ثغرات "العفو العام" تُفتح الباب للافراج عن المتورّطين بجرائم الإرهاب والفساد المالي

    

          التصويت في مجلس النواب العراقي (الارشيف)

المدى برس/بغداد:بعد أقل من شهر على إقرار قانون "العفو العام" المثير للجدل، تتكشف كواليس الصفقات السياسية التي ادت الى إقرار تشريع يفتح الابواب واسعة للإفراج عن الإرهابيين والمتورطين بجرائم الفساد المالي والإداري.

وبحسب المسودات الاولية لقانون "العفو العام" التي تبادلتها السلطات الثلاث منذ مطلع عام 2015، واطلعت عليها (المدى) مؤخرا، فإن السلطة التشريعية، او بعض كتلها السياسية، قامت بإفراغ التشريع من محتواه، واهملت الملاحظات التي أبداها مجلس القضاء على المشروع الذي تقدم به مجلس الوزراء.

وبنظرة عابرة، يكتشف المراقب كيف ضاعف البرلمان عدد بنود مسودة قانون العفو، بفعل التسويات التي أبرمتها الكتل في ما بينها، للخروج بنسخة تحظى بتأييدها وتبلي مصالحها الخاصة.

فبينما تضمنت النسخة، التي قدمها مجلس الوزراء بتاريخ 4/ 3/ 2015، 8 بنود فقط، إلا ان عدد البنود ارتفع الى 16 في النسخة التي اقرها البرلمان بتاريخ 25 آب 2016. وهذا ما يكشف حجم التلاعب الذي اقحمته التسويات السياسية على المسودات الاولى للقانون، التي كانت أكثر دقة في التعامل مع جرائم الارهاب، والفساد المالي والاداري.

ولم تقتصر اضافات البرلمان على الناحية الشكلية فحسب، بل تعدته الى الناحية الفنية والقانونية بهدف ان تشمل اجراءات "العفو العام" اكبر عدد ممكن من المعتقلين والمحكومين.

وتتركز المخالفات حول المادة الرابعة من القانون التي منعت بشكل مكرر انعقاد جلسات مجلس النواب. وبينما تتسم النسخة الحكومية بقدر معقول من التحفظ، يتناسب مع مصالح البلاد العليا، فقد اتسمت النسخة البرلمانية بالكثير من التساهل، على  وفق مراقبين.

فقد تم الالتفاف على موارد الاستثناء من العفو، التي بلغت 13 فقرة، في التعديلات التي أجراها مجلس البرلمان بعيداً عن النسخة الحكومية، والمقترحات التي أرفقها مجلس القضاء الأعلى عليها بتاريخ 18 / 3 / 2015. كما أعاد مجلس القضاء ذات الاقتراحات والتحفظات على النسخة التي وصلتها من مجلس النواب 17 / 8 / 2016، وعقد لأجلها جلسة مشتركة مع رئيس مجلس النواب سليم الجبوري.

وبينما تتقصد النسخة الحكومية باستثناء الجرائم الواردة في قانوني (مكافحة الارهاب) و (العقوبات) الخاصة بأمن الدولة الداخلي والخارجي، فإن نسخة البرلمان تعمدت التساهل في هاتين الحالتين، واكتفت باشارات مطاطة وغامضة لذلك في المادة (4 / ثانيا).

ويلاحظ ان البرلمان رفع البند الذي تضمنته النسخة الحكومية من العفو العام، الذي يستثني (الجرائم الماسة بالهيئات النظامية)، التي نص عليها في قانون العقوبات.

ويمنح البرلمان، بحسب النسخة الاخيرة لقانون العفو، المتورطين بجرائم الاختطاف حق التمتع بـ"العفو" في حال عدم تسبب هذه الجريمة بالموت او العاهة المستديمة او التغييب، خلافا للنسخة الحكومية، وتعديلات مجلس القضاء، الذي يستثني جرائم الخطف بشكل مطلق من "العفو العام".

وفيما تنص النسخة الحكومية في المادة (3 / ثامنا) على استثناء (تهريب المحبوسين والمقبوض عليهم وإيوائهم) من التمتع بالعفو، اشترطت تعديلات البرلمان ألا يكون المحكوم او المتهم (زوجاً او قريبا من الدرجة الاولى). ومن شأن هذه الفقرة ان تفتح الباب واسعاً للتستر على المجرمين والارهابيين، وتسهيل إفلاتهم من الملاحقة القانونية، والمساعدة على زعزعة الامن الداخلي فيما لو ساعد اقرباء المجرمين والارهابيين على افلاتهم من القانون.

كما رفعت التعديلات البرلمانية الفقرة (المادة 3 / تاسعا)، من المسودة الحكومية، التي تنص على ان يستثنى من العفو العام (الجرائم ذات الخطر العام) المنصوص عليها في قانون العقوبات.

وتتجلى خطورة التلاعب في المسودة الحكومية لقانون العفو في المادة (3 / حادي عشر) التي تنص على ان يستثنى من العفو (جرائم الرشوة والاختلاس وسرقة اموال الدولة والسرقة المقترنة بالدولة).

فقد اصبحت هذه الفقرة في نسخة البرلمان (3 / عاشرا)، كالتالي: (جرائم الاختلاس وسرقة اموال الدولة، واهدار المال العام عمداً، ما لم يسدد بذمته من اموال قبل اطلاق سراحه).

وبمقارنة بسيطة يكتشف القارئ ان البرلمان شمل جرائم الرشوة بالعفو، خلافا للنسخة الحكومية، كما انه فسح المجال امام المتورطين بجرائم الفساد المالي والاداري للتمتع باجراءات العفو شرط تسديد ما بذمتهم للدولة.

ومنحت التعديلات البرلمانية المتورطين بجرائم تزوير (المحررات الرسمية) حق التمتع بالعفو شرط عدم استغلال ذلك للحصول على منصب مدير عام فما فوق.

وتشكل هذه المادة، التي خلت منها نسخة الحكومة، وتعديلات القضاء عليها، سابقة قضائية في العفو عن جريمة التزوير حتى لو ادى ذلك للحصول على مناصب اقل من مدير عام.

ورغم ان العفو العام يستثني جرائم تهريب المسجونين (4/سادسا) في النسخة البرلمانية، والاتجار بالمخدرات (4/ثامنا)، وتهريب الآثار (4/حادي عشر)، وتزييف العملة والاوراق النقدية والمحررات الرسمية (4/ثالث عشر)، لكن المادة (6/تاسعا) من النسخة البرلمانية تمنح المحكومين بهذه الجرائم حق اعادة المحاكمة، كما يحق له دفع البدل النقدي عما تبقى من مدة محكوميته، اذا كان قد قضى ثلثها بشكل فعلي، خلافا للنسخة الحكومية وتعديلات السلطة القضائية.

وفي (المادة 10) منح البرلمان اعضاء التنظيمات الارهابية حق التمتع بالعفو العام فيما لو "كان المجني عليه بالحق الشخصي من القوات الاجنبية المحتلة لغاية 2011 على ان لا يكون محكوماً بجريمة قتل عراقي).

وتشكل هذه المادة نقطة تقاطع بين مطالبة كتلة الاحرار، التابعة للتيار الصدري، واتحاد القوى. ففيما اصرّت الكتلة الاولى على شمول من تصفهم بـ"مقاومي الاحتلال" من انصارها باجراءات العفو، رفض اتحاد القوى وضع شرط عدم انتماء "المقاوم" الى احدى التنظيمات الارهابية، وهو ما يفسح الباب امام المنتمين لتنظيمات ارهابية شاركت في زعزعة الاستقرار قبل عام 2011.

وبينما تنص النسخة الحكومية على ان يكون نفاذ قانون العفو ابتداء من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية، تنص نسخة البرلمان (المادة 16) على ان نفاذ القانون يكون من تاريخ إقراره في مجلس النواب بتاريخ 25 آب / 2016.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

676 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع