حكاياتي مع الشرطة

                                   

                       ليث رؤف حسن

   

حكاياتي كثيرة وأتذكر بعضا منها بعد صفاء الذهن و تعدي مراحل البلوغ ثم الوعي والإدراك وأخيراً مرحلة التوثيق لأكتب عن هذه الذكريات وهي ليست ذكريات الطفولة عندما كنا أنا وأخي نتسلق النخيلات الصغيرة في البصرة ونسرق الرطب ونضطر في أغلب الأحايين للقفز من أعلى تلك النخيلات إلى الأرض والهروب من الحراس الذين كانوا يعرفونا ولكن المساكين لم يكونوا ليملكوا الدليل على سرقة الرطب ليخبروا أهالينا للحصول على التعويض أو على الأقل ردعنا عن السرقة مرة أخرى. وأبدأ هذه السلسلة بحكاياتي مع الشرطة في مختلف مراحل عمري.

الحكاية الأولى تبدأ مع تعلمي الصدق والنزاهة والقول الصريح من أبي رحمه الله حيث تعلمنا أن لاخوف مع الصدق والعمل الصالح.
كنت ماشيا, في أحد الأيام من عام 1959 أو 1960 على ما أذكر وكنا نسكن في دور كبار موظفي السكك الحديدية في الصالحية خلف الإذاعة بحكم منصب والدي حينئذٍ الذي كان يشغل منصب المدير العام للخطوط الجوية العراقية والتي كانت تتبع مديرية السكك.

كنت راجعا للبيت عصرا ,عبرت جسر الأحرار (جسر مود سابقا) ومررت بدكان حلاقة أسطى راضي الحلاق (الذي كان كتاب الإذاعة والفنانين يحلقون رؤسهم عنده أغلب الأحيان) ثم عبرت الشارع المحاذي لدار الإذاعة وبعد خطوات أصبحت أمام البوابة التي يقف عندها جنديين في نقطة الحراسة الموجودة أمام الباب. فوجئت بأحد الحراس يقول لي ممنوع المرور من أمام البوابة ويجب علي عبور الشارع للمشي على الطرف المقابل للإذاعة فأجبته بطريقة عصبية وأخبرته بتعالٍ بأنني ذاهب إلى بيتنا الذي يقع خلف الإذاعة. فصاح بي بصوت جهوري مرة أخرى أن أعبر الشارع إلى الجهة المقابلة وعند ذلك برز ضابط ممتلئ واعتقد بأنه كان رائدا (يحمل رتبة الشعارالجمهوري- التي كانت تاج سابقا) للأسف لم أحفظ إسمه الذي ناداه به الجندي (ولكني أذكر أما أنيس أو وزير) وسأل الجندي عن سبب الصياح الذي أزعجه. فرد الجندي بأنني امتنعت عن إطاعة أمر عبور الشارع للجهة الأخرى ولذلك أمر الضابط بأن يأخذني الجندي لمركز شرطة الصالحية في الجوار. وهكذا أصبحت مخفورا لأول مرة في حياتي وأنا في السادسة عشرة من العمر. اقتادني الجندي إلى المخفر بدون أي ممانعة لأنني أعرف بأن لدي سبب وجيه ألا وهو موقع بيتنا مجاورا للإذاعة من الجهة الأخرى ولن أبقى سوى دقائق للسؤال والإستفسار.

ولجنا باب المخفر إلى غرفة الضابط الخفر وإذا به ينادي أحد الأفراد وبدون أي سؤال أواستفسار وأخبره أن يدخلني التوقيف. هنا امتنعت وبصوت عال صرخت. لم أنا هنا أصلا؟؟ مما لين من موقف ضابط الشرطة الذي طلب من الشرطي بلهجة أخف وأنعم خذه وضعه مع أصحابه في مهجع الشرطة. ولم أفهم من هم أصحابي هؤلاء.

دفع بي الشرطي إلى غرفة رحبة فيها على ماأذكر ست أو ثماني أسرَّة للشرطة وعلى الأسرَّة جلس ما بين الثمان إلى عشر أشخاص أتذكر عيونهم محملقة بي تستفسر عمن أكون وما هي تهمتي؟ وكيف وصلت إلى هذه الحجرة. سُئلت بشتى الطرق عن سبب حضوري الحقيقي للمخفر ولم يقتنع أحد في البداية ولكن الجميع قبلوني على علاتي. وعند ذلك علمت منهم عن سبب وجودهم هناك. كانو أفرادا من سلك التعليم يمارسون حقهم الإنتخابي في نقابة المعلمين ولم يعجب الشرطة او الحكومة حينئذ من كانوا يروجون له في الوقت الذي انقلبت فيه موازين الحكومة لصالح القوميين فأُخذ من يناصر الشيوعيين إلى المخافر ريثما تفرز الأصوات التي وصلت نتائجها في الثامنة مساء. لقد فاز الشيوعيون وأنصارهم وتعالت الهتافات بحياة القائد الأوحد عبد الكريم قاسم من داخل المخفر مما استدعى الشرطة إلى طردنا جميعا خارج المخفر لاعنين السياسة والسياسيين والشيوعية والشيوعيين. ورجعت من نفس الطريق أمام الإذاعة كتحد للمرة الثانية ولكني لم أجد نفس الجنود والضابط وسلمت عليهم وردوا التحية ورجعت إلى البيت لأحكي قصتي مع أول توقيف لي في حياتي في مخفر للشرطة.

طار الشرطي من فوق الدراجة وارتفع فوق مقدمة السيارة وها هو يهوي خلفها مباشرة. رفعت قدمي من على دواسة الفرامل بعد أن توقفت السيارة ونزلت مسرعا لأرى ما حل بالشرطي الطائر. وكنت أذهب للبصرة مع زوجتي وطفلتي لأحتفل بالعيد الصغير (عيد الفطر) مع أهل زوجتي وفي العيد الكبير تتكرر الرحلة لمكان أبعد- في بغداد لنحتفل بالعيد الكبير هناك. نظرت إليه وهو يصيح من شدة الألم وسألته من أين جئت وكيف أصبحت أمامي في غمزة عين؟ ورفعه أحد المارة ووضعه داخل السيارة وهو يئن من الألم وأسرعت به إلى المستشفى الجمهوري وأُدخل ردهة الطوارئ على سرعة والكل متعجب مني ومن جرأتي في التصرف السريع والشهم رغم العواقب!!!

صعد معي شرطي آخر من المستشفى وحركت السيارة وأنا أحمد الله على سلامة الشرطي الأول لأنه كُسر له عظم واحد في القدم لاغير. وصرت أفكر بالإفطار الذي سيحل بعد كم ساعة في بيت أم قيس وبعد ملأ الإستمارات والأوراق الرسمية في المخفر. وبدأت رحلة الكتابة والتحقيق والتحميص ومرت ساعة وأكثر وأنا بين سؤال وجواب وبعد ساعة أو أكثر بقليل شاهد أحد الأصدقاء سيارتي الكويتية أمام المخفر في منطقة شارع بشار الذي الذي كان يعج ببنات الهوى اللتين أتين من كل فج من أنحاء العراق ليترزقن ببيع أجسادهن للغرباء القادمين من أنحاء مختلفة من العالم وخاصة الكويت. سأل صديقي سامي عن صاحب السيارة لأنه يعرفه ويعرف إنه لاعلاقة له بمشاكل الناس في تلك المنطقة وخاصة في آخر يوم من رمضان فلما أخبروه بقصة الشرطي الطائر, طار هو نفسه ليبشر العائلة والأصدقاء بالخبر المثير. ليث محجوز في غرفة إستراحة الأفراد (مرة أخرى ) بانتظار مدفع الإفطار وحاكم التحقيق و الشهود بينما الأهل يندبون حظهم من هذا العيد المشؤوم.

جاء عيسى وثم راضي وبعدهم فاضل وعباس والكل يرفض تركي لوحدي بل أصروا على الإفطار معي ولكي تكون الجلسة مريحة أكثر أفسح لنا الضباط والشرطة بعض الكرويتات (المقاعد الخشبية) في الرواق بانتظار مدفع الأفطار.

سألني الضابط إن كنت أعرف شخصا نافذا ليساعدني في هذه المحنة ولم أكن أعلم ما يعنيه إلا بعد أن اوضح بأنني سأبقى في التوقيف إلى أن يخرج الشرطي الطائر من المشفى معافا كاملاً , بعد إسبوع أو شهر أو!!! أعلي الإنتظار لمدة شهر وأكثر في التوقيف في شارع بشار لشهر؟؟ وسألت الضابط عن إسم مدير عام شرطة الموانئ . فأجابني متسائلا بدوره عن علاقتي بالمدير بدل أن يخبرني مباشرة كعادة الشرطة! فأخبرته بأن المذكور هو ابن عم لي. ضحك الضابط لعدم معرفة اسم ابن العم ولا حتى اسم والده وتكهن بأنني كاذب ولكن من نوع آخر. كانت أول وآخر مرة رأيت فيها ابن العم المقدم في مديرية أمن بغداد في عام 1968 وبعدها أُقصي منها لأنه لم يكن بعثيا ممارسا بل ضابط شرطة متدرج ورموه في البصرة بعيدا عن المركز. هل أستطيع أن أكلم اللواءعدنان محي الدين !!! سألت بالتلفون وأجابني صوت ناعم ورقيق من الجانب الآخر نعم ومن تكون أنت؟؟ أخبرته باسمي فرحب بي وسألني عن أحوالي واخبرته بما جرى لي باقتضاب ووعدني خيرا بطريقة مؤدبة وقال لي سآتيك بعد الإفطار ولكنها لم تكن ترحيبية. عزوت ذلك لبعدي عن الأهل والعائلة. سبعة أعوام مرت على لقاءنا الأول وبعد غياب طويل عن العراق في الدراسة والعمل في الكويت. وكان ذلك اللقاء هو أول وآخر مرة رأيته فيها بسبب موافقات السفر المزعجة من دائرة الأمن العامة في بغداد.

أفطرنا والأصدقاء في المخفر وتوقيف المشبوهين جارعلى قدم وساق ولم يبق في شارع بشار من مومس وقوَّاد إلا وكان في غرفة من غرف التوقيف المنتشرة على شكل زنازين حول باحة المخفر. لحظة مرت على مدفع الإفطار وصوت من إحدى نزيلات الزنازين يلعن الملازم حمود وعلى الطبقة العليا من القوادين التي لا يدخلوهم نفس الزنازين. لم أفهم النكتة التي ضحك عليها كل فرد من الجالسين إلاعندما إنفجر عباس البدران يسب ويلعن اليوم الذي صارت المومسات يلقبونه بالقواد لأنه كان بجانب أحد الأصدقاء.

انتهت كافة الإجراءات في منتصف الليل من صباح العيد وغادرت المخفر وأنا أشكر ربي لوجود مثل ابن العم الذي توسط وأفرج عني بكفالة وسط تعجب شديد من الضباط والمراتب حتى إن احدهم قال لي هذه أول سابقة تسجل في هذا المخفر (الله ربك عندك مثل هذا إبن العم الواسطة التي لا تعرف حتى اسمه).

بعد عدة أشهر استدعيت لحظور محكمة للبت بأمر الحادثة إياها. دفعت المقسوم للشرطي الزعلان لأنني لم أزره في المستشفى, عن الدراجة والحذاء والملابس وشوية بخشيش بلغت مائة دينار وخرجت من المحكمة وبراءة الأطفال في عيني. وهكذا كانت أول محكمة عراقية أدخلها وإن شاء الله آخر واحدة متهما.

أما خارج العراق فمرت علي لحظة لم أفكر فيها استطاع أحد الشبان المصريين إلى سحبي إلى القصة القادمة وهي الحادثة الثالثة لي مع الشرطة والمحاكم وأنا متهما.

رن جرس التلفون ليلا في الغرفة المجاورة لمكتبي في المصنع, وكان الجو حارا والمكيفات لا تعمل والعرق ينضح من كافة انحاء جسدي وانشف الظاهر منه بين الحين والآخر ولا أحد يرد على التلفون فقمت متثاقلا ورفعت السماعة.

> ألو !!!

> أمير موجود؟؟ ( أمير المساعد الفني في الشركة)

> كلا غير موجود. من المتكلم؟

> مين أنت؟

> واحد ! إنت مين ؟؟

ضحك ثم ضحكت وأقفلت السماعة وعدت إلى غرفتي لأكمل ما كنت فيه. وبعد فترة وجيزة رن التلفون مرة أخرى فتعوذت من الشيطان وصبرت . أخذ صوت الرنين يرتفع أعلى ثم أعلى مصرا على عدم السكوت فقمت مرة أخرى إلى الغرفة الثانية ورددت بعصبية :

> من المتكلم؟؟

جاءني الجواب مفاجئا:

> أنت ما تستحي على ويهك تقفل السكة بويهي؟

> أنت الذي ماتستحي على وجهك يا كلب يا إبن سطعش كلب!

ثم أقفلت السماعة .

خرجت على عجل من المكتب وكلّمت مساعدي (أمير) ووبخته على صديقه هذا الذي أزعجني بكلماته السخيفة. ولكني فوجئت بأن الشخص المذكور كان موظفاً يعمل في شركة عقارات كنا قد استأجرنا منها سكن عمال ويريدون إخلاءها أو زيادة الإيجار للضعف وهذا ما كنت أعارضه. شعرت بالأسف على ما بدر مني وطيلة ساعة كنت أحاول عدم الرد على المكالمات الهاتفية من المحمول لأنني كنت في اجتماع عام وبعد مضايقات طويلة إضطررت للرد على الهاتف وطلبت من المتحدث نفسه الصبر إلى نهاية الإجتماع لأكلمه وأوضح ملابسات الحادثة التي أُهين فيها ولكنه كان يريد الحديث والحديث فقط وكان يصطاد في الماء العكر ويروم النيل مني ومن الشركة بسبب عدم الرضوخ لأمر الإخلاء.

أقفلت جهاز التلفون بعد أن إتصل بي شخص من المخفر ودعاني لزيارته في الثامنة من صباح اليوم التالي وكان الغد فالتقيته وأُخذتُ مخفوراً لمركز الشرطة وانا أقود سيارتي وتنتابني مختلف الهواجس وشعور بالذنب الذي اقترفته بحق من استفزني ونجح في ذلك.

إذا اضطررت فسأغادر البلاد بلا عودة لأنني لا أتحمل مثل هذه الإهانة و تمر بسرعة في مخيلتي أفكار سوداء وأنا أتابع سيارة الشرطي أمامي حتى وصلنا المخفر ودخلت وبدأ سؤال وجواب وفي النهاية طلب مني المحقق الشاب بكل أدب بأن أحضر كفيلا فرفضت بكل إباء وقلت كفيلي ربي واجابني المحقق بأدب جم إذا لايوجد من يكفلني فجواز السفر يكفي. قلت له بأن الجواز في السيارة وعلي جلبه فطلب مني أن أعطيه المفاتيح وهو يجلبها فرفضت مرة أخرى وهو يجاريني ويبعث خلفي شرطيا لئلا أهرب وجلبت الجواز وحُفظ مع أوراق القضية. ثم طلب مني المرور على المديرية في الغد وهكذا فعلت في الصباح التالي وانتظرت الأوراق ثم

حُولتُ إلى غرفة التبصيم فرفضت وطلبت مقابلة أحد المسؤلين الكبار وعرضت عليه بكل ما أعرفه من أدب وكياسة بأن لا يحول القضية إلى النيابة. فسألني ما إذا حاولت الصلح مع المجني عليه وأخبرته بأن أحدا لم يعرض علي ذلك ولاأعلم او أعرف حتى شكل الشاكي. فطلب بكل أدب من زميله في المخفر من جهاز التلفون وأفهمه بأن مثل هذه القضايا يجب أن تُحل في المخافر ولا تحول إلى المحاكم لأن لديهم من القضايا ما هو أهم من تلك. وأُرجعت الأوراق وطـُلب مني القدوم في الغد وحضرت في الموعد وانتظرت ثم جاء المصارع المصري (شكله من زاول مهنة المصارعة أو الكمال الجسماني وليس العقلي) عرفت عندها إن موعدنا المحاكمة لأنه لم يتزحزح عن موقفه وطالب بحقـِّهِ كاملا!!!!!

تحولت الأوراق والقضية للنيابة ووقفت خلف الشرطي لأخذ البصمات بصفة متهم ثم فوجئت بالمصور وهو يصورني من الأمام ثم من الجانب كأي مجرم عادي وأمامي صديقي الرائد في الشرطة وهو يطمأنني بأن لا أشعر بالمهانة ووو....... انتهت الحفلة وتحولت الأوراق للنيابة وانتظرت النائب للتحقيق الذي لم يجر وأ ُخبرت بكل أدب المراجعة بعد اسبوع.

إنتابتني الهواجس خلال العشرة أيام جربت فيها السؤال عن مثل هذه الحالات حتى وصل بي إلى أن توسلت لإبنتي كي تعرفني إلى أحد أفراد النيابة الذي كانت تتحدث عنه في أحد الأيام فسألتني عن المشكلة فقلت لها بأنها تخص أحد المهندسين وإن القضية هي حادث خطأ في موقع العمل فقالت لي وهي لا تعلم بأنني المطلوب وليس المهندس, بأن الإنسان يجب أن يكون مسؤلا عن أفعاله مهما كانت وهي لا تستطيع التوسط في ذلك وكأنها علمت بأنني كنت أحاول التقرب إلى وكيل النيابة لتخفيف التهمة أو نتائجها.

مرت الأيام بطيئة وكلمات لبيبة تطن في أذني (يجب على الإنسان تحمل تبعات ما يفعله يجب أن يكون مسؤلا عن أفعاله مهما كانت) وصرت أتخيل أشياء كثيرة ويشتد بي القلق كلما اقترب موعد التحقيق في النيابة أو مع النائب العام رقم 2 وما بعدها المحاكمة وووو.

وحضرت بعد اسبوع مبكراً وانتظرت حتى اكتضت أروقة المحكمة مع أصحاب القضايا متهمين وشهود ومكلبچين وآخرون بصحبة شرطة أو في باص محمل يدخلون بهو المحكمة ويخرج قسم ويبقى آخر ولا أحد يناديني. علمت من أحد الكتاب بأن القضية مع الحاكم فلان وذهبت إلى مكتبه وواجهني شرطي مؤدب قدمت له بطاقة التعريف بنفسي وسألني عن رقم القضية فأعلمته وتعجب كوني أنا المدعى عليه فعرض علي الجلوس في مكتبه ريثما يعرض على القاضي هذه القضيه. جلست وأنا في خجل شديد وتناولت إحدى المجلات وصرت أقلبها حتى عثرت على مقال يبحث في الجريمة والمجرمين ومن يعاقب القانون وتحت أي ظرف. يدخل محام ثم يخرج آخر وهم ينظرون إلى هذا الرجل العجوز المتأنق وهو يتصفح المجلة وقد يتسائلون مع أنفسهم عمن يكون وماله وما عليه!!!

خرجت المرأة التي سمعت صوتها وهي تتحاور مع القاضي وعلمت بأن دوري قد حان ودارت بي الأرض دورة عصيبة. ها أنا أقف للمرة الأولى في حياتي التي امتدت واحد وستون عاما نظيفة لم أدخل فيها أية محكمة إلا في يوم الشرطي الطائر وحينئذ كنت أعلم مسبقا بالحكم وما فيه, ولكنني الآن لاأعلم ولا أتوقع أي شيء,

دخلت على الشاب الجالس وسألني أن كنت قد تفوهت بما قلته في المحاضر فأجبته بالإيجاب فرد علي بطريقة توحي بالميكانيكية الفورية حكمت عليك المحكمة بغرامة مالية قدرها ثلاثمائة درهم بتهمة السب والقذف والشتم. تصورت فورا ذلك الكلب المصري وأهله الستة عشر كلهم كلاب تنبح من حولي بمبلغ ثلاثمائة درهم فضحكت في نفسي وقلت الحمد لله الذي جعلهم كلابا رخيصة (الواحد بأقل من ثمانية عشر درهماً) . فكرت وأنا في طريق العودة لمكتبي كان بإمكاني أن أنعته بكلب ابن ستين كلب وكنت سأدفع نفس المبلغ ولكان الواحد منهم يساوي أقل من خمسة دراهم.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

840 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع