أبواب

                                                   

                              سمية العبيدي

أبواب

وصلتها الدعوة الكترونيا , كانت في وضوح الشمس المكان والوقت كلاهما في غاية الوضوح . غير إن السبب لم يحدد وكذلك المناسبة . ما كان لها الا أن تلتزم إن لم يكن لشيء فللكشف عن ماهية الداعي وعن سبب دعوته لها . لذا اصرت على الكشف ومضت بلا تردد الى مكان الدعوة في الزمن المطلوب وقد نسخت العنوان على قصاصة ورق بيضاء كي لا تنسى ولا تغفل عن بعض التفاصيل والتي يمكن أن تضل بدونها . تأهبت لمفاجأة من نوع ما , ودت لو كانت المفاجأة رائعة وغريبة لتهز تمثال الحجر الذي أمست عليه مشاعرها وجسدها المحنط بلا واجهة للعرض ولا متحف . وما أن وصلت وتيقنت من صحة العنوان حتى رأت أن لا أحد في استقبالها وبينما وضعت أصبعها لتضغط الجرس الجميل والكبير على جانب الباب الأيمن لاحظت صرير الباب الموارب . بعد دقائق انتظار بدا إن الباب تكلمها وتقول : ادخلي . امتثلت للأمر ودخلت على وجل وجدت في قبالتها ممران طويلان ودلفت مذهولة حيث لا نأمة ولا صوت يدل على حي في ذلكم البناء تقدمت في أيمن الممرين فلم تجد غير الجدران الا أبوابا تتشابه حجما وشكلا وقد صنعت كلها من مادة واحدة في ارتفاع معين وعرض واحد , لم تكن أيما إشارة على اي منها تميزها وتدل على ما فيها تقدمت أكثر لتر الأمر يتكرر على منوال واحد فكرت أية باب تطرق لا تدري , وأخيرا استقر رأيها على أن تطرق أقرب باب اليها وتقدم نفسها آنذاك ربما ستحصل على جواب يحدد من طلبها أو يدلها عليه . انتظرت هنيهة غير إن الباب أصر على صموده فلم يتحرك مطلقا لذا كررت الطرق بظاهر كفها فلم يستجب أحد وهنا زمت شفتيها وفتحت الباب على أخره , كانت في مواجهتها منضدة مكتبية فاخرة خلفها كرسي مريح وبجانب المنضدة كرسي آخر وعلى جدار جانبي بضعة رفوف شاغرة أحست بفراغ هائل في معدتها تجاوبا مع خلو الغرفة من أية دلالة على الحياة لذا انسحبت مسرعة وهي تعلم أن لا أحد ليجيبها عن تساؤلها ولا ليدلها على من طلب مقابلتها . وهنا كان عليها أن تختار بابا آخر تلجه بعد طرقه غير إن الأمر تكرر على نفس الوتيرة مرة ومرتين وأكثر . ومن هنا توصلت الى إن عليها أن تطرق كل الأبواب وتلجها بلا تفويت باب واحد هذا وقد تلبسها نوع من الخشية تحولت بالتدريج الى خوف ثم الى فزع يرافقه فراغ في الجوف جعلها تنحني مثل سنبلة مثقلة تنتظر الحصاد . وهي في انغمارها في فتح الأبواب ومن ثم في إغلاقها فجأة انتبهت الى الممر ولاحظت انحناء بسيطا مستمرا في جدرانه وفي أرضه وأخذ شكل البلاط عند اتصاله بالجدران يختلف وبعد عدة أبواب أُخرى عاد الى الانتظام من جديد بخطوط بينة واضحة . عرفت تلقائيا إنها الآن في الممر الآخر ... وانتظرت لعل تغييرا يطرأ على الأمر ولعل غرف هذا الجانب تنطق لتخبرها عن الدعوة التي تلقتها والداعي الأصم والأخرس والغامض الذي جاء بها الى هذا الهيكل المنسي والغارق في علامة استفهام كبيرة حيث لا طائل من وجوده فهو والعدم سيان وعلى خط واحد . صمدت للتعب الذي اعتراها والفزع الذي أربك جوانب صدرها واستوطن عقلها بلا جدوى حيث إن الغرف الأُخرى لم تختلف عن مثيلاتها في الممر الأول غير إن حمى من نوع ما ظلت تلازمها وهي تهرع من باب لآخر لتتلقى نتيجة واحدة لا وجه ثان لها . لم تكف ولم تتوقف حتى أتت على كل الأبواب التي سلمتها أخيرا الى باب الخروج وهي منهكة جسداً يمتصها الهلع وقد نبتت في دماغها شجرة معمرة من الاستغراب والوحشة كأنها خرجت توا من مقبرة بليدة في صحراء مجهولة مقبرة لا تسكنها الجثث .

*****
سمية العبيدي / بغداد

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

914 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع