"الدبلوماسية العراقية، كيف كانت ثابتة الرؤى والأداء، وكيف هي الان متذبذبة وغير ثابتة وغارقة بالفضائح"

سرور ميرزا محمود

"الدبلوماسية العراقية، كيف كانت ثابتة الرؤى والأداء، وكيف هي الان متذبذبة وغير ثابتة وغارقة بالفضائح"

يرتبط مفهوم الدبلوماسية بالعلاقات الدولية حيث أتخذ هذه العلاقات أشكال مختلفة يتم بواسطتها التواصل السياسي بين الدول فيما بينها، أنّ الدبلوماسية العراقية ليست وليدة العصر الذي شهد تطوّراً في مفاهيم ومدارس العلم السياسي، بل تعود إلى زمن سحيق، ادرك حكام العراق منذ فجر التأريخ أن القوة لا تكفي لترسيخ مكانته، بل لا بد من ذكاء سياسي وتفاوض دبلوماسي يحفظ استقراره وحمايته مصالحه، متألق عبر العصور، وكان قادراً على التأثير في مسارات العلاقات الدولية، متسلحاً بالحكمة، ومستند إلى تاريخ مجيد يرى في الحوار جوهراً لما يبتغيه، استخدم العراق منذ نشوء دولته في العشرينات من القرن الماضي آلته الدبلوماسية التي هي شكل من اشكال العلاقات الدولية للحفاظ على علاقاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية مع الدول الأخرى، كان من أول البلدان الذي أقام علاقات نشيطة مع دول الجوار وقوى إقليمية ودولية مع أوروبا وأمريكا، وكان يسعى ان يكون للعراق دور وثقل إقليمي ودولي متميز بحكم طبيعة إمكانياته الاقتصادية وموارده البشرية وأرثه الحضاري، وهي التي كانت ليست مجرد وسيلة للتواصل الدولي، بل هي مرآة تعكس هوية العراق الحضارية، ودرع يحمي سيادته، وان أهم ما يميز دبلوماسيته هو ثبات الرؤى من جهة، وقوة الأداء من جهة ثانية.

امتلك العراق العقول التي كانت تخطط وتصون مصالحه في المجتمع الدولي والإقليمي والقومي، معارك كبيرة خاضها الدبلوماسيون وصناع الدولة في العهد الملكي، ومن بعده في العهود الجمهورية اللاحقة، إذا كانت طبيعة الدبلوماسية ثابتة فإن مسالكها وأهدافها تتغير تبعا للتطورات وللمعطيات الخاصة بكل قضية او حالة طارئة. بهذا المفهوم مارس العراق شتّى أنواع الدبلوماسية وفقا لمقتضيات كل مرحلة.

أثبتت الدبلوماسية العراقية قوّتها وصلابتها في عدد من الملفات سواء للنيل من استقلالها ومحاولتها استمالة دعم ومساندة شعبها للخروج من تحت رداء الاستعمار البريطاني، وكذلك أهمية السيطرة على الثروة النفطية وادارتها بالأيدي الوطنية والتخلص من هيمنة الشركات الأجنبية عليها، فسعت الى تحقيق ذلك الهدف بكل السبل والوسائل، حين واجه تسويق النفط الخام العراقي، بعد تأميم شركات النفط في عام 1972، تحديات متعددة، ومحاولات الشركات الدولية عرقلة تسويق وتكرير النفط المؤمم، ونجح فيما سعى اليه، وكذلك اداءه الدبلوماسي اثناء الحرب العراقية الإيرانية فنجح في تحويل صموده ونصره إلى مكسب سياسي.
ِ}
عمل العراق على توجيه آلته الدبلوماسية لحماية مصالحه الإستراتيجية من ناحية، وللمساهمة في تحقيق الاستقرار والأمن العالميين من ناحية ثانية، وقد حققت هذه الدبلوماسية نجاحات كبيرة بفضل ثبات مواقفه المشرفة في دعم القضية الفلسطينية، ونصرة القضايا العادلة، وإنهاء كل أشكال الاستعمار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، واحترام مبدأ السيادة في العلاقات الدولية.

ان الدبلوماسية العراقية كانت حاضرة على المستوى العربي بقوة، أما بالنسبة للساحة الدولية، فقد حافظت الدبلوماسية العراقية على توازن دقيق بين مختلف القوى العالمية، مرتكزةً إلى مبدأ الاستقلالية، والسيادة وعدم التبعية لأي قوة، بعيدًا عن سياسة المحاور، بل بنت علاقاتها على أساس المصالح المشتركة والاحترام المتبادل، فكانت لها شراكات وثيقة مع روسيا والصين، وعلاقات متينة مع الدول الاوربية، وعلاقات تعاون وتضامن مع دول العالم الثالث.

ان الدبلوماسية هي علم وفن إدارة العلاقات بين الأشخاص الدوليين وهي مهنة الممثلين الدبلوماسيين مثل سفراء العراق تاريخاً طويلاً من الدبلوماسية والعلاقات الخارجية ، حيث شهد دورهم تطورات كبيرة مع تغير الظروف السياسية والعلاقات الدولية، وامتازوا بالسيرة الحسنة والعلم والذكاء والفطنة محبين لبلادهم مدافعين عن حقوقه، شارحين وجهة نظر بلدهم بأحسن صورة وافضل أداء واقتدار وتألق.

أدى غزو الكويت عام 1990 وهو الخطأ الاستراتيجي الذي لم تكن ضمن اهداف العراق وسياسته الخارجية الى فرض الحصار وصدور العديد من قرارات مجلس الامن الدولي التي تضمنت عقوبات أضرت بمكانة العراق الدولية وتسببت في تدهور الوضع الاقتصادي، وعزله عن جيرانه والمجتمع الدولي، أدّت إلى تراجع دور ومكانة البلاد في المجتمع الدولي، جعلت من العراق في المجتمع الدولي وكأنه جسم غريب مما أدى إلى فرض القيود الكثيرة على نشاطه في المجتمع الدولي، مما مثل انتكاسة للسياسة الخارجية العراقية، فـي تلـك المرحلــة اخـذ العــراق يركز جهده الدبلوماسي بهامش مبدأي اقل من السابق وبمختلف الطرق وهو يحاول جاهدا التعامل مع قرارات مجلس الامن ومعالجة الاثار السلبية وتصحيح إعادة الثقة والحد من العزلة والعداء سعيا لإعادة العراق الى مكانته الطبيعية، وقد استمرت هـذه المرحلة مدة ثلاث عشر سنة تغـذيها مواقف وافعال الإدارة الامريكية و بعض من دول الجوار والدول العربية والكثير من دول العالم بتضـييق الخنـاق علـى العـراق حتى انتهـت بنهايــة النظـام والدولــة كلهـا بـدخول قـوات الاحـتلال الامريكـي، وفقـدان العـراق لسـيادته الوطنية.

ترتبت على الغزو الأمريكي- ومن معه للعراق نتائج خطيرة سياسيًا، وعسكريًا، واقتصاديًا، وفرض واقعًا جديدًا في العراق والمنطقة، إن احتلال العراق لم يكن اعتباطاً أو لتحقيق الحرية للشعب العراقي كما زعمت الولايات المتحدة، وإنما جاء الى تدمير قوته، وسلب سيادته، وارتهانها لمصالح القوى الإقليمية والدولية المتصارعة في المنطقة، واذلاله، نتجت مرحلة انتقالية عمتها الفوضى وانهارت مؤسسات الدولة مما اعيد صـياغة المعادلــة السياسـية بكافــة تفاصـيلها سياسيا وعسكريا واجتماعيا وثقافيا، تسببت السيطرة الأمريكية على العراق ببلورة جديدة للمشهد السياسي في العراق على مقومات الهوية الطائفية وفق ادعاءات التوافق وتقاسم السلطات بمظاهر ديمقراطية فيدرالية برلمانية تعددية هيأ لها دستور 2005، وتعددت مراكز القوة في الساحة الداخلية، وان كل قوة سياسية تنظر الى العراق من مدارك مذهبية وقومية وعشائرية وفق توازنات القوى المحلية مع الاستجابة لخطط وخيارات الفواعل الإقليمية بل والدولية النافذة في المشهد العراقي، واتسمت السياسة الخارجية والتي هي انعكاس للسياسة الداخلية بالضعف وعدم الوعي بالواقع الجديد وما يحيط به من تأثيرات داخلية وتفاعلات دولية وإقليمية.

اقتيدت الدبلوماسية العراقية، او تمّ احتواؤها في مستوعبات الطائفية والمذهبية، والفئوية، والمصالح الضيقة، فهي سياسة مضطربة متذبذبة وغير ثابتة ومحكومة بمزاج أصحاب احزاب السلطة.

تعاني الدبلوماسية العراقية عموما من عدم وضوح الرؤية والتوجه ومن مشكلة التداخل في الاختصاصات وعدم تحديد الأولويات وهنا تدخل طريقة تشكيل السياسة العراقية عبر التوافقات بين الأطراف السياسية وليس على اساس فلسفة واضحة تتبناها الدولة، مما انعكس سلبا على علاقات العراق الإقليمية والدولية.

المحلية.

كما ان الخارجية العراقية تعاني ايضا من مشاكل متعددة أبرزها عدم وحدة القرار السيادي وتعدد مصادره من حيث الصنع والتنفيذ والتمثيل الذي سمح.. للأقاليم والمحافظات بأخذ صلاحيات التمثيل الدبلوماسي وفتح مكاتبهم في الخارج مع ما يسببه ذلك من ازدواجية الاختصاص وتناقض الأداء احيانًا لصالح أحزابها ما تسبب بضياع وانعدام رؤية السياسة الخارجية العراقية.

تدخل ايران وتنامى دورها بشكل كبير واصبح المؤثر في الشؤون الداخلية عبر وكلاؤها مما ساهم بإرباك السياسة الخارجية، عبر وكلاء طهران الذين لجأوا لتكريس سلطتهم لخدمة المصالح الإيرانية.

فشلت الدبلوماسية العراقية في كثير من المواقف الخارجية وسعيها لحلّ مشاكلها مع دول كثيرة منها ترسيم الحدود، ملف الماء مع تركيا وايران، الكويت وتمددها للأراضي العراقية..

تعمدت بعض الأحزاب المتنفذة، الى ترشيح دبلوماسيين في بعض المناصب العليا والمراكز المتقدمة في السلك الخارجي، من خلال اختيار أشخاص من خارج هذا السلك، دون اعتماد معايير الكفاءة والأهلية، ولا معاير فهم العمل السياسي الدولي، وذلك على أساس القرابة او المحاباة أو المحسوبية، ما انعكس على فاعلية وأداء الدبلوماسية العراقية.. ، وهذه الترشيحات ساهمت في فشل السفراء في إجادة أدوارهم التي من المفترض أنهم رشحوا من اجلها وهي تعزيز وتطوير علاقات العراق مع الدول العربية ودول العالم المختلفة على أساس الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، تنشيط دور العراق في المنظمات الدولية بما يخدم مصالحه وتعزيز الأمن فيه والدفاع عن سياسته ق المجالات كافة.

لم تعطي وزارة الخارجية أولوية للدورا لذي كان يؤديه معهد الخدمة الخارجية والذي كان يؤهل عمل الكوادر المتخصصة للعمل في السلك الخارجي، كما واهملت جهود التدرج الوظيفي والتدريب الطويل والتي كانت تساهم وتساعد بالنهوض بوزارة الخارجية التي تتولى السياسة الخارجية وتحديثها.

عندما تبدأ لوزارة بإعداد قائمة الدبلوماسيين، يتهافت بعض من السياسيين وزعماء الأحزاب الدينية والمتنفذين بطرح أسماء التشكيلات والمطالبة بتخصيص البلد الذي يلبي رغبته، وكأن الخارجية وسلكها الدبلوماسي سوق سياسي في خدمة تجار السياسة وأصحاب النفوذ.

من المتعارف عليه في كل دول العالم يحصل الوزراء والنواب وموظفو السلك الدبلوماسي وأصحاب الدرجات الخاصة على جوازات سفر دبلوماسية بهدف تسهيل مهامهم خارج البلاد وفق الأعراف الدبلوماسية والبروتوكولات المعمول بها على مستوى العالم، لكن في العراق فالوضع مختلف، حيث تمنح الجوازات لأشخاص بعيدين عن السياسة وعن الدبلوماسية، ولأقارب المسؤولين في الوزارة والموديلات ومشاهير "السوشيال ميديا" وعارضات أزياء، وأصبح هذا الجواز لا قيمة له من قبل دول العالم بسبب منحه لفئات غير مشمولة بحمل هذه الوثيقة التي تمنح للسلك الدبلوماسي والشخصيات المهمة.

ومن الأمور التي لا يمكن ان تحدث الا في العراق الا وهي تصويت مجلس النواب على تعديل جزئي في قانون جوازات السفر رقم 32 لعام 2015، تضمن منح جواز السفر الدبلوماسي لرؤساء وأعضاء السلطات الثلاث وعوائلهم وأسرهم وأولادهم بأثر رجعي ومستقبلي، وهو ما يُعد خرقاً واضحاً للمادة 14 من الدستور التي تساوي بين العراقيين جميعاً وتمنع أي تمييز، حيث ان منح الجواز الدبلوماسي لكبار مسؤولي السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وعوائلهم مدى الحياة اي حتى بعد "مغادرتهم الوظيفة"، في سابقة تأريخية، لم تحصل في اي بلد بالعالم، هذا التعديل خالف أيضاً اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961، التي تنص على منح جواز السفر الدبلوماسي فقط للشخصيات التي قدمت إنجازات للبشرية، كالحاصلين على براءات اختراع أو مؤلفين بارزين، لتسهيل أمور سفرهم، وليس كإرث يُورث للعوائل والأبناء.

في كل يوم يمر يكتشف العراقيون المزيد من الفضائح حول سلوك واداء بعض الدبلوماسيين في الخارج بشكل مخجل ومعيب ومهين منها:

أبن خضير الخزاعي (ياسر) الملحق التجاري في الكويت.. وابنه الثاني وابنته وزوجها في السفارة العراقية في كندا.. وشقيقة بيان جبر في السفارة العراقيةفي أبو ظبي.. وخال عمار الحكيم سفير العراق في الفاتيكان.. والقيادي في حزب الدعوة محمد ألفيلي سفير العراق في واشنطن.. ونسيب علي الأديب في الملحقية الثقافية في لندن.. ونجل خالد العطية في السفارة العراقية في لندن.. ونسيب سعدون الدليمي ملحق ثقافي في السفارة العراقية في لندن.. وشقيق علي الدباغ في السفارة العراقية في رومانيا.. وابن عم القيادي في المجلس الأعلى همام حمودي في السفارة العراقية في واشنطن..

قيام الجعفري بتعين ابنته وزوجها دبلوماسيين في السفارة العراقية في لندن. علماً بإن ابنته وزوجها يعيشان ويقيمان ويعملان في لندن أصلاً وليس في العراق ويحملان جنسيته.. ويعملان أصلا في القطاع الانكليزي الخاص هناك.

ظهور القائم بالأعمال العراقي في موريتانيا ، بملابس نوم مع مطربة محلية داخل صالة فندق (اللوبي)، ما أثار جدلا واسعا، مما دفع بوزارة الخارجية بإعادته الى مقر الوزارة.

إعادة دبلوماسي معتمد لديها في الأمم المتحدة، بعد التقاط الصحفيين صورا له وهو يشاهد مباراة بكرة القدم عبر جهازه المحمول، خلال اجتماع للجمعية العمومية للأمم المتحدة كان يتعلق بالملف العراقي.

إنهاء عمل سفيرها في الأردن وإعادته إلى مقر الوزارة، إثر صور وصفت بـ"غير لائقة" للسفير وزوجته مع مطرب، وبعد فترة نقل الى موسكو كسفير لدى روسيا الاتحادية.

إعادة القائم بالأعمال العراقي في المنامة إلى مقر الوزارة بناء على طلب السلطات البحرينية، اثر "قيامه بتصرف غير مقبول"، و"يتعارض مع مهامه الدبلوماسية".

إعادة السفير العراقي في لبنان الى مقر الوزارة والذي ظهر في احدى الفيديوهات، وهو يستخدم قاذفة محمولة على الكتف، في منطقة البقاع اللبنانية خلال رحلة صيد له.

اتهام نجلي السفير العراقي في البرتغال، بالاعتداء على فتى برتغالي، ما تسبّب بدخوله في غيبوبة، ومحاولة السفير التستر على الجريمة. وانتهت القضية بنقل بغداد للسفير وعائلته من البرتغال إلى دمشق بعد أشهر، مع دفع تعويض مالي لعائلة الفتى المُعتدى عليه.

نشرت "هيئة الإذاعة والتلفزيون السويسرية"، أن "اثنين من موظفي البعثة الدبلوماسية العراقية في جنيف تورطا في عملية تهريب سجائر مستغلين صفتهما الدبلوماسية، وبلغت قيمة السجائر 2.4 مليون فرنك، من دون ذكر اسمي الدبلوماسيين العراقيين اللذين تبيّن لاحقاً إعادة أحدهما إلى بغداد وإقالة الثاني".

نشرت صحيفة ليبرتيتا الرومانية تقريراً عما وُصف بـ"الفضيحة الدبلوماسية" بعدما قدمت سيدتان رومانيتان شكوى لدى السلطات القضائية ضد قنصل السفارة العراقية في بوخارست بسبب تعرضهما لـ"تحرشات جنسية".

في فيديو انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي اثار سفير العراق لدى الأمم المتحدة، موجة من الاستهجان بعد ظهوره وهو غير قادر على التعبير عن موقفه بوضوح، وبدأ متلعثما ومرتبكاُ، بالله عليكم هل هذا الامي يمثل العراق لدى الأمم المتحدة مثلما كان يمثله طالب شبيب، عبد الحسين الجمالي، عصمت كتاني، وسام الزهاوي، اكرم الوتري، رياض القيسي، نزار حمدون، عبد الأمير الانباري، سعيد الموسوي، محمد الدوري..

هذا غيض من فيض لسلوك وأداء بعض من دبلوماسي العراق لتضاف الى سلسلة الفضائح التي تكشف تراجع مكانة العراق على الساحة الدولية.

ثارت قائمة مسربة حديثًا صدمة في الأوساط السياسية والدبلوماسية، إذ كشفت عن تفشي طلب اللجوء بين الدبلوماسيين العراقيين العاملين في الخارج، بما في ذلك سفراء القائمة تشير إلى أن العديد من هؤلاء الدبلوماسيين وعوائلهم طلبوا اللجوء إلى الولايات المتحدة ودول أوروبية وغربية أخرى، لا تزال وزارة الخارجية العراقية ملتزمة بالصمت إزاء التسريبات، مما يشير الى وجود أزمة أخلاقية ومؤسسية تضرب في عمق بنية الدولة، وتهدد أمنها القومي بشكل مباشر، بالإضافة الى إشكالاتها القانونية والإدارية.

أوضحت القائمة الجديدة التي اقرها البرلمان العراقي حديثاُ للتمثيل الدبلوماسي وفتح السفارات في الخارج أحد أوجه الفساد المالي والإداري، لكون الغالبية العظمى من السفراء ومن يأتي بعدهم من درجات خاصة في سفارات العراق بالخارج، جاءوا ضمن قاعدة المحاصصة وهم في الغالب من أبناء أو إخوة أو أصهار كبار المسؤولين في الدولة، عينوا دون المشاركة في دورات معهد الخدمة الخارجية، ولم يلتحقوا بالسلك الدبلوماسي و لم يتدرجوا في سلم التسميات الدبلوماسية، ولا يتمتعوا ببعض صفات سفراء الامس، هل سفراء اليوم قد اطلعوا على منظومة قيم وممارسات وتاريخ وصفات سفراء الامس!، والجدير بالذكر أن العراق لديه 88 سفارة وقنصلية وبعثة دبلوماسية حول العالم، ولا يعد هذا غريبًا في التمثيل الدبلوماسي لأي دولة، لكن ما يثير الدهشة أن العراق لديه تمثيل دبلوماسي وسفارة في بلدان قلما تجد فيها عراقيين.

يشهد العراق اليوم تخبطا في الأداء الدبلوماسي نتيجة لغياب لإستراتيجية واضحة في العلاقات الدولية، مما عكس تخبطا واضحا في سياسته الخارجية التي تفتقد بوصلة تكون مقياسا محددا لتوجهاته الدبلوماسية الصحيحة، كما انه بحاجة لوسائل دعم إضافية، لتخطي أزماته هو بحاجة فعلية لسياسة خارجية ودبلوماسية أكثر واقعية تعيده إلى محيطه العربي الأوسع.

لا بد من صحوة دبلوماسية ولا بد ايضاُ من الابتعاد عن المحاصصة وتسييس التعيينات وفق الأنماط الطائفية المقيتة التي دمّرت هيبة الدولة وأسسها ومؤسساتها!، اتركوا الدبلوماسية العراقية لتصحح مسيرتها وتقوم بدورها الوطني، لقد جعلتم من بلدنا العراق بسبب سياساتكم المتذبذبة العجيبة، أضحوكة للدول، اتركوا الدبلوماسية العراقية لتصحح مسيرتها وتقوم بدورها الوطني، الدبلوماسية العراقية تحتاج إلى أشخاص يتمتعون بالموهبة الدبلوماسية التي لا تكتسب بالدراسة والتحصيل العلمي فحسب، وانما تلك الموهبة المصقولة بالممارسة ومراكمة الخبرة، فالعراق لازال فيه نخبة كبيرة من الدبلوماسيين المحترفين، فان وجود مثل هؤلاء الدبلوماسيين، ممن يتمتعون بقدرات النزاهة والاستقامة والنشاط والتي تستطيع ان تخدم مصالح العراق، وتدافع عن قضاياه الوطنية، وعن حقوق شعبه، ومن الله التوفيق.

سرور ميرزا محمود.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

488 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع