مراجعة ماجرى لمعرفة مايجري ...!

                                 

                          عبدالله عباس

في دراستنا المتواضعة التي نشرت في كتاب بعنوان (صعوبات مزمنة أمام مسيرة بناء نظام ديمقراطي في العراق) طبع عام2007 ضمن إصدارات (دار جيا) للنشر في بغداد،

بدأنا في هذه الدراسة بالتطرق إلى مظاهربسيطة ولكن لها دلالات عميقة في معاني التناقض وعدم الاكتراث لحرية الآخر عندما نأتي إلى شرح تأثيرها في تكوين الفرد في المجتمع ونظرة الاخرين تجاه هذه المظاهر ومعانى لشخصيات وفهم طبيعتهم،فمثلاً أشرت إلى مراسيم الفرح (الزواج) والعزاء (مأتم ) في مدينة بغداد العاصمة وكيف جلب إنتباهي وأنا أدخل هذه المدينة في ستينيات القرن الماضي كانت الاعراس دائماً تقام ايام الاثنين والخميس وكانت الاستعدادات تتم بهذا الشكل : وضع إثنان أو ثلاث مكبرات ضخمة للصوت في مكان عالي من البيت ومنذ الظهيرة يبدأ بث الاغاني وبصوت عالي دون أي مراعاة للوضع النفسي والصحي و...إلخ لاهل المحلة بل أن أي تذمر ولو بإشارة يمكن ان يؤدي إلى حصول مالا تعرف عقباه، ويستمر هذا إلى ساعة متأخرة من الليل، أما في العزاء فالموضوع يتجاوز كل تقديرات ومعاني حرية الاخر، أولاً تبدأ مراسم العزاء بالغلق الإجباري للشارع الذي تقع فيه دار المتوفي وذلك بنصب خيمة طويلة و نصب ايضاَ اثنان او ثلاثة من المكبرات الضخمة  ويبدأ بث القرأن الكريم منذ الصباح الباكر وبالصوت العالي لمدة ثلاثة أيام بدون وجود أي اساس أو حديث دينى معتمد يفرض هكذا مراسيم للعزاء مكلفة من كل النواحي ويجري فيها مشاركة كل اهل الحي في التعب والحزن وفي بعض الاماكن (دفع الكلفة..!) وقلنا حول هذين الظاهرتين (من الممكن أن يقول لنا أحدهم : أن الايمان من عدمه ببناء ديمقراطية في حياة الشعوب لا يعتمد على  وجود أو عدم وجود هذه المظاهر الإجتماعية وإنها تقاليد ليس لها صلة بموضوع الديمقراطية، نعتقد أن تبسيط النظر بهذا الشكل يدخل ضمن محاوله القفز فوق الواقع لأننا نرى أن أسس كل العلاقات الاجتماعية المنظمة تنطلق من التقدير [وبالاخلاص] لهذه التقاليد ضاربة جذورها في العمق، وقراءة مزاجية لكل المتنفذين في العراق من الحكام واصحاب الشأن الاجتماعي يؤكد أهمية هذه التقاليد)
وبالعوده إلى بحث الكاتب باقر ياسين (شخصية الفرد العراقي :ثلاث صفات سلبية خطيرة : التناقض، التسلط، الدموية) حيث يؤكد البحث ويقول : عرف شعب العراق صفة العناد والثورات والتمرد والتمرس في الفتن و الإضطرابات والإنشقاقات وقد واجه العديد من الحكام وهم يحاولون السيطرة على هذا الشعب والتحكم بقيادته والهيمنة على توجيهه، إلا أنه قد رضخ وأستكان وخضع لعدد من الحكام  الديكتاتوريين والمستبدين الأكثر بطشاَ ودموية تحت ضغط الخوف والإرهاب ووفر لهم الإسناد والدعم ...!!وبعد أن يقدم الباحث  صورة سلبية مظلمة لشخصية الإنسان العراقي فهو عدواني متناقض عنيف ومسكين ايضاً  تحت ضغط الخوف يسند ويدعم الظالمين والديكتاتوريين، يأتي السيدالباحث ليقدم مشروع لتأهيل هذه الشخصية عبر وضع برنامج وطني مركزي باسم (المركز الوطني لإعادة تأهيل الشخصية العراقية) وظيفته إزالة الصفات السلبية (الضاربة جذورها في العمق ومنذ زهاء أكثر من قرن كما يؤكد الباحث نفسه، وليس وليد سنوات حكم معين) والتي تكتنف سلوكيات وتصرفات الشخصية العراقية ويقترح السيد الباحث أن يضم هذا المركز متخصصين في التربية وعلم النفس والاجتماع، ويضيف : أن يضم المثقفين والكتاب والشعراء، الذين يصفهم الباحث في مكان أخر من بحثة بأنهم (اي المثقفين العراقيين) بالإزدواجية والإنتهازية ..! أن قراءة هذا الفصل من البحث يذكرنا بالمثل القائل (يداوي المريض وهو عليل ...)
قدم الملك فيصل الأول عام 1930 مذكرة مطولة تتضمن آراءه وأفكاره عن أحوال العراق والعراقيين ومستقبلهم وأعطى نسخاً منها إلى كبار المسؤولين والشخصيات السياسية المعروفة في العراق أنذاك، مؤشراَ الى ماكان يراه في البلاد  (من العوامل والمؤثرات المحيطة بها والمواد الإنشائية المتيسرة، وعوامل التخريب والهدم  فيها، كالجهل وإختلاف العناصر والآديان والمذاهب والميول والبيئات) ويرى أن في البلد (يحتاج ساستها إلى أن يكونوا حكماء مدبرين وفي عين الوقت أقوياء مادة ومعنى غير مجلوبين لحسيات أو أغراض شخصية أو طائفية متطرفة، يداومون على سياسة العدل والموازنة والقوة معاَعلى جانب كبيرمن الأحترام لتقاليد الأهالي)،كان هذا في عام 1930 وقدم هو شخصياً في هذه مذكرة برنامج للارتقاء بوضع العراق والعراقيين، وبعد أن قدمه لمجموعة من السياسين والشخصيات بمقترحات إضافية، تم وضع برنامج وبدء العمل الدؤب إلى أن ظهرت في بداية خمسينيات القرن الماضي بوادر تكوين (الروح الوطنية العراقية الصادقة) لتحل محل (التعصب المذهبي والديني) كما أقترحَ وتمنى الملك فيصل، إلى أن جاء إنقلاب تموز 1958 وكما يعترف الباحث أيضاً حيث عادت ظواهر إعتلالات شخصية الفرد العراقي بالظهور وبشكل عنيف ومخيف وأنه من المؤسف أن يرى الباحث (وهو لاشك عراقي) أن علاج كل تلك التعقيدات الرهيبة التي يشرح تأريخها وأسبابها سيتم علاجها بمجرد أن يتم تأسيس مركز ليقوم باعادة تأهيل الشخصية العراقية، كأنه يقترح معالجة مجموعة لاتتجاوز بضع مئات من معاقي العدوان الامريكي الذي ادى الى احتلال العراق ..! كانه لايعرف انه يتحدث عن شعب بلده دمر وهدمت كل بنيانه التحتية والفوقية وأهم شيء فعلة (المحررالامريكي) هو برنامج إفساد كل شيء حي في العراق، هذا المأخذ ألاول على هذا البحث الذي قدمة السيد باقر ياسين، أما المأخذ الثاني، أنه لم يلتزم بالحيادية ليظهر بحثة قريبة من الدقة العلمية، فقراءة البحث بدقة يظهر لنا أن السيد الباحث أيضاً يعاني من التناقض وهي أول صفة سلبية يؤشرها الباحث في شخصية الفرد العراقي، فترى أنه يتحدث بدقة وتفصيل عن قتل 5000 شخص خلال يومين فقط في شباط    1963 من الشيوعيين  ويتحدث عن قتل 15 ألف شخص من الاحزاب الاسلامية والمناصرين لهم ويؤشر على إبادة 180 ألف مواطن كردي في المقابر الجماعية منذ عودة البعث للحكم في العراق، وهذا صحيح، ولكن التناقض الذي وقع فيه الباحث وهو يتحدث عن ظاهرة التناقض عند العراقيين، هويغض النظر عن حرب رفع أحبال للسحل واوامر الزعيم (اعدم اعدم لاتكول ماعندي وكت) مِن جهات سياسية رفع هذا الشعار؟ وهذه الجهة السياسية لم تكن في الحكم وسحلت العشرات من الناس في شوارع بغداد وقامت بمذابح الموصل وكركوك ومهدت بذلك لانقلاب 8شباط الدموي الذي تذرع منفذوه لوقف والانتقام لما حدث من قتل وسحل منذ قيام الجمهورية 1958 من قتل جماعي مروع من قبل جهة تدعي انها نصير الكادحين والفقراء هدفها توعية الناس ليدافعو عن حقوقهم ... وماخذنا الاخر على هذا البحث، كان من المفروض من السيد الباحث ليكون حيادي وموضوعي في بحثه يؤشر أن كل هذا العنف الدموي في حياة العراق لم يحدث في أي مدينة أو قرية من المناطق الكردية ، لم تحدث تصرفات همجية ومجازر دموية يشترك فيها عامة الناس ويسحل وتهرس فيها الجثث وتعلق على الاعمدة كما حدث في الموصل وكركوك بشكل خاص، علماَ أن المنطقة وفي تلك الفتره شهدت اندلاع ثورة مسلحة تحديداً عام 1961 استمرت ألى بدايات تسعينيات القرن الماضي ولكن لم يحدث أن توجة ثوار الكرد لتنفيذ أية عملية تسببت بقتل الابرياء بل كلما كان يحدث هي مواجهة مع القوات الحكومية المسلحة والشعار كان مشروع : الحصول حقوق المواطنة الكاملة الحرة (حكم الذاتي لكردستان والديمقراطية للعراق)، وأخيراً لايقول لنا الباحث : إذاَ ماذا كان يفعل منذ الثلاثينيات المفكرين وقادة اليسار والوطنيين والديمقراطيين لمحاربة جذور التخلف والجهل والنعرات المذهبية في هذا لبلد وهم وطوال هذه السنوات كانوا يطبلوا في العراق بشعاراتهم النضالية البراقة؟  لايؤشر الباحث ولايستطيع أن يقول لنا أن الذنب في كل ماحدث ليس إزدواجية الاكثرية الجاهلة بين الناس في العراق، بل الذنب هو إزدواجية الشخصيات السياسية الكثيره في هذا البلد وهو كعراقي لابد ان يكون على علم بأن تقلبات هؤلاء الساسة أدى كنتيجة إلى (خراب البصرة) كما يقول المثل الشعبي، حيث رأينا ولابد ان الباحث أيضاً رأى أن قادة اليسار وهم أكثر الجهات السياسية مطلوب منهم قيادة توعية الشعب نحو الرقي الفكري  انتهوا في حضن الطائفية ولا اعتقد أن الباحث نسى اقرب مثال وهو قبول السيد سكرتير الحزب الشيوعي العراقي بعضوية (مجلس الحكم) الذي شكلة المحتل الامريكى ليس كممثل لاعرق حزب في اليسار بل كممثل لاحد الطوائف بذلك شارك مدعي اليسار ومحارب الجهل بين صفوف الشعب بعودة الطائفية في البلد، في قراءة لماحدث ويحدث نعتقد، أن الموضوع ليس التمرس في الفتن والاظطرابات، بل مخطط للانغلاق امام تقدم للامام بفعل تقصير النخبة .

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1195 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع