الحرة:رامي الأمين:في العام 2002، عندما أطلق الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش تسمية “محور الشر” خلال خطاب له في الكونغرس، لم يكن يتحدث عن روسيا والصين، بل كان تركيزه على دول مثل العراق وإيران وكوريا الشمالية.
لكن مع مرور الوقت، وتطور المشهد الجيوسياسي.
سرعان ما باتت روسيا والصين تُحسبان ضمن هذا التجمع المتنامي من القوى التي يُنظر إليها على أنها تتحدى النظام العالمي القائم.
ومع ذلك، فإن الطبيعة الحقيقية للعلاقة بين هذه الدول أبعد ما تكون عن كونها “محوراً” متجانساً بالمعنى التقليدي.
يبدو أن ما حدث مع إيران مؤخراً في مواجهتها مع إسرائيل قد شكّل امتحاناً حقيقياً لمدى ترابط هذا المحور واستعداد أعضائه لدعم بعضهم البعض في أوقات الأزمات.
في مقابلة مع “الحرة”، يشير غرانت روملي، الباحث في معهد واشنطن، إلى أن روسيا لم تستطع ولم ترد أن تتدخل عسكرياً بسبب انشغالها بالحرب في أوكرانيا.
قوات روسيا وإمداداتها العسكرية تركز على النزاع هناك. وفي الواقع، تعتمد روسيا على إيران للحصول على بعض تقنيات الطائرات المسيرة والصواريخ لدعم مجهودها الحربي.
لذلك، بحسب روملي، فإن “أي شيء يمكن أن تقدمه روسيا لإيران ليس متاحاً بالضرورة”.
حتى لو كانت روسيا مستعدة للتدخل، فإنها، مثل الصين، توصلت إلى الخلاصة نفسها: أن التدخل العسكري لن يغير بشكل جوهري ميزان القوى في هذه اللحظة.
بحسب تقديرات روملي، “دفعت سرعة العملية الإسرائيلية ونجاحها الأولي، بالإضافة إلى انضمام الولايات المتحدة، روسيا والصين لتجنب الدخول بالصراع، والاكتفاء بالدعم الدبلوماسي”.
إيران لم تخف امتعاضها.
انتقد نائب رئيس البرلمان الإيراني السابق على مطهري، روسيا لرفضها تزويد إيران بمنظومة الدفاع الجوي S-400، على الرغم من أن طهران قدمت لها طائرات مسيرة تستخدم في الحرب بأوكرانيا.
وكتب مطهري في منشور على منصة “إكس”: “روسيا منحت منظومة الدفاع الجوي S-400 لتركيا والمملكة العربية السعودية، لكنها لا تمنحها لإيران، التي قدمت لها المساعدة بالطائرات المسيرة في الحرب مع أوكرانيا، لأنها قد تستخدم ضد إسرائيل”.
وأضاف: “هذا هو شكل التعاون الاستراتيجي مع إيران الذي يتحدث عنه السيد بوتين”.
هذا الاقتباس يعكس خيبة الأمل الإيرانية ويؤكد على أن المساعدة الروسية لإيران في مجال التسليح كانت “عملياً لا شيء”.
هذا الرفض الروسي يمكن تفسيره جزئياً بالعلاقات المعقدة بين روسيا وإسرائيل. فإسرائيل لم تنضم إلى العقوبات المفروضة على روسيا، ولم ترسل أسلحة متطورة إلى أوكرانيا، وصوتت ضد قرار أممي يدين الحرب الروسية على أوكرانيا.
هذه العوامل تمنح روسيا سبباً للحفاظ على علاقات مستقرة مع إسرائيل، وعدم إزعاجها بتسليح إيران بأسلحة دفاع جوي متطورة قد تهدد عمليات إسرائيل الأمنية وتفوقها الجوي.
كما أن روسيا لا ترغب في إثارة مخاوف أصدقائها في الخليج، مثل الإمارات والسعودية، من أي تسليح لإيران.
علاوة على ذلك، ليس لروسيا مصلحة في أن تصبح إيران دولة نووية، لأن ذلك قد يؤدي إلى خسارة روسيا لنفوذها وتأثيرها على الإيرانيين.
ماذا عن الصين؟
تتميز استراتيجية الصين في الشرق الأوسط بوجود عسكري محدود للغاية، مصمم بشكل أساسي لحماية مصالحها الاقتصادية، وليس للتدخل في النزاعات.
يؤكد غرانت روملي: “إذا تدخلت الصين عسكريًا في أي مكان، فسيكون ذلك لحماية مصالحها التجارية فقط”.
قامت الصين بتقييم الوضع بعناية، وأخذت في الاعتبار علاقاتها الواسعة مع دول الخليج ودول أخرى في المنطقة، واختارت الإبقاء على دعمها في حدود المستوى الخطابي فقط.
لكن ماذا لو أن إيران قامت بإقفال مضيق هرمز، هل تتبدل الأمور؟
تعتبر الصين مضيق هرمز شريانًا حيويًا لتجارتها الدولية، خاصة فيما يتعلق بإمدادات الطاقة.
يؤكد روملي أن أي محاولة من إيران لعرقلة أو إيقاف حركة الملاحة في المضيق ستكون “خطًا أحمر” بالنسبة للصين. يمر الكثير من التجارة الدولية، وخاصة الطاقة، عبر مضيق هرمز، وهو أمر مهم للعديد من البلدان حول العالم، بما في ذلك الصين التي تستورد غالبية نفطها من الشرق الأوسط.
تمتلك الصين نفوذاً قوياً وغير متكافئ على إيران في هذا الصدد.
فبينما تحصل الصين على حوالي 10% من إجمالي نفطها من إيران، فإن 90% من صادرات النفط الإيرانية تتجه إلى الصين.
هذا يعني أن إيران تحتاج الصين أكثر مما تحتاج الصين إلى إيران.
في الواقع، تحصل الصين على المزيد من النفط من المملكة العربية السعودية ونفس الكمية تقريباً من العراق مقارنة بإيران، على ما يشرح روملي.
بشكل عام، تفضل كل من الصين وروسيا عدم بروز المزيد من القوى النووية، ويشاركان الولايات المتحدة في هذا الرأي، بحسب روملي، وإن لم يكن بالقوة نفسها.
من منظور روسيا، لا يشكل السلاح النووي الإيراني تهديداً مباشراً لمصالحها ، ولا يوجد سيناريو حقيقي قد يؤدي إلى عواقب مباشرة على مصالح روسيا.
في حين أن روسيا تفضل الاستقرار الإقليمي الأوسع، إلا أنها ترى فائدة في الغموض الذي تثيره إيران فيما يتعلق بقدراتها النووية، حيث يساهم ذلك في إحباط الغرب وإبقاء الولايات المتحدة مركزة ومنشغلة في الشرق الأوسط.
وعلى الرغم من أن روسيا تعارض امتلاك المزيد من الأسلحة النووية بشكل عام، إلا أنها قد تتعايش مع امتلاك إيران للسلاح النووي إذا ما حدث ذلك، بحسب روملي.
طبيعة “المحور” وعلاقاته البراغماتية
فيما يتعلق بتأثير ما حدث على ما يسمى إعلاميا بـ “محور الشر الجديد” الذي يضم روسيا وإيران والصين وكوريا الشمالية، يشير غرانت روملي إلى أننا رأيناهم يتعاونون على المستويين الثنائي وحتى الثلاثي، لكننا لم نرَ الأربعة يعملون معًا في حالة واحدة. يؤكد هذا، في رأيه، على أن هذه العلاقة مريحة بعدة طرق.
من جهته، يصف تيمور أوماروف، الباحث في مركز كارنيغي روسيا وأوراسيا، هذه العلاقة بأنها “مبهمة للغاية، ويمكن وصفها بأنها تحالف تمهيدي أو شبه تحالف يمكن وصفه بالصيغة: (لن نكون أبداً ضد بعضنا البعض، ولكن لن نكون دائماً مع بعضنا البعض)”. هذا يعني أن هذه الدول الثلاث في سياساتها الخارجية لن تتصرف أبدًا ضد مصالح بعضها البعض. ومع ذلك، هذا لا يعني أنها ستدعم بالكامل كل إجراء تتخذه كل دولة على حدة في سياستها الخارجية.
ولهذا السبب، فإن هذه العلاقة مستقرة إلى حد كبير، لأنها لا تضع مسؤولية إضافية على عاتق روسيا أو الصين أو إيران فيما يتعلق بتصرفات الشركاء الآخرين.
يضيف أوماروف لـ”الحرة”: “هذا هو السبب في أن هذه العلاقة جذابة من الناحية البراغماتية لجميع هذه الدول، لأنها توفر الكثير من الدعم عندما يمكن تقديمه، ولا تتطلب دعم تلك المبادرات التي قد تضر بمصالحها الخاصة في السياسة الخارجية”.
لقد كان دعم الصين أساسياً لروسيا في حرب أوكرانيا، وكانت الصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية أساسية لروسيا، كما كانت التكنولوجيا العسكرية الروسية أساسية لتطوير القاعدة الصناعية الدفاعية الصينية.
ولكن، وكما يشير روملي، “لا توجد الكثير من الروابط بين قيم هذه الأطراف وأهدافها طويلة الأمد بشكل عام”.
كشفت الأحداث الأخيرة، وما حدث لإيران، عن ضحالة هذه الروابط.
يختتم روملي حديثه بأن هذه الحلقة “تضع بعض الضغط على المحور، وبالتأكيد عندما تتلقى إحدى الدول ضربة، كما حدث لإيران بالمعنى الاستراتيجي، فإن لذلك آثاراً غير مباشرة من الدرجة الثانية والثالثة على الآخرين”.
هذا يعني أن فشل التدخل لدعم إيران قد يضعف الثقة بين أعضاء هذا “المحور” ويثير تساؤلات حول مدى التزامهم بحماية بعضهم البعض في الأزمات المستقبلية.
812 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع