عوني القلمجي
صراع الغلمان تحت مظلة الامريكان
من الغريب والمحير فعلا، ان يراهن الكثير من العراقيين على الصراعات، التي تدور بين الأحزاب والجماعات والمليشيات، التي تنضوي تحت خيمة عملية المحتل السياسية، واحتمال تطورها الى حرب مسلحة. اعتقادا منهم بانها ستؤدي، اما الى انهاء سطوة هذه المليشيات على مقدرات البلاد، او اضعافها والحد من شرورها! خاصة وان بعضا من هذه الأحزاب وميلشياتها المسلحة، قد قامت باستعراض عضلاتها امام المنطقة الخضراء، مقرونة بلغة طابعها شعارات مطلبية تتعلق بنتائج الانتخابات، وجوهرها التهديد والوعيد بالويل والثبور، لكل من يحاول المساس بمكتسباتها او يحط من مكانتها، في إشارة الى مقتدى الصدر وتياره المسلح، الذي أعلن بعد فوزه الساحق في الانتخابات، المفصلة على مقاس المرتزقة والقتلة واللصوص عن قراره بتشكيل حكومة "صدرية" او حكومة "ابوية"، عابرة للمحاصصة الطائفية والعرقية على حد تعبيره. والتي تعني بالنسبة للطرف الاخر، استحواذ مقتدى على حصة الأسد من المناصب وسرقة المال العام، وموارد المشاريع الوهمية وغيرها من وسائل الثراء.
لكن الأكثر غرابة وحيرة، انتقال عدوى هذا الرهان الى بعض السياسيين والمثقفين والكتاب، المحسوبين على المعسكر الوطني، والمعادين لهؤلاء الأشرار وعمليتهم السياسية. بل ذهبوا ابعد من ذلك، واعتبروا هذه الصراعات تدور بين معسكر العملاء الذي يقوده نوري المالكي وحلفاؤه، الذين يسعون للحفاظ على مواقعهم في السلطة ومكاسبهم غير المشروعة، وبين المعسكر الوطني الذي يقوده مقتدى الصدر وتياره، الذي يسعى الى تشكيل حكومة اغلبية، تحمل معها وفق ادعائه برنامجا إصلاحيا شاملا وخطة لمحاربة الفساد والفاسدين. لينتهي هؤلاء الى دعوة العراقيين للوقوف الى جانب مقتدى وتمكينه من تحقيق برنامجه الإصلاحي الشامل! في حين كان المطلوب من هؤلاء، المساهمة في فضح وتعرية حقيقة هذه الصراعات، كونها تدور من اجل نيل حصة أكبر من السلطة والمال، وليست صراعات تدور بين معسكر عميل واخر وطني. او كما اعتبر أحدهم في مقال طويل، بان هذا الصراع هو الهدية التي نزلت من السماء لإنقاذ الشعب العراقي من محنته، ومن غير المعقول التفريط بها!!!
ان ترويج مثل هذه التصورات الخاطئة والتوجهات الخطيرة، وتمريرها في جنح الظلام، قد تشجع العراقيين على الدخول طرفا في الصراع الى جانب مقتدى واعتباره المنقذ او المخلص، بدل الدخول في رحاب ثورة تشرين وتمكينها من الاجهاز على هؤلاء الأشرار. وبالتالي لا بد لنا من الوقوف على الحقيقة وليس لوي عنقها. فما يجري من صراعات، ليست سوى مسرحية بائسة جرى عرضها مرات عديدة، وبالتحديد بعد اعلان نتائج الانتخابات التي شهدها العراق المحتل بين عام 2005 وعام 2018. حيث يبدأ فصلها الأول بتوجيه اتهامات بالتزوير والخروقات ومطالبة الكتل الخاسرة بالعد اليدوي، ومن ثم اشغال الناس بهذه الدوامة، على امل اقناع البسطاء بديمقراطية الانتخابات. ويعرض فصلها الثاني الحوارات التي تجري بين الزعماء الأشرار من اجل تشكيل الكتلة، وما يرافقها من وعود وردية وبرامج إصلاحية. اما فصلها الثالث، فيتضمن حفل توقيع الاتفاق على توزيع المناصب، فيأخذ الكرد رئاسة الجمهورية والسنة رئاسة البرلمان والشيعة رئاسة الحكومة. ومعها حصة كل منهم من الوزارات والمناصب السيادية وبقية المناصب الاخرى. وهذا ما سيحدث بعد أيام معدودات. ودعكم من التصريحات النارية المتبادلة بين معسكر المالكي والتيار الصدري. فكلا المعسكرين جزء لا يتجزأ من عملية المحتل السياسية، وساهم كل منهما، حسب قدرته واستطاعته في تنفيذ مخطط تدمير العراق دولة ومجتمعا. ناهيك عن الجرائم التي ارتكبوها والأموال التي سرقوها والبلاد التي باعوها للأجنبي.
ليس هذا فحسب، فهؤلاء الأشرار هم بحاجة أكثر من أي وقت مضى الى حل خلافاتهم، وبوقت أسرع وبطريقة أكثر ودية. ومرد ذلك يعود الى حجم المأزق الخطير الذي يعانون منه، والى الحالة المزرية التي وصلت اليها العملية السياسية، والدمار والخراب الشامل الذي عم البلاد، والفواحش والجرائم التي ارتكبوها بحق الناس، والعجز في تقديم الخدمات والامن، الى جانب حالة الاستياء التي عمت الشعب العراقي ضد هذه العملية وجلاوزتها. الامر الذي قد يؤدي بهم الى السقوط وتقديمهم للمحاكم لنيل القصاص العادل. او في أحسن الأحوال استغناء المحتل عن خدماتهم واستبدالهم بوجوه جديدة. خاصة وان الشعب العراقي الذي انتفض ضدهم عبر ثورة عظيمة ما زالت نيرانها متقدة، قد عبر بوضوح عن رفضه لهؤلاء الأشرار وعدم التعامل معهم، من خلال مقاطعة الانتخابات بنسبة تجاوزت التسعين في المائة.
دعونا نسترسل أكثر، لنتبين ان عدم التوصل الى اتفاق شامل قد يدفع مقتدى الصدر الى التمرد على ما يسمى بالبيت الشيعي، وبالتالي يفقدهم اليد الضاربة التي تحميهم من السقوط، لما يتوفر عليه من خبرة في مواجهة الانتفاضات والثورات، التي تستهدف وجودهم وتعرضهم للسقوط. تارة من خلال الاندساس في صفوفها وحرف مسيرتها والالتفاف عليها، وتارة مواجهتها بكل ضراوة. وما فعله مقتدى وتياره المسلح في قتل ثوار تشرين في عدد من ساحات التحرير خير دليل على ذلك.
ان العملية السياسية التي صممها المحتل، والتي ينتمي اليها كل هؤلاء الأشرار، لم يكن الهدف منها بناء نظام ديمقراطي، يكون الأساس لبناء العراق الجديد كما ادعى، وانما الهدف منها خلق الية تكون قادرة على تنفيذ مخطط تدمير العراق دولة ومجتمعا. ولكي تؤدي هذه العملية المقيتة مهمتها الغادرة، بنى لها المحتل سياجا حديديا لا يسمح اختراقه ولو بحجم خرم ابرة. ثم حصنها بنظام محكم، وتستند على أسس عديدة أولها، محاصصة طائفية تدعمها مليشيات مسلحة، ومجموعة من الأحزاب والتكتلات ذات الطبيعة الأرتزاقية، والمجندة لأثارة النعرات بين أبناء الوطن الواحد، طائفيا وعشائريا وعرقيا. ناهيك عن الصفات الرذيلة التي يحملونها، من أبرزها اللصوصية والقتل وانتهاج سلوك لا وطني يرتقي الى مرتبة الخيانة العظمى.
ثانيها دستور ملغوم صمم من اجل تدمير العراق وتقسيمه الى دويلات طائفية وعرقية، تحت غطاء المادة الأولى منه، التي جعلت من العراق الموحد دولة فدرالية. كما استبدل الدستور الولاء للوطن بالولاء للطائفة او العرق او الدين. والاهم من ذلك كله، فانه لا يمكن لكائن من كان ان ينسف مادة من مواد هذا الدستور، لا من داخلها ولا من خارجها، فكل واحدة منها محمية بهذه الطريقة او تلك من جهة، وتحمي بعضها الاخر من جهة أخرى. ناهيك عن تحصين الدستور من أي تعديل من خلال المادة 142، ودعك من بقية المواد التي تضمنها الدستور، والشبيهة بمواد الدساتير الراقية في البلدان الديمقراطية. فهذه ليست سوى محاولة مفضوحة، للتستر على ما فيه من روح ظلامية واجرامية لإبادة شعب بأكمله.
ثالثها انتخابات مزورة ينتج عنها برلمان يشرعن الفساد ويحمي المرتشين والمرتزقة، وحكومة عميلة، لا تعتمد في تشكيلها على نتائج الانتخابات، وانما تعتمد على قرار من المحتل الأمريكي وبالاتفاق مع وصيفه الإيراني. وخير دليل على ذلك، ان رؤساء الوزرات، إبراهيم الجعفري ونوري المالكي وحيدر العبادي وعادل عبد المهدي ومصطفى الكاظمي قد تم تنصيبهم من قبل المحتل، وليس من قبل الحزب الفائز او من قبل الكتلة الأكبر او الأصغر.
اما رابعها، فيتمثل بالمرجعية الدينية، وعلى راسها المرجع الأعلى علي السيستاني. حيث منح العملية قدسية تحرم المساس بها او إصلاحها من داخلها او من خارجها. بل ساهمت هذه المرجعية مساهمة فعالة، وبالتنسيق مع المحتل الأمريكي تحديدا، في حماية اشرار العملية السياسية والتستر على سرقاتهم وجرائمهم. ليس هذا فحسب، وانما صادقت على الدستور الملغوم الذي يجرف البلاد والعباد، وباركت الانتخابات المزورة وأصدرت الفتاوى ضد كل من يرفض المشاركة فيها. وكان أكثر هذه الأفعال المشينة التي قامت بها هذه المرجعية، حماية الحكومات المتعاقبة من خطر الانتفاضات والثورات التي تقوم ضدها. وكان اخرها الوقوف ضد ثورة تشرين العظيمة بطرق ملتوية ومخادعة.
يشعر المرء بالملل حين يضطر الى الإجابة عن سؤال، فقد فحواه لكثرة استخدامه من قبل المخادعين ومرتزقة العملية السياسية، الا وهو ما البديل؟ نقول ببساطة شديدة جدا، ان البديل لمثل هذه الأوضاع الشاذة في كل انحاء الدنيا، هو الشعوب وقواها الوطنية. وشعب العراق له تاريخ مجيد في الثورات ضد المحتل وعملائه وضد الحكومات الديكتاتورية والعميلة. واليوم تأتي ثورة تشرين العظيمة لتؤكد، ان الشعب هو القوة الوحيدة القادرة على التغيير. خاصة وان الصراع الذي يدور اليوم، ليس بين مجموعة من المتظاهرين في هذه الساحة او تلك، وحكومة قادرة على انهاؤها بسهولة، وانما هو صراع بين عموم الشعب العراقي وقواه الوطنية من جهة، وبين السلطة الحاكمة واحزابها وميلشياتها المسلحة من جهة أخرى. ويقينا ان نتائج مثل هذه الصراع الشامل وبهذا المستوى العالي، ستكون لصالح الشعوب، مهما كانت ضعيفة، وخسارة الحاكمين مهما بلغوا من قوة وباس شديد.
عوني القلمجي
23/10/2021
966 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع