عبـاس العـلوي
بحث تأريخي :
المثنى :عروس الجنوب ومهد الحضارة البشرية
السماوة سابقـا والمثنى لاحقـا أسم ٌ يذكرنا بحضارات العراق القديم / الحديث عن تأريخها يعني الحديث عن < العـالمية > ويعود فورا بذاكرتنـا الى أيـام < دولة الوركاء > السومرية و< دولة البطحـاء > التي مازالت شواخصها ماثلة للعيان حاليا / كما أن لها في العراق المعاصر دور وطني كبير في ثورة العشرين .
لقد أوهب الله هـذه المحافظة موقعا جغرافيـا يكاد يكون فريدا من نوعه حينمـا جمع في أرضها
< المتناقضات > الطبيعية والمناخية / فهي مدينة صحراوية بمعنى < الكلمة > / وأخرى هي مدينة زراعية بمعنى < الكلمة > وثالثة هي مدينة آثـريــة بمعنى < الكلمة > / ورابعة هي مدينة سياحية وقد أكرمها الله ببحيــرة < ساوة > التي شذت عن كل بحيرات العـالم بخصائصها العجيبة / إنهـا حقـاً ( عروس الجنوب ) !
في اللغة والتأريخ : السماوة / المسمّى الاول لهذه المدينة العريقة .
قال ياقوت الحموي في معجمه [ سميت بالسماوة لأن ارضها مستوية لاحجر فيها ] / وذكر لويس معلوف في المنجد [ السماوة هي فلك البروج ] .
وذهب الشيخ احمد رضا في معجم اللغة [ السماوة هي الشيء المرتفع لذا طرفها كان عالياً ] .
ــــ أما المثنى نسبة الى قبيلة بني شيبان الذي يُعد < المثنى بن الحارثه الشيباني > احد فرسانها .
مدينة السماوة الحالية / نشأت فيها قبل الإسلام ــ ناحية ــ أسمتها المصادر (اليس) .
ذكر ياقوت الحموي في كتابه معجم البلدان : [ اليس ـــ الموضع الذي كانت فيه الواقعة بين المسلمين والفرس في أول أرض العراق من ناحية البادية ..
وقال البلاذري: كان المثنى بن حارثة مقيما في ناحية [ اليس] .
أما في العصر الحديث / وردت أقدم إشارة عنها في الوثائق العثمانية عام 1494م / تصفها بأنها قرية زراعية تقع على شط العطشان < نهر الفرات > .
وفي عام 1765م مرّ بها الرحالة الألماني (نيبور) في طريقه الى النجف الأشرف فبغداد / أشار الى أنها مدينة مبنية من الطين / وفي باديتها ملح كثير وتنتشر في المنطقة المواقع الأثرية / بلغ عددها (33) موقعا أثريا تتراوح أزمانها بين (3200) ق.م الى العصور الإسلامية الحديثة .
ـــ المدينة الكائنة على حافة الصحراء / من المدن القديمة التي تعتبر ممرا تجاريا لتنقل البدو الرحل / ومحطة تجارية يتوسطها نهر الفرات فضلاً عن كونها استراحة للزائرين / وسوق السماوة الكبير (السوق المسكوف) الذي يقصده الزائرون العراقيون لشراء حاجاتهم / يمتد عمره الى أكثر من مئة عام / هو احد المعالم التأريخية .
ارض التاريخ والحضارة
كل مكان من أرض العراق / متحف حضارة / أرض سومر/ الى أرض بابل وأكد / الى أرض آشور /
تعكس واقع السمو والمجد لهذا البلد العريق .
الوركاء : من اقدم المدن التي سكنها الانسان / دلت الآثار في (وادي القصير) جنوب غرب قلعة القصير في بادية السماوة الجنوبية على ذلك / وفيها انتقل الانسان من عصور ما قبل التاريخ الى حياة التمدن والحضارة .
الوركاء بالعربية ــ أوروك بالآرامية ـــ اوتوغ بالأكدية ـــ اوريتش باليونانية / هي مدينة سومرية
و بابلية على نهر الفرات / تبعد عن مدينة اور 35 ميل وتقع حوالي 30 كم شرق السماوة.
قال المؤرخون :
هي أولى الحواضر التي عرفها التأريخ / سكنها الإنسان منذ عصور سحيقة / ونظراً لأهميتها وعراقتها جذبت إهتمام المؤرخين والباحثين وعلماء الإنتروبولوجيا / يؤكدون على أن بادية السماوة “ أصل الأنسان ” سكنها منذ عصور ما قبل التأريخ / ودلت الكشوفات والتحريات عن وجود مستوطنين لهذه المنطقة في العصر الحجري .
أفرزت حضارة السماوة مدينة الوركاء التي تعد من أقدم المدن الحضارية التي مازالت آثارها شاخصةً حتى اليوم / تمثل الوركاء طرزاً حضارياً متميزاً لأنها احتوت على نظم الحكم والتدوين والقوانين المنظمة للحياة الإجتماعية / ويمكن القول : عاصمة العالم الحضارية في ذلك العهد / وقد عاش السومريون في مدينة الوركاء في الألف الخامس قبل الميلاد وأسسوا فيها دولة قوية وتركوا خلفهم آثاراً شامخةً / وتقع أطلال دولتهم على مسافة 6 كم من مركز مدينة السماوة الحالي / ويقال :
كان طول محيطها حوالي 6 كم وبذلك كانت اكبر مدينة في العالم بتلك الفترة / تميّزت بصناعة الفخار غير الملوّن على الدولاب (عجلة الفخار) / إخترعت بها الكتابة المسمارية وتمثلت بصور بسيطة للأشياء على ألواح طينية أتبع فيها الخط المسماري .
سيد الوركاء :
هو تمثال من المرمر الأبيض / ارتفاعه 18 سم . يمثل الجزء العلوي لرجل ملتحي يثبت شعره بعقال / يبدوا انه يقف وقفة تعبد حيث يضم كلتا يديه تحت صدره / وهذا ما كان يفعله المتعبدون في العراق القديم في حالة التعبد / عثر على هذا التمثال في مدينة الوركاء على بعد 150ميلا تقريبا جنوب شرقي بغداد / ظهر في معبد الألهه انانا الهة المدينة مما يدل على اهمية هذا التمثال ومن يمثله / ومن الواضح جدا انه من الناحية الفنية / بحجم طبيعي / قريب من الواقعية / و عضلات كتفيه توحي بالقوة / اتضح لاحقاً أنه ليس برجل عادي /يرى الدارسون انه يمثل حاكم المدينة / أو قد يكون التمثال لسيد مدينة الوركاء كان قد كرس تمثاله للآلهة انانا < سيدة السماء > / المهم انه يعكس لنا فن النحت السومري بشكل عام و مدينة الوركاء بشكل خاص / والتمثال يوجد الآن ضمن آثار مدينة الوركاء بالقاعة السومرية في المتحف العراقي .
كلكامش
بطل ملحمة عرفت بأسمه / هو خامس ملك من ملوك سلالة مدينة الوركاء الأولى [ 2800 ــ 2400 ق . م ] دام حكمه 126 عاما / كما ورد في إثبات الملوك السومريين وعاش العصر المسمّى ـــ عصر فجر السلالات ـــ أعتبر بحسب تاريخ ادب وادي الرافدين من اشهر ابطال القصص والملاحم / وقد أصبحت مغامراته واعماله مادة لملاحم سومرية وبابلية عديدة / ورد اسمه في إثبات الملوك السومريين من سلالة مدينة الوركاء الأولى التي نشأت بعد سلالة كيش / تخاطب الملحمة مواضيع غيبية مهمة / كما ركزت على اهم موضوع انساني وهو الصداقة / فتحكي قصة صديقين [ كلكامش وأنكيدو ] وولاء احدهما للآخر حتى بعد الموت .
السماوة عروس الجنوب
مدينةٌ مفردةٌ في جنسها ونوعها / تناغم فيها التاريخ والجغرافيا بعشق في لوحة جميلة عجز ان يأتي بمثيلها ليونارد دافنشي ومايكل انجلو او بابلو بيكاسو لتبقى بألوانها وسحرها الفاتن عجيبة المعالم / تتباهى بها الأجيال عبر العصور !
قال المؤرخون :
السماوة التي أعطت للحرية أقماراً وبنت للشمس أبراجا من الإبداع / ضاربة بعمق التاريخ / في صحرائها دفن الشاعر اليهودي السموأل بن عاديات / وفي صحرائها ايضا تعلم المتنبي الفصاحة والبلاغة / وهي واحدة من محطات عمر بن أبي ربيعة يوم كتب قصيدته الشهيرة "وادي الغضا" / ومازال هذا الوادي حدّ هذه اللحظة يحتفظ بتضاريسه الاولى رغم تقادم الزمن عليه .
مدينة فى أطراف الصحراء / شاء قدرها ان تكون مهد الحضارة / منها انطلق الانسان من عصور الظلام الى فضاء التجديد / مدينة تمضي بالطيب والرطب وحكايات الصحراء ومضايف الكرام .
جغرافيتها : جمعت الاضداد كلها / من بوادي وفلوات وتلول وكهوف / ومدن وقصبات وارياف وانهار وعيون ماء / وغابات نخيل كثيفة واشجار مثمرة / وبحيرة عجيبة لانظير لها في كوكب الأرض / وكنوز أثرية مازالت مدفونة قد تغيّر من تاريخ الحضارات اذا رأت النور!
مفردات تشد القلوب وتخطف الابصار / لايمكن ان يجتمعا إلا في هذا المكان الذي ضمّ اول مدينة عرفها الأنسان !
الحديث عن كنوز صحراء السماوة يعني الحديث عن ثروات فلكية تجعل العراق في مصاف أثرى دول العـالم / فيمـا لو تم التعامل معها بشكل علمي صحيح .
ــــ خزينها من المياه الجوفيّة [ يُقدر بعشرين مليار متر مكعب / والمتجدد منه سنويا أربعة مليار متر مكعب ] كمية هائلة يمكن ان تغطي حاجة العراق من المحاصيل الزراعية لو تم استثمارها بشكل جيد / ــــ تم اكتشاف طبقات من احجار المرمر / تضاهي بنوعيته المرمر الأيطالي .
ــــ وفي باديتها تنتشر اهم مصادر الصناعة الأنشائية / كمقالع الرمل والسبيس واحجار الكلس
[ اللايمستون ] / فضلاً عن < رمال السليكا > العالية النقاوة الداخلة في صناعة الزجاج والسيراميك / إذ يبلغ الأحتياطي منها بحدود ثلاثة مليون طن / تعتبر حاليا عاصمة صناعة الاسمنت في العراق .
ــــ حقول نفطية كبرى في : أبو خزيمة / ديوان / الدهيسة / بصيّة [ ناحية واقعة بمحاذاة الحدود مع السعودية ] .
ــــ ثروة [ ملحية ] يبلغ احتياطيها 50 مليون طن / وهناك من يطلق عليها عاصمة الملح العراقية .
ــــ صحراء السماوة وامتداداتها في المنطقة الغربية من العراق تعتبر < بالمقايس العـالمية > نموذجا رائعـا لسياحة " السفاري " وسباق الهجن والخيول العـربية وأيضا الراليـات الدولية < كالسيارات والدراجات البخارية > ورياضة التزحلق على الرمال كذلك الصيد البري بمختلف أنواعه .
بحيرة ساوه
بحيرة ساوة < 30 كيلو متراً جنوب غرب مدينة السماوة >/ وسط صحراء مترامية الأطراف/ مجهولة المنشأ والتاريخ / بحيرة مغلقة ذات ماء ملحي محاط بحائط كلسي طبيعي / يعيد غلق نفسه عند كسره لسرعة تصلب المادة الكلسية الموجودة بالماء / مصدرها المياه الجوفية تحت الأرض / لم يعرف العلماء سرّ وجودها في هذه الصحراء القاحلة / وكيف تحافظ على مناسيبها رغم شدة التبخر ؟!
شكلها عجيب يشبه ثمرة الكمثرى / وعند النظر لها من الجو توحي لك بأنها بطة تبحث عن حياة في وسط الصحراء / مساحتها الكلية أثني عشر كيلو متراً مربعاً ونصف / ويتحول عرضها إلى نصف كيلو متر في أضيق منطقة / أما طولها فيبلغ قرابة الخمسة كيلومترات / وعرضها في أوسع منطقة فيها يبلغ الكيلو مترين / العمق في بعض اجزائها يقارب المئة متر / ترتفع عن مستوى سطح الأرض بأكثر من خمسة امتار / وأحد عشر مترا عند مستوى نهر الفرات .
أخذت نماذج من مياه البحيرة وأخضعت للتحليلات المختبرية فوجد أن كثافتها تفوق كثافة البحار/ كما أن نسبة الملوحة فيها تقدر بحوالي 1600 جزء بالمليون / وهي نسبة عالية جداً / ولا احد يعرف سبب ارتفاع نسبة الأملاح / يعيش فيها نوع واحد من الأسماك الصغيرة العمياء لاتصلح للطعام !
وبالأمكان ان تكون هذه البحيرة اجمل مرفق سياحي في العراق لو نالت الأهتمام المطلوب .
فرخ البط عوّام!
المثنى بمدنها العريقة [ السماوة / الرميثة / الخضر / الوركاء ] كانت ومازالت حاضنة العلم والادب والفن والفكر والابداع / أنجبت رجالاً ساهموا في بناء الحياة الثقافية والاجتماعية والسياسية والفكرية للعراق المعاصر .
في العلوم الاسلامية : العلامة الشيخ محمد طاهر السماوي< فقيه واديب ومحقق كبير > / الشيخ عبد الحميد السماوي < عالم وشاعر واديب > .
سياسيون : سامي عزارة المعجون < وزير عمل > / خلود سامي عزارة < وزير محافظات > / شعلان أبو الجون < شيخ الظوالم / أحد قادة ثورة العشرين > / طالب الخربيط < عضو البرلمان > / إبراهيم الميالي < محافظ > / عبد اللطيف الحساني < رئيس مجلس المحافظة > .
عسكريون : العميد الطيار محمد الخضري / الفريق اول الركن عبد الواحد شنان آل رباط < رئيس اركان الجيش سابقا > / العميد عبد الأمير عبيس .
رجال قانون : موسى فرج < رئيس مؤسسة النزاهة سابقا >
منشدون : الشيخ ياسين الرميثي / منشد رائعة < ياحسين بضمايرنه > .
اعلاميون : حميد الكفائي < الناطق الإعلامي لمجلس الحكم السابق > / نجم الجابري < صحفي > / كريم السماوي < صحفي > .
المسرح والتلفزيون : سامي عبد الحميد < عملاق المسرح العراقي > / عبد الحسين ماهود < ناقد مسرحي > / عبد الهادي ماهود < مخرج سينمائي > .
تشكيليون كبار : شاكر حسن آل سعيد < عملاق الفن التشكيلي > / دكتورة كوثر عبد الجبار< نحات > / مطشر الكعبي < فنان تشكيلي فطري > .
في الشعر والادب والفكر : يحي السماوي < شاعر وأديب كبير > / عبد الله المياح < رئيس اتحاد ادباء المثنى > / سعد حسين طاهر < مستشار ثقافي > / انمار عبد الله < شاعر > / عيال الظالمي< شاعر> / عامر موسى الشيخ < شاعر > / عبد الحسين ناصر السماوي < شاعر > / منى الخرساني < شاعرة > / حسين الكاصد < شاعر > / د . ناهضة عبد الستار < شاعرة وأكاديمية > / ناظم السماوي شاعر كبير / صاحب رائعة < ياحريمه حجيك مطر صيف > / سعيد الصافي < شاعر > / مجيد الكفائي < اديب وقاص > / أياد السماوي < كاتب > / صباح الشاهر < روائي > / د . قاسم محمد عباس < كاتب وأكاديمي > / يعقوب يوسف عبد الله < شاعر ومؤرخ > / كاظم السماوي < شاعر > .
من طرائف السماوة / أغنيّة حسين نعمة الشهيرة :
نخل السماوه يكَول طرتني سمره / سعف وكرب ضليت مابيّه تمره
واشجابه للغراف طير المجرّه / شاغلهه كل هالناس / حيرني امره
مثل ام ولد غرگان / و ابرت الشرايع / سابيها كل الناس ....
من روائع اغاني العشق العراقية التي رددتها الأجيال / دخلت فيها أسماء فروع نهري الغراف والمجره ونخل السماوة والبنت السمراء/ وبما ان معظم ساكني الجنوب العراقي بشرتهم سمراء فالأغنية
< بكلماتها ولحنها > اثارت العاشقين وما اكثرهم ! / تفاصيل المعنى المجازي :
نخل مدينة السماوه يشكوا من الحالة التي وقع فيها في حب فاتنة سمراء مرّت من أمامه / وبسبب شدة ولع عشقها جف ولم يحمل ثمار / وبقى فيه السعف والكرب اليابس المرتبط بجدع النخله / والعجيب ان الحب لا يعرف البعد / وبما أن فرعي النهر المجره والغراف متباعدان فحصل الحب بين الطيور / وهو بهذه القصة شغل كل الناس به واحتاروا بتفسير وجود طير المجرة < المجروح > بالغراف / وبالطبع العشق اعمى لا يعرف الحدود / هو كالأم حينما يغرق أبنها يجن جنونها / تدور في كل أماكن النزول للنهر تبحث عنه / والأغنية بدأت بهذا المعنى الرائع [ نخل السماوة يكَول طرتني سمرة ] .
عباس العلوي
السويد في :23 / 8 / 2017
845 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع