روداو:همشت الحكومات العراقية التي تشكلت بعد عام 2003 المبدعين العراقيين في حقول الثقافة، الكتابة والشعب والمسرح والموسيى والفنون التشكيلية، بصورة عامة، والمبدعات من النساء بصورة خاصة، فلن يوكل لمبدعة مناصب وزارية او درجات خاصة، كمستشارة او مديرة عامة او غيرها من المواقع الحكومية المؤثرة.
ومع كل تشكيل حكومة نأمل ان يتم استاد منصب وزاري او حكومي مؤثر لامرأة مبدعة، او حتى رجل مبدع، لكن هذا لم يتحقق. شبكة رووداو الاعلامية تحدثت مع فنانات مسرحيات ومخرجة سينمائية وكاتبة حول هذا الموضوع في حوارات منفردة، اليوم الثلاثاء، 8 تشرين الثاني 2022، حيث اجمعن على ان"الحكومات العراقية، بما فيها الحالية، همشت المبدعات لاسباب سياسية واجتماعية".
الثقافة خطر عليهم
الفنانة عواطف نعيم، ممثلة ومخرجة وكاتبة مسرحية، حاصلة على شهادة الدكتوراة في المسرح من اكاديمية الفنون الجميلة بجامعة بغداد، شخصت ظاهرة تهميش المبدعة العراقية، قائلة: "ليس هناك ثقة بالمثقف العراقي المستقل صاحب الرأي الحر والذي لا يساوم على المباديء التي يؤمن بها والذي يعتبر نفسه ضميرا لمجتمعه ولسان حالهم حين يكون في المناصب التي يكلف بها و في موضع المسؤولية". مشيرة الى ان: "المثقف الحقيقي لا يرتضي لنفسه ان يكون بوقا أو مهرجا او منفذا في بلاط المسؤول او تابعا له لذا، وكي تتخلص الحكومة من وجع الراس، تعوّل على من تقدمه الاحزاب لها في اي إختصاص مهني كي يكون له منصب ما وبذلك تكون الوزارة او المديرية او الجهة التي يمثلها في خدمة تلك الاحزاب او الكتل السياسية وتوجهاتها لاسيما وان أغلب الحكومات التي تعاقبت على إدارة البلاد جاءت وفق محاصصة متفق عليها لذا لن ترى كاتبا او مخرجا او ممثلا في منصب حكومي مؤثر لا رجلا ولا إمرأة". منبهة الى ان:" الثقافة التنويرية المستقلة وعيا وتوجها لا تتناسب وتوجهات ومعتقدات أصحاب الايدلوجيات التقليدية ، ولي ان اتذكر هنا مقولة وزير الاعلام النازي في عهد هتلر، غوبلز، الذي قال في إشارة الى خطورة الثقافة : (حين اسمع كلمة ثقافة أتحسس مسدسي)".
وتتسائل عواطف نعيم: "كيف يعتمد المسؤول الحكومي على مستشار او مستشارة للثقافة وهناك اسماء محددة تقدم له كي يعتمدها في مكتبه بصفه مستشارين من قبل جهات هي المسؤولة عن توليه المنصب، لاسيما المرأة المتنورة صاحبة الرأي الحر، فالبعض من السياسيين مازال ينظر إلى المرأة بوصفها (ضلع اعوج) او (ناقصة عقل ودين) او (شاورها وخالفها)، المرأة ما زالت أسيرة النظرة المتدنية، فكيف تمنح حق الاستشارة أوالتوجيه او التصحيح او التعريف؟ لاسيما حين تكون فنانة حتى لو كانت أديبة او شاعرة او تشكيلية فكيف الحال اذا كانت ممثلة او مخرجة او موسيقية؟ الأمر صعب عليهم إجتماعيا وسياسيا".
الابداع ليس مهنة
نجمة السينما والمسرح، الممثلة آلاء نجم، طالبة في مرحلة الدكتوراة في المسرح، تعتقد ان: "ان الابداع ليس له حدود، فالمبدع في مجاله هو الشخص المنجز ويكون لإنجازه تأثير في المجتمع". منبهة الى ان: "الابداع لا يقتصر على فئة محددة، كالفن او الكتابة او الشعر، بل يشمل مجالات كثيرة في الحياة، وفي كل حقل هناك مبدعين مؤثرين ومهمين، لكننا حصرنا هذا التوصيف بالفنان او الشاعر".
وترى آلاء نجم بان: "منصب وزير الثقافة، ايا كانت قوميته او ديانته المهم عراقي، وليس شرطا يكون فنان او غير فنان المهم يكون من الوسط الثقافي ومؤمن بالثقافة وبكوادرها ومهماتها المتشعبة، حتى تصبح الثقافة سلوك وليس مهنة، ذلك ان الثقافة او الابداع لا يمكن ان تكون مهنة، مع اننا اليوم نرى بعض (المتثاقفين) يقدم نفسه او يوزع (كارت) تعريف ويسبق اسمه بشاعر او رسام او فنان، وكان هذه التوصيفات هي مهن مثل الطبيب او المدرس او الميكانيكي، نعم اليوم تحول الابداع للاسف الى مهنة". وقالت: "انا أجد ان الثقافة هي رؤية متسعة لما يحدث وما سيحدث، وهي فكر وليس وظيفة وبصمة وتوقيع."
وتشخص آلاء نجم حالة سلبية في الازدواجية بين الابداع والعمل الاداري، تقول: "هناك بعض الفنانين شغلوا مناصب ادارية وفشلوا فيها، بل ذهبوا الى ابعد من ذلك عندما وضعت ممارساتهم الادارية عراقيل وصعوبات من خلال قرارارت مجحفة وصادمة في حق الفنان خاصة في الجانب الاقتصادي ودفعت بالبعض الى ان يواجه اوضاع اقتصادية مزرية ، ولهذا انا شخصيا لا افضل ان لا يسند منصب وزير الثقافة لفنان لاننا سنواجه صعوبات في ادارته و قراراته غير القادرة على بناء منظومة ثقافية فنية صحيحة".
وتشير الى ان: "هناك بعض الفنانين، وهم قلة ونوادر، الذين تم اختيارهم كمستشارين لرئيس الوزراء او حتى لرئيس الجمهورية او في وزارة الثقافة، لكنهم لم يقدموا اي منجز سواء للحركة الثقافية او للفنانين ولم نسمع لهم صوتا ولم يعلنوا بأنهم مستشارين لا اعرف لماذا، ربما يخشون (حسد) زملائهم، او تكبروا على وسطهم، او انهم اساسا لا يستطيعون تقديم اي شيء في هذا الموقع واختيارهم لم يكن موفقا." منبهة الى انه: "من المهم، وكما اسلفت، ان يكون الشخص الذي يتصدى لموقع يتعلق بالثقافة، سواء كان الوزير او المستشار ان يكون مؤمنا بنهوض ثقافة البلد والاهتمام بتنشيط الحركة الثقافية بالبلد."
وتسائلت الفنانة آلاء نجم: "ولماذا يكون هناك مستشار ثقافي لرئيس الوزراء او لرئيس الجمهورية ما دامت هناك وزارة للثقافة ؟بامكن رئيس الوزراء او رئيس الجمهورية ان يستشير، في حالة حاجته لمعلومة او نصيحة او مقترح ، وزير الثقافة او اي مختص بموضوع مهني .". وحول وضع المرأة المبدعة وتهميشها، اكدت بان:"المرأة اساسا هي مهمشة ومبعدة عن كل المواقع المهمة وفي جميع الاختصاصات والمجالات حتى البسيطة منها".
المحاصصة همشت الابداع
كاتبة السيناريو والمخرجة السينمائية ايمان خضر، تجزم انه:"لم ولن يتم اختيار أي فنان، سواء رجل او امرأة، بمنصب وزير للثقافة او مدير عام في الوزارة مادامت العملية السياسية تسير وفق المحاصصة ، كما هو سائد في بقية الوزارات."، مشيرة الى ان: "الثقافة تقع في ذيل قائمة اهتمام الحكومات منذ 2003 وحتى اليوم والصراع على الوزارات السيادية هو الأهم ، ولو فُصلت السياحة والاثار عن وزارة الثقافة لأهملت ولم يعد يفكر فيها أي حزب وهي تمنح لطرف ما لتعديل ميزانية هذا الحزب او ذاك لكي لا يختل ميزان السرقات الموزع فيما بينهم".
ونبهت الى انه: "ليس بالضرورة ان يكون وزير الثقافة فنان او فنانة لتستقيم وتنتج، فليس كل فنان اداري جيد، المهم ان يكون على راس الوزارة شخص (رجل ام امرأة) متنور مثقف يجتهد ويدعم انتاج فيلم او مسرحية او صدور كتاب او تنظيم حفل موسيقي او معرض تشكيلي ويدرك جيدا ثأثير هذه الانجازات على الشارع وان يعمل على نشر ثقافة الوعي لدحر ثقافة الرثاثة التي تكتسح بيوتاتنا، ويدافع عن حقوق المبدعين في المجالات الثقافية وليس ان يعتبر الوزارة بابا للسرقة، وان يجيد ادارة الثقافة في بلد اشكالي ومعقد مثل العراق، والاحزاب التي تقاسمتها تدرك ضحالتهم لعدم توفر قامات مهمة بين صفوفهم، تتناغم مع وزن بلد الثقافة مثل العراق، لهذا كانت وستبقى هذه الكتل في الظل لأ نها لا تملك نماذج يحتذى بها فتعين وزيرا يقال عنه (تكنوقراط ) ليقود العملية من وراء ستارهم فهذه لعبة مكررة وممجوجه."
وتشخص ايمان خضر: "أزمة المثقف مع السلطة قديمة بسبب تناقض الأهداف والمصالح بين الطرفين فتجعل التنافس بينهما يكتسي طابع الاحتواء أو الإلغاء أوالتدمير خشية زعزعة الشخصية المعنوية لكل منهما. لكنهم ينسون أمراً مهما وهو انه ما قامت ثورة كبرى في التاريخ الحديث دون مثقفين، ولم تنشب حركة مناهضة كبرى للثورة دون منشقين، فلقد كان المثقفين آباء الحركات الثورية وأمهاتها وايضا، كانوا بطبيعة الحال، من أبنائها وبناتها."
اما فيما يتعلق بموضوع المستشارين الثقافيين، قالت: "لقد اختار بعض رؤساء الجمهوريه او الوزراء مستشارين سواء من الرجال او النساء من الوسط الثقافي ووفق العلاقات الشخصية او الحزبية الا انهم للاسف اتصفوا بالانانية واهتموا بمصالحهم الشخصية ولم يقدموا للثقافة العراقية أي منجز يذكر."
الاسلام السياسي هو السبب
الكاتبة والصحفية منى سعيد ترى انه:"في المجمتع الأبوي تُهمش المرأة باعتبارها كائنا ثانويا مهمته الإنجاب وأشغال البيت ، و كرَّست أحزاب الاسلام السياسي هذا المفهوم لإحراز المكاسب عبر تصدي الرجل لمعظم المهام الاجتماعية والسياسية والثقافية وسعيه للاحتفاظ بمغانم السلطة أولا وأخيرا".مستطردة بقولها: "ولأجل ترسيخ مفهوم المجتمع المدني المؤمن بعدالة المساواة بين المرأة والرجل ، كلف الزعيم عبد الكريم قاسم الدكتورة نزيهة الدليمي لتتسلم مهام أول وزيرة في تاريخ العراق السياسي المعاصر وفي المنطقة العربية ككل، وبالفعل أدت الدليمي مهامها على أفضل وجه، إذ ساهمت بإقرار قانون الأحوال المدنية لعام 1959 والذي يعد من أفضل القوانين المشرعة إنصافا للمرأة ولحقوقها وللعائلة العراقية، وعملت على إنصاف الفقراء عبر توليها لمنصب وزيرة الإسكان فساهمت في تأسيس مدينة الثورة " الصدر" وتوزيع قطع الأراضي في منطقة الشعلة ."
وتبدي منى سعيد اسفها: "لسعي أحزاب الإسلام السياسي للتحايل على قانون الأحوال المدنية وترجيح كفة ما يسمى بالقانون الجعفري المكرس للطائفية والمتبني لكل ما هو في غير صالح المرأة المدنية المعاصرة الحديثة ، ولولا وقفة المجتمع المدني الحر ونضال منظماته بأقصى ما أمكن من طاقة ، لسُن القانون وزاد العبث بحقوق المرأة وكرامتها".
وتشير الى ان: "تلك الأحزاب سعت إلى زج المرأة إلى الواجهة وأقرت نظام الكوتا لمساهمة المرأة في الانتخابات وإحراز مقاعد برلمانية لها بحسب القانون، لكن التجربة العملية أثبتت فشل هذا المسعى بعدما وقعت تلك المقاعد بأيدي ممثلي تلك الأحزاب ولم نشهد أي مساهمة فعالة للمرأة المثقفة المبدعة في البرلمان ، بل على العكس لطالما اتهمن الكثير من برلمانيات ما بعد 2003 بالفساد بل وظهرن بأوجه قبيحة وهن يصرحن بأنهن يتقاسمن ( كعكة العراق) بكل أريحية، وحتى اللاتي يتصدين لمهام النزاهة ومكافحة الفساد فهن متورطات أصلا بشبهات فساد معروفة لهن ولأقاربهن".
وخلصت الكاتبة منى سعيد الى ان "مساهمة المرأة المثقفة المبدعة في المهام القيادية يعد مقياسا لتقدم الشعوب، ولعلنا اليوم نشهد استيزار 3 نساء في حكومة السوداني الساعية للنهوض بالواقع المتردي بشتى مجالاته ولا يسعنا سوى أن نتأمل حدوث الأفضل ولو في أدنى حالاته".
611 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع