تركيا تلغي اتفاقية نقل النفط العراقي بدون سابق انذار

بقلم : اللواء الملاح الركن المتقاعد فيصل حمادي غضبان
٢١ تموز ٢٠٢٥

تركيا تلغي اتفاقية نقل النفط العراقي بدون سابق انذار

١. المقدمة: كتبت أحد المواقع الاقتصادية المتخصصة مؤخراً أن “قرار تركيا بإلغاء اتفاقية نقل النفط العراقي عبر أراضيها لا يمثل مجرد نزاع قانوني، بل يكشف عن تصدع في واحدة من أهم شرايين الطاقة في الشرق الأوسط”.يأتي هذا القرار في لحظة حساسة يمر بها الاقتصاد العراقي، حيث يشكّل تصدير النفط العمود الفقري للموازنة العامة، وتحديداً عبر خط أنبوب ( كركوك – جيهان ) الذي ظل لعقود أحد أبرز منافذ البلاد إلى الأسواق العالمية.في ظل هذا التطور، بات من الضروري البحث في الأسباب الكامنة وراء القرار التركي، والوقوف على البدائل المتاحة أمام العراق لتأمين استمرار تدفق صادراته النفطية، وتقييم التداعيات الاقتصادية والسياسية المترتبة على هذا التحول المفاجئ.

٢.ما الذي جرى : في تطور لافت، أعلنت تركيا إلغاء الاتفاقية التي كانت تتيح تصدير النفط العراقي عبر أراضيها إلى ميناء جيهان، وذلك في ظل أزمة مستمرة منذ توقف الضخ عبر هذا المسار في مارس 2023 بعد قرار التحكيم الدولي لصالح العراق.للأسباب أدناه :
أ .قرار التحكيم الدولي : محكمة التحكيم التابعة لغرفة التجارة الدولية حكمت لصالح بغداد ضد أنقرة، معتبرة أن تركيا خرقت اتفاق 1973 عندما سمحت لحكومة إقليم كردستان بتصدير النفط من دون موافقة الحكومة الاتحادية.
ب . الغرامات : المفروضة على تركيا دفعتها إلى إعادةالنظر بالاتفاقية القديمة برمتها.
ج .سيادة العراق : ضغط بغداد يسعى لتأكيد سيادته على كل صادراته النفطية، ويريد أن يتم التصدير فقط بموافقة وزارة النفط الاتحادية.

٣. الخلافات الاقتصادية والهيكلية:
أ . تركيا ترى أن الاتفاق السابق لم يعد يخدم مصالحها الاقتصادية أو السياسية، خاصة بعد التطورات الجيوسياسية في المنطقة.
ب .ورقة ضغط على بغداد: أنقرة تستخدم هذا القرار كورقة تفاوضية للضغط على العراق في ملفات متعددة (مثل ملف حزب العمال الكردستاني PKK والمياه والمعابر الحدودية).

٤. التداعيات المحتملة على العراق:
أ.خسائر مالية كبيرة ما يقارب 450 ألف برميل يومياً من نفط إقليم كردستان، مما يؤثر على الموازنة العامة.
ب. ضغوط داخلية من حكومة إقليم كردستان التي تعاني من عجز مالي كبير نتيجة توقف الإيرادات النفطية، ما يهدد الاستقرار الداخلي.
ج .والاخطر من ذلك تعقيد العلاقات مع تركيا قد يتجه العراق نحو خيارات بديلة مثل إنشاء أنبوب جديد عبر سوريا أو الخليج، لكنها مكلفة ومعقدة.

٥. التداعيات المحتملة على تركيا: يسبب خسارة رسوم عبور
لان أنقرة كانت تستفيد من رسوم تمرير النفط عبر أراضيها، وقد تخسر هذه العوائد إذا بقي الأنبوب معطلاً.الوضع الحرج تصعيد دبلوماسي محتمل العراق قد يضغط في المحافل الدولية لاستعادة تعويضات إضافية، ما يضر بصورة تركيا التي قد تعمل الى مراجعة توازنات داخلية مع الأكراد
بأعادة ترتيب أوراقها مع حكومة الإقليم دون كسر العلاقة بالكامل.
٦.خلاصة وتحليل:
أ.إلغاء الاتفاق التركي لا يتعلق فقط بالنفط، بل هو جزء من “حرب أوراق” أوسع بين العراق وتركيا تشمل النفوذ الكردي وحزب العمال ومشكلةالمياه
ب. التوازن الإقليمي بعد تقارب بغداد مع إيران وسوريا.
ج .المفتاح الآن في يد بغداد إن أحسنت إدارة الملف مع أربيل، قد تحول الخسارة المؤقتة إلى ورقة قوة،وإن فشلت، فقد تجد نفسها محاصرة من الشمال والجنوب بلا خيارات تصديرية مرنة.
٧. المسارات البديلة لتصدير النفط العراقي بعد إلغاء تركيا اتفاق نقل النفط من خلال خط كركوك – جيهان، يبحث العراق عن بدائل استراتيجية لتصدير نفطه، خصوصاً نفط إقليم كردستان. إدناه أبرز المسارات البديلة المحتملة مع ميزاتها وتحدياتها:

أ .المسار الجنوبي – موانئ البصرة (ميناء الفاو ).

الوصف:نقل النفط من الشمال (كردستان وكركوك) إلى الجنوب عبر الأنابيب أو الشاحنات، ومنه إلى موانئ الخليج العربي.
الميزات: خاضع بالكامل للحكومة العراقية.بسعة تصديرية كبيرة عبر ميناء البصرة.
التحديات: كلفة نقل عالية لمسافات طويلة.اختناقات لوجستية في الجنوب.خطر الاستهداف في حال التصعيد الإقليمي بالخليج.
ب. المسار السوري – عبر البوكمال أو التنف إلى بانياس أو طرطوس
الوصف: إحياء خط أنابيب عبر سوريا إلى المتوسط (بانياس - طرطوس).
الميزات: بديل جيوسياسي استراتيجي يعيد ربط العراق بسوريا. مما يكسر الاحتكار التركي.
التحديات: سوريا منطقة غير مستقرة أمنيًا.وجود قواعد أمريكية (التنف) قد يُعرقل التنفيذ.حاجة لاستثمارات ضخمة لإعادة تأهيل الأنابيب.

ج . المسار الأردني – أنبوب البصرة-العقبة
الوصف: مشروع قائم لنقل النفط من البصرة إلى ميناء العقبة الأردني.
الميزات: جاهزية سياسية بين البلدين. يفتح باب التصدير للأسواق الغربية.
التحديات: المسار غير مخصص حالياً لنفط الشمال.يحتاج إلى توسيع وتطوير البنية التحتية. تهديدات أمنية على طول الطريق الصحراوي.

د. النقل بالشاحنات إلى إيران أو سوريا.
الوصف: نقل كميات محدودة من النفط بالصهاريج إلى الجيران.
الميزات:لا يحتاج إلى بنية تحتية معقدة.يستخدم لتجاوز الأزمات المؤقتة.
التحديات:كلفة تشغيل عالية.حجم تصدير محدود جداً.تأثر بالعقوبات الدولية (خصوصاً مع إيران).
ه . إعادة التفاوض على خط جيهان بشروط جديدة.
الوصف: عودة المفاوضات مع تركيا بعد تعديل الاتفاق السابق.
الميزات: الطريق الأسرع لاستئناف الضخ.خط جاهز تقنياً.
التحديات: معقد دبلوماسياً.تركيا ستطالب بشروط جديدة وضمانات ضد الغرامات.

٨. مع ماتقدم اعلاه وكافة الخيارات والمسارات المتاحة أنا كمواطن عراقي من حقي أتساءل لماذا لا يعاد العمل بأنبوب تصدير النفط القادم من البصرة الى السعودية باتجاه موانئ البحر الاحمر …بالرغم من اهمية السؤال، والجواب عن عدم إعادة تشغيل خط تصدير النفط العراقي (البصرة – السعودية – البحر الأحمر) المعروف بـ”خط أنابيب العراق – السعودية (IPSA)”، يكمن في مجموعة أسباب سياسية، أمنية، واقتصادية.

٩. خلفية سريعة عن الخط:
أ.تم إنشاء الخط في الثمانينات خلال الحرب العراقية الإيرانية.
ب. يمتد من البصرة إلى ميناء ينبع على البحر الأحمر.
ج .الطاقة التصميمية حوالي 1.65 مليون برميل يومياً.
د . أغلقته السعودية نهائياً بعد غزو العراق للكويت عام 1990.
ه . حالياً، الخط تحت سيطرة المملكة العربيه السعودية وتستخدمه لأغراضها الخاصة.

١٠ . لماذا لا يُعاد تشغيله:
أ.الخلاف السياسي السايق بين العراق والسعودية.
ب. العلاقات بين البلدين تحسّنت شكلياً، لكنها لا تزال غير مستقرة وعرضة للتقلب.
ج . الرياض قد لا تثق بسياسات بغداد التي تُعد أقرب لإيران، خصوصاً في ظل التهديدات المستمرة لها ..
د. السيطرة الفعلية على الخط السعودية تعتبره جزءاً من أراضيها وسيادتها، وتستخدمه اليوم لنقل نفطها من شرق المملكة إلى ينبع.العراق لا يملك حق الوصول أو التشغيل دون موافقة سياسية سعودية.
ه .المخاوف الأمنية الرياض لا ترغب بأن يعود النفط العراقي إلى البحر الأحمر بطريقة قد تُستخدم كورقة ضغط سياسية لاحقاً.السعودية تخشى استغلال الخط من قبل أطراف مقرّبة من إيران (عبر العراق) في حال التصعيد الإقليمي.

١١. البدائل السعودية المتاحة:
أ.السعودية لديها شبكة قوية من الأنابيب الداخلية ولم تعد بحاجة لهذا الخط.
ب. فتحه للعراق يتطلب تنازلات سياسية وتعاون أمني غير مضمون حتى الآن.
ج.غياب اتفاق قانوني جديد لا يوجد حالياً اتفاق ثنائي ملزم أو إطار قانوني يعيد إحياء الخط بشفافية وضمانات.

١٢. رغم أن خط البصرة – ينبع عبر السعودية يمثل منفذاً استراتيجياً ممتازاً للعراق على البحر الأحمر،إلا أن العقبات السياسية والسيادية والأمنية تجعل إعادة تشغيله مستبعدة حالياً إلا إذا حصل تفاهم سياسي عميق وشامل بين بغداد والرياض، ربما برعاية دولية أو عبر صفقة إقليمية أوسع تشمل ملفات الأمن والطاقة والنفوذ.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

721 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع