بدري نوئيل يوسف
هبوط الكهرباء في العراق
الكهرباء في العراق: قصة حب من طرف واحد، إحنا ننتظرها بشوق، وهي تختفي بلا سبب! أو الكهرباء في العراق فتاة مزاجية، تزورك دقائق قليلة، ثم تختفي دون وداع.
الكهرباء في العراق: مغامرة لا تنتهي مع الظلام الدائم!
في بلاد النفط والثراء تحت الأرض، حيث يلمع البترول كالذهب الأسود، تعيش الكهرباء في العراق حياة مليئة بالمفاجآت، لكنها للأسف ليست من النوع السعيد. هبوط الكهرباء في العراق أصبح ظاهرة معتادة، عندنا ليس أزمة، إنه موسم سنوي مثل كأس العالم يأتي كل صيف ويجعل العراقيين أبطال البقاء على قيد الحياة. وكأنه كوميديا سوداء تُعرض على مسرح الواقع!
انقطاع الكهرباء في العراق مثل ضيف ثقيل يجئك كل يوم بدون دعوة، ويقعد لحد ما يكفرك!، أو الكهرباء تشبه القمر تظهر وتختفي، بس الفرق إنها ما تجي بالليل! وربما موسيقى مألوفة تبدأ بطنين المروحة وتنتهي بصوت صرصور الليل.
أو ربما الجو حار جداً والمنظومة العراقية تشوف درجة مئوي وصلت الخمسين وما فوق، وتقرر تدخل إجازة طارئة، تقولك: أنا ما أشتغل بهذه الحرارة، روّحوا شغّلوا مراوح يدوية. ويمكن المحطات هرمت أي أن بعض المحطات مولودة اثناء الدولة العثمانية، او في ظل الانتداب البريطاني على العراق في زمن الملك فيصل الأول، بس لأنها متعودة وأول ما تشعر عليها ضغط تقول: (شليله وضايع راسهه) (وليش يتعب أبو كلاش ياكل أبو جزمه)، أيامي راحت، خلي الشباب يشتغلون انا كبرت (وماكو شباب).
هل تتذكرون ذلك الشعور الرومانسي والحميمي عندما تنطفئ الكهرباء فجأة؟ نعم، في العراق هذه ليست لحظة عشق وإنما هي روتين يومي يُذكرنا بأيام الظلام الرومانسي الذي لا ينتهي. تستيقظ على أمل حصولك على الكهرباء، لكن سرعان ما تجد نفسك في سباق مع الظلام! والصيف ينقسم إلى فصلين: قبل انقطاع الكهرباء وبعد انقطاع الكهرباء. اما الأسباب؟ أوه، هناك قائمة طويلة: من التخريب المتعمد الذي يقتل المحطات الخمسة الرئيسية في ثانية واحدة، إلى نقص الغاز المستورد من الجيران، أو الوقود مزاجي الذي يجعل المحطات تعاني وتفقد آلاف الميغاواط من طاقتها.
الغاز المستورد يجي يوم ويغيب أسبوع، والمولدات الكبيرة تضل تنتظر مثل ما ننتظر الراتب. بلد يحرق الغاز في الحقول لأنه فائض، لكنه لا يجد ما يشغّل به المحطات الكهربائية وكأنك تغرق عطشاً وسط البحر. وفي العراق، تولد ومعك شهادة ميلاد وبطاقة تموين وخبرة عشر سنوات في التعامل مع انقطاع الكهرباء.
ولا تنسَ أننا في شهر أغسطس، شهر الصيف الساخن، يقول المثل العشرة الأولى من أب تحرق البسمار بالباب حيث الحرارة ترتفع وشبكة الكهرباء تنهار كأنها برج من الورق الصدئ. او الأسلاك النحاسية تحب المغامرة كل فترة تختفي كم كيلومتر من الخطوط، يمكن راحت تسافر أو تفتح بيزنس خردة.
في العراق، تدري أنك مواطن محترف إذا استطعت شحن هاتفك بالكامل قبل أن تختفي الكهرباء إنها رياضة وطنية.
كل ذلك بينما رؤساء الوزراء من البداية وحتى يوم انقطاع الكهرباء يعلنون عن خطط لتطوير الكهرباء بمشاريع مستقبلية، ولكن الواقع يصر على أن الكهرباء في العراق تبقى قصة حب من طرف واحد: الشعب يحبها، لكنها لا تأتي! أو الفساد منور المنظومة غامرة بالشفافية لدرجة إن المشاريع تروح وتجي على الورق بس، أما على الأرض يقول العراقي لم أجد ما يبشر بالخير؟ وأحمال الصيف والشعب يريد مكيفات، والمكيفات تريد كهرباء، والكهرباء تريد إجازة، وهكذا ندور في حلقة مفرغة. والظلام سيد الموقف. وتشبيه الظلام بفيلم رعب متكرر: كل سنة نفس السيناريو، الكهرباء تختفي والحرارة ترتفع، ونبدأ البحث عن البطل الذي سيعيد النور لكنه ضاع مع قطع الغيار!
في بلاد الرافدين، حيث الحضارات نشأت والنهران تهمسان بأسرار التاريخ، هناك قصة رومانسية حزينة بين المواطن العراقي والكهرباء. قصة حب، مليئة بالانتظار، الخيبات، والشموع.
الكهرباء تشبهه الضيف الثقيل لا تأتي إلا عندما تكون غير مدعوّة. تدخل فجأة، تضيء البيت، وتجعلك تشعر وكأنك في باريس ثم تختفي قبل أن تغلي إبريق الشاي. إنها مثل ذلك الصديق الذي يظهر فقط عندما يحتاج شيئًا، ثم يختفي عندما تحتاجه.
المواطن العراقي أصبح فنانًا ومحترف في فنون التعامل مع الظلام. يعرف كيف يتنقل في البيت وكأن لديه رادار داخلي. يشعل الشموع بطريقة احترافية، ويشحن هاتفه في أقل من 3 دقائق عندما تأتي الكهرباء، لأنه يعلم أن الوقت محدود، مثل عرض خاص في سوبرماركت.
المولدات أصبحت جزءًا من الديكور المنزلي، مثل التلفاز أو الثلاجة. والإبداع العراقي من المولد إلى الطاقة الشمسية؟ نعم، ولكن الشمس نفسها بدأت تشعر بالإرهاق من كثرة الطلبات. وبعض العراقيين يفكرون في توليد الكهرباء من الحسد، لأنه دائم ومجاني.
الحكومة تطمئن المواطنين بأن الكهرباء موجودة، ولكنها تأخذ استراحة قصيرة. ربما الكهرباء تحتاج إلى إجازة سنوية، أو أنها تعاني من ضغوط نفسية بسبب كثرة الشكاوى. وتتهمهم بأنهم ما تعرفون تستخدموها
في النهاية، الكهرباء في العراق ليست خدمة، بل مغامرة. عندما تأتي، يحتفل الناس وكأنهم فازوا بكأس العالم. وعندما تذهب، يعودون إلى الحياة البدائية، ولكن بابتسامة ساخرة تقول: مو مشكلة، تعودنا. حلم يتحقق كل 3 ساعات أو أكثر. في النهاية على العراقيين أن يتعلموا كيف يحبون الظلام، ويراكموا الشموع والفوانيس، ويتعايشون مع هذه الكوميديا الكهربائية التي لا تنتهي.
خاتمة: الكهرباء
هل تتساءل لماذا عليك شراء مولد خاص؟ الجواب بسيط: لأن الكهرباء في العراق ليست سلعة بل مغامرة تحتاج إلى استعداد وتخطيط، الكهرباء عندنا مثل نجم مشهور كل الناس تتكلم عنها، بس قليل يشوفها. إذا ما انقطعت الكهرباء اليوم، لازم تقلق… يمكن نسوك!
نعم، بالتأكيد يمكنك أن تضفي طابع الفكاهة على مشكلة انقطاع الكهرباء السنوي، بل إن كثيراً من العراقيين بالفعل صاروا يتعاملون معها بروح المزاح والسخرية للتخفيف من الضغط النفسي.
الفكرة ببساطة هي تحويل المعاناة اليومية إلى صور ومواقف طريفة، يمكن للناس أن يتفاعلوا معها ويضحكوا عليها، حتى وإن كانت المشكلة جدية في الواقع.
694 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع