بقلم : اللواء الملاح الركن المتقاعد فيصل حمادي غضبان
١٩ أب ٢٠٠٥
ماذا بعد الانسحاب الامريكي والتموضع في اربيل
١. المقدمة : في السياسة لا يوجد صديق وعدو دائم إنما المصالح هي سيدة الموقف ان تداعيات المنطقة مع الصراع القائم بين ( أمريكا ، أيران ، أسرائيل ) المساعي والمفاوضات قد لا تمنع المحذور قد تؤدي الى انفجار كبير في المنطقه له تداعياته ومنها الاهداف المبطنه والتي لا يقف عندها المحذور ( أعداء العلن حلفاء الباطن ) وكما يقال تؤخذ الحكمة من افواه المجانين مما اعجبني اليوم ان اكون فاقداً للعقل في عالم تلبسه الجنون هادفاً ربما ان اصل الى ماهو اعلى من درجات فقدان العقل وتسلط الفوضى على الحل والعقد في عالم لا تحكمه المبادئ الثابته بقدر ما تحكمه المصالح المتغيرة وكما يبدو ان المنطقة تقف على مفترق طرق ومع تصاعد التوترات بشأن النووي الايراني الذي لازال يتنفس تحت الضربات التي نفذتها القاصفة الشبحيه B2 واستعداد أسرائيل لتوسعة نطاق المواجهة مع الاستمرار علناً بقضم غزة ساعية لاحتلالها رسمياً ..مع تلك التداعيات قد لا تكون الخيارات الدبلوماسية هي سيدة الموقف للصمود امام السيناريوهات الاسوء خاصة في ظل حديث عن ( قوة ما وراء الستار) تقوم بتحريك خيوط المسرحية ..في هذه الحالة قد أطرح سيناريو ( جنوني ) مخيف في أحداثه وغارق في خطوراته ممكن ان يعطي وصفاً لتطورات متسلسلة تفضي الى اعادة تشكيل شرق اوسط جديد بشكل غير مسبوق ( بدت ملامحه تتضح بشكل غريب قد يكون بعيدا عن التصور ) قد يقول البعض ان رئويتك تحمل مزيجاً من القراءة الواقعية الحادة والتحليل الاستشرافي المتجاوز للمألوف ولهذا تبدو جنونية للوهله الاولى لكنها قد تعكس فهماً عميقاً لتداخلات بين الابعاد السياسية والعسكرية دعوني بجنوني هذا ان أنقل لكم حكايات من التاريخ التي تقول ان الكثير ممن ينظر لهم مجانين زمانهم اتضح فيما بعد انهم كانوا اكثر وعياً وصدقاً في توقعاتهم مثلا سيدنا نوح سخر منه قومه واتهموه بالجنون وأخرين منهم قيس مجنون ليلى كرمت كلماته بعد حين كنوع من الحكمة..يقال ان مصداقية المجانين في الواقع قد تكون اعلى مما نتصور لان جنونهم خارجاً من عمق التجربة لا من خلل نفسي بل من أحساس شعور داخلي بالواقع والبصيرة ولا يقاسوا بمقاييس المنصب او الشهرة بل المصداقيه والتجرد في النهاية قد يكون هو التعبير الاصدق للعقل حينما يختنق بالزيف .. نسأل لماذا تؤخذ الحكمة من أفواه المجانين لأنهم ببساطة لا يخافون من قول الحقيقة مهما كانت موجعة في زمن كانت فيه تعلو الاقنعه على الوجوه ويصبح الصمت وسيلة للنجاة لا يبقى للصدق منبر الا المجنون الذي يقول مايعجز عنه العاقل لا لانه لا يعرف الحدود بل لانه تخطاها حينما شعر بها سجنا. لا امان .في عالم لا تحكمه المبادئ الثابتة بقدر ما تحكمه المصالح المتغيرة التي قد تنتج تطورات متسلسلة تفضي الى اعادة تشكيل شرق أوسط جديد بشكل غير مسبوق ومع ماتقدم من الممكن يكون الانسحاب الأمريكي والمتزامن مع توقيع الاتفاقية الامنيه بين ( العراق وأيران ) مقدمة لتحرك إيراني واسع في الجنوب العراقي لخلق تماس مع الكويت، وبغطاء سياسي عراقي، وغض نظر أمريكي مقصود ربما غايته جرّ إيران إلى مستنقع استنزاف جديد بدل المواجهة المباشرة.
٢. القوات الأمريكية : تنسحب رسميًا باتجاه اربيل وبصفة استشارية وتعاون فني وتدريبي وبلا شك ان ذلك يخلق فراغ أمني خطير . خاصة مع تفعيل الاتفاقية الأمنية العراقية – الايرانية فيما لو فسرت على أنها تبيح التدخل المباشر عند أي تهديد، سواء كان داخلي أو خارجي مع إسرائيل أو أمريكا يتطلب دخول قوات أو مستشارين إيرانيين بالتنسيق مع الحكومة العراقية ..وعندما تكون بدون آلية ضبط واضحة، قد يبيح حرية حركة للقوات الايرانيه يصحبها اتخاذ القرار المطلوب حسب قناعة الطرفين .
٣. الكويت: ان اقتراب القوات الايرانية من الحدود الكويتية لا يتم الا من خلال الاراضي العراقية وهذا يعني عبور شط العرب عند مدينة الفاو احتمال وارد جداً بحجة “تأمين الجنوب الايراني ومنع اختراقات إسرائيلية أو أمريكية ان كانت برية او جوية لجنوب ايران من خلال الخليج ولهذا السبب قد تتموضع قوات إيرانية أو قوة مرتبطة بها قرب الحدود مما يضع الكويت والسعودية أمام ضغط نفسي وسياسي كبير، باعتبار أن إيران صارت على تماس مباشر من جهة الخليج العربي. سبق وان سمعنا عبارة قالتها ايران بعد احتلال مدينة الفاو ( لقد اصبحنا جار للكويت من الارض اليابسة ).
٤. الموقف الأمريكي : واشنطن قد تتغاضى عن هذا التحرك، لأنها ترى أن وجود إيران جنوب العراق يستنزفها اقتصاديًا وعسكريًا، ويجعلها مكشوفة أمام أي ضربة مستقبلية.
بمعنى آخر ان أمريكا قد تسمح لإيران بالتورط أكثر، ثم تستخدم هذا الوجود ذريعة لعزلها دوليًا ومواجهتها عسكرياً إذا لزم الأمر.
٥. السيناريوهات المحتملة:
أ .الاحتواء الناعم: إيران تدخل بشكل محدود مكتفية بالضغط على الكويت والسعودية دون مواجهة مباشرة.
ب. التصعيد التدريجي: حوادث حدودية أو مناوشات إعلامية تتحول إلى أزمة إقليمية بين إيران والكويت .
ج . الفخ الأمريكي: السماح لإيران بالتقدم جنوب العراق، ثم استغلال الموقف لمواجهتها أو دفع الخليج لتشكيل تحالف جديد ضدها قد يكون بمشاركة امريكية .
٦. الخلاصة: الانسحاب الأمريكي ليس هدية لإيران بقدر ما هو إعادة تموضع محسوب، يسمح لها بالدخول أكثر في المستنقع العراقي – الخليجي، ثم استخدام هذا التورط ضدها.أي أن دخول إيران جنوب العراق واقترابها من الكويت ممكن جدًا، لكن فرص تحوله إلى احتلال مباشر تبقى ضعيفة، لأن ذلك سيعني فتح مواجهة شاملة مع الخليج و وطهران . إذا كان “التفاهم” أو “الفخ” موجوداً، فالغنيمة تُقسَّم بين الكبار، وتُدفَع الكلفة في الأطراف الهشّة. المفتاح الناجع امام العراق أن يتحول من مساحة عبور نار إلى عقدة ربط واقية، بقواعد اشتباك داخلية واقتصاد مقاوم للتذبذب وإلا سيدفع ثمن صفقة لم يوقّعها.
٧. من حقنا أن نتساءل: لو كان السيناريو كما أتفق عليه أو كان فخّاً مُتبادلاً من هو المتضرّر، الجواب بلاشك وبلا تردد سيكون العراق عندما يصبح ممراً لا لاعبا مع تآكل السيادة، وهجرة رأس المال، وانكشاف الجنوب وموانئه …فيما لو أحسن الإدارة قد يتحول إلى عازل متوازن مع أمن حدودي صارم، وضبط للسلاح مع اتباع سياسة نفطيه وموانئ متوازنة، وعقدة مواصلات أمنه تربط الخليج بتركيا وأوروبا.
مما يتطلب منه تبني عقيدة “الحياد المُسلّح مع حصر قرار النار بيد الدولة، وضبط المنصات العابرة للحدود، من خلال استطلاع ومراقبة جوية–برية مشتركة و صياغة قواعد اشتباك داخلية مؤطرة بميثاق وطني يمنع استخدام الأرض للرد المتبادل ويجرّم الخرق.مع السعي الى تنويع المظلّات من خلال تعاون أمني وتقني متعدد (عربي، تركي، أوروبي) لتقليل الاعتماد الأحادي. مع تحصين البصرة والموانئ وخطوط الأنابيب وممرات السكك الحالية والمستقبلية .. في كل ماتقدم يكون الاهم لتحقيق ذلك وضع خطة طوارئ اقتصادية على اقل تقدير لسنتين مع مسار سياسي داخلي بعيد عن التهميش والاقصاء من خلال مصالحة وطنية شامله وموثوقه .. ربما لن يستطيع العراق انجاز ذلك لانه اليوم ليس قائداً لمصيره بل مقاداً بخطى الآخرين، مكبّلاً بسلاسل النفوذ الخارجي وصراعات الداخل، فلا يعرف مسالك الخلاص ولا يملك حرية القرار؛ وهكذا يبقى واقفاً عند أبواب الأزمات عاجزاً عن عبور المحنة، فيما يمرّ الزمن وتزداد القيود ثِقلاً.
٨. انا كمواطن عراقي ضحى من اجل الوطن وحلم به ان يكون نحو الافضل لقد قتلني اليأس والتشائم لم اكون قادراً سوى الرثاء بالقول (يا جمجمة العرب وسيف الله في أرضه،
يا عراق، كيف صار المجد فيك رماداً، وكيف أُثخن الجرح حتى غاب الصوت كنتَ حصن الأمة وموقد شجاعتها، فإذا بك غريبٌ بين أهلك، تُنتهك أرضك وتُستباح دماؤك.سلامٌ عليك يا وطن، شهيداً حياً لا يموت، وذكرى تُبكينا كلما تذكرنا أنك كنت تاجاً فوق الرؤوس ) . سيبكيك العرب كما هو القائد العربي أبو عبد الله الصغير (محمد بن علي)، آخر ملوك بني الأحمر في الأندلس.عندما سلّم غرناطة إلى الملكين الكاثوليكيين فرناندو وإيزابيلا سنة 1492م، غادرها باكياً. وتُروى عنه الحكاية الشهيرة حين التفت باكياً إلى مدينته،فقالت له أمه عائشة الحرة عبارتها الخالدة:
( ابكِ مثل النساء ملكاً مضاعاً لم تحافظ عليه الرجال) .
727 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع