من يحكم أميركا.. أوباما أم اليمين؟

                                   

                     د. منار الشوربجي

مثلما حملت الأسابيع الماضية أنباء العنصرية التي طالت أوبرا وينفري في زيورخ، وتلك التي طالت الفتى القتيل تريفون مارتن في أميركا، حمل الأسبوع الماضي اعترافاً رسمياً أميركياً بالعنصرية المؤسسية، الموجودة حتى تاريخه في المجتمع الأميركي.

فقد ألقى إريك هولدر، وزير العدل ذو الأصول الإفريقية، كلمة في الاجتماع السنوي لنقابة المحامين، تطرق فيها للتمييز الذي يتعرض له السود من جانب مؤسسات العدل الجنائي تحديداً.

فهو ذكر أن الأحكام بالسجن التي تصدر في حق السود، أطول بكثير من التي تطال البيض الذين يرتكبون الجريمة نفسها، وتطرق إلى أن الكثيرين يظلون خلف القضبان لسنوات طويلة بشكل غير عادل. غير أن ما قاله هولدر، يظل نزراً يسيراً من حجم الظلم الواقع على السود في مجال العدل الجنائي.

فما لم يقله وزير العدل، هو أن الإحصاءات الرسمية تقول إن أغلبية من يتعاملون مع المخدرات - تعاطياً أو بيعاً أو شراء - من البيض لا من السود، ومع ذلك فإن ثلاثة أرباع الذين يقضون عقوبة في جرائم المخدرات من السود.

ورغم أن نسبة السود الذين يتعاملون مع المخدرات حوالي 14 %، إلا أنهم يمثلون حوالي 37 % من الذين يتم القبض عليهم في قضايا المخدرات، و74 % ممن تصدر في حقهم أحكام في ذلك النوع من القضايا.

ولذلك التفاوت أسبابه الكثيرة التي ليس من بينها، بالمناسبة، تلك الفكرة العنصرية التي تقول إن السود أكثر ميلاً للجريمة أو ارتكاباً لها. أول تلك الأسباب هو مسألة "التوقيف وفق لون البشرة".

فالسود يمثلون النسبة الأعلى على الإطلاق من بين الذين تقوم الشرطة بتوقيفهم للتفتيش العشوائي، سواء على الطرق السريعة أو داخل المدن الكبرى. وسبب توقيفهم هو نفسه بالضبط السبب وراء ما تعرضت له أوبرا وينفري، فهي فكرة عنصرية مؤداها "أنك لو صاحب بشرة سوداء، فالأرجح أنك خارج عن القانون".

وكثيرة هي القصص المعروفة لأساتذة جامعات وعلماء من أصحاب البشرة السوداء، تعرضوا لمثل تلك المواقف. وقد أدت هذه الظاهرة لشيوع عبارة "تقود سيارة وأنت أسود!"، للسخرية من أن لون البشرة هو الجريمة التي يتم توقيفك بسببها.

أما ثاني تلك الأسباب، والذي ألمح له هولدر ضمناً، فهو التمييز في العقوبات، وهو التمييز الذي تمت مأسسته منذ الثمانينيات. ففي 1986، صدر قانون فيدرالي نص على حد أدنى "إلزامي" لسنوات العقوبة في جرائم المخدرات، الأمر الذي من شأنه أن يجعل دور القاضي الذي ينظر ملابسات القضية محدوداً للغاية.

لكن الأخطر من ذلك، هو أن القانون نص على التمييز بين الأنواع المختلفة من المخدرات، من حيث الحد الأدنى الإلزامي للعقوبة بنسبة 1:100. فهو نص على أن عقوبة حيازة غرام واحد من "الكوكايين الخام"، تساوي عقوبة حيازة مئة غرام من "الكوكايين البودرة".

 وقد اعتبر ذلك النص تمييزاً صارخاً يستهدف السود تحديداً، فرغم أن الدراسات العلمية أثبتت أن أثر تعاطي النوعين واحد في خطورته وتأثيره، فإن هذا النص كان يعني مدة عقوبة أطول بكثير للسود مقارنة بالبيض، من مرتكبي الجرم نفسه، قد تصل إلى خمسين عاماً، لأنهم يستخدمون المادة الخام الأقل سعراً.

وهناك عشرات الدراسات التي تناولت ذلك النص القانوني، باعتباره تمييزاً فاضحاً، فضلاً عن أنه لقي معارضة شديدة من جانب عشرات من المنظمات الحقوقية في أميركا منذ صدوره.

غير أن اللافت للانتباه، هو أن ذلك قد خضع للتعديل في عهد أوباما عام 2010، ولكن المفارقة أن التعديل لم يجعل العقوبة متساوية في الحالتين، وإنما خفضها من مئة إلى 18! ولم يفصح أعضاء الكونغرس عن السبب وراء الإصرار على اختلاف مدة العقوبة، ولا حتى عن السبب في اختيار نسبة 18 % بالذات، إذ لماذا لا تكون 15 % مثلاً؟! بعبارة أخرى، لا يزال التمييز ضد السود مقنناً ومؤسسياً، لأن القانون يميز بين العقوبات المفروضة في قضايا المخدرات وفقاً لنوع المخدر، لا وفقاً لطبيعة الجريمة وملابساتها.

وليت القصة تقف عند هذا الحد، فإدارة أوباما تتشدد في التطبيق.

فحين صدر التعديل، طالبت الإدارة المحاكم بألا تعتبر التعديل سارياً بالنسبة لمن تم القبض عليهم قبل صدوره ولا يزالون في انتظار المحاكمة. وبسبب الضغوط الحقوقية، تراجعت الإدارة عن ذلك الموقف، إلا أنها أصرت على ألا يؤدي التعديل الجديد إلى التخفيف من عقوبة من صدرت في حقهم أحكام بعقوبات قبل 2010.

المفارقة هنا، هي أن محكمة استئناف فيدرالية قضت بالعكس، حيث أمرت بتخفيف مدة العقوبة حتى بالنسبة للأحكام التي صدرت منذ صدور القانون الأصلي في الثمانينيات، وقالت إن ما جرى لهؤلاء يمثل ظلماً فادحاً اعترفت به الآن مؤسسات الدولة كلها، ومن ثم، يحق لمن هم خلف القضبان التقدم بطلب لتخفيف مدة العقوبة. إلا أن الغريب في الأمر، هو أن إدارة أوباما ترفض هذا الحكم، وتنوى رفع الأمر للمحكمة العليا للبت فيه.

بعبارة أخرى، فإن الرئيس ذا الأصول الأفريقية، ومعه وزير العدل الذي هو الآخر من أصول أفريقية، ورغم اعترافهما بالتمييز الذي وقع على هؤلاء السود، يرفضان تصحيح ذلك الظلم التاريخى، ومرة أخرى، دون سبب معلن!.

لكن ربما تكون لغة الخطاب التي استخدمها وزير العدل في كلمته ذات دلالة لفهم السبب، فهو خطاب يؤكد في كل عباراته على فكرة "القانون والنظام"، التي هي لغة كودية اخترعها اليمين بعد حركة الحقوق المدنية مباشرة، للسيطرة على السود، بعد أن صار من الصعب وقتها استخدام التعبيرات العنصرية الصريحة.. و"القانون والنظام" قصة تستحق التناول في مقالات قادمة.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1073 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع