دعوات لإيقاف تدهور التعليم في العراق

            

بغداد ـ «القدس العربي»: مع بدء العام الدراسي الجديد في العراق، تتزايد الدعوات الملحة لإنقاذ التعليم وإيقاف تدهوره، بعد وصوله إلى مستويات كارثية جعلت العراق خارج مقاييس التعليم العالمية، وسط تحذيرات محلية ودولية من عودة الأمية إلى الجيل الجديد في البلد.

وقد توقع المعنيون بالشأن التعليمي في العراق ارتفاع عدد الطلاب والتلاميذ قبل الجامعة، ليصل إلى نحو 11 مليوناً خلال الموسم الدراسي الحالي، بسبب الزيادة السكانية التي يترتب عليها دخول ما لا يقل عن 400 ألف طالب جديد إلى المدارس كل عام، وسط نقص كبير في بنايات المدارس والكتب الدراسية وقلة الكادر التدريسي وغيرها من المشاكل التي جعلت التعليم بيئة منفرة للطلبة، في بلد يعد في مقدمة دول العالم في تصدير النفط.

وجاءت المطالبات بحل مشكلة الدوام المزدوج (ثنائي وثلاثي) في أغلب المدارس باعتبارها أبرز المشاكل التعليمية المستمرة منذ سنوات، التي تحذر منها جهات تربوية وشعبية وبرلمانية.
فقد دعت المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق، قبل أيام، إلى إنهاء مشكلة الدوام الثنائي والثلاثي في أغلب المدارس. وشددت على «الجهات المعنية بوزارة التربية والجهات المرتبطة بها، ضرورة الاهتمام بالجوانب التربوية بكافة أشكالها، والمتمثلة بحل مشكلة الدوام الثنائي والثلاثي وتوزيع الملاكات التدريسية، ومعالجة نقص الأبنية المدرسية والمناهج الدراسية وتوفير البيئة الملائمة لإنجاح العملية الدراسية».
وسبق للمتحدث باسم مفوضية حقوق الإنسان علي البياتي، ان أكد وجود 1775 مدرسة آيلة للسقوط غير صالحة للاستخدام، إضافة إلى 820 مدرسة أخرى طينية وكرفانية (غرف حديد جاهزة) أو على شكل مخيمات في عموم محافظات البلاد.
وأعلنت لجنة التربية النيابية، أن عدد المدارس في العراق غير كافٍ مقارنة بأعداد التلاميذ، وفيما استبعدت إمكانية سد النقص قريبا، كشفت عن تخصيص نحو 5 في المئة من الموازنة العامة لعام 2023 لانتشالها من «الواقع المزري».
وصرح نائب رئيس اللجنة، جواد الغزالي إن «عدد المدارس في العراق غير كافٍ لاستيعاب الطلاب كافة، لذا فإن جميع المدارس تعمل بدوام ثنائي وبعضها ثلاثي، فضلا عن تراكم التلاميذ وحشدهم داخل الصفوف حتى وصل في بعضها إلى 80 طالبا في الشعبة الواحدة، ما يؤثر على قدرة استيعابهم للمواد الدراسية». وأشار الغزالي، إلى مشكلة المدارس الكرفانية، أن «تلك المدارس تنتشر في الريف وفي أحياء المدن أيضا، ولجنة التربية النيابية تعمل على تخصيص 4.8 في المئة من موازنة عام 2023 لقطاع التربية، لانتشاله من الواقع المزري، من بينه التسرّب العالي من الدوام».

واقع تربوي كارثي

وأقرت العديد من الجهات المعنية بالواقع الكارثي للعملية التعليمية، إذ أكد نقيب المعلمين عباس السوداني، في لقاء تلفزيوني ان التعليم في العراق يتيم والمدارس فيها نواقص كثيرة وتعاني الاهمال.
وكشف السوداني حقيقة تسرب الطلبة من المدارس وازدياد الأمية بين الشباب، مشددا على ضرورة ضبط الحكومة الزامية التعليم التي كانت سائدة في البلد قبل 2003.
واشار نقيب المعلمين إلى تصاعد الاعتداءات على الكادر التعليمي من قبل أهالي الطلبة، واللجوء إلى الأعراف العشائرية لحل الخلافات بدل القانون، وهي طريقة خاطئة جدا وتلغي دور الدولة والقانون، حسب رأيه. ودعا إلى أهمية إعادة منحة الطلبة التي كانت سابقا تعين الطلبة الفقراء وتحد من تركهم للدراسة ولجوءهم للعمل.
أما رئيس مؤسسة «مدارك» مزهر الساعدي، فإنه أكد «يجب إعلان الحداد العام في العراق على الواقع التربوي» مبينا ان «بعض الاهالي تبرعوا لبناء مدارس لأطفالهم أو لإنشاء مرافق صحية في بعضها». ودعا وسائل الإعلام والمنظمات والأهالي للتحرك الجدي والضغط على الحكومة لمعالجة تدهور التعليم مثل توفير التخصيصات اللازمة والكادر المناسب، وبناء مدارس جديدة. مؤكدا «ان التربية لا تحتاج إلى تظاهرة فقط بل تحتاج إلى ثورة وحداد عام على الواقع التربوي في العراق».
التربوية هناء جبار، أشارت إلى جانب آخر من المشكلة منوهة ان التعليم الحكومي «متخلف» نتيجة السياسات الحكومية المشجعة لهيمنة التعليم الأهلي، في إشارة إلى تصاعد أعداد المدارس الأهلية بشكل كبير جدا في السنوات الأخيرة.
وقالت «من المؤسف ان تتكرر كل عام مع بدء العام الدراسي مأساة معاناة الطلاب والأهالي من تهالك المدارس والصفوف المزدحمة وغلاء ملابس المدرسة والكتب والدفاتر، ونقص المدرسين والدوام المزدوج» مؤكدة «ان المدرسة لم تعد بيئة صحية جاذبة للأطفال بسبب تقادم الأبنية وضعف الخدمات فيها والمقاعد المكسرة والساحات غير المناسبة والمسؤولية تلقى على وزارة التربية» حسب قولها.

مشكلة المناهج الدراسية

وفي حديث للمدرّسة أفراح العاني مع «القدس العربي» وجهت انتقادات لوزارة التربية بسبب التغيير المستمر في المناهج الدراسية وإلغاء مناهج أساسية من التعليم مثل مادة الاقتصاد المنزلي من مدارس البنات ومادة الاقتصاد في الخامس العلمي، ودروس الرسم والفن، وضعف الاهتمام بالرياضة رغم أهميتها للطلبة.
وحددت العاني أسبابا أخرى لتدهور التعليم أبرزها وجود ثلاثة أدوار للامتحانات والدوام المزدوج، وتضارب القرارات الإدارية ونقص المدرسين وقدم بنايات المدارس وغياب الصيانة عنها، إضافة إلى فوضى تغيير المناهج وإلغاء بعضها.
وذكرت ان «مشكلة النقص الحاد في الكتب المدرسية تتكرر كل عام ما يضطر إدارات المدارس للاستعانة بالكتب القديمة في مخازنها لتزويد الطلاب بها، كما لجأت الوزارة إلى طبع الكتب الدراسية في إيران ولبنان، بدلا من الاستعانة بالمطابع العراقية الحكومية والأهلية المتوفرة التي تكون تكلفتها أقل». فيما أكدت ان غياب التخطيط والتخبط في التغيير المتكرر للمناهج، يسبب ارباكا للمدرسين وهدرا للمال العام. ولأن الفساد تغلغل في جميع أنحاء الدولة، فإن عضو لجنة الإشراف التربوي السابقة في بغداد أحمد اللامي، أعلن استغرابه في تصريحات سابقة، لان التعليم يواجه مشاكل رغم ان الحكومات بعد عام 2003 أنفقت أكثر من 28 مليار دولار على مشاريع تربوية لم ير كثير منها النور. وأضاف أنّ «العراقيين يدفعون الآن بشكل مباشر نتائج الفساد الذي عاشته البلاد بعد العام 2003 ليس على مستوى التعليم فقط، بل الصحة والخدمات بشكل عام».
وبهذا السياق كشف عضو مجلس النواب عدنان الجابري، أسباب تأخر طباعة المناهج الدراسية للطلبة، مبينًا أن الطباعة الخارجية أرهقت الموازنة وانعكست سلبا على الوضع المادي. مشيرا إلى ان الطباعة في الخارج، تحتاج إلى تمويل مالي كبير في ظل عدم إقرار الموازنة العامة لهذا السنة، ومطالبا بضرورة «تفعيل المطابع الحكومية لطباعة الكتب المنهجية داخل العراق لمواجهة زيادة أعداد الطلبة وضمان عدم التأخر في طبعتها». وكشف الجابري إن «هناك مطابع تم استيرادها من قبل وزارة التربية من خارج العراق لكنها بقيت دون العمل فيها أو تفعيلها لحل مشكلة طباعة المناهج الدراسية».
وتعزيزا لهذه الحقيقة، يتهم أصحاب المطابع العراقية، مافيات طباعة المناهج بانها تعمل على طبع الكتب المدرسية في الخارج، من أجل للحصول على عمولة من شركات الطباعة.
ويرى المراقبون أن اجراءات الحكومة العراقية لمواجهة الأزمة كانت ضعيفة وغير مقنعة، ومثال ذلك عقدها اتفاقا مع شركات صينية لبناء آلاف المدارس مقابل منحها كميات من النفط، فإن هذا الإجراء قوبل بانتقادات قوية لكون العراق بلد غني وليس بحاجة إلى قروض أو مساعدات خارجية لبناء المدارس، وسط اتهامات بوجود شبهات فساد في هذا الملف من قبل مافيات الفساد.

تحذيرات دولية

وفي تقرير سابق لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسيف» كشف عن وجود 3.2 ملايين طفل عراقي في سن الدراسة خارج المدارس.
وأفاد التقرير بأن «عقودا من الصراع وغياب الاستثمارات في العراق دمرت نظامه التعليمي الذي كان يُعد في ما مضى أفضل نظام تعليمي في المنطقة، وأن ذلك أعاق بشدة وصول الأطفال إلى التعليم الجيد».
وفيما أشارت الأمم المتحدة إلى حجم الكارثة التي يعانيها العراق بوجود 12 مليون شخص أمّي، فقد فشل العراق في الوصول إلى أدنى المراتب في التصنيف العالمي لعام 2021 لجودة التعليم، الذي ضم 180 دولة، فبقي خارج سلم التصنيف، حسب المؤشر الذي نشره المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس عن مستويات التعليم في الدول، حيث ﺍﻋﺘﺒﺮ ﺍﻟﻤﺆﺷﺮ ﺍﻟﻌﺮﺍﻕ ﻭﺳﻮﺭﻳﺎ ﻭﺍﻟﻴﻤﻦ، «ﺩﻭلا ﻏﻴﺮ مصنفة» لعدم توفر ﺃﺑﺴﻂ ﻣﻌﺎﻳﻴﺮ ﺠﻮﺩة ﺍﻟﺘﻌﻠﻴم فيها.
وهكذا يواجه العراقيون باحبإط حقيقة ان الواقع المزري للعملية التربوية، هو جزء من التدهور الشامل الذي يعيشه البلد في ظل انشغال حكوماته في الصراعات السياسية وتفشي الفساد، مع القناعة بان تدهور التعليم يعد أخطر الأزمات لأن تنتج جيلا ضعيف الوعي والبناء الفكري والعلمي وعاجزا عن مواجهة التحديات الداخلية والعالمية المتزايدة.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

688 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع