
مونت كارلو:كرر الرئيس الإيراني مسعود بيزشكيان في الأشهر الأخيرة تصريحاته حول ضرورة نقل العاصمة من طهران، المدينة المترامية الأطراف التي يقطنها نحو 10 ملايين نسمة، إلى منطقة أخرى. فما الدوافع وراء هذا التوجه؟ وأين يمكن أن تكون العاصمة الجديدة؟ وهل تمتلك إيران الإمكانات لتنفيذ هذه الخطوة الطموحة؟
يعد الجفاف الذي تعاني منه العاصمة الإيرانية الدافع الأساسي خلف هذا الطرح، إذ تواجه طهران خطر نفاد مياه الشرب خلال أسبوعين بسبب جفاف تاريخي أدى إلى نضوب شبه كامل لخزانها الرئيسي.
فقد أشارت السلطات في البلاد إلى أن سد أمير كبير، أحد السدود الخمسة التي تزود طهران بمياه الشرب، "يحتوي فقط على 14 مليون متر مكعب من المياه، أي 8 في المئة من سعته".
3 ملايين متر مكعب من المياه يوميا
ويستهلك سكان العاصمة الإيرانية حوالي ثلاثة ملايين متر مكعب من المياه في اليوم، وفقا لوسائل إعلام محلية. وتم قطع المياه في الأيام الأخيرة عن العديد من أحياء المدينة، بهدف التوفير في استهلاكها، وفقا لوسائل الإعلام.
فكرة طُرحت مرارا بعد الثورة الإسلامية
وقد طُرحت فكرة نقل العاصمة الإيرانية مرات عديدة منذ الثورة الإسلامية عام 1979، لكنها أُرجئت بسبب العقبات المالية واللوجستية.
غير أن الرئيس الإصلاحي أعاد إحياء هذه الفكرة خلال عام 2025، وقال مؤخرا إنه طرح المسألة مع المرشد الأعلى علي خامنئي، مشيرا إلى أن أزمة الموارد المتفاقمة في البلاد باتت خطيرة إلى درجة لا تترك خيارا آخر.
إلى أين يمكن نقلها؟
في هذا الإطار، تبرز مكران، المنطقة شبه الصحراوية الواقعة على الساحل الجنوبي لإيران المطلة على خليج عُمان كوجهة جديدة للعاصمة.
ورغم قلة سكانها، يرى المؤيدون أن هذه المنطقة الساحلية تمتلك إمكانات تنموية، بفضل مواردها الاقتصادية والجغرافية غير المستغلة، من بينها توفر مصادر المياه في الجنوب، كما تتيح فرصا واعدة في مجالات مثل الموانئ، والممرات التجارية، وصيد الأسماك، وحتى السياحة.
كما أن مكران قريبة من طرق التجارة في بحر العرب، مع منفذ مباشر على مضيق هرمز الضيق الاستراتيجي.
المخاوف الأمنية والقيمة الثقافية لطهران
من جانب آخر، يرى كثير من الإيرانيين أن لطهران قيمة ثقافية ورمزية لا يمكن لمدينة إيرانية أخرى أن تحظى بها.
ومن الناحية الأمنية، تبقى طهران أكثر تحصينا في الداخل الإيراني في حالات الطوارئ أو النزاعات المسلحة مقارنة بمكران، التي تُعدّ أكثر عرضة للخطر بسبب موقعها الساحلي المكشوف. وقد اختبر الإيرانيون ذلك خلال الحرب العراقية الإيرانية، حين استهدفت القوات العراقية المناطق الساحلية والجنوبية التي تضم ناقلات النفط والموانئ والمنشآت البحرية.
الكلفة المادية الضخمة
وحتى لو تمكن الإيرانيون من معالجة المسائل الثقافية والأمنية، يبقى العامل المادي عقبة رئيسية بسبب الكلفة المالية الضخمة لمثل هذا المشروع. فقد واجهت دول أخرى نقلت عواصمها في العقود الأخيرة، مثل إندونيسيا والبرازيل ونيجيريا، تكاليف باهظة وتحديات لوجستية هائلة، من بينها نقل الوزارات وبناء مساكن وشبكات نقل وخدمات عامة من الصفر.
وفي حالة إيران، فإن الاقتصاد يعاني من العقوبات ونقص الاستثمارات الأجنبية، ما يجعل تمويل عاصمة جديدة مع الحفاظ في الوقت نفسه على الخدمات الحيوية في طهران أمرا مرهقا لموارد الدولة.
حل غير مضمون أمام التغير المناخي
وأخيرا، من غير الواضح ما إذا كانت مكران ستكون أكثر قدرة على الصمود أمام آثار التغير المناخي من طهران. فالمنطقة شبه صحراوية وتعاني أصلا من نقص المياه، ومع ارتفاع درجات الحرارة وتراجع معدلات الأمطار، أصبحت بيئتها الطبيعية هشة، وهو ما قد يحد من إمكانات التنمية فيها.
بالتالي، فإن بناء مدينة ضخمة جديدة في مكران قد لا يكون حلا مضمونا لمشكلات إيران، رغم الحماس الواضح للرئيس بيزشكيان تجاه الفكرة.

872 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع