قال إنه في الماضي كانت بغداد أجمل والحياة فيها بسيطة جداً
بغداد – محمد البغدادي – الخليج أونلاين:ارتسمت ملامح الشحوب والتجاعيد على وجهه، وبجسم نحيل أرهقته سنوات من الحروب، يقف أبو يعقوب بائع الشاي عند زاوية من زوايا شارع المتنبي وسط العاصمة العراقية بغداد وهو يحمل أبريقه النحاسي الذي تنبعث منه رائحة حب "الهيل" التي تجذب زوار الشارع الى كشكه الصغير.
ويعتبر شارع المتنبي السوق الثقافية لأهالي بغداد، حيث تزدهر فيه تجارة الكتب بمختلف أنواعها ومجالاتها وينشط عادةً يوم الجمعة، وتوجد فيه مطبعة تعود إلى القرن التاسع عشر، كما يحتوي على عدد من المكتبات التي تضم كتباً ومخطوطات نادرة، إضافة إلى بعض المباني البغدادية القديمة.
وقال بائع الشاي أبو يعقوب، وهو في العقد السادس من العمر، لـ"الخليج أونلاين": "أستيقظ منذ ساعات الصباح الباكر وأبدأ عملي برش الماء وأردد: بسم الله يا فتاح، يا رزاق، أصبحنا وأصبح المُلك لله، ثم أضع الشاي المملوء بالهيل مع الماء الساخن في أباريق، وأضعها على مكعبات الفحم الأحمر؛ حتي يخرج لزبائني بطعمه الخاص ومذاقه الفريد".
العم أبو يعقوب له أسلوبه الخاص في جذب الزبائن من خلال العزف على فناجين الشاي لتخرج إيقاعات كأنها مقطوعة موسيقية تُعزف في مسرح موسيقي، فضلاً عن أسلوبه الفكاهي في تقديم الشاي للزبائن؛ مما يثير انتباه المارة في شارع المتنبي .
وأضاف: "ورثت صناعة الشاي عن عمي الذي كنت أعمل معه في شارع الرشيد ، فكنت أراقب عمي وكيف يحرك أصابعه لتخرج موسيقى تعجب الزبائن، وشيئاً فشيئاً تعلمت كيف أدرّب نفسي وكيف أضبط تلك الإيقاعات بواسطة الأقداح".
العراقي يعشق الإيقاعات والأغاني القديمة التي تذكّره بالأيام الخوالي لبغداد، وكيف كانت تنافس عواصم عالمية وفي شتى المجالات، وحالها اليوم أصبحت أسوأ مدينة في العالم من حيث المعيشة، حسب أبو يعقوب.
وعن طريقة صنع الشاي العراقي، يقول بائع الشاي أبو يعقوب: "يتم وضع أباريق الشاي إما على الفحم وإما على الخشب وإما على نار هادئة، وأطيب طعم له يكون على الفحم، ويشرب بقدح صغير يسمى (لاستكان)، ويوضع في أبريق يسمى (قوري)، ويضاف إليه عدد من حبات الهيل لتكون له رائحة عطرة".
وعن ذكرياته، يقول العم أبو يعقوب: "في سبعينات القرن الماضي، كنت شاباً أعمل مع عمي في إعداد الشاي وبيعه للزبائن في شارع الرشيد، فكان هذا الشارع مقصداً للسياح والوفود الرسمية التي تزور بغداد".
ويعتبر شارع الرشيد أحد أقدم الشوارع في العاصمة العراقية بغداد وأهمها، حيث ازدهر الشارع خلال خمسينات القرن الماضي وستيناته؛ إذ كان مكاناً للعلامات التجارية العالمية، وتدهور حال هذا الشارع في العقود الثلاثة الماضية بسبب الأزمات التي مر بها العراق.
واسترسل في حديثه قائلاً: "في أحد الأيام، زار الشارع وفد رسمي وكان من ضمن الوفد الرئيس الراحل صدام حسين، حيث أثرت انتباه الرئيس بطريقتي في تقديم الشاي للزبائن، فقال لي الرئيس: أريد منك إعداد شاي عراقي ينال إعجاب الوفد، وبالفعل شرب الرئيس والوفد فنال الشاي رضا واستحسان الجميع".
وختم أبو يعقوب حديثه لـ"الخليج أونلاين" بالتعبير عن شعوره بالغربة في عاصمة الرشيد اليوم، قائلاً: "في الماضي، كانت بغداد أجمل والحياة فيها بسيطة جداً، عكس يومنا هذا فتغيرت ملامح تلك المدينة التي عرفتها، فحتى الناس تغيرت طباعهم ومعتقداتهم ؛ حتى أشعر في بعض الأحيان بأني غريب في بلد أجهل أعرافه وتقاليده".
606 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع