مراحل شبابه الأولى في الموصل، وقد شارك في بعض المسرحيات ومارس الرسم. كما أنه مُلحن جيد ومخرج ممتاز، أخرج عدة أفلام عن الفنان الراحل (طلال عبد الرحمن النعيمي)؛ الذي نشرنا سيرته سابقا وفرقته الموسيقية العالمية (سومر) على صفحات مجلة الكاردينيا، كما قام سالم الحسّو بتسجيل العديد من أفلام اليوتيوب لأغاني هذه الفرقة.

لقد عُرف عن سالم الحسّو غزارة انتاجه وتصاميمه فيما ينشره من تصاميم إبداعية في النحت، وقيامه بعمل مونتاج فيدوي لفيديوهات مصورة عن مدينته الموصل. وقد توج أعماله الفنية عام 2017 بتسجيل فلم موسيقى حزين بعنوان (ترانيم موصلية).

كما قام سالم الحسّو بتصوير وإخراج فلم يحكي قصة ترميم منارة الحدباء عام 1939. واستحدث سالم الحسّو؛ مع مجموعة من الأصدقاء؛ موقعًا باسم (بيت الكتاب) مهمته توفير الكتب العلمية والمنهجية لطلبة جامعة الموصل مجانًا بعد الأحداث التي طالت مكتبتها المركزية سنة 2014.

وفي العام 2004 قام سالم الحسّو بتصوير أزقة (عوجات)) الموصل ومحلاتها القديمة، منها محلته (شهر سوق) و (باب جديد) و (الجسر العتيق)، وأعد لها فيديو جميل قام بنشره على الأنترنت على الرابط الآتي:

https://www.youtube.com/watch?v=JiNAl0viDhk

نسأل الله تعالى أن يبارك بابن العراق الأصيل المهندس والفنان المبدع سالم الحسّو وبعائلته الكريمة على ما قدموه من أعمال جليلة في مجالات مختلفة.

(مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل: 97).

المصادر:
- كاظم فنجان الحمامي، "عرّاب الحواسيب المينائية في العراق حكاية منسية من حكايات الأدمغة الوطنية المهاجرة".

- موقع "بيت الموصل"، بإدارة سالم الحسّو ومواقع أخرى متعددة.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

830 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع