لماذا تتعلم؟؟، احمل الطوب.. شعار عراقي يتمدد!!

             

                             الطوب بدل الكتب

كان يُنظر إلى العراق ذات يوم على أنه نموذج للتعليم في العالم العربي. تفاخرت البلاد زمنا بأعلى معدلات معرفة القراءة والكتابة في المنطقة، مما برر المثل العربي القائل “المصريون يكتبون، واللبنانيون ينشرون، والعراقيون يقرأون”. لكن سنوات الحرب وعدم الاستقرار تركت بصماتها. فبدلاً من التركيز على التعليم أصبحت الأولوية القصوى لدى العراقيين البقاء على قيد الحياة.

العرب/بغداد - بعد أن كان العراق في منتصف السبعينات قاب قوسين أو أدنى من التخلص تماما من الأمّيَّة، تأتي التقارير المحلية والدولية لتسجلَ ارتفاعا كبيرا في مستويات الأمّيَّة في المجتمع العراقي.

وأشارت إحصائية للأمم المتحدة صدرت مطلع العام الحالي تشير إلى وجود 12 مليون أمّيّ في العراق، (أي بما يصل إلى 27 في المئة) في حين يشير الجهاز المركزي للإحصاء بأن نسبة الأمّيَّة في العراق لمن هم فوق العاشرة من العمر تبلغ 13 في المئة، أي أكثر قليلا من خمسة ملايين أمّيّ.

ويكشف الرقم الكارثي، كما يصفه الخبراء، هول الأزمة التي تعصف بقطاع التعليم العراقي. ونقلت وكالة الأنباء الرسمية العراقية عن عضو نقابة المعلمين العراقيين ناصر الكعبي قوله إن “الأمم المتحدة أبلغتنا بوجود 12 مليون شخص أمّيّ في العراق”. مضيفا أنه “لا توجد أيّ تخصيصات مالية للجهاز التنفيذي لمحو الأمية”، لافتا إلى أن “العراق يتجه نحو الأميّة وليس محو الأميّة”. في حين أكد وكيل وزارة التربية العراقية رئيس الجهاز التنفيذي لمحو الأميّة علاء الحلبوسي أنه لا توجد أرقام دقيقة عن أعداد الأميّين، مضيفا “نعتمد على الإحصائيات التي تصدر من الجهاز المركزي للإحصاء التابع لوزارة التخطيط”.

مصنع الطوب بدل المدرسة

يعمل مصنع الطوب الذي بناه البريطانيون منذ 95 عامًا في الخنفرة، على بعد 60 ميلاً جنوب بغداد، مثل نار من الجحيم. يعمل القرويون في هذا الفرن منذ أجيال. ويبدأون، مثل حميد، عندما يكونون أطفالًا.

حميد يبلغ من العمر 14 عامًا ويبدو أنه يبلغ من العمر 11 عامًا ، وهو أمر جيد بالنظر إلى واجباته. في صباح أحد الأيام، زحف من تحت الجدار الخارجي للمصنع، بعد أن كشط السخام بيديه من مداخن مسدودة. ترك المدرسة بعد الصف الخامس ونسي القراءة والكتابة. قال إنه في حاجة إلى العمل للمساعدة في إعالة 11 شخصًا في عائلته.

وقال حميد وهو يسير بجوار المصنع، وجسده مغطى بالطين والسخام “لست قلقًا بشأن العثور على عمل أفضل يومًا ما لأني سأعمل هنا طوال حياتي”. التفت إلى حسين البالغ من العمر عامين، الذي كان يسير بجانبه. قال أزهر وهو يمسك بحسين من كتفيه “حتى هذا الصغير، سيعمل هنا يومًا ما”.

وفي جميع أنحاء العراق، في الريف والمدن، دفع الفقر والاضطراب أعدادًا كبيرة من الأطفال إلى ترك المدرسة والالتحاق بالعمل. وتشير دراسة إلى أن المزيد من الأطفال تركوا المدرسة لإعالة أسرهم. ويتولى الكثير منهم وظائف شاقة، في أسواق الأسماك والمصانع، ومحلات الميكانيكا ومواقع البناء. ومثل حميد، الذي يكسب حوالي دولارين في اليوم، فإنّ أشباهه من الأطفال يكسبون القليل جدًا من المال.

في المدن الكبرى الواقعة في الجنوب مثل البصرة وكربلاء، كان 70 إلى 80 في المئة من الأطفال بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003 يعملون، وفي النجف، قدرت دراسات أن 50 في المئة من الأطفال غير ملتحقين بالمدارس.

كان للعراق ذات يوم نظام تعليمي متميز أنتج خريجين درسوا في جميع أنحاء العالم وعادوا إلى أوطانهم لإدارة الصناعة والحكومة. لكنّ الحروب والعقوبات أصابت التعليم العراقي بالشلل. لم يتم بناء مدارس جديدة منذ عام 1991، وغالبًا ما يكون هناك 50 طالبًا في فصل دراسي مزدحم.

وفي الكثير من العائلات العراقية فإن الآباء غائبون أو مرضى لدرجة تمنعهم من العمل حتى لرعاية أطفالهم. مات البعض في الحروب. وكمثال على ذلك رحل زوج زهراء ببساطة ذات يوم. أخرجت ابنها عباس البالغ من العمر 10 سنوات من المدرسة في وسط بغداد بعد الصف الثاني حتى يتمكن من إعالة الأسرة المكونة من سبعة أفراد. تدفع هي وعباس عربة في وسط بغداد، ويبيعان كل ما في وسعهما: الملابس المستعملة والسجائر والخردة.

زهراء نفسها أميّة. لا تزال ترسل اثنين من أطفالها إلى المدرسة. ولكن بحلول شتاء هذا العام، اضطرت زينب البالغة من العمر 13 عامًا إلى ترك المدرسة للبقاء في المنزل مع طفلين صغيرين بينما كانت والدتها تعمل. عند سؤالها عما إذا كانت فاتتها المدرسة، ابتعدت زينب، وهي فتاة هادئة ذات وجه على شكل قلب، لتنشغل بأختها الصغيرة وتبكي بهدوء. قالت زهراء وهي تمسح الدموع من عينيها “إنها ذكية للغاية لم أكن أريدها أن تترك المدرسة”.

بالنسبة إلى عباس فإن هذه الهواجس لا تراوده. قال إن عمه سيجد له وظيفة جيدة كميكانيكي عندما يكبر. وأضاف “لم تكن المدرسة مفيدة لنا”. على الرغم من أنه نسي بالفعل كيفية القراءة والكتابة، إلا أنه أكد أنه يعرف ما يكفي قائلا “أعرف كيف أكتب اسمي واسم والدي”.

هنا في الخنفرة، كان الذهاب إلى المدرسة بعد السنوات القليلة الأولى يُنظر إليه منذ فترة طويلة على أنه ترف، مع المتطلبات الأساسية التي يضعها الفقر على العائلات. ويقول الأطفال إن حمل الطوب لتحميله في أكوام أو على الحمير المريضة هو أصعب جزء، خاصة في حرارة الفرن في الصيف. ويرون أن العمل يعجز الرجال مبكرا ويملأ رئاتهم بالسخام.

ترسل عائلات مثل عائلة سهام مهدي بعض الأطفال إلى مصنع الطوب ليتمكن الآخرون من الدراسة. قالت سهام (18 سنة) التي غطت وجهها بغطاء أزرق ضد الغبار إن عليها أن تعمل على إعالة ست فتيات أخريات في عائلتها، اثنتان منهن تذهبان إلى المدرسة الابتدائية. وتابعت “تركت المدرسة، لذا لا أريد أن تترك أخواتي المدرسة”.

وعندما عادت لفرز الآجرّ وحمله، قال شاب عن سهام “عائلتها فقيرة جدا. في غضون عام أو عامين، ستكون أخواتها هنا أيضًا”.

نحو الأمية وليس محو الأمية
غالبًا ما ترفض المدارس العراقية النظامية قبول الأطفال الذين يرغبون في العودة لأنهم كانوا خارج المدرسة لفترة طويلة جدًا. هنا، وفي مركز لمحو الأميّة، جلس محمد كاظم جودي (15 سنة) يكتب الأبجدية العربية. استيقظ في السابعة للذهاب إلى العمل مع إخوته في موقع بناء وجاء ظهرًا. وقال إن والده أعمى ولا يستطيع العمل، فيجب عليه العمل لأجل ذلك.

ويقول محمد “بعد كل هذا، أنا متعب بالطبع. لكنني أتذكر أنني كنت أشغل التلفزيون ثم أطفئه لأنني كنت محبطًا لأنني لم أتمكن من قراءة أي شيء. من الأفضل أن تفعل كل هذا على أن تظل أعمى، شخصا لا يستطيع القراءة أو الكتابة”.

ومثل التعليم الابتدائي، كان محو الأميّة نقطة تركيز مهمة في العراق منذ عقود. في عام 1978، أطلقت الحكومة الحملة الوطنية الشاملة لمحو الأميّة الإجباري، لكن تلك الحملة تباطأت بعد حروب الثمانينات والتسعينات.

وتوجد فروق ذات دلالة إحصائية في معدلات الأميّة بين محافظات العراق المختلفة. وتظهر أدنى معدلات الأمية في ديالى وبغداد (وسط) وكركوك (شمال)، بينما تُقدر أعلى معدلاتها في دهوك والسليمانية داخل إقليم كوردستان في الشمال، والمثنى وميسان والقادسية في الجنوب. وبالإضافة إلى ذلك، تختلف معدلات الالتحاق بالدراسة بشكل كبير بناءً على الجنس والحالة الاجتماعية.

وتقول نور الدجاني أخصائية البرامج التربوية في مكتب اليونسكو “يُجبر الأطفال على ترك المدرسة إما لمساعدة أسرهم، أو بسبب النزوح فلا توجد مدارس حولهم، أو بسبب المشاكل الأمنية، حيث يخشى الآباء من إرسال الفتيات إلى المدرسة”. وتضيف “أدنى معدل للالتحاق بالتعليم الابتدائي هو بين الفتيات الريفيات. ويبلغ حوالي 68 في المئة”.

ويقول أحد الأساتذة ويدعى سالم عباس إن المؤسسات التعليمية مثقلة بتراجع قدرات المعلمين. ويضيف عباس “الحقيقة هي أننا في حاجة إلى تطوير مدرّسينا ومعايير التدريس لدينا. معايير مدرّسينا ضعيفة للغاية حاليًا. حتى أولئك الذين تم تعيينهم مؤخرًا لم يخضعوا للاختبار، معتمدين فقط على درجاتهم الجامعية”. ويتابع “هذا بالطبع ينطوي على العديد من الجوانب السلبية، مما يعني أن معاييرنا التعليمية دون المستوى. وهذا هو السبب وراء انخفاض معدل النجاح انطلاقا من المدرسة الثانوية وصولا إلى الجامعة”.

ويؤكد يقول عباس أن المدارس الخاصة تحقق نتائج أفضل من المدارس العامة لأنها توظف معلمين متقاعدين أفضل تأهيلاً.

ويقول علاء مكي رئيس لجنة التربية في مجلس النواب العراقي من 2006 إلى 2010، إن السبب الجذري لانخفاض معايير التدريس موجود في مؤسسات التعليم العالي التي يتخرّج منها المعلمون. ويشرح “بشكل عام، تراجعت المعايير في الكليات التربوية. انخفاض المستوى الناتج بين المعلمين مسؤول عن انخفاض المعايير بين الطلاب. علاوة على ذلك، فإن وزارة التربية والتعليم غير قادرة على توفير ما يكفي من ورش العمل التعليمية”.

وبالنسبة إلى سوديبتو موخيرجي، نائب رئيس برنامج الأمم المتحدة الإنمائي فقال إن “الالتحاق بالمدارس ليس هو نفسه التحصيل”. ويضيف “إن الوصول إلى المدرسة أمر سهل، لكن جعل الأطفال يكملون دراستهم أكثر صعوبة”.

ويجمع خبراء عراقيون أن الإحصائيات خطيرة وصادمة وتستدعي دق ناقوس الخطر، ووضع الخطط والمبادرات والحلول العملية لوقف هذه الانتكاسة المجتمعية، في بلد اخترع الكتابة والتدوين قبل الآلاف من السنين عبر الحروف المسمارية؛ فالمجتمعات الحديثة والمتطورة تجاوزت الأمّيَّة في عدم معرفة القراءة والكتابة منذ عقود لتتجه نحو معالجة الأمّيَّة المعرفية التي تعني عدم الاستمرار في تحديث المعلومات والمعارف والتدريب بشكل فردي دون الاعتماد على المعلم والأمّيَّة المعلوماتية التي تعني عدم إجادة استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ومواكبة التطورات التقنية في هذا المجال نظريا وعمليا.

وبعيدا عن التنظير والاستطراد في وصف الحالة وأسبابها المعروفة للجميع بسبب ما مرّ به البلد من حروب وحصار وإرهاب؛ هناك، وفق خبراء، خطوات عملية يمكن اللجوء إليها للقضاء على الأمّيَّة أهمها التعليم الإلزامي في المرحلة الابتدائية ومتابعة المتسرّبين دراسيا، ودفعهم للعودة إلى مقاعد الدراسة بأسلوب الترغيب والترهيب، عبر توفير التغذية المدرسية ومنح بدل نقدي بسيط للأسر المتعففة أو قطع راتب الحماية الاجتماعية للأسر التي لا ترسل أبناءها للدراسة، وتشجيع الانضمام إلى مدارس محو الأمّيَّة التي يبلغ عددها أكثر من ألف مدرسة موزعة بين جميع محافظات العراق، وكل ما تمَّ ذكره أمورُ تسهم في تقليل نسب الأمّيَّة، وصولا إلى انعدامها ومن ثم يتمُّ الحديث عن معالجة الأمّيَّة المعرفية والمعلوماتية في وقت لاحق.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

614 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع