فرح اليوسف تستعيد بهاء العراق عبر موتيفات بغدادية مُبهجة

          

فنانة عراقية تتخذ لنفسها فضاء للرسم والإبداع يأخذها بعيدا عن واقع الحياة.

العرب/بغداد - تصف الفنانة التشكيلية العراقية فرح اليوسف الرسم بـ”الفضاء الشاسع” الذي يأخذها بعيدا عن واقع الحياة، مؤكّدة أن الرسم لغتها الثانية التي تعبّر بها عمّا يجيش داخلها من مشاعر وأحاسيس دون قيد أو شرط.

وعن بداياتها تقول اليوسف “بدأت موهبتي في الرسم منذ الطفولة، ونشأتُ في عائلة تعشق الرسم والموسيقى، فقدّمت لي التشجيع والدعم حتى التحقتُ بكلية الفنون الجميلة، ثم تخرّجت منها وعملت مساعد باحث فيها”.

وعن أسلوبها الفني تقول الفنانة العراقية “تجربتي بدأت بالمدرسة الكلاسيكية التي تعتبر من أهم المدارس التي تؤسّس الفنان بصورة صحيحة، ثم مررت بالمدرسة التعبيرية والتجريدية التي وجدت فيها حرية أكبر في توظيف الشكل واللون في أعمالي الفنية، بعدها عدت إلى المدرسة الكلاسيكية بإمكانيات أعلى نتيجة تلك التجربة”.

       

فرح اليوسف: الرسم عندي فضاء شاسع يأخذني بعيدا عن واقع الحياة المريرة

وعن شغفها بالألوان المائية وتفضيلها على الألوان الزيتية تقول “عشقت الألوان الزيتية والمائية في آن واحد، ووجدت فيهما حريتي لأعبّر عن ذاتي، ونظرا لطول المدة الزمنية التي أقضيها في إنتاج العمل الفني الزيتي، والذي يستمر لعدة أشهر في بعض الأعمال، أتوجّه إلى إنتاج الأعمال المائية فهي سريعة الجفاف رغم صعوبتها وتكسبني الجرأة في اللون والتخطيط ولا تقبل المعالجة لأي خطأ أثناء التنفيذ، نظرا لطبيعة الخامات والشفافية في الألوان”.

وتتحدّث أعمال اليوسف الفنية في الغالب عن الأمل والسلام، وتوضح فرح أنها اتخذت هذا المنحى بعد أن تعرّضت مدينتها الموصل إلى هجمة شرسة استهدفت هويتها التاريخية، لذلك هي تسعى لـ”ترميم ذاكرة المتلقي من خلال رسم البيوت والمساجد والأماكن التاريخية التي دمّرتها الحرب لتبقى وثيقة تاريخية تروي للأجيال القادمة قصة هذه المدينة”.

ومن أهم أعمالها الفنية في هذا المجال عمل بانورامي بعرض ستة أمتار يجسّد الهجمة الشرسة التي تعرّضت لها الموصل.

ولمدينة الموصل في نفس اليوسف وقع خاص، فهي مسقط رأسها وموهبتها، منها كانت انطلاقتها نحو فضاءات الخلق والإبداع، وعنها تقول “مدينتي الموصل جزء من بلدي العراق الذي نشأت على أرضه أعظم الحضارات، عشت في الموصل طفولتي، فتنقلت بمرح وزهو بين شوارعها وأزقتها وطبيعتها ومساجدها وكنائسها القديمة التي تعود إلى مئات السنين، وعشقت كل تفاصيلها ولا أستطيع أن أحلّق بمخيلتي بعيدا عنها”.

ويبدو ذلك جليا في لوحاتها التي سكبت على سطوحها العديد من مفردات مدينتها التي تعشقها بكل إرثها الفلكلوري والتاريخي والجمالي، لوحات بألوان مائية تنبض بالحيوية والإدهاش والأناقة.

وترى اليوسف المولودة عام 1982 أن كل فنان يحتاج إلى طقوس معينة لكي يشحن مشاعره وأحاسيسه قبل أن يبدأ الرسم ويخرج بعمل فني جميل صادق يصل إلى المتلقي بسهولة، وتضيف “لا أستطيع الرسم دون موسيقى، وتختلف اختياراتي تبعا لموضوع اللوحة التي أرسمها”.

وتشير الفنانة إلى أن أغلب أعمالها تنتمي إلى المدرسة الواقعية، وهناك بعض الأعمال التعبيرية والرمزية. وهي تميل إلى اللون الأزرق -أو “التركواز”- في لوحاتها لأنه يرمز إلى السكينة، فهو “لون السماء والبحر اللذين يدعواني إلى الحرية والانعتاق من أدران المعيش اليومي”.

وتتشكّل في بعض لوحات اليوسف الموتيفات البغدادية، حيث تتّخذ من النخلة والرموز البغدادية القديمة أيقونات أو محفّزات توحي بالموضوع وتثير خيال المتفرّج، مستعينة في ذلك بالخطوط الملوّنة لعكس الحالة دون المبالغة في تحديد تفاصيل المشهد وأبعاده، مكتفية بإبراز الأيقونة وترك مساحة للمتفرّج لاستقصاء دلالتها الإيحائية.

وفي لوحات أخرى ترسم البشر بتعابير مختلفة، وهم في وضعيات فردية فيها الهم والتفكير والتأمل، ووضعيات جماعية فيها الاحتشاد والحيرة والخوف والتساؤل. كما تعكس في أعمالها أجواء التراث متمثلة في شكل العمارة القديمة، خاصة المشربيات والأسواق والدروب والبيوت القديمة بأبوابها الخشبية. وترسم أيضا مناظر شاطئ دجلة وتنويعات المكان من حوله، لتسجّل بذلك ذاكرة المكان قديما وحديثا.

أما في الجانب التجريدي فتأتي أعمال اليوسف حافلة بالرمزية والمشهدية، أساسها اللون والضوء في تفاعلهما المتناسق والمتماسك وبالقوة نفسها التي تتميّز بها أعمالها الواقعية، ما يدلّ على قدراتها الفنية وخبرتها الراسخة في مجال استخدام الألوان والإنارة، وطرق التعبير بهما. ويلاحظ هنا تركيز الفنانة على مفهوم النور بإيحاءاته المتعددة كالفرح والانشراح والوضوح والتلألؤ والأمل.

وعنها يقول الفنان والنحات الفلسطيني أحمد حيلوز “تبدو اليوسف في كل مراحلها الفنية متقنة لعملها الفني، وقد استفادت من معارفها كونها خريجة فنون بامتياز، ومن تجربتها في مجال تدريس الفن، فليس في أعمالها أي ضعف فني أو تشويش، تقدّم موضوعات مدروسة بطريقة تشكيلية فيها الكثير من التماسك والتجويد”.

وتقيم اليوسف منذ العام 2007 في الإمارات، حيث تعمل مسؤولة عن المرسم الجامعي في جامعة الشارقة، وهي عضو في جمعية التشكيليين الإماراتيين.

ورسمت اليوسف ملامح المدن الإماراتية بشكل واقعي، مركّزة على علاقة مدنها بالماء، تلك العلاقة التي تتجلى في التقاء الشواطئ بالأبراج العالية، وفي السفن والمراكب التي تتهيأ للإبحار.

وشاركت اليوسف في العديد من المعارض الجماعية العربية والدولية وحصلت على العديد من الجوائز، آخرها جائزة نون للفنون، كما أقامت معرضا شخصيا بعنوان “بصمات”.

    

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

796 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع