(ذي قار):المعركة التي حطّمت عنجهية الفرس المجوس أ

أحمد العبدالله

(ذي قار):المعركة التي حطّمت عنجهية الفرس المجوس

(معركة ذي قار):تُعدُّ من بين أهم المعارك التاريخية الفاصلة التي يعتزُّ بها العرب كثيرًا, وتعتبر أعظم انتصار عربي على الفرس المجوس قبيل ظهور الإسلام. وكان العرب, وقتذاك, في الجزيرة العربية وكذلك في الشام والعراق, قبائل متفرقة, لا تعرف وحدةً سياسيةً ولا نظامًا إداريا. وبعضهم يعمل وكيلا لقوى أجنبية، إذ كان المناذرة في العراق تابعين للفرس الساسانيّين، ومصدًّا لهم بوجه الروم. والغساسنة في الشام يتبعون لدولة الروم, ومصدًّا لهم بوجه الفرس.

وهناك اختلاف كبير بين المؤرخين في تحديد العام الذي حدثت فيه المعركة, يصل لعشرين سنة!!. وقد ذهب المستشرق الألماني(ثيودور نولدكه)إلى إنه حوالي العام 610 م. وهذا التاريخ يوافق بلوغ النبيّ الكريم مُحمّد(صلى الله عليه وسلم)سنّ الأربعين, وبدء نزول الوحي عليه. أما الحديث المتداول, والمنسوب للنبيّ(صلى الله عليه وسلم)؛(هذا يوم انتصفت فيه العرب من العجم، وبي نُصِروا), فقد ضعّفه الشيخ الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة.

وقعت معركة ذي قار بين قبائل بكر بن وائل, وهي القبيلة الأم لبني شيبان, والفرس الساسانيّين, في موقع يُعرف بـ(ذي قار)أو(ذو قار), يقع بين الكوفة وواسط. ويذكر المؤرخون والبلدانيون العرب القدامى كالبلاذري وغيره؛ إن المكان كان آبار ماء لقبيلة بكر بن وائل, تقيظ عليه صيفا, وإنه يوجد قرب هذه الآبار بطحاء(رمال)أخذت اسمها من اسم المكان.

والسبب المباشر للمعركة باختصار؛ إن(زيد بن عدي بن زيد)بعد قتل أبيه من قبل النعمان بن المنذر ملك الحيرة, بسبب وشاية ومكيدة, أراد الثأر لوالده, فلجأ لبلاط كسرى الثاني(أبرويز)في المدائن وصار من بطانته، وأوغر صدره على النعمان بعد رفضه تزويج ابنته لكسرى، إذ كان العرب يأنفون من تزويج بناتهم للأعاجم. وكان جواب النعمان لكسرى يخلو من الكياسة, إذ وصف نساء فارس بـ(البقر)!!. وهو ما أغضب كسرى عليه كثيرا, وأسرّها في نفسه, وأضمر له الانتقام.

وبعد حين؛ أمر كسرى بقدوم النعمان إليه، فأدرك الأخير ما يُراد به من شر، فغادر عاصمته مع أهل بيته, حاملًا أسلحته ودروعه، وأراد اللجوء لقبيلة(طيء)إذ كان متزوجًا منهم، فرفضوا أن يُجيروه, خشية من بطش كسرى. فاستجار بهانئ بن مسعود الشيباني، وكان سيّدًا منيعًا في قومه، فأجاره. وقال له: قد لزمني ذمامك، وأنا مانعك مما أمنع نفسي وولدي منه، ولكن ذلك غير نافعك، لأنه مهلكي ومهلكك. وعندي لك رأي، لست أشير به عليك لأدفعك عما تريده من مجاورتي، ولكنه الصواب. فقال: هاته. قال: إن كل أمر يجمل بالرجل أن يكون عليه إلا أن يكون بعد الملك سُوقة، والموت نازل بكل أحد، ولأن تموت كريما خير من أن تتجرّع الذل، هذا إن بقيت. فامض إلى صاحبك، واحمل له هدايا ومالا، وألقِ بنفسك بين يديه، فإن صفح عنك, عُدتَ ملكا عزيزا، وإن قتلك, فالموت خير من أن يتلاعب بك صعاليك العرب ويتخطّفك ذئابها. فقال: كيف بحرمي؟, قال: هنَّ في ذمتي لا يخلص إليهن حتى يخلص إلى بناتي. فقال: هذا هو الرأي الصحيح, ولن أجاوزه.

ومضى إلى كسرى فقضى عليه. واختلفت الروايات عن نهايته، فقيل؛إنه قضى نحبه مسمومًا, أو تم رميه تحت أقدام الفيلة وداسته حتى الموت، وآخرون قالوا؛ إنه أُلقي في السجن وأصيب بالطاعون ومات في محبسه. المهم؛ إن كسرى لم يكتفِ بذلك، بل بعث إلى هانئ بن مسعود الشيباني يطلب منه تسليمه وديعة النعمان؛أهله ونساؤه وسلاحه, وإلّا فسيُسيّر له جيشًا لا قِبل له به. وهنا صار(هانئ)أمام خيارين أحلاهما أمرّ من الآخر, فإما الخضوع لكسرى وخيانة الأمانة، أو حفظ العهد والوعد والدخول بحرب غير متكافئة مع جيش فارسي عرمرم, خارج لتوّه من نصر كاسح على جيوش دولة الروم العظمى.

رفض(هانئ بن مسعود)تسليم الأمانات لكسرى واختار الحرب, ولسان حاله يقول؛(المنيّة ولا الدنيّة), وبدأ بتجهيز جيش من قبائل بكر بن وائل وبني شيبان. وجرت مراسلات بينه وبين قبائل العرب الأخرى في الجزيرة العربية، وجاءته الوفود من اليمامة والبحرين, واجتمعوا واتفقوا على محاربة جيوش كسرى الرهيبة. بينما رفضت بعض القبائل العربية المشاركة في معركة اعتبروها(خاسرة), وجلسوا على التل. كما كانت قبائل أخرى منخرطة في جيش كسرى.

حشد كسرى جيشًا من الفرس المعزّز بالفيَلة, يسانده بعضا من القبائل العربية، ومن بينهم قبيلة إياد. لكن إياد أرسلت إلى هانئ سرًا تخبره بأنهم مرغمون على القتال مع الجيش الفارسي. فطلب منهم البقاء مع جيش كسرى, ومن ثم الانسحاب في لحظة حاسمة. وعندما بدأ القتال، انفضّت إياد, وانقضّت على جيش الفرس. وكان ذلك سببا مهما في خلخلة صفوفهم.

ولما دنت جيوش الفرس من ديار بني شيبان قال القائد هانئ بن مسعود لقومه: يا معشر بكر، لا طاقة لكم في قتال كسرى.. فاركنوا إلى الفلاة(الصحراء). وكان(هانئ)قد أمر بتوزيع سلاح وأموال النعمان على أفراد جيشه لتحفيزهم على القتال. واحتدم قتال ملحمي بين الطرفين، وتراجع العرب قليلا في اليوم الأول أمام قوة الفرس، ولكن العطش فتك بالفرس في اليوم الثاني. إذ إن العرب كانوا قد خططوا لعزل الفرس عن المياه واستدراجهم لكمين، ولكنهم هربوا إلى بطحاء ذي قار، فتبعهم العرب، واشتد النزال وكان الفرس يسقطون بأعداد كبيرة، بعد أن استبدَّ بهم العطش، وقُتل منهم الآلاف.

وانهزم الفرس شرَّ هزيمة وانكسروا كسرة كبرى, وهلك معظم قادتهم، وحقق العرب انتصارًا خالدًا بسبب توحّدهم وتعاونهم وتخطيطهم الجيد، مما جعل(يوم ذي قار)واحدًا من أعظم أيامهم التاريخية. إنها المعركة التي حطّمت غطرسة وعنجهية الفرس المجوس وأذلّتهم. وانتصفوا منهم لأول مرة, وذلك ببركة الحبيب المصطفى مُحمّد(صلى الله عليه وسلم). وكما انشقَّ إيوان كسرى وانطفئت نار المجوس مع مولده الشريف, فقد تزامن هذا النصر العظيم مع مبعثه برسالة الإسلام.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

527 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع