ديسفيرال

                                                  

                   سيف شمس الدين / بروكسل

ديسفيرال

يطل علينا مرة أخرى نوزت شمدين بعمل كبير وملحمة أدبية قل نظيرها في عالم الأدب. فروايته الجديدة التي تحمل اسم ديسفيرال وهو دواء لمرض الثلاسيميا القاتل والذي يصاحب الطفل منذ ولادته ولا يدعه حتى يفتك به.

تحمل الرواية أبعادا كثيرة شاغلة مساحة واسعة من ميادين الأدب، فهي تخلط بين الواقع والخيال والرمز والسيريالية والرومانسية، فهي ملحمة رُفِدَت من خبير وضليع يلم بأمور اللغة والأدب وحتى المجال الطبي. فعندما يشرح بالتفصيل معاناة الطفل وكيفية علاجه وما الذي يتسبب به المرض والعلاج نظن بأن الكاتب هو أحد الأطباء المتخصصين برمض الثلاسيميا. لينتقل بعدها إلى ما آل إليه العراق بعد الغزو الأمريكي وكيف كان بخط واضح وميزان سوي. بعدها يجسد الحي وما يعانيه وماذا يحتويه من ارهاب ومتشددين وبسطاء وفقراء وأغنياء ومحبي السلم.
ابتدع نوزت شمدين بروايته هذه طريقة جميلة بدعوة الشخصية واستحضارها ومن ثم اخفاءها وتلاشيها بصورة لا تتسبب بأي إزعاج للقارئ وهي من خلال شخصية جابر الرئيسية، جابر الذي يحمل هذا المرض والذي يتوجب عليه التزوج بالدم كل ثلاثة أسابيع، خلال هذه الفترة تظهر شخصية جديدة وهي شخصية متبرع الدم لجابر لتتقمصه فيعكس لنا شعور وملامح وسلوك وحتى اسم متبرع الدم. فيظهر لنا خلايا المجتمع ومكوناتها بشخصية واحدة. فجابر هو المريض والطبيب والشاعر والمهندس والمحب والحاقد وهو الضحية نتيجة جرم والده، وهو خطيئة ولد من خطيئة وحملها حتى نهاية الرواية.
جابر الذي تحتم عليه الموت لكنه لم يمت بقي شاهدا على الأحياء وبالحقيقة لا نعرف هل هو متوفي ويروي احداثه الماضية لأن زمن الماضي قد غطى كل احداث الرواية حتى نهايتها وكأن كل ما حدث شيء من الماضي وانتهى. بقي جابر وحيدا في هذا العالم بعد الفراق الذي حدث بين والديه ليختفيا في الصفحات الأخيرة ليذهب وحدة لمركز العلاج، فقد واجه واقعه بنفسه ولا أحد معه كأنه يوم الامتحان الذي يتوجب علينا خوضه ومواجهته نحن دون سوانا.
لغة الرواية جميلة ومحببة فهي اقرب للواقعية، نوزت يروي عن لسان طفل وامرأة قروية ورجل بسيط وشيوخ كل بحسب مستواه الفكري والثقافي فيتنقل بينهم عاطيا صورة لغوية قادرة على التقمص في القارئ ذاته فيصبح القارئ منتجا وليس مستهلكا، وهذا ما يعنيه أدب ما بعد الحداثة وهذا ما يذكرنا برائعة رولان بارت وبكتابه S/Z والذي يشرح قصة ساراسين لبلزاك، ودورها بجعل القارئ منتجا وليس مستهلكا.
يربكنا نوزت قالبا كل مفاهيمنا عن معنى الحياة، فالتشبث بها ليس دائما هو الحل الأمثل فهي بالنسبة للبعض لعنة تمشي على قدمين فيقول في الصفحة 137 : "تأخر موتي كثيراً. تجاوز أسقف توقعات الأطباء ومديات الأدعية الموجهة إلى الله ليطيل عمري. فمنحت رغماً عن وجعي فائضاً عمراً جعلني في عيون الناس معجزة تمشي على قدمين هزيلتين. لكن بالنسبة لي فإن بقائي على قيد الحياة خطأ فادح أنتظر تصحيحه في أية لحظة."

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1037 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع