في الوقت الذي أتوجه فيه بالشكر والعرفان والتقدير لكم جميعا وبخاصة للإخوة والأصدقاء والأعزاء ممن كتبوا على صفحات الفيس بوك أو ممن وجهوا لي رسائل التعزية والمواساة بفقدان ابني البكر ( حسين مكي)، والذي غادرنا بعد صراع طويل وشرس مع مرض سرطان الرئة الذي ابتلي به منذ عام 2008، وانتصر عليه طيلة هذه المدة ، لكن إرادة الله العلي العظيم شاءت للمرض اللعين أن يتغلب على مقاومته وعلى جميع الادوية والإجراءات المضادة في الأشهر الخمسة الأخيرة ،
فغادرنا ابني البكر البطل إلى رحاب الله شهيدا إن شاء الله وهو في بلاد الغربة .
أقول في الوقت الذي أوجه لكم الشكر والعرفان ، لم اكن لأتصور يوما أنني سأكتب هذه الكلمات في نعي الحبيب والابن البار ( حسين مكي) الذي أسميته عند ولادته في أيلول من عام 1959 على اسم المرحوم والدي ( حسين مكي) والذي كان قد أوصاني رحمه الله أن احرص على أن يكون احد أبناء عائلتنا في الجيش دوما ، وهكذا فعل ( حسين مكي الشاب) فطلب التطوع في صفوف القوات المسلحة عام 1982 ، بعد تخرجه مباشرة من كلية التربية قسم الفيزياء ذلك العام ، فكان له ذلك وتطوع في القوة الجوية ، وفي خضم معركة شرق البصرة الأولى، إذ اذكر جيدا وانا اسأل مدير الاستخبارات العسكرية العامة آنذاك ( المرحوم اللواء الركن آنذاك عبد الجواد ذنون ) لتسريع معاملة تطوعه ، وكنا في خضم تلك المعركة إذ كنت رئيسا لأركان الفيلق الثالث ، وبحضور المرحوم عبد الجبار شنشل، فقال لي المرحوم عبد الجواد ذنون قائلا ، طبعا عزيزي أبو حسين تصدر الموافقة هذا اليوم ، فهذا ابنك يتطوع في صفوف القوات المسلحة ونحن في صراع لحماية الوطن ويكفيه ذلك فخرا ويكفي ذلك أن يكون مثالا للشباب العلمي . وهكذا كان. خدم بعدها في مختلف القواعد الجوية كقاعدة القيارة، وقاعدة فرناس ولفترات طويلة ، كان آخرها خدمته في قاعدة الوليد الجوية ( H-3) إبان ملحمة أم المعارك والتي تعرضت فيه قاعدتهم إلى القصف الجوي الأمريكي الشديد بالطائرات القاصفة العملاقة ( B-52) وبأسلوب ( القصف العشوائي المسمى بقصف البساط) Carpet Bombing حيث تلقى القنابر من ارتفاع شاهق اثناء طيران الطائرة فتغطي مساحات واسعة أشبه بالأرض المحروقة ، والتي استعملت فيه أنواع القنابر الفتاكة وأسلحة اليورانيوم المنضب المحرمة دوليا ، والتي أدى استنشاق رذاذها الملوث إلى إصابة كل من خدم في تلك القاعدة بسرطان الرئة، ولم يظهر تأثير ذلك إلا عام 2008 ، حيث بانت أولى آثاره على ولدي الحبيب حسين مكي وعلى اقرانه وأصدقائه الذين خدموا معه في تلك القاعدة. كنا في عام 2008 في مصر، وكانت الإصابة الأولى من الشدة بحيث قال لي الأطباء آنذاك أن ليس أمامه إلا سنة أو اقل، لكن رحمة الله ، جعلت العلاج الكيمياوي الذي أُعطي له يوقف هذا المرض ، وبعد علاج لعدة اشهر اختفت آثاره ، وكمن المرض في الخلف بانتظار لحظة أخرى . وهكذا تمكن حسين مكي من إكمال واجبه في تربية أبناءه الثلاثة (الدكتور الصيدلاني علي، وضابط البوليس خالد، واختصاصي هندسة البرمجيات احمد) حفظهم الله ورعاهم، وتزوجوا وانجبوا له حفيد وحفيدة رآهما قبل رحيله وقرت عينه بهما. في خلال هذه المدة كانت زوجته المخلصة ابنة الأصول والعائلة العراقية العريقة المدرسة (ايمان عبد الأمير الخناق) إلى جانبه تشد أزره وتعاونه في الصحة والمرض وأيام الرخاء والشدة، فلها مني ومن والدة حسين مكي الشكر والتقدير ونسأل الله تعالى أن يجازيها خير الجزاء. لقد حضي حسين بإخوة رائعين هم كل من ابنتي سحر مهندسة الحاسبات ـ وابني محمد الطبيب الإخصائي في مجال الجراحات التجميلية، فكانوا خير إخوة له وخير سند له، كما كان هو خير سند لهم. أما والدته زوجتي الحبيبة زهرة احمد خلف العبيدي فقد كانت أما حنونا له ومربية فاضلة له وسندا قويا له طيلة رحلة حياته. وأخيرا لابد من أن أقول إن حسين مكي كان ابنا بارا بمعنى الكلمة فهو لم يزعجني ولم يخبث خاطري أو خاطر والدته طيلة حياته ، وعندما أصيب بهذا المرض الخبيث تحمله بكل شجاعة ولم يبد أي الم أو امتعاض أو حتى عبوس بالوجه لئلا يؤثر علينا ويشعرنا بألآمه . وبعد أن عاوده المرض اللعين في الأشهر الأخيرة ، وبالرغم من شعوره بان النهاية قريبة ، لكنه لم يشعرنا بها ولا تذمر ولا ابدى أي امتعاض ، بل انه حتى قبيل مغادرته بيوم او يومين كان مبتسما ، وهو يودع أولاده وزوجته الذين ما فارقوه طيلة مكوثه بالمستشفى حتى النهاية.
ان رحيل ابني البكر البار حسين مكي علاء الدين ضربة موجعة ومؤلمة جدا لنا لكننا لا نقول إلا ما يرضي الله ونحمده على ما أعطى وعلى ما أخذ وانا لله وانا ايه راجعون، والحمد لله رب العالمين.
أشكركم جميعا مرة ثانية واسف على تأخري في الإجابة على مواساتكم وتعازيكم فالمصاب جلل وتحمله صعب، ولكن مشيئة الله ورحمته التي نرجوها أن تمكننا من الصبر والتحمل أن شاء الله، وداعيا المولى القدير أن يحفظكم جميعا ولا يريكم مكروه بعزيز
علاء الدين حسين مكي خماس
669 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع