بقلم : اللواء الملاح الركن المتقاعد فيصل حمادي غضبان
١٤ أب ٢٠٢٥
الوطن ربٌّ على الأرض… يمهل ولا يهمل
نداء : إلى كل من باعوا ضمائرهم، وخلعوا ثوب الشرف، وارتضوا أن يكونوا خدماً لأسيادٍ غرباء ( سابقاً ، لاحقاً ، حالياً ) تذكّروا أن الوطن قد يصمت، لكنه لا ينسى، وأن الأرض التي دنّستموها بخيانتكم ستلعنكم في الحياة والممات.وللشعب قوله حينما تحين الساعة ولات حين مندم .
١. المقدمة : الوطن ليس شعاراً على ورق ولا أغنية تُردد في المناسبات، بل هو الروح التي وُلدنا منها، ودمنا الذي يسري في العروق ،والأرض التي إن احتضنتنا وكانت فخراً لنا وبعد موتنا ستكون مستقرنا ومأوى لكرامتنا ومن يظن أن خيانة الوطن تمر بلا حساب، فهو كالأعمى الذي يسير في طريق مفتوح نحو هاوية، ظاناً أن الأفق لا نهاية له.ولن يكون صفقةً في سوق السياسة، ولا سلعةً تُساوَم على أبواب السفارات من خانه فقد خان نفسه قبل أن يخون غيره، ومن باعه فقد باع تاريخه ومستقبله، ومن تواطأ عليه فقد ارتكب جريمةً لا تُغتفر. والخائن قد يظن أن الزمن يغطي جريمته،لكن الزمن نفسه سيكشفه، وسيضعه على منصة الحساب للتاريخ قولته والحقيقه ستنطق ولو بعد حين .
٢.في زمن العواصف والمحن تسقط الأقنعة وتظهر الوجوه الحقيقية. هناك رجالٌ صامدون مؤمنين بحب الوطن، يواجهون المخاطربأجسادهم قبل كلماتهم، يذودون عن الأرض بكل شجاعة وصمود، يرفضون أن يبيعوا شرفهم مقابل وعدٍ أو مالٍ أو حماية. وفي المقابل، هناك من نزع ثوب المروءة، وارتدى جلد النفاق ( وما أكثرهم )، من باع نفسه للموجة السائدة، وركع عند أعتاب السياسة القائمة وحتى الأجنبي طمعاً في منصبٍ أو فتاتٍ من مال. يبررون خيانتهم بـ”الواقعيةوالحكمةوتجنب الخسارة بينما الحقيقة أنهم اختاروا أن يكونوا أدواتٍ في يد الغريب، يكتب لهم الأوامر ويحدد لهم الكلمات.لكن هؤلاء ينسون أن للأرض ذاكرة، وأن للوطن عيناً لا تنام. يمهلهم ليتمادوا، حتى إذا آن أوان الحساب و الطوفان الذي لا يرحم. عندها، تسقط كل المبررات، وتبقى الخيانة عاريةً من أي غطاء.
بالمقابل عندما يسطع معدن الرجال، وتتكشف معادن الخونة. هناك من يقف كالجبال، يواجه الريح مهما اشتدت، ويذود عن أرضه وشعبه حتى آخر نفس، وهناك من يخلع عباءة المروءة ويرتدي ثوب المصلحة الضيق، لا يرى إلا نفسه، ولا يسمع إلا صوت المال والمناصب، ويُسلم قراره ورأيه لأصابع غريبة تعبث بخيوطه كدمية رخيصة.هؤلاء يبيعون أرضهم بثمن بخس”بينما هم في الحقيقة يهربون من شرف المواجهة. يتمايلون مع الموجة الأقوى حتى لو كانت تياراً يقتلع جذور وطنهم، ويصطفون خلف أجنبي لا يراهم إلا كأدوات مستهلكة.لكن للتاريخ ذاكرة، وللأرض روح. قد تمنحهم مهلة، وقد يتوهمون أن الصفقة أمنه تحميهم من الحساب، بينما لحظة الغضب الوطني تقترب و تأتي حتماً، حين يكتشفون أن الموجة التي حملتهم ستقذف بهم إلى القاع، وأن الأرض التي خانوها ستلفظهم كما يلفظ الجسد الفضلات.
٣. كي لا ننسى علينا مراجعة التاريخ من شواهد تجمع بين الخونة الذين باعوا أوطانهم وبين الشجعان الذين ظلوا أوفياء، لتكون المقارنة واضحة وقاسية:
أ. الخونة… حين صاروا لعنة في ذاكرة شعوبهم:
أولاً .أبو رغال خائن العرب في الجاهلية:
عندما دلَّ أبرهة الحبشي على طريق الكعبة، فصار رمزاً للخيانة، حتى أن العرب كانوا يرجمون قبره في كل موسم حج.قيل فيه: “أرذلُ من أبو رغال”، وصار اسمه شتيمة لكل من يبيع قومه للغريب بعده تعاقب الخونه ومااكثرهم ابو رغال دمر الكعبه اما ماتلاه دمروا أوطان وكرامة وحتى أديان .
ثانياً . بنديكت أرنولد : الجنرال الأمريكي الخائن أثناء حرب الاستقلال الأمريكية، سلَّم أسراراً وخططاً للإنجليز مقابل المال.حتى اليوم، يقال في أمريكا لا تكن أرنولد” كرمز للخيانة العظمى.
ثالثاً . مارشال فيليب بيتان : من فرنسا بطل الحرب العالمية الأولى، لكنه خان وطنه في الحرب العالمية الثانية،وتعاون مع النازيين ضد شعبه.أُدين بالخيانة العظمى، وقضى حياته في السجن، وأصبح اسمه لطخة في التاريخ الفرنسي.
رابعاً . مير جعفر : من الهند سلّم مدينة كلكتا للإنجليز في القرن 18 طمعاً في الحكم، فاحتلوها وحولوه إلى حاكم صوري. الهنود حتى اليوم يذكرونه كخائن باع وطنه للاستعمار.
ب. الأوفياء الابطال… الذين كتبوا أسماءهم بنور في ذاكرة التاريخ والاوطان:
اولاً .عمر المختار : من ليبيا قاتل الاحتلال الإيطالي حتى أسره وهو في السبعين من عمره ورفض المساومة على حريته مقابل خيانة وطنه.قالوا عنه قوله نحن لا نستسلم… ننتصر أو نموت”.
ثانياً .يوسف العظمة : من سوريا وزير الحربية، قاد معركة ميسلون عام 1920 ضد الفرنسيين وهو يعلم أن النتيجة هزيمة، لكنه قال: “لن نسلم دمشق بلا مقاومة”.
ثالثاً .عبد الكريم الخطابي : من المغرب قاد ثورة الريف ضد الإسبان والفرنسيين، وأصبح رمزاً للصمود رغم قلة الإمكانيات.
رابعاً . تشي جيفارا : من كوبا ترك منصبه ورفاهيته ليقاتل من أجل حرية الشعوب المستعمَرة، وأصبح أيقونة عالمية للفداء.
٤. الخلاصة : الوطن يمهل ولا يهمل. قد يتأخر الحساب، لكنه حين يأتي يكون قاسياً كريح الشتاء على من لا مأوى له. من ينسى أن المصلحة العليا للوطن فوق كل اعتبار، سينسى معه أن الكرامة لا تُشترى ولا تُستبدل. والخيانة مهما تجملت بأسماء براقة، تبقى خيانة. والذين باعوا أرضهم لن يجدوا حين ينفض الغريب يديه منهم، إلا العراء… لا أرض تحميهم، ولا شعب يغفر لهم، ولا تاريخ يرحمهم الوطن ربٌّ على الأرض… يمنحك الأمان إن كنت مخلصاً، ويهدمك إن كنت خائناً. قد يتأخر العقاب، لكن ساعة الحساب حين تدق، تُسقط الخونة من أبراجهم، وتلقي بهم في مزابل التاريخ. من نسي أن مصلحة الوطن فوق مصلحته، سيتذكر متأخراً أن لا شيء ينجيه من لعنة الأرض التي باعها، ولا من غضب الشعب الذي خانه، التاريخ لا يرحم؛ الخائنون قد يعيشون لحظة انتصار زائف تحت ظل الأجنبي، لكن أسماءهم تُدفن في مزابل الذاكرة، بينما الأوفياء قد يُهزمون في الميدان لكنهم يخلّدون في قلوب شعوبهم، وتتحول سيرتهم إلى منارة للأجيال.
1108 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع