عائلة الحَسُّو في الموصل- الجزء الثاني

الأستاذ الدكتور باسل يونس ذنون الخياط
أستاذ مُتمرِّس/ جامعة الموصل


عائلة الحَسُّو في الموصل- الجزء الثاني

توجد عدّة اُسر في الموصل تحمل لقب (الحسّو) نسبة إلى جدّهم حسن أو حسين. ومن هذه الأسرة أسرة رجل الدين الشيخ عبد الله الحَسُّو (1890-1960م).

الدكتور أحمد عبد الله الحَسُّو:
الدكتور أحمد الحَسُّو شخصية موصلية نشطة متعددة المواهب، فهو أستاذ جامعي ومؤرخ وشاعر وصحفي وإعلامي ومذيع، كما كان مرافقا صحفيا لكل من الرئيس عبد السلام محمد عارف (1921 - 1966م) وأخيه الرئيس عبد الرحمن محمد عارف (1916 - 2007م).

التحق أحمد الحَسُّو في دراسته الإعدادية أولا بالفرع الأدبي في الثانوية الشرقية ثم الإعدادية المركزية وتخرج منها سنة 1955، وقد كان محظوظا بمجموعة من الأساتذة والمربين الافاضل ومنهم الأستاذ محمود الجومرد والأستاذ محسن توحلة.

وكان لأستاذ اللغة العربية والأدب وأحد المؤسسين لحركة الشِّعر الحر في الشِّعر العربي الحديث والوزير  الأستاذ شاذل طاقة (1929 - 1974) التأثير الأكبر في دفعه نحو آفاق أدبية وفكرية معاصرة.

اُنتخب أحمد الحَسُّو على مدى سنتين رئيسا للجنة اللغة العربية الخاصة بالطلبة في مدرسته الإعدادية، وشارك خلال ذلك بمسابقة الخطابة على مستوى لواء الموصل ونال المرتبة الأولى بين أقرانه.

رُشح أحمد الحَسُّو لتمثيل الموصل في مسابقة ثانية على مستوى العراق، وقد منحته لجنة من كبار علماء بغداد المحكمين؛ كان من بينهم العلّامة بهجت الأثري؛ المرتبة الأولى فيها. كما مُنح جائزة مُقدَّمة من الملك فيصل الثاني.

لقد كان لمرحلة النشأة؛ ثم المعاناة من أجل التعلم وما رافقها من متغيرات ثقافية واجتماعية وسياسية على المستوي المحلي والوطني والعربي، أثرها الكبير في التكوين الثقافي والنفسي والفكري لأحمد الحَسُّو. فقد تأثر بالبيئة الثقافية النشطة في محيطه الأسري، وبخاصة ما كان يدور من حوارات في مجلس والده، الذي كان أحد رموز التيار الإصلاحي الديني. وقد أخذ عن والده إيمانه العميق بالله تعالى، ومنهجيته العلمية الصارمة التي تؤكد على الدليل والبرهان؛ تدقيقا وتحليلا وقبولا أو رفضا انطلاقا من قوله تعالى : (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) (الإسراء: 36)، وقوله تعالى: (قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (النمل: 64).

كما كان للاتجاهات الفكرية السائدة في مدينة الموصل، ولرواد حركة التنوير الفكري فيها، تأثيرها على أحمد الحَسُّو؛ ومن أبرز هؤلاء، بعض من أساتذته أو ممن تتلمذ على كتاباتهم؛ كأستاذه الاثير شاذل طاقة وغانم الدباغ وذو النون الشهاب وسالم الدباغ وهاشم الطعّان ويوسف أمين قصيرة ومحمود المحروق، ومحمد الحسّو؛ وهو أخوه الأكبر الذي كان له التأثير الكبير عليه؛ فقد تولى رعايته منذ نعومة أظفاره وحبب إليه علوم اللغة وآدابها، وفتح أمامه أهمية الأدب المهجري وكتابات جبران خليل جبران وأيليا أبو ماضي وميخائيل نعيمة وكان لذلك أثره في انفتاحه على الأدب العالمي.

لقد قاد أحمد الحَسُّو توجهه هذا الى التأثر بالأفكار التحررية على المستوى الإنساني، وبأفكار التحرر القومي العربي الذي يؤمن بوحدة الأمة وتحريرها من قيودها، وبخاصة بعد قيام ثورة 23 يوليو في مصر سنة 1952م. وقد عبّر أحمد الحَسُّو عن توجهه هذا؛ وهو بعد في مرحلة الدراسة الإعدادية؛ في سلسلة مقالات نشرها في جريدة (فتى العرب) الموصلية بعنوان: "المحتوى التاريخي للقومية العربية ".

نشاطه الإذاعي والتلفزيوني:
لعل أكثر ما شجع أحمد الحَسُّو على التوجه للعمل الإذاعي، هو فوزه سنة 1954 بالمرتبة الأولى في الخطابة بين أقرانه من طلبة المدارس الثانوية على مستوى العراق، وكان قد حقق نجاحا مماثلا في السنة التي سبقتها على مستوى (لواء الموصل )، حيث انتهز اول فرصة أعلن فيها عن الحاجة الى مذيعين يعملون في إذاعة بغداد سنة 1956، فتقدم اليها وعُين في أثرها مذيعا ومقدما للبرامج ولقراءة نشرات الاخبار الداخلية في إذاعة بغداد.

ونظرا لما حققه أحمد الحَسُّو من نجاح، فقد استدعاه مدير إذاعة بغداد السيد كاظم الحيدري مساء يوم الأحد 13 تموز 1958، وابلغه بانه صبح مؤهلا لقراءة نشرات الاخبار الرئيسية وإجراء المقابلات في إذاعة وتلفزيون بغداد اعتبارا من اليوم التالي، وقد كان ذلك اليوم هو يوم اندلاع ثورة 14 تموز.

وهكذا كان قَدَرَ أحمد الحَسُّو أن تكون انطلاقته في مجال العمل الإذاعي والتلفزيوني، مع صباح ذلك اليوم التاريخي، مما أتاح له مشاهدة كثير من أحداثها يوما بعد آخر .

استمر أحمد الحَسُّو في عمله مذيعا ومقدما لمجموعة من البرامج ومنها: (حديث المساء) و(شعر وموسيقى) و (الشواطئ الزرق) و ( في رحاب التأمل)، وبرامج إذاعية وتلفزيونية أخرجها مخرجون أكفاء بينهم المرحوم كمال عاكف، كما ساهم الحَسُّو في نشاطات الإذاعة الخارجية، ومنها تغطية استقبال الرئيس الجزائري أحمد بن بيلا والشخصية الوطنية المعروفة (جميلة بوحيرد).

قرار الحاكم العسكري بفصل أحمد الحَسُّو:

في اعقاب ثورة الشواف في الموصل في 8 مارس 1959 صدر أمر من الحاكم العسكري (أحمد صالح العبدي) بتاريخ 19\03\1959 بفصل مجموعة من الإعلاميين والاذاعيين من ذوي التوجه القومي الوحدوي، منهم أحمد الحَسُّو وشاذل طاقة والاذاعية المعروفة سميرة عزام وتغريد الحسيني، كما أُلقي القبض على بعض الاذاعيين وأودعوا السجون ومنهم الإذاعي المعروف حميد الهيتي.

ثم تراجعت مديرية الإذاعة والتلفزيون عن قرار الفصل بعد مرور سنة ونصف عليه . فقامت بالاتصال بالمذيعين الذين تم فصلهم بسبب توجهاتهم القومية والوحدوية، مبدية رغبتها بعودتهم الى أعمالهم. فأُعيد أحمد الحَسُّو الى عمله الإذاعي والتلفزيوني أواخر سنة 1961، مذيعا لنشرات الاخبار الرئيسية ومعدّا لعديد من البرامج واللقاءات الإذاعية، كما اختير؛ بعد أشهر من التاريخ المشار اليه - مديرا لإذاعة جديدة اُستحدثت بناء على توجيه من الزعيم عبد الكريم قاسم، باسم: (إذاعة الوطن العربي).

شكَّل اختيار الحَسُّو لهذه المهمة تحديا كبيرا له، وخروجا على نهجه في أن يقتصر نشاطه الإذاعي والتلفزيوني على الجانب الثقافي والأدبي، لذا فقد عمل على اعتماد سياسة تُبعد الإذاعة الجديدة عن التشنجات السياسية التي كانت قائمة في تلك الحقبة، واعانه على تحقيق ذلك، كادر من الإذاعيين الأكفاء المؤمنين بهذا التوجه، وفي مقدمتهم إبراهيم الزبيدي وعبد اللطيف السعدون، وداؤود الزبيدي.

لم يكن الحفاظ على هذا النهج أمرا مضمونا، مما دفع الحَسُّو، الى مغادرة العراق ومن ثم تقديم استقالته في 3\1/ 1963، وبخاصة إنه توقع أن ثمة ما قد يعرضه إلى مُسائلات، جراء قيامه بكتابة وإذاعة تعليقات لم تكن مقبولة من الجهات الرسمية.

الحَسُّو ودوره الاذاعي في نظر معاصريه:
في سنة 2015 كتب الطبيب الموصللي المعروف الدكتور محمود الحاج قاسم رسالة الى الدكتور أحمد الحَسُّو قال فيها: "في سنة 1953 كنا طلاباً في الصف الرابع الإعدادي، أنا في شعبة في الفرع العلمي وأنتَ كنت في شعبة في الفرع الأدبي، وعندما أصبحنا في الصف الخامس اُستحدثت إعدادية أخرى باسم (الإعدادية الشرقية) التي بقيت في نفس المكان وبقيت أنا فيها، وأخرى باسم (الإعدادية المركزية) انتقلت أنت إليها. وفي تلك السنة كالعادة أُجريت مسابقة لاختيار أحسن خطيب من بين طلاب الإعداديات في الموصل، فكنتُ أنا الأول عن الشرقية وكنتَ أنت الأول عن المركزية، وفي المسابقة النهائية كنتَ أنتَ الفائز عن الموصل ومن ثم الأول على العراق. ومرت السنين وتخرّجنا وإذا بصوتك يُجلجل من إذاعة بغداد.. وحقاً ومن دون مجاملة كان ذلك أحب الأصوات لي وللكثيرين يومها ".

وفي مقابلة صحفية معه، قال الإذاعي الكبير غازي فيصل: "لمن لا يعرف الشاطئ الآخر للدكتور الحَسُّو أقول: إنه واسطة عقد الرعيل القدير للإذاعيين والإعلاميين العراقيين الكبار الذين أغنوا التجربة ورفدوها ونهضوا بمهامها بكل نجاح وتفان واقتدار ونضحوا علينا نحن الجيل الذي تسلم منهم سارية الأمانة بفيض تجربتهم الغنية وإخلاصهم النبيل. فلقد كان؛ أطال الله في عمره وكانوا يرحمهم الله؛ أفذاذا محنّكين صنعوا مدرسة بغداد الإذاعية العتيدة بعلم إذاعي وقواعد مهنية سامية ستبقى شواهد في تاريخ الإعلام العراقي المتميز".

وللحديث بقية إن شاء الله تعالى.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

718 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع