""الايزيديون عراقيون، كيف كانوا واين اصبحوا""

       

      ""الايزيديون عراقيون، كيف كانوا واين اصبحوا""

   

    

من المتعارف عليه، ان بلاد الرافدين هي مهد وأرض الحضارات؛ ففيه ولد التاريخ والحضارة البشرية منذ آلاف السنين، عاش الإنسان الأول حياة بدائية وصارع الطبيعة من اجل البقاء، ولم يرتق الى انسانيته، الا عندما استقر في ارض تجري فيها الانهار من الموارد الطبيعية، وعندها إرسى أسسها وإوجد اللبنة الأولى لقيامه من خلال إقامة التجمعات السكانية بالقرب من تلك الانهار، حيث شكلت المياه فى مسيرة الإنسانية عاملاً مهماً فى ظهور الحضارات وتقدمها، لما يشكله الماء من حالة استقطاب للأفراد وللجماعات، مهدت لإقامة المجتمع، يقول عالم الآثار العراقية طه باقر فى إحدى دراساته "بعد أن قضى الإنسان القسم الأعظم من حياته فى أطوار التوحش والهمجية، فيما يسمى بعصور ما قبل التاريخ (التى استغرقت أكثر من 99% من حياة الإنسان والتى تقدر بنحو مليوني عام)، دخلت البشرية فى أخطر تجربة وامتحان لا تزال تعانيهما بانتقالها إلى طور الحضارة الناضجة، وقد تحقق ذلك لأول مرة فى تاريخ الإنسان بانتقال وادى الرافدين ووادى النيل فى أواخر الألف الرابع قبل الميلاد إلى حياة التحضر المدنية"، ، بلاد الرافدين مهد الحضارة الإنسانية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فحجم القيمة التاريخية والحضارية التي حملتها لا تقدر بثمن، وهي المنطقة الأهم والمنطقة الأجمل على مستوى العالم كله من شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه، فكل أتباع الديانات التوحيدية الإبراهيمية يؤمون هذه المنطقة للعبادة، ففيها يجد الإنسان راحته النفسية وهي منطقة مباركة بكل معاني الكلمة. لقدسية هذا المكان،

يعد العراق أحدى أكثر بلدان المنطقة العربية ومنطقة اسيا تنوعاً ثقافيا وعرقيا، فتتجاوز العرقيات فيها التسعة “العربية، الكردية، السريانية، الكلدانية، الآشورية، الأرمينية، التركمانية، بالإضافة لعدد من الأسر ذات الأعراق المختلفة المقيمة في مدن العراق استوطنت بهدف العمل وتعايشت معها.

      

الأيزيديون: هم طائفة قومية ودينية، وكانت لهم ديانتهم الخاصة بهم ولغتهم الخاصة بهم في الالف الثالث قبل الميلاد، لكنها تغيرت بمرور الزمن، تنتشر جغرافياً بين ربوع ارض الرافدين منذ الاف السنين، تتوزع بعض جاليتهم في سوريا وتركيا وأرمينيا وصولًا إلى جورجيا، وهم يعدون بمئات الآلاف وربما أقل، فقد دأب المؤرخون والكتاب والمجتمع العراقي على تسميتها باليزيدية، اختلف على أصل التسمية الكثير من الباحثين وكذلك اختلفوا عليه هم أنفسهم، يرى الباحثون الايزيديون ان ديانتهم قد انبثقت عن الديانة البابلية القديمة التي كانت قائمة في بلاد ما بين النهرين. حيث يقول الكاتب الايزيدي "امين جيجو" ان الاركان الاساسية للديانة الازيدية تستمد من المعتقدات الدينية لبلاد ما بين النهرين وخصوصاً الديانة البابلية في الالف الثالثة قبل الميلاد، وهو توليفة من العوامل السومرية وعبادات اخرى، اذ يربط الايزيديون ديانتهم بتبجيل الاله "نابو البابلي" الذي يعبد هناك، في معبده الرئيسي الذي يدعى "ايزيدا"، ويرون ان اسمهم قد اقتبس من اسم هذا المعبد، فأصبحت عبادة نابو منتشرة في بلاد اشور، التي تشمل منطقة الشيخان والزاييين والجزيرة، فنجد ان لنابو هيكلاً في "عالم النمرود" وهي لا تبعد عن لالش اكثر من (70كم)، كما ان هناك مزيج مكوس لنابو في قرية "شدوة" التابعة لمدينة سنجار كبرى معاقل الايزيديون في الوقت الحاضر.
بعد سقوط بابل على يد الجيوش الاخمينية بقيادة كروش الكبير، تعرض شعب ايزيدا للاضطهاد والقمع واضطر للفرار الى المناطق النائية في شمال العراق، ويشاطر بعض الدارسين بأن الديانة اليزيدية هي حصيلة تطور ديانات الشعوب الاشورية والبابلية، كما تتضمن الديانة الأيزيدية عناصر من الديانات الإيرانية القديمة مثل الزرادشتية والمانوية او امتداد للديانة الميثرائية، بالإضافة إلى عناصر من اليهودية، والمسيحية النسطورية، والإسلام، لكن بعد أن تتعرف عليهم وعلى شعائرهم ومعتقداتهم تشعر بأنهم نتاج خليط حقيقي من مختلف الاديان السماوية منها وغير السماوية، البائدة منها والحية.

         

هناك باحثون من يعتقد انها تعود أصولها إلى إحدى الديانات الكردية والفارسية القديمة يُطلق عليها اليزدانية، وتشير الابحاث الحديثة ان اسم الايزيديين، مأخوذ من كلمة "يزد" أو "يزدان"، وذلك لإعتقاد هذه الفئة بـوجود "إله" بهذا الإسم، ويطلق الإيزيدون على أنفسهم هذه التسمية نسبة إلى كلمة "إزداي" والتي تعني "الشعب الذي يؤمن بالله من دون نبي" وذلك في لغتهم، ويطلق على أصحاب هذه الديانة كلمة "يزيدي" في اللغات التركية والإنكليزية والعربية، بالإضافة إلى "إيزيدي" في اللغة الكردية، الأدلة التي تمسك بها أصحاب هذا الرأي وأكثرهم من الذين يريدون نفي العلاقة بين اليزيديين والإسلام، يقول الدكتور خيري نعمو الشيخاني: التسمية الصحيحة هي " الإيزدية " لأنها كلمة كردية عريقة وقد اشتقت من كلمة يزدان أو إيزدان والتي تعني الموحدون أو المنتمون إلى دين الله أو المؤمنون بالله، ويقول الدكتور مهرداد إيزدي الأستاذ في جامعة هار فارد: رغم أن لفظة YAZAT YAZET، تعني الملاك أو السيد أو حتى الإله، فـإن " يزيدي " تحيل خطأً إلى الخليفة الأموي يزيد، ومن ثَمّ فإن إيزيدي مفضل على يزيدي باعتباره ينفي أي صلة مع الخليفة الأموي فضلاً عن أنه يؤدي المعنى المرتبط بكلمة ملاك، سيد، إله، على هذا فأرى أنه يجب تصحيح التهجئة العربية بحيث تثبت إيزدي لا إيزيدي، أما الباحثان نزار غري وأوميد فتاح فيقولان: إن كلمة يزيدي مشتقة من الأصل السنسكريتي " يازدا YAZADA بمعنى الخالق أو المبتكر ثم خففت في البهلوية إلى يازد وجمعها يازدان أو يزدان. ويقول المستشرق W. E ويكرام (Wigram) يؤمن اليزيدية بالكائن الأعلى يزدان الذي يسمو على الكل، لكنهم لا يعبدونه، إنّه ربّ السماء فحسب، والأرض لا تدخل ضمن دائرة نفوذه أو مملكته، ومن اسمه اشتقوا اسم طائفتهم اليزيدية على أصوب الاحتمالات وأرجحها.
ويمكن الردُّ على أصحاب هذا الرأي بأنه لو صح نسبة اليزيديين إلى كلمة يزدان أو إيزدان لما جاز لنا أن نطلق عليهم لفظ يزيديين أو حتى إيزديين، بل كان الأجدر بنا أن نسميهم باليزدانيين نسبة إلى يزدان، أو الإيزدانيين نسبة إلى إيزدان، ثم إن كلمة يزدان أو إيزدان بمعنى الله غير دارجة بتاتاً على ألسنة الناطقين باللغة الكردية وبالأخص أبناء الطائفة اليزيدية، بل يستخدمون كلمة " خُدا " للدلالة على الله سبحانه وتعالى، أما عن استخدام بعض مثقفي الكرد لكلمة يزدان فإنها مأخوذة من اللغة الفارسية، وما أكثر الكلمات التي أخذت من اللغة الفارسية واستخدمت في اللغة الكردية، وهذا أمر شائع بين اللغات التي تربط بينها علاقة جوار، أما قول بعضهم إن كلمة إيزي تعني الله سبحانه يمكن الرد عليهم بالقول:
لم يرد أن الكرد استخدموا هذا اللفظ للدلالة على ذات الله سبحانه بتاتاً، وإنما هو مجرد ادعاء بلا دليل ولا برهان، أما الدافع من وراء ذلك فهو نفي أي صلة بين اليزيدية ويزيد بن معاوية وبالتالي نفي العلاقة بينهم وبين الإسلام.
يعتبر بعض الايزيديين أنفسهم بقايا الديانة الزرداشتية التي أصل عقيدتها وفلسفتها الخير والشر كقوتين هما أساس الحياة، الا ان هنالك كثيرًا من أركان الديانة الإيزيدية التي تتقاطع تمامًا مع الزرادشتية، فقد قدس أتباع الزرادشتية النار ويدخلونها في شعائرهم وطقوسهم وفروضهم الدينية مما ولد الاعتقاد الشائع بأنهم عبدة النار، والأيزيدية من الزرادشتية بحكم التعايش المشترك في تلك الفترة، وإذا انسجمنا مع المنطق المذكور فأننا نقطع بوجود الديانة الأيزيدية منذ وجود الديانة الزرادشتية أي منذ عام 520 قبل الميلاد أن لم تكن قبلها إلا أن الأيزيدية تفرض الصيام على معتنقيها ويأخذ هذا الصوم أشكالا عدة منها الصوم عن الطعام أو الصوم عن الكلام أو الصوم عن أكل نبات معين أو الصوم عن التقرب للنساء ليلة الأربعاء أو الامتناع عن أكل لحم معين، وطقوس الصوم الأيزيدي قديمة قدم دينهم، بينما تحرم الزرادشتية الصوم عليهم، كما يختلف الأيزيدية عن الزرادشتية باعتقادهم بطاووس ملك وهو رئيس الملائكة وفي الثنائية المتجسدة في وحدة الله الواحد الأحد إضافة إلى وجود تمثال لهذا الطاووس يتبركون به، مما نستطيع معه القول بأن تزامن وجود الديانتين يؤكد انفصالهما كل بدين مستقل مع عدم إنكار التأثير المتبادل بينهما، علما أن الأيزيدية تعتقد أن مؤسـس دينهم هو النبي "إبراهيم الخليل" أن لم تكن أقدم منه، بينما يكون زرادشت هو مؤسس الديا نة الزرادشتية ونبيها. “نقلاً عن كتاب "الأيزيدية حقائق وأساطير وخفايا".
وهناك رأي يدعي أن اليزيديين هم بقايا الديانة المثرائية القديمة، والتي ظهرت في إيران قبل ميلاد السيد المسيح عليه السلام بقرنين تقريبا، وأنهم ينسبون إلى الإيزدا، فقد استشهد أصحابه بعدة أدلة، إذ يقول جورج حبيب في كتابه "اليزيدية بقايا دين قديم" تحت عنوان اليزيدية والمثرائية، وتبدو هذه العلاقة واضحة فيما يلي:
1- لا يسمي اليزيدية أنفسهم يزيدية ابتداء بالياء، بل إيزيدية ابتداء بالألف فهم بهذا ينسبون إلى الإيزدا.
2- وصف إسماعيل جول يزيد في حديثه عن ولادته أنه (بربري) ابن معاوية البربر، وكلمة بربر كما علم القراء تعني إله الشمس الذي هو أول (الإيزيدا).
3- يرسم اليزيديون علامة الصليب المثرائي (+) على ما يشترونه من حاجات وأدوات منزلية على سبيل التيمن والبركة.
يرى بعض الباحثين، أن الديانة اليزيدية، هي ديانة منشقة ومنحرفة عن الإسلام، تعود اصولها الى يزيد بن معاوية الذي احيا دينهم القديم واطلق عليه اسمه، وهناك من يعتقد انها تعود الى زيد اخر، وهو يزيد بن أُنيسه زعيم فرقة من الخوارج في صدر الاسلام، حيث تعود اصولها الى زيد بن نفيسة الخارجي، فالايزيدية لا يمتون إلى يزيد بن أنيسة الخارجي بشيء، فشتان ما بينهم وبين أتباع هذا الأخير، فيزيد بن أنيسة كان من البصرة وهو من الخوارج ثم انتقل إلى منطقة من أرض فارس، وكان على رأي الأباضية من الخوارج ثم إنّـه خرج بقوله بأن شريعة الإسلام تنسخ في آخر الزمان برسول من العجم، وينزل عليه كتابا من السماء، وينسخ بشرعه شريعة محمد "صلى الله عليه وسلم"، ثم إن يزيد بن أنيسة هذا غير معروف عند اليزيدية بتاتاً ولا وجود لذكره بينهم وقد اختلط الأمر على أصحاب هذا القول فظنّوا أن اليزيدية الذين ذكرهم الشهرستاني في كتابه "الملل والنحل" هم نفس هؤلاء اليزيدية الذين نحن بصدد الكلام عنهم، والجدير بالذكر في هذا الصدد أن هناك فرقاً كثيرة قد سميت باليزيدية مثل أتباع يزيد الجعفري، ويزيد ابن أنيسة وغيرهما، لذلك ينبغي التفرقة بينهم وبين اليزيدية الذين هم موضوع الذين ذكرهم الشهرستاني، كما ان تسمية الايزيدية بالخليفة الأموي يزيد بن معاوية، ثاني حكام الدولة الأموية، فهو نفي أي صلة بين اليزيدية ويزيد بن معاوية وبالتالي نفي العلاقة بينهم وبين الإسلام، كما أن التسمية لا علاقة لها أيضا حتى بمدينة يزد في بلاد فارس، لو كان صحيحاً نسبة هؤلاء القوم إلى تلك المدينة لكان الأجدر أن يطلق عليهم اسم اليزديين، ثم إن القول بأن هذه النحلة ظهرت في مدينة يزد لا تؤيده الأدلة التاريخية، إذ إن جميع المؤرخين والباحثين الذين يعتد برأيهم والذين تحدثوا عن أصل اليزيدية يقولون أنها ظهرت في منطقة الشيخان القريبة من محافظة نينوى "الموصل".
أعاد الإيزيديون هيكلة عقائدهم خلال العصر العباسي لتتوافق مع الإسلام والأديان الإبراهيمية، للتكيف مع البيئة العقائدية التي تشكلت حولهم، والتي كانت تنظر إليهم كوثنيين لا تنطبق عليهم أحكام أهل الكتاب.
يمكن القول ان الايزيدين تأسست على ثقافات قديمة متأثرة بمحيطهم المتكون من ثقافات عربية اشورية وسريانية، وبذلك يعتبرون خليط من ديانات سابقة ولاحقة من البابليون الاشوريون ومن ثم الزرادشتية واليهودية والمسيحية والاسلام ثم بعد ذلك يعدون طائفة دينية انحرفت عن الاسلام ولهم طقوسهم الدينية الخاصة بهم.
إن الديانة اليزيدية ليست بديانة تبشيرية وتوسعية، ارتبطت مع الرمز إلى الله في شكل الطاووس، اليزيديون يؤمنون بوجود الله الخالق الأكبر للكون الا انه الآن لايعنى بشوونه بعد ان فوض امر تدبيره وادارته الى مساعده ومنفذ مشيئته طاووس مَلَك، الذي يرتفع في اذهان اليزيدية الى مرتبة الالوهية حتى انهم يسبحونه ويتضرعون اليه ويكادون ينسون من اجله الاله الاكبر المتعالي عن هذا العالم، ويصلون إلى الملك طاووس خمس مرات يوميًا، وكان الطاووس في المسيحية القديمة يرمز إلى الخلود، لأن لحمه لا يفسد، ويعتبر الملك طاووس عند الإيزيديين تجسيدا لذات الإله ولا ينفصل عنه، لذا فإن هذه الديانة تعتبر من الديانات التوحيدية،

      

طبقًا للتقليد اليزيدي فإنَّ الطاووس، الذي يقوم فوق شمعدان في قرية باعذرا في وادي لالش، قد انشق عن الله المجهول "الرب"، وقد كُلِّف من قبل الله سوية مع أعلى الملائكة السبعة "أو الأسرار - الكواكب السبعة"، أي ملك طاووس في نفس الوقت، بخلق العالم وتولي أموره، لا يتم تواتر التقليد الديني اليزيدي من خلال نصوص كتب سماوية كنسية، بل من خلال أساطير يتم تناقلها في صيغة تكاد ترد فقط كتراتيل وترانيم باللغة الكردية، ولا تصِر التراتيل والترانيم الأيزيدية عقيدة موحَّدة، بل تسرد قصة أصل ونشوء الطائفة اليزيدية من منظور يتغير مرارًا وتكرارًا، ويقوم الأيزيدين على تمثيل رئيس الملائكة "طاووس مللك" على شكل تمثال طاووس كرمز ديني يدل على عظمته ونراه بشكل واضح في عدد بعض من منازلهم أو في معبدهم الأهم لاليش، ولربما عبادة الشمس القديمة عند البابليين "الإله تموز" أثرت في الدين الأيزيدي الذي ينظر لطهور الشمس ونورها بشيء من القدسية الرمزية، ويوصف أتباع الديانة الإيزيدية بـ «عباد الشمس أو عباد النار» والحقيقة هي غير ذلك تماما، فالإيزيديون يعبدون الله ولا يشركون به أحدا ويعود سبب قدسية الشمس والنار، لأنهما يرمزان إلى نور الله وطهارته ونقائه، ويتجلى فيهما وجود الله سبحانه.
يتمركز الايزيديون في الشمال، والشمال الغربي من العراق، وبالتحديد في المنطقة المحيطة بجبل سنجار غربي الموصل، وفي قضاء الشيخان شمال شرقها، وبعض قرى ونواحي قضاء تلكيف، وناحية بعشيقة، وأقضية زاخو وسميل في محافظة دهوك، ، ولهم وجود خارج العراق في سورية وتركيا وفي القفقاس على الحدود الروسية، وكان آخر احصاء لهم في العراق، حيث يوجد تجمعهم الأكبر، في عام 1977، كان 102191 نسمة ، نظراً الى أن نسبة الخصوبة عالية عندهم، قدر الدكتور خليل جندي من جامعة كوتنكن، تعداد الأيزيديين بما يتجاوز الخمسمائة ألف نسمة موزعين في العراق "سنجار، شيخان، زاخو، دهوك"، وفي سوريا قرابة 30 ألفاً، وفي تركيا ما يتجاوز 40 ألفاً، وفي أرمينيا ضعف تعداد جمهورية جورجيا التي تصل لقرابة 30 ألف نسمة، بالإضافة لوجود أكثر من (6)ستة قرى أيزيدية في منطقة كرمنشاه بجنوب إيران ومركزهم الرئيسي هو قرية كرمين، بالإضافة للجالية الأيزيدية الضخمة المهاجرة تجاه جمهورية ألمانيا، وهولندا، والسويد، وفرنسا.

               

لليزيديين كتابان مقدسان: الجلوة لعدي بن مسافر الذي يتحدث عن صفات الإله، ووصاياه، ومصحف رش أو المصحف الأسود، فيه تعاليم الطائفة ومعتقداتها، الذي يتحدث بلسان الشيطان، والدخول فى العقيدة اليزيدية يتم بنطق شهادة "أشهد واحد الله ، سلطان يزيد حبيب الله "، أما الصلاة فقد اقتصروها على ليلة منتصف شعبان، ويزعمون أنها تعوضهم عن صلاة سنة كاملة، وصيامهم ثلاثة أيام من كل سنة في شهر ديسمبر وهي تصادف عيد ميلاد يزيد بن معاوية، كما يعتقدون أن القيامة والحشر سيكون بين يدى الشيخ عدى في جبل سنجار، حيث توضع الموازين بين يديه لحساب الناس، وسوف يأخذ جماعته ويدخلهم الجنة.
يتكلم الأيزيديون اللغتين الكرمانجية والعربية، لاسيما قرب الموصل في "بعشيقة"، وفي سورية، يؤكد الأمير تحسين أن الإيزيدية من ناحية القومية كرد، لكن بشرط الحفاظ على اللهجة الكرمانجية فهي لهجة الإيزيديين الاجتماعية والدينية، ولذا مصيرهم مصير الكرد المسلمين، لكنه لا يفرط بالمطالبة بحقوق ديانته، على أنها من الديانات العراقية القديمة، صلواتهم وأدعيتهم وجميع طقوس دينهم باللهجة الكرمانجية "إحدى اللهجات الكردية" أمّا كتبهم الدينية القديمة فمكتوبة باللغة السريانية، وكانت لهم لغة قديمة خاصة بهم اندثرت مع مرور الزمن، أكبر قبائلهم هي الهبابات والمسقورة وعمرا وعبيدي وهراقي والشهوان والحياليون والجحش.

            

مشهود عن الايزيديون لهم بالصدق والامانة والاخلاص في العمل لدرجة استدعت أن يفضل رب العمل المسيحي أو المسلم أن يعتمد عليهم اعتمادا كبيرا في عمله ويأتمنهم على امواله أكثر مما يفعل مع أبناء دينه أو طائفته فهم وباجماع من تعامل معهم لايكذبون، وبعيدا عن هذا المديح ربما تلتقي بعض اليزيديين لتفاجأ بأن منهم العامل والمزارع البسيط وكذلك منهم المهندس والطبيب.

نبي اليزيدية
في الديانة الإيزيدية مراتب دينية مرتبطة بالمراتب الاجتماعية وحسب نصوصها الدينية، التي تعتمد على الأدب الشفاهي، ولا تقر بوساطة بين البشر والله، بحيث جعلت العلاقة بين الطرفين مباشرة، أي لا تحتاج إلى أنبياء، غالبية تعاليم الديانة الايزيدية تقدم سراً، يتقرب عباد هذا الدين لله دون وسيط مع قناعة مفادها أن الله موجود في كل شيء، وهو اقرب إليه من حبل الوريد، ومن هنا يؤمن بوحدة الكون والوجود والإنسان المتجدد روحياً، ونجد أهم المعابد التي يذهب نحوها الحجاج في جبل سنجار ويدعى معبد لاليش "معبد لالش"، المكان الأيزيدي المقدس بشيخان، المشيد على عين ماء يعرف بزمزم، والجبال المحيطة به يدعى عرفات، ومعنى المفردة خميرة الأرض، فحسب عقيدتهم أن الأرض، بجبالها ووهادها، استقرت باستقرار خميرتها لالش! هذا، فيقدس الأيزيديين مكان وادي معبد لاليش، لقناعتهم التامة أن الأرواح تبقى متجمعة فوق سماء هذا الوادي إضافة إلى ورود أسمه في كتبهم الدينية ودعواتهم، بالإضافة لكونه يضم أهم رموزهم وشيوخهم، ويرتبط مكانه بالطوفان العظيم، مما يجعل معبد لاليش مكان حج للأيزيدين، وخاصة مع وجود مرقد الشيخ عدي بن مسافر معظم تعاليم عباداتهم وعادات الزواج عندهم وضعها لهم شيخ زاهد متصوف، معروف لهم، وله مكانة كبيرة عندهم، هو الشيخ عدي بن مسافر ويذكر عندهم باسم (آدي) أو (عادي) ويحتل هذا الشخ مكانة خاصة اذ يعتقدونه (طاووس ملك) بهيئة بشر، فضمن المعتقدات اليزيدية أن طاووس ملك ينزل الى الارض كل ألف عام، بهيئة شيخ متصوف وتقي ليبعدهم عن طريق الخطيئة ويعيدهم الى دينهم ومعتقداتهم.

         

ولد الشيخ عدي في قرية "بيت فار" في البقاع اللبناني ثم هاجر الى الحدود العراقية الى منطقة تدعى الهيطارية، وعاش هناك فترة من الزمن، وعدى هذا أحد أبناء البيت الأموى الذى يرى احقيتهم فى الخلافة في زمن الخليفة المستكفي بالله، وكان في مقدمة الهاربين من السلطة العباسية، رحل من لبنان إلى الحكارية من أعمال كردستان، ولقي الشيخ عبد القادر الجيلاني وأخذ عنه التصوف، ألف كتاب محك الإيمان وكتاب هداية الأصحاب، لم يحدثنا تاريخ الأيزيدية عن بروز شخصية توازن شخصية عدي بن مسافر، شكلت شخصية عدي بن مسافر أثراً مهماً في تاريخ الأيزيدية وتحولها بأتجاه التجديد والتطلع نحو تنظيم الديانة التي كانت تفتقر لهذا التنظيم قبله، بالنظر لمكانته المتميزة بين الأولياء والرموز التي جعلت لها الايزيدية مكانة خاصة، بأعتباره مجدداً وناهضاً بهذه الديانة في فتـــرة كانت بأمس الحاجة لهذا التجديـد والنهوض والترتيب، وتوفي بعد حياة مدتها تسعون سنة ودفن في لالش في منطقة الشيخان، فهم يحجون إلى قبره سنوياً في مغارةٍ تقع في جبل لالش، غير أن العقيدة اليزيدية قد اتخذت منحى أكثر تطرفاً بظهور شمس الدين أبو محمد المعروف بالشيخ حسن: المولود سنة 591هـ /1154م وعلى يديه انحرفت الطائفة اليزيدية من حب عدي بن مسافر إلى تقديسه، ونستطيع أن نجمل القول بأن العقيدة اليزيدية قد مرت بعدة أدوار، فقد بدأت كحركة أموية سياسية تتبلور في حب يزيد بن معاوية، ثم تحولت إلى طريقة عدوية أيام الشيخ عدي بن مسافر الذى أضاف إليها الكثير من الممارسات السياسية.

   

اعترفت الدولة العراقية الحديثة بالأديان كافة، وخُص الإيزيديون بفصل من فصول
الدليل العراقي لسنة 1936.
انشأت مجموعة من الايزيدين الذين يتكلمون اللغة العربية حركة عربية يزيدية لبني امية، وترأسها الامير بايزيد الاموي في الستينات، ارسل الامير بايزيد رسالة الى الرئيس جمال عبد الناصر والرئيس عبد السلام عارف حول دعم عروبة اموي اليزيدية، واستطاع رئيس للطائفة الأمير بايزيد الأموي أن يحصل على ترخيص بافتتاح مكتب للدعوة اليزيدية في بغداد سنة 1969م بشارع الرشيد بهدف إحياء عروبة الطائفة الأموية اليزيدية ووسيلتهم إلى ذلك نشر الدعوة القومية مدعمة بالحقائق الروحية والزمنية وشعارهم عرب أموي القومية، يزيديي العقيدة.
تتقسم الطائفة اليزيدية من الناحية الاجتماعية (الروحانية) إلى ثلاث طبقات: فمنهم الامراء، وطبقة الشيوخ التي تتفرّع إلى ثلاثة أصول تنتسب إلى الشيخ عدي، وطبقة "البير" التي تتفرع إلى أربعين فرعًا تنتسب إلى تلاميذ الشيخ عدي، و"المريدون" الذين يشكّلون عامة الناس، ولا يجوز لهذه الطبقات أن تتزاوج فيما بينها، كما لا يجوز لهم الزواج من أتباع الديانات الأخرى.
أهم أعيادهم، عيد رأس السنة "سري صالي" والذي يوافق الأربعاء الأول من شهر نيسان، وعيد "الجماعية" ويكون في السادس من تشرين الأول كل عام، وفيهما تقام الصلوات من أجل أن يعم السلام الأرض، عندهم صلاتين الفجر والغروب وفيهما يتجه المصلي باتجاه الشمس وهذه عادة عبدة الشمس وعادة زرداشتية، ولكي يصلي اليزيدي عليه أن يغسل وجهه ويديه ثم ينحني ويقبل الأرض ويتلو دعائه، أما الصوم فهو مرتان في العام وكل صوم يدوم ثلاثة أيام الصيام الاول يكون شهر كانون الأول بمناسبة عيد الشمس والصوم الثاني في الثامن عشر من شباط، تستمر فترة الصيام من الفجر وحتى المغرب حيث يتوقف الصائمون عن الطعام والشراب وكل ما يوجب الافطار عند المسلمين، وهناك أيضا صوم أربعينيات الصيف، وأربعينيات الشتاء وفي كل مرة يصومون أربعين يوما لكنه حكر على رجال الدين.

        

يذهب اليزيديون للحج في معبد لالش كل عام مرة وهناك يزورون قبر الشيخ آدي "عدي" وبقية مقامات شيوخهم المدفونين هناك، ويعتبر الحج اليه من أهم المناسبات الدينية ويشمل النساء والرجال والأطفال يجتمعون فيه كل عام من جميع أنحاء العالم وتكون تكاليف الطعام والشراب في الحج على نفقة أميرهم.
يختن الإيزيديون أبناءهم الذكور كما يفعل المسلمون واليهود، كما أنّ يوم الأربعاء في عقيدتهم هو يوم خلق الكون، الأمر الذي يستوجب أن يُعطّل الناس أشغالهم فيه ويتفرغوا للعبادة، لكن بصورة غير اختيارية، ويعتبر تعميد المولود الإيزيدي أمر واجب، حيث يتم في ماء من منبع يسمى عين البيضاء، أو "كاني سبي" في لالش مع التبرك ببركات الشيخ آدي، وهي كرات صغيرة مصنوعة من تراب لالش مخلوطة بالحليب، ويرتدي الطفل المعمد طوق خاص يسمى بطوق ايزي.
بعض المحرمات في الديانة الإيزيدية، وأهمها: تناول المشروبات الروحية والتعامل بالربا والزنا، واكل الخنزير، وشهادة الزور، والتلفظ بالكفر، والتبول واقفا أو في الينابيع والبصق على الأرض والنار والماء، والزواج من زوجة الأخ المتوفى، والخال والعم أو العمة أو خالة، والزواج من أتباع الديانات الأخرى.

         

الامير تحسين سعيد بك: تحسين بن سعيد بك بن علي بك بن حسين بك، من مواليد يوم الخامس عشر من شهر آب عام 1933، في قرية باعذرة ـ التابعة لقضاء الشيخان، شمال الموصل، محافظة نينوى، أمه اسمها: خوخي بنت نايف بك بن حسن بك بن حسين بك، أمير الإيزديين في العراق والعالم، من سلالة الأمير علي بيك الكبير، الجد الثالث للأمير تحسين، ألذي قُتل بالقرب من راوندوز سنة 1846 وسمي المضيق والشلال المعروف باسمه "گلي علي بيك"، واغلب العراقيين قد استمتع بزيارة الكلي، وخلفه ولده حسين أميراً، ثم تولى الإمارة ولده علي بيك، ومن بعده سعيد بيك حتى وصلت إلى الأمير تحسين، فهو مِن أسرة أمراء، عندما کان السياسي وعالم الآثار البريطاني اوستن هينري لايارد في ضيافة الامارة بباعدرى، شاءت الأقدار أن يلد الابن الاول للأمير حسين بيك، فدعي لايارد لإطلاق اسم عليه، باعتباره ملما بالتاريخ الإيزدي، فاقترح لايارد اسم علي، إحياء لذکرى والد الأمير المقتول براوندوز، في 19 آب 1892 تعرض الامير علي بيك الثاني لاعتقال والتعذيب على أيدي السلطات العثمانية في الموصل، عندما واجه الفريق عمر وهبي باشا ورفض دعوته في ترك دينه وعقيدته، وبعد سجن دام شهرين، قام الفريق باوامر من اسطنبول، بنفيه مع زوجته الاميرة الخالدة الذکر ميان خاتون اکثر من ست سنوات، الى کاستالوني شمال الاناضول قرب سيواس، وذلك في الفترة من" 1892 – 1898" فاشتهر في اوساط الإيزديين باسم "علي بيك سيواسي"، عندما توفى الأمير سعيد بيك سنة 1944، كان عمر تحسين لم يتجاوز الثالثة عشر عاماً، وهذا لا يؤهله أن يُعترف به أميراً على ملته، ولم يسمح له بدخول البرلمان العراقي، كممثل لليزيديين لكن سطوة جدته أم أبيه ميان خاتون
لدى شيوخ اليزيدية وبين طبقة الأمراء وكذلك لدى الحكومة العراقية، سهلت له الطريق، فبمقترح من وزير الداخلية العراقي آنذاك رُفع سنّ الأمير تحسين إلى السن المناسب، فأصبح أميراً وعضواً في البرلمان، وظلت الجدة ميان خاتون وصية عليه تُسهّل له الصعاب في مركزه، مع أنه الأصغر من بين عدة إخوة للأمير سعيد، إلا أن الجدة اختارته ودعمته بكل قوة، لأن أمه كانت من طبقة الأمراء، وهذا مهم بالنسبة إلى التراتبية الاجتماعية لدى اليزيديين،

                     

في نيسان 1959 وبعد احداث حرکة العقيد عبد الوهاب الشواف في الموصل بشهر واحد، تم اعتقال الامير تحسين بيك برفقة کل من ديوالى سعيد آغا الدوسکي، عبد الله آغا الشرفاني، وسعيد واحمد آغا الحاج شعبان العمادي وعبد العزيز الحاج ملو وآخرين في کرکوك، ثم اطلق سراحه مع عبد العزيز الحاج ملو بناء على برقية خاصة من البارزاني، تم نفيه الى بغداد لمدة ثلاثة أشهر، في اوائل 1960 الى يوليو 1961 تم نفيه الى کل من العمارة وبغداد والديوانية، دعم تحسين الحركة البارزانية، ثم التحق بها في كانون الثاني 1970 قبل بيان 11 اذار بشهرين، واستقر في ناوبردان بالقرب من مقر البارزاني، ووقف معها حتى هزيمتها في مارس 1975، حيث توجه الى ايران، و بعد شهرين اي في حزيران هاجر الى بريطانيا واستقر في لندن لمدة ست سنوات، قضى سنتين منها في معهد اللغات وتعلم خلالها اللغة الانجليزية، بتاريخ 9 ستمبر1981 عاد الى العراق ، ثم التحق بمسعود البارزاني عام 1991 عند قيام الإدارة الكردية في أربيل والسليمانية.

   

يعتبر عصر الأمير تحسين، حسب ما كتبه إيزيديون، بأنه أفضل فترة للإيزيدية، فقد استطاع أن يوصل صوتهم إلى العالم باللقاء مع بابا الفاتيكان، والدوائر الخارجية، واقتنع الكثيرون بأنهم يعبدون الله ولا صلة لهم بالشيطان، الذي ظل اسمه يطاردهم، وكانت التسمية “عبدة الشيطان” تمت بثقافة عثمانية ضدهم.
ولأمير المجلس الروحاني الأعلى للديانة الإيزيدية الامير تحسين سعيد بك،علاقات قوية مع مسعود البارزاني، وعدد من قادة والسياسين في منطقة الشرق الأوسط والعالم، واجرى لقاءات كثيرة منها مع الملوك والساسة، ورؤساء الدول، فضلا عن بابا الفاتيكان، للمطالبة بحقوق الإيزيدية، كما تبرع بعائدات وخيرات معبد لالش إلى صندوق خيري باسمه للإيزيدية "صندوق تحسين بك الخيري"، فضلا عن دوره في الحث على العلم والتنوير والتدريس، وحاز على كثير من التكريمات والجوائز الدولية حول التعايش والتسامح والسلام.
توفي أمير الديانة الإيزيدية، في العراق والعالم، تحسين سعيد علي بك في كانون الثاني 12019، عن عمر ناهز الـ86 عاما، في أحد مستشفيات ألمانيا، بعد صراع مع المرض، ودفن في مسقط رأسه، ناحية باعذرة، الواقعة في محافظة نينوى.
نصب المجلس الروحاني الايزيدي يوم السبت 27 تموز 2019 حازم تحسين بك اميرا في العراق والعالم للأقلية الدينية.

             

تعرض الإيزيديون كطائفة، نتيجة للسرية التي تكتنف معتقداتهم وما لها مزيج غريب من العقائد والممارسات للاضطهاد العرقى والدينى عبر التاريخ، وواجه الإيزيديون نحو 72 حملة إبادة جماعية جلها في فترة الخلافة العثمانية، ومن ابرز محطاته : حملة الخليفة العباسي المعتصم، حملة حسن باشا عام 1715م، وحملة أحمد باشا عام 1733، وحملة سليمان باشا عام 1752م، وحملات نادر شاه للفترة 1732- 1743م، وحملة علي باشا عام 1802م، وحملة سليمان باشا الصغير عام 1809م، وحملة إينجه بيرقدار عام 1835م، وحملة حافظ باشا عام 1837م، وحملة محمد شريف باشا للفترة 1844-1845م، وحملة الفريق عمر وهبي باشا عام 1892م، وحملة بكر باشا عام 1894م، وحملة محمد باشا أمير سوران المعروف بـ"ميري كور" للفترة 1832 – 1834م، وحملة بدرخان بك عام 1844م، من أجل فرض إدارة مركزية في شمال العراق وبذلك أيضًا فرض سيطرتها على مناطق جبل سنجار ووادي لالش، لكن هذه الطائفة استطاعت مع ذلك المحافظة على نسيجها الاجتماعي وكذلك حماية مؤسساتها الدينية، حتى وصل الحال إلى تخريب معبدهم المقدس لالش، وتحويله إلى مدرسة إسلامية، وحملة سنة 1935 من قبل الجيش العراق الملكي، وتفجير سنجار آب 2007، والذى نسب الى تنظيم القاعده، واخيرا سقوط الموصل في حزيران 2014 بيد مقاتلي تنظيم داعش الارهابي، حيث تعرضت المدن الايزيدية وبالأخص سنجار لهجوم من قبل عناصر التنظيم، قتل المسلحون عدد كبير من الايزيديين واسروا اخرين، بعد فرار مايقارب الالف الى جبل سنجار، وكان من نتائج حملة داعش الارهابي هي: قتل 3000 ايزيدي واختطاف 5000 اخرون وتشرد 400000 ايزيدي في دهوك واربيل وزاخو، فضلاً عن ذلك تعرضت 1500امراة ايزيدة للاغتصاب الجماعي، وبيع 1000امراة بالسوق كسبايا، وهدموا عدد من المزارات واماكن العبادة، ونزح إعداد كبيرة منهم، هاجر ما يقارب 100 ألف أيزيدي من العراق إلى أوروبا والولايات المتحدة وأستراليا وكندا.
بعد تحريرسنجاراعلنت ادارة اقليم كردستان ضمها الى الاقليم بشكل منفرد، فقد سمح الاكراد لحزب العمال الكردستاني منظمة اكراد تركيا، أن يكون لهم دور في عملية تحرير سنجار من الدواعش، لتتحول المنطقة الى منطلق لعمليات ضد تركيا، ولتكون مفتاحا لتدخلات تركيا بالشأن العراقي الداخلي، مما ادى الى ان تكون منطقة لصراع طائفي وقومي مقيت، وقد كان لهذا الظم وتواجد حزب العمال الكردستاني التركي، والحشد الشعبي، وقطعات من الجيش، والجماعات المسلحة، دور في بقاء القضاء على ما هو عليه، واهلها لايستطيعون العودة إلى مناطقهم، وعدم تقديم اي خدمات او اعمار وذلك لتصارع الارادات حوله، وعدم وجود صوت وقوة لأهالي القضاء لإدارة مدينته.
لقد هزت مآسي الإيزيديين العالم، عندما مورست ضدهم ابشع الجرائم من الاستيلاء على ارضهم ومساكنهم واخذ النساء واغتصابهم وبيعهم والاطفال واسرهم، ونقلت الايزيدية نادية مراد التي اغتصبت وبيعت المأساة الى العالم من خلال اللقاءات مع رؤوساء الدول والاعلام والمنظمات الدولية، وتوج هذا النشاط بحصولها على جائزة نوبل مناصفة، هذه الجائزة كانت رد اعتبار العالم لقومية الايزيدين ودينهم.
ما زال قضاء سنجار ساحة خصبة تتنافس فيه القوى السياسية المحلية والاقليمية والدولية بعيدا عن مصلحة اهلها منذ 2014، وباتت أرضه صراعا بينها، وسبب معاناة المنطقة وسكانها هو لأنها منطقة استراتيجية مهمة.
عقدت حكومة الكاظمي اتفاقا مع اقليم كردستان العراق في بداية تشرين الأول 2020، على ادارة مشتركة للقضاء وابعاد الاطراف الاخرى سواء كانت من داخل العراق او من خارجه، اذ تتولى الشرطة الاتحادية امن الاقليم بالتعاون مع قوات البيشمركة، اضافة الى تشكيل لجنة مشتركة من الحكومة الاتحادية والاقليم من اجل اعادة اعمار المدينة لعودة النازحين، وانقسم الإيزيديون بين مؤيد ومعارض لهذه الاتفاقية، مع تحفظ قسم آخر منهم على بعض نقاطها، في ظل غياب الموقف الإيزيدي المستقل، فسنجار العربية التابعة الى نينوى ليس لها ارتباط مباشر باي بلدة كردية، ولم يجري فيها أي تغيير ديمغرافي، وغالبية سكانها من الايزيديين فضلا عن العرب والتركمان، فيها من معادن تقدر بملايين من الاطنان من أفضل الخامات الفلزية نقاوة في العراق واهمها النيكل والنحاس والفضة تتفرد بها سنجار، وتمتاز بقلة كلف الاستخراج لهذه المعادن لقربها من سطح الارض، وهنالك حسب مجلة ميدس للطاقة والمعادن شركات مستثمرة قد فاوضت الاقليم على منحها رخص للحفر والاستخراج، فاتفاقية سنجار كانت الخطوة الآلية، الضامنة لقطع طريق الحرير، لأن طريق الحرير يمر من هنا، ان طريق الحرير هو الذي يربط سنجار مع الفاو، طريق الحرير البحري الذي يبدأ من الصين وينتهي إلى مياه الخليج العربي وتحديدا عند ميناء الفاو، حيث يبدأ الخط البري بالبصرة جنوبا ومرورا بسنجار حتى الحدود التركية وثم إلى اوربا، وهكذا جاء اتفاق بغداد مع حكومة اقليم كردستان، مما يعني سيطرة الاكراد على سنجار وقتل مشروع الحرير وضرب ميناء الفاو الكبير، فلا يمكن عبور قوافل التجارة عبر سنجار إلا بموافقة سلطات الاقليم، الواقع أن من خطط مشروع ضم سنجار الى الاقليم هي الولايات المتحدة، أي أن واشنطن ترمي من وراء ذلك ابقاء العراق مكبلا بموت مشروع طريق الحرير واستقرار الايزيدين هناك، فهي لا تريد إحياء طريق الحرير عبر بوابة العراق الذي يهدف الى احداث ثورة اقتصادية للبلاد وطفرة نوعية في كافة الاصعدة، انه مخطط سياسي واقتصادي لخنق ميناء الفاو الكبير.
ان دخول العراق بمشروع طريق الحرير سيفتح نافذة جديدة لتوسيع القاعدة الاقتصادية له، وتحقيق التنوع الاقتصادي فيه، كون هذا المشروع ليس لنقل بضائع فقط، وانما هو مشروع ثقافي وسياحي واقتصادي، فهذا التنوع سيكون له مردود اقتصادي واسع ومردود ثقافي ثري، وهو الأكثر فائدة وأهمية.
والايزيديون اليوم منقسمون ويخشى المدافعون عنهم انشقاقات داخل القيادة، وخير دليل على الانقسام والانشقاق، آلية اختيار "بابا شيخ" وهو أعلى مرتبة دينية ويعتبر الزعيم الروحي للإيزيديين وفقا لعدد من الشروط والإجراءات الخاصة التي تتم بالتشاور بين المجلس الروحاني مع أمير الإيزيديين وعدد من الشخصيات الدينية، اثارت ضجة واسعة بين الإيزيديين، وتسببت في انشطار بينهم بعد اتهامات بتدخل أحد الأطراف السياسية الكردية في عملية الانتخاب، مما أدى إلى نشوب خلافات واعتراضات حادة بينهم، وإعلان البعض منهم عدم اعترافهم بـ"البابا شيخ" الجديد،. فالايزيديين الذين لا يزالون في العراق عالقون في صراع على السيطرة بين بغداد وأربيل، في غياب زعيم كالامير تحسين الذي استطاع بالمامه الثقافة اليزيدية وتكريس الولاء العشائري اليزيدي الذي يصعب اختراقه، وان يوحدهم بالقدر الادنى.
ان "ما حدث في الثالث من اب 2014 (هجمات داعش لقضاء سنجار) هو نتيجة تراكمات منذ عام 2003، وانتشار الأفكار التي تروّج لتكفير الإيزيديين"، فمحنة الإيزيديين اشعلت شموع الحزن الى الشعب العراقي قاطبة، وستظل الجرائم العلنية من ذبح وسبي واغتصاب، في حق أتباع الديانة الإيزيدية، بالعراق، والتي تعود إلى 5 آلاف سنة، وصمة في تاريخ الإنسانية، سيظل ما خلفته من مرارة عالقًة لأجيال طويلة، ومع ذلك تبقى الإيزيدية، ديانة عراقية أصيلة بحاجة إلى دراسة وتعمق أكثر، ومن الله التوفيق.
سرور ميرزا محمود

    

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

376 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع