"المظاهرات في العراق قديما، والانتفاضة حديثا شرارة التغيير في العراق"

      

 "المظاهرات في العراق قديما، والانتفاضة حديثا شرارة التغيير في العراق"

  

كتب كولنجوود قائلا " فاذا كان قد قيل عن الفلسفة هي ام العلوم فحري بنا القول ان التاريخ هو ابو العلوم، فالتاريخ هو جامع لكل الاحداث والوقائع والعلوم ومجريات الحياة حتى كالخازن لذلك" ويستدرك ليقول "مهمة التاريخ هي البحث عن جوهر الاشياء وحقيقتها التي كانت قد انصبت عليها جهود الانسان في الماضي، رغبة منه في تقويمها".

التظاهر تعبير عن الرأي مجموعاً بضغط من أجل تحقيق مطلب، للمواطن، كأحد أشكال المشاركة السياسية، والتظاهر فعل سياسي جماعي، كما أنه يتطلب تنظيماً وتحديداً للأولويات، وتلك من السمات المهم تواجدها في أي مجتمع وقد يكون هدف التظاهر التأييد أو الاحتجاج، ينبثق الحق في التظاهر والاحتجاج عن عدة حقوق مختلفة أساسية يتمتع بها الإنسان، التظاهر هو أحد حقوق الإنسان الذي يظهر نتيجة عدد من حقوق الإنسان المعترف بها، إن حق حرية التجمع قد يتضمن حق التظاهر، ولا يوجد أي آلية لحقوق الإنسان أو دستور يمنح الحق المطلق للتظاهر، إلا أن العديد من لوائح حقوق الإنسان والدساتير تنسب حق التظاهر إلى حرية التجمع أو حرية التنظيم وحرية الكلام والتي ينص عنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والدساتير في الكثير من الدول، في حين لا يمنح أي قانون لحقوق الإنسان أو دستور وطني الحق المطلق في التظاهر، إلا أن هذا الحق قد يكون مظهرًا من مظاهر حرية التجمع وحرية التنظيم والحق في حرية التعبير وستستمّ الاحتجاجات ويستمر فرض القيود عليها من قبل الحكومات، وثقافة التظاهر، هي المسؤولة عن طبيعة هذا النشاط المجتمعي الإحتجاجي، فمن الممكن ان تثيرها ثقافة عنف تؤدي بها وبالمظاهرات الى الصدام والعنف، وثمة العكس عندما تكون الثقافة التي تقف وراء المظاهرات، ثقافة سلمية هدفها الاول والأخير تطوير حياة المجتمع، وبناء ركائز الدولة الحديثة، وفق سبل البناء التي تواكب ملامح ومستجدات العصر.
المُظاهرة هي قيام مجموعة من الأشخاص بالاحتجاج لأسباب سياسية أو اقتصادية أو مهنية، وهي خروج الناس إلى الطريق العام من أجل المطالبة بحقوقهم وضمان حصولهم عليها، حيث أنها ترتبط بحالة ما وتؤدي إلى خروج الأفراد في مظاهرة من أجل المطالبة بحق ما.

        

يدون التاريخ بان أول التظاهرات الاحتجاجية التي عرفها العراق منذ نشوء الدولة والتي أخذت عدة أشكال (اقتصادية، سياسية دينية) ومرت بعدة مراحل من التأطير والقوة، انفجرت في عام 1948 حيث اشتركت جميع أطراف الحركة الوطنية ومنها بعض الاحزاب بأول انتفاضاته كرد فعل ضد توقيع اتفاقية بورت سموث بين رئيس الوزراء صالح جبر وارنست بيفن وزير الخارجية البريطاني سرعان ما تحولت إلى معارك بين الشعب والحكومة، ومنها: واقعة الكلية الطبية، معركة كلية الهندسة، معركة الجسر، ومعركة باب المعظم، وحدث في أثنائها عصيان عام أغلقت خلاله جميع المرافق العامة والخاصة، وسقط في هذه التظاهرات المئات من الطلبة والمواطنين العاديين، بين قتيل وجريح، نتيجة استخدام الذخيرة الحية من جانب شرطة النظام، ومن بين الضحايا: قيس الألوسي وشمران علوان وجعفر الجواهري، قد كان الشاعر العراقي الكبير محمد مهدي الجواهري، من أشد المحرضين على إسقاطه بقصائده التي تلهب مشاعر المتظاهرين، وقد استشهد شقيقه جعفر برصاص شرطة صالح جبر، فرثاه بقصيدة عصماء تجاوزت المئة بيت، أثارت حماس الجماهير، مطلعها:
اتعلم أم أنت لا تعلمُ، بأن جراح الضحايا فمُ
فمٌ ليس كالمدعي قولةً، وليس كآخر يسترحم
يصيح على المدقعين الجياع، اريقوا دماءكم تطعموا
ويهتف بالنفر المهطعين، أهينوا لئامكمُ تكرموا

فالانتفاضة كانت تعبير حي للوحدة الوطنية بأسرها، ساندها الرأي العام العراقي كله، بعيدا عن النعرات المذهبية والعرقية، التي رعاها ونماها وقوى جذورها المستعمر والعملاء آنذاك، استقال عدد من النواب والوزراء مما أضطر الوصي إلى إقالة الوزارة وتكليف السيد محمد الصدر بتشكيلها. وقد قررت الوزارة الجيدة إلغاء معاهدة بورت سموث. ومع أن رئيس الوزراء الجديد حاول عقد معاهدة جديدة أخرى مع بريطانيا، تأخذ بعين الاعتبار مصالح الشعب العراقي في المقام الأول، غير أن بريطانيا رفضت إجراء مفاوضات بهذا الشأن عقابا للشعب العراقي على إجهاض معاهدة بورت سموث، التي ظلت نافذة حتى انتهى موعد سريانها، في عام 1951، حيث تم التوقيع على ذلك في 4 نيسان/ أبريل، اثبتت انتفاضة العراقيين أنها دقت بصلابة اكبر إسفين في نعش السياسة الخارجية البريطانية في المشرق العربي كله، واسقطت بيد المتعاونين مـع السياسة البريطانية كل المحاولات اليائسة.

            

كان تفاعل الشعب العراقى مع قرار تأميم قناة السويس رائعا، فى الوقت الذى اتسم الموقف الرسمى بالتناقض، إذ كان ظاهره التأييد وباطنه الرفض والضيق، تفاعلت الأحزاب العراقية الوطنية والقومية مع القضية المصرية فى كل مراحلها، فأيدت سياسة مصر، وانتقدت وسائل الدول الغربية لترهيب الحكومة المصرية سواء كان ذلك دبلوماسيا أو اقتصاديا أو عسكريا، ولم تترك مناسبة إلا كانت بجانب مصر حكومة وشعبا، فضلا عن أنها تزعمت الحركة الشعبية العراقية، وقدمت دورا ملموسا فى تشجيع العراقيين على الخروج عن موقف حكومتهم السلبى، وقادتهم نحو تأييد القضية المصرية، وتقدمت الاحزاب حركة المظاهرات والإضرابات التى شهدتها الساحة العراقية خلال تلك الفترة، كما رحبت الأوساط الشعبية كافة بقرار التأميم، وأبرقت فئات نقابية وشعبية عدة للسلطات المصرية فى بغداد والقاهرة مؤيدة ومرحبة، واستنكرت صمت حكومتها فى بادئ الأمر إزاء القضية، كما توافدت جموع غفيرة من الشعب العراقى على مقر السفارة المصرية ببغداد لتقديم التهانى بهذه المناسبة، وأعربوا عن استعدادهم للتطوع للقتال بجانب الجيش المصرى للدفاع عن القناة إذا ما اعتدى عليها، العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956 الذي شجبته جميع الحكومات العربية عدا حكومة العراق وقامت حكومات السعودية وسوريا بقطع علاقتهما بفرنسا وبريطانيا، كانت الحكومة العراقية في واد والشعب في واد آخر، فخرجت المظاهرات صباح يوم الخميس الاول من تشرين الاول وتظاهر طلبة الكليات والمعاهد العالية في مختلف مناطق بغداد، وحدثت مصادمات بين الشرطة والجماهير وتجددت التظاهرات صباح يوم السبت 3 تشرين الثاني واتسمت بالسعة والشمول حيث اشترك فيه اغلبية طلبة المعاهد والكليات والمدارس الثانوية والمتوسطة فتحولت الى انتفاضة جماهيرية عارمة شملت مناطق متعددة من العراق وشاركت فيها جماهير واسعة من مختلف الفئات الشعبية، واستشهد اثنان من المتظاهرين في منطقة باب المعظم برصاص الشرطة واستمرت المظاهرات اليومية حتى نهاية العام نفسه وامتدت التظاهرات الجماهيرية الى خارج بغداد الى النجف وكربلاء والموصل والعمارة والبصرة والحلة وبعقوبة، ورافق الاضراب والتظاهرات في بغداد ومدن العراق الاخرى حملة من المذكرات التي قدمت الى الملك من قبل الاحزاب السياسية والشخصيات الوطنية ورجال الدين وكلها تنتقد الحكومة لموقفها من العدوان على مصر ولاجراءاتها القمعية القاسية ضد الحركة الوطنية لقد تضامن شعبنا العراقي بمختلف اتجاهاته وانتماءاته تضامنا شاملا وكاملا مع شقيقه شعب مصر العربي مستنكرة العدوان وعمت الأضرابات جميع المدارس والكليات واعتصم طلبة كلية الزراعة في قاعات القسم الداخلي، والملاحظ ان تميزها كان لدور الشباب الرئيسي فيها وتمركزها في المدن الكبرى وأحيائها الشعبية على وجه التحديد.

     

نشبت حرب حزيران سنة1967 بين "إسرائيل" من جهة ومصر والأردن وسوريا من جهة ثانية، وشكلت تلك الحرب انتكاسة تاريخية للعرب بشكل عام والفلسطينيين بشكل خاص، سمتها الجيوش العربية بـ "النكسة"، إذ احتلت إسرائيل على إثرها سيناء وقطاع غزة والضفة الغربية والجولان، ميدانيا تمكن الجيش الإسرائيلي من تدمير 80% من العتاد العسكري العربي وتهجير عشرات الآلاف من الفلسطينيين من الضفة الغربية، وفي حينها استقال الرئيس جمال عبد الناصر، خرجت مظاهرات عارمة ضمت شرائح اشتركت فيها فئات وتنظيمات مهنية وحزبية في شوارع بغداد تطالب الرئيس عبد الناصر بالعدول عن قراره بالتخلي عن السلطة عقب الهزيمة العسكرية التي لحقت بالعرب في الحرب، وارسلت الحكومة العراقية طلبا الى عبد الناصر باسم الشعب العراقي للعدول عن قراره، فالامة العربية بحاجة الى خبراته من اجل النهوض والتهيؤ لمعركة اخر ضد "اسرائيل"، لم يقتصر الرفض الشعبي لتنحيه على مصر وحدها، بل عم السودان ولبنان والعراق وليبيا وتونس والجزائر وسوريا والأردن، حتى الجاليات العربية في المهجر تظاهرت رفضا لقرار استقالة عبد الناصر، اذاً المصريين والجماهير العربية طالبوه بالبقاء في السلطة، مؤكدين ولاءهم لقائد عربي يستطيع ازالة آثار العدوان، فاضطر الرئيس عبد الناصر مرغما إلى الرضوخ والنزول عند رغبة وإرادة الأمة وعاد إلى الحكم، قام المتظاهرون في بغداد من احراق المركز الثقافي الامريكي والمعهد البريطاني وطالبوا بقطع العلاقات مع الدول التي ساندت العدوان الاسرائيلي، أن حرب 1967 شكلت منعطفا رئيسيا في الصراع العربي الإسرائيلي لا زال العالم يعيش تداعياته حتى اليوم.
يعيش العراق منذ عام 2003 أزمات واحداث متتالية ليست فقط على الصعيد السياسي ولكن على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والتنموية، مما ادى الى فساد بكل اشكاله وحتى هناك فساد مقدس يقوده رجال الدين، وفساد اداري مع غياب ابسط الحقوق المدنية التي ابتليت به بلاد الرافدين، فهو يعيش مرحلة انحطاط بفضل تهيئة المحتل الظروف لنشوء كتلة اجتماعية غير متجانسة وجاهلة ذات امتيازات ومصلحة، مادية ومعنوية، تجعلها تتبنى النظام، وهي التي اوصلت الى سيطرة ايران على كل مقوماتها الهزيلة، ومع ذلك فانها لم تستطع اخماد احياء واستنهاض الروح الوطنية والمواطنة لدى شباب العراق الذين عاشوا فترة الانحطاط منذ الاحتلال.
اندلعت في الوطن العربي احتجاجات شعبية بدأت مطلع شهر شباط 2011، متأثرة بموجة الاحتجاجات التي اطاحت بالرئيس التونسي زين العابدين والرئيس المصري حسني مبارك، واندلعت المظاهرات في العراق يوم 4 شباط/فبراير واستمرت في الأيام التالية بمظاهرات صغيرة في بغداد والموصل والبصرة والرمادي والديوانية، وأعرب المتظاهرون عن الاستياء من فشل الحكومة في تحسين الخدمات كان نقص إمدادات الكهرباء هو الشكوى الرئيسة وتقليص الحصص الغذائية بحكم الأمر الواقع بسبب عدم توافرها التي كانت الحكومة توزعها منذ ما قبل الغزو الذي قادته الولايات المتحدة، ثم اتسعت المظاهرات في 25 شباط حيث قادها شبان يطالبون بالقضاء على الفساد وايجاد فرص عمل لاعداد كبيرة من العاطلين وتحسين الكهرباء والمياه والصرف الصحي، والدعوة الى اصلاحات سياسية وافتصادية واجتماعية، وكان هناك غياب للاحزاب والكتل السياسية ورموزها الدينية التي استحوذت على مقدرات الدولة والشعب بعد الاحتلال الامريكي، تلك الاحتجاجات اوضحت ان الصراع الطائفي والعرقي ليس بين ابناء الشعب بل بين الكيانات السياسية التي لا تمثل واقع المجتمع، وأزاح المتظاهرون كتل الكونكريت العملاقة التي أغلقت جسر الجمهورية المؤدي إلى المنطقة الخضراء بالضفة المقابلة من نهر دجلة حيث توجد المقار الحكومية والسفارتان الأمريكية والبريطانية، وهذه المظاهرات جوبهت حينها بنيران الأجهزة الأمنية الحكوميةبامر من المالكي ذو الننزعات الاستبدادية ، وكانت الحصيلة أكثر من 20 قتيلاً ومئات الجرحى.
اندلعت المضاهرات في اقليم كردستان أيضاً، على الرغم من أنها اقتصرت على السليمانية إلى حد كبير احتجاجاً للصعوبات الاقتصادية وفساد الطبقة الحاكمة للاقليم.
في 25 كانون الأول 2012 نظم العراقيون مظاهرات حاشدة في ست محافظات مختلفة (الأنبار، الموصل، ديالى، صلاح الدين، كركوك، بغداد) واستمرت لأكثر من عام، وذلك احتجاجًا على ما وصفوه تهميش الحكومة لهم، وتواصلت حتى 30 من كانون الأول 2013، وكانت هذه المظاهرات الأبرز في تاريخ العراق بعد العام 2003، وهي مظاهرات سلمية لم تتعدى غير المطالبة بتحسين الخدمات وايجاد فرص العمل والمساواة، واتهمتها الحكومة بالإرهاب والتحدي، وقد هددها نوري المالكي بصورة علنية وبوقاحة تامة.
في 9 نيسان 2013 اقتحمت القوات العراقية بامر من المالكي الساحة التي يعتصم بها المتظاهرون في مدينة الحويجة بمحافظة كركوك، الأمر الذي خلف أكثر من 50 قتيلاً وأدى إلى حالة من الغضب واشتباكات في محافظات أخرى.
في يوم 9 حزيران 2013، خروج مظاهرات كبيرة في محافظة النجف، احتجاجًا على تردي الواقع الخدمي وارتفاع أسعار مولدات الطاقة الكهربائية الأهلية، فيما طالبوا باستبدال مديرين الدوائر "المترهلين والفاشلين".
وفي صيف 2015 و2016 نزل آلاف العراقيين في مدن الجنوب إلى الشارع للمطالبة بإنهاء الفساد وتحسين الخدمات العامة.
لم تحقق عموم المظاهرات التي جرت في مدن العراق الأهداف التي خرجت من أجلها، دون نتائج تذكر، الا انها مهدت لشرارة سوف تنطلق لتوقد شعلة الوعي بالمواطنة التي اراد ان يطفأوها المحتل ومن جاء معه، فالعراق له تاريخ عريق في محاربة الغزاة والمحتلين، فابن الرافدين الاصيل، هو فقط من يستطيع وضع حد لكل السوء الذي نمر به، لانه الوحيد القادر على تحديد مصيره و احتواء كل النزعات والتصرفات السيئة التي تخرج عن القانون ويختار قادته بنفسه.

       

انتفض العراقيون بعد ان زال غبار الخوف والترقب لينتصروا لانسانيتهم ووجودهم وحريتهم ضد طائفية السياسيين الذي اوجدها الاحتلال الامريكي، فكانت انتفاضة تشرين التي كونتها الاجيال الشابة ونزلو الى الشوارع باعداد غفيرة، وهي التي تحولت الى المحرك السياسي الفعلي لعراق ما قبل الاحتلال، هذه الأجيال الشابة التي كانت عمليا المحرك الفعلي داخل لهذه الحركات، أنه «تاريخي» وغير مسبوق، بدأت في الأول من تشرين الأول 2019 بمظاهرات متفرقة في المحافظات الجنوبية في العراق، وسرعان ما امتد زخم تلك المظاهرات إلى العاصمة بغداد.
قبل أسبوع من بدأ المظاهرات، انتشرت على شبكات التواصل الاجتماعي، (فيس بوك) و(تويتر)، دعوات تطلب إلى العراقيين التظاهر، لكن لم يكن معلومًا للرأي العام ووسائل الإعلام، وحتى الحكومة، مصدر هذه الدعوة، فقد إنطلقت المظاهرات وكان أهمها في بغداد في الأول من تشرين الأول/ أكتوبر 2019، بساحة التحرير وسط العاصمة بغداد، بمشاركة أكثر من ألف محتجٍ من الشباب، لم يكن حضور الشابات قوياً مقارنة بالشباب، بمشاهد سلمية وانسانية، مطالبين بإصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية، ونبذ الفساد، وتحسين نظام التعليم، وإصلاح واقع المؤسسات الحكومية، وركزت على ضرورة إيجاد فرص عمل والتخلص من البطالة المتفشية بين الشباب والمقدرة نسبتها بـ%25، استشهد ما لا يقل عن اثنين من المتظاهرين وإصابة 200 آخرين، تطورت المظاهرات لتصبح الأكبر، بعد أن شهدت ساحة الباب الشرقي تدفق عشرات الآلاف كقوّة وطنية حقيقية من جيل الشباب الجديد، ، بعضهم قضى الليالي في العراء متخذين العلم الوطني غطاء،، إنما هي احتجاج شعبي غير مسبوق أدى إلى ارتباك واضح في أداء رجال السياسة العراقية التي لطالما كانت معتادة على احتجاجات وخلافات داخلية فقط بينما ما يحدث اليوم يشبه إلى حدّ ما تحديًا مجتمعيًا مادته الأساسية شبان مثقفون يصل حد مطالبهم إلى إسقاط النظام والغاء الدستور والقضاء على الفساد من خلال تقديم كل فاسد للمحاكمة واسترجاع كافة الاموال المهربة، وامتدت لتصل إلى مناطق شرق وجنوب العاصمة، وشملت اغلب محافظات جنوب العراق ورفعت شعارات تطالب بوقف التدخلات الإيرانية في الشأن العراقي، كما وقاموا بإحراق أعلام إيران والهجوم على قنصليتاها في البصرة وكربلاء.
فرضت الحكومة العراقية حظر تجول ما بين 3-5 تشرين الاول، بدعوى الحفاظ على الأمن العام. فيما تحدى المحتجون القرار وخرجوا بالآلاف في بغداد والمدن الجنوبية، وذلك على الرغم من استخدام قوات الأمن للغاز المسيل للدموع والرصاص الحي. وقد ارتفعت حصيلة القتلى حتى هذه اللحظة لتصل إلى اكثر من 100 قتيل، ونحو 6000 مصاب.

              

قامت السلطات العراقية بفصل خدمة الإنترنت، كما حجبت بعض مواقع التواصل الاجتماعي في معظم المحافظات باستثناء إقليم كردستان العراق، وذكرت تقارير أن معدل الاتصال مع الانترنت انخفض بما يقارب 70%. وقد وردت تقارير إعلامية تفيد بأن مسلحين مجهولون هاجموا مقرات ووسائل إعلام عربية ودولية في العاصمة العراقية، كما جرى اعتقال عدد من ناشطي وناشطات منظمات المجتمع المدني، ورغم اغلاق السلطات العراقية للانترنيت، إلا أنها لم تنتبه إلى مجموعات أ آلاف الشبان بالتنظيم والتعبئة وكانوا يجتمعون لصياغة شعارات الانتفاضة.

    

خرجت مظاهرات عارمة يوم 25 تشرين لتغيير العملية السياسية بشكل جذري، وحل الحكومة والبرلمان وإنهاء النفوذ الإيراني وتحرير العراق من المليشيات الإيرانية، وتشكيل حكومة إنقاذ وطني لحين تنظيم انتخابات نزيهة شفافة باشراف دولي، بمرور الايام وازد ياد زخم المظاهرات وارادتها الوطنية وشجاعتها وبمشاركة الرجال والنساء والطلبة وحتى معلميهم واساتذتهم والمحامين وبعض من النقابات، ورغم التحضحيات التي تقدمها، اثبتت انها انتفاضة لها رؤية سياسية واضحة للإصلاح وانها في طريقها الى الثورة، انهم إعادوا الهوية الوطنية الجامعة لكل العراقيين مع رفض تدخلات إيران والأحزاب والفصائل المرتبطة بها، وهو ما لم يكن معلن عنه قبل هذه الموجة من الاحتجاجات، كما انهم اثبتوا للرأي العام والدولي ان فصائل الحشد الموالية لطهران على أنها "أداة قمع" مساندة للقوات الأمنية وجزء من منظومة الفساد، انهم اثبتوا ايضاً انقسامًا "غير مسبوق" بين عموم الشعب وبالاخص الشيعة العرب، ومنظومة الحكم "الطائفية البغيضة" المتمثلة بالحكومة ومجلس النواب، كما وقاموا بإحراق أعلام إيران والهجوم على قنصليتها، ومقار الاحزاب والمليشيات التابعة لاايران.
رغم حجم الحشود الضخم، يتطوع شباب في نهاية كل يوم لجمع القمامة وتنظيف اماكن التواجد، ومراقبة المنشآت.
بدأت مشاركة النساء تتزايد تدريجيا، في ساحات الاحتجاج وأمام المدارس وداخل الجامعات وفي الشوارع، وفرضن أنفسهن على ساحة التحرير في بغداد والشوارع العراقية، وخارجها، امتداداً لكسر العراقيين لحواجز خوف عديدة، منذ نزولهن إلى الشوارع، بالرغم مشاهد العنف والموت آثرت المرأة العراقية النزول إلى ميادين الانتفاضة متحدية الرصاص، مثبتة أنها لا تقل شجاعة عن قرينها الرجل، ولم يقتصر دور المتظاهرات العراقيات على رفع حماس المحتجين بالهتاف والأغاني الثورية، وهم يرفضن أيضاً كل المحاولات لإسكاتهن، بل تصدرن الصفوف الأولى في الاحتجاجات المتواصلة منذ أسابيع، يقدمن المساعدات الطبية أو الخدمية في الخطوط الخلفية، وعادت تشارك بحيوية كما كانت في منتصف القرن الماضي وما بعده بعد ان غيبها الاحتلال ومن جاء معه، كما ان الموت لم يغيبها عن المشاركة بالرغم من اختطاف واعتقال صبا المهداوي وماري محمد.
ثورة القمصان البيض هكذا وصفت مظاهرات طلاب مدارس العراق من قبل الناشطين والصحفيين، بعد انضمامها إلى الاحتجاجات المستمرة منذ تشرين الاول، وفرض الطلبة على مدارسهم و جامعاتهم تأجيل الدراسة والامتحانات لكي يشاركوا في التظاهرات، ساندتهم نقابة المعلمين.

         

بناية "المطعم التركي" في بغداد ذات الاربعة عشر طابقا المطلة على ساحة التحرير، واطلق اسم "المطعم التركي" على هذه البناية التي شيدت في ثمانينات القرن الماضي والمطلة على ساحة التحرير بوسط بغداد لانها كانت تضم مطعما تركيا في الطابق الأعلى من المبنى الذي يتميز بموقعه الاستراتيجي ما جعله هدفا لسيطرة المحتجين عليه لمراقبة حركة التظاهرات وقوات الأمن التي قد تتقدم باتجاههم، كما يشرف المبنى على جسر الجمهورية المؤدي الى المنطقة الخضراء مركز الرئاسات العراقية الثلاث والوزارات المهمة وسكن المسؤولين ومقرات السفارات الاجنبية تتقدمها الأميركية والبريطانية اضافة الى بعثتي الامم المتحدة والاتحاد الاوروبي في العراق، تعرض "المطعم التركي" لقصف أميركي خلال حرب الكويت عام 1991 وحرب احتلال العراق عام 2003 لكنه تحول بعده إلى مبنى مهجور بعد أن أصابته القوات الأميركية بقذائف صاروخية أثناء احتلالها بغداد في التاسع من ابريل من العام نفسه حيث وجهت دبابات أميركية عند اقتحام بغداد بعض القذائف للمبنى ضد المسلحين المقاومين لها المتمترسين فيه، كانت بناية المطعم تستخدم من قبل القوات الأمنية والمسؤولين للإشراف على عمليات قمع التظاهرات، لكنها اليوم باتت تغص بالمحتجين الشباب الذين يعتبرونها خط الصد الأول للدفاع عن المحتجين في ساحة التحرير، أصبح مبنى "المطعم التركي" بمثابة برج مراقبة وقلعة يحتمي بها المتظاهرون فيما أطلق عليه بعضهم اسم "جبل أحد" والذي اطلقت عليه غوغل الاسم نفسه، حيث اصبح رمزا وايقونة للانتفاضة، تعاون المتظاهرون باقامة معرضاً للصور الفوتوغرافية التي توثق تظاهراتهم ومشاهد من قمع القوات الأمنية لها، وصور قتلى الاحتجاجات والجرحى والعديد من المشاهد الأخرى". ويحتوي أيضاَ على مكتبة توفر للمتظاهرين فسحة للقراءة في جو من الهدوء، كما تعاون المتظاهرين من أجل إصلاح أجزاء من هذا المبنى على أمل أن يعيدوا الحياة إليه، ويجعلوه مركزاً فنياً وثقافياً يعبر عن روح الثورة.

     

استخدام المتظاهرون عربات معروفة باسم "التوك توك" او "التك تك" في عمليات بطولية الإنقاذ جراء العنف المتزايد من جانب قوات الأمن العراقية والميليشيات المدعومة من إيران، كما كانت تحمل بالمياه الغازية التي تساعد المتظاهرين على الصمود أمام قنابل الغاز المسيل للدموع، كما أطلق سائقو سيارات مبادرة لمنح سائقي التوك توك مادة البنزين مجانا نظير خدماتهم الإنسانية في نقل المصابين من المتظاهرين، وتشاهد بعض المتظاهرون بالميادين في الهتاف لعربات التك تك عند ظهورها، وهم يحيون سائقي التك تك بترديد جملة "علم والله علم، أبو التك تك علم"، كما أطلق البعض عليهم لقب "توك توك مان"، كما تغنى المغنين والشعراء ببطولة سائقي التوك توك ومنهم الفنان العراقي حسام الرسام اغنية "ابو التكتك"، كما ابدع الرسامون برسم لوحات يظهر فيها التوك التوك، كذلك تم اصدار صحيفة بنفس العنوان، اصبحت التوك توك ايقونة من ايقونات الثورة العراقية.
استشهد منذ الاول من تشرين الاول، ما لايقل عن 400 شخصا، عدد كبير منهم بالرصاص الحي، وأصيب أكثر من ستة عشر آلاف بجروح، وما يقارب 3000 بتشوهات واعاقات جسدية متنوعة.
امتدت الاحتجاجات إلى عراقيي دول مهجر، الذين تظاهروا عبر العالم مرددين ذات الشعارات لتحقيق إصلاحات اقتصادية وسياسية، ولوقف التدخل الإيراني، وقد نظمت منظمات عراقية تظاهرات في لندن وستوكهولم وسدني احتجاجاً على قمع السلطات العراقية للمتظاهرين السلميين، كما شهدت مدن ألمانية عدة تظاهرات ووقفات تضامنية مع العراقيين، كان أكبرها في مدينة كولونيا غرب ألمانيا.
المظاهرات والاحتجاجات الصاخبة في بغداد والمحافظات الجنوبية والوسط لم تلق في البداية الاهتمام المناسب في واشنطن، كما ان الصحافة الأميركية التي لم تعط الحدث العراقي الاهتمام الذي يستحقه، وبعد ازدياد زخمها وانتشارها، تداولها الإعلام المحلي والعالمي ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي بشكل مكثف.
كشفت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية في لها عن وثائق مسربة للاستخبارات الإيرانية تتحدث عن مخططات طهران للتوسع على الصعيد الإقليمي وجهودها الكبيرة داخل العراق لبسط نفوذها من خلال الجواسيس والموالين لها داخل المؤسسات العراقية المختلفة، وتضم الوثائق مئات التقارير والمراسلات التي كتبت خلال عامي 2014-2015، من قبل ضباط في الاستخبارات والأمن في إيران، وأخرون يعملون في الميدان في العراق، في أحد التسريبات الإيرانية، يوصف عبد المهدي بأنه كانت له «علاقة خاصة» بطهران حين كان وزيراً للنفط في العراق عام 2014. وذكرت الوثائق أيضاً أن رئيسي الوزراء السابقين حيدر العبادي وإبراهيم الجعفري، ورئيس البرلمان السابق سليم الجبوري، هم من السياسيين الذين لهم صلات وثيقة بإيران، و أفادت أن طهران عولت على الوزراء في الحكومات العراقية المتعاقبة، مشيرة إلى أن رئيس الوزراء العراقي الأسبق، نوري المالكي، ووزير الداخلية السابق، بيان جبر، من بين أبرز المقربين لإيران، فيما تطوع قيادي بالاستخبارات للعمل مع النظام الإيراني، وقالت إن مسؤولين عراقيين سياسيين وأمنيين وعسكريين أقاموا علاقات سرية مع إيران، مشيرة إلى أن إيران ركزت على تعيين مسؤولين رفيعي المستوى في العراق، ان هذه الوثائق وفضائح اخرى ستظهر، خير دليل لثوار الانتفاضة لاحالتها الى المحكمة الجنائية والامم المتحدة، كما يمكن الايعاز الى المحامين ومنهم من يعيش في خارج العراق باعداد لائحة ادانة ومحاكمة لهذ الجرم القبيح، وكذلك يجب على ثوار الانتفاضة جعل احدى شروطهم محاكمة كل من ورد اسمه من المسؤلين العراقيين الى المحاكمة.
بالرغم من الوعود التخديرية والترقيعية التي قدمها النظام الحاكم وسلطة المقدس..، وآخرها وثيقة اجتماع الكتل السياسية، الا انها جوبهت بالرفض التام باعتبار تلك الكتل لا تمثل الشعب ويجب محاسبتهم، وان هذا الشعب كله عرف بان هذه الوثيقة بلا شرف، وان الشباب خرج لتغيير النظام وليس لحلول ترقيعية، ولا عودة للخلف ولا تراجع عن الاهداف ودم الشهداء لن يذهب هدراً.
التحرير وفيها الجبل احد وساحات التظاهرات جسدت وتسجد جميع المواقف البطولية وحب الوطن وهم مثال يقتدى به ، ستفشل كل محاولات التصدي لهذه الوطنية الناهضة.
كيف يمكن تحقيق التغيير؟
الوضع في ساحات الاعتصام والعصيان المدني والجمع الكمي يفاجئنا كل يوم فالمتظاهرون في كل جزء من البلاد نظموا أنفسهم بصورة مستقلة، وليس هناك تأثير امتداد ملحوظ من جزء إلى آخر بالرغم من الشهداء التي سقطت والسجون التي شملت الكثيرين، انكسر حاجز الخوف الآن، لا رجوع إلى الخلف، ولا تراجع عن المطالب، حجم الأنتفاضة كبير هذه المرة، وتأخذ بُعد شمولي على الرغم من كل العنف والتضييق الإعلامي والعمل المخابراتي ومحاولات البعض ركوب الموجة، لقد برهن المتظاهرون أنهم خرجوا من قوقعتهم، وأنه لا يمكن ترويض التظاهرات ولا التحكم بها بعد اليوم، كما أن هذه التظاهرات مختلفة هو خروج أشخاص من داخل الطائفة ضد قادتهم، وهذا تغيير كبير يمكن أن يحقق الكثير من المطالب، فنظام الحكم والتكتلات السياسية تعيش حالة من تغييب الوعي بفعل العامل الطائفي وعامل الفساد وتوغل ايران في كافة مرافقه وسراق المال العام ، وطالما ان المنتفضين يتمسكون باهداف وطنية جامعة وتراكم وعيها الاجتماعي والسياسي والصمود الذي تبلور مع مرور الزمن، فتحول الى قوة نوعية للتغيير..، ومن الله التوفيق.
سرور ميرزا محمود

   

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

726 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع