بقلم / أحمد فخري
قصة قصيرة (العرافة) -الجزء الثاني
من لم يتسنى له الاطلاع على الجزء الاول فبامكانه مراجعته من خلال هذا الرابط:
https://algardenia.com/maqalat/47311-2020-12-30-17-25-25.html
النائب العربي : هاهاها، لا يا عبدو ارجو ان لا يذهب فكرك بعيداً.
عبد السلام : إذاً كيف عرفت كل هذه التفاصل لو لم تكن عضواً فيها؟
النائب العربي : اعرف الساعات التي دخلتَ فيها للارشيف العام والفترات التي قضيتها هناك والمقابلات التي اجريتها مع السيدة بلقيس بخارج الفندق وداخله.
عبد السلام : إذاً، كانت زوجتي فاطمة الزهراء تبلغك بكل شيء، اليس كذلك؟
النائب العربي : كان ذلك لمصلحتك يا عبدو.
عبد السلام : كيف يكون لمصلحتي إن تتعاون زوجتي مع عصابة تنتشر بكامل البلاد المغربية؟
النائب العربي : يا عبدو توقف عن الكلام قليلاً ودعني اشرح لك كل شيء. انت فاهم الموضوع بشكل خاطئ.
عبد السلام : تفضل انا اسمعك.
النائب العربي : منذ عدة سنوات ونحن نترصد عصابة تدعى (أوقاس) وباللغة الامازيغية تعني الاسد. هذه العصابة كانت تتولى زراعة وتطوير وتسويق مخدر البانگو بداخل المغرب وخارجه والبانگو يُعتبر من المواد المُخدرة التي تستخرج من نبات القنب، المادة الفعالة فيه هي "تتراهيد روكنابينو" وقد تم إستهلاك الانسان للبانجو منذ زمن بعيد، على الرغم من أن القرن العشرين كان هناك إرتفاع كبير في إستخداماته لأغراض دينية أو ترفيهية أو روحية بالاضافة الى الأغراض الطبية. ومن الجهات التي كانت تصدر لها عصابة أوقاس هذه المادة المخدرة هي عصابة خضراء في صعيد مصر بمنطقة تدعى قرية عزبة الصعايدة. كانت هذه السيدة تترأس منظمة كبيرة تقوم باستيراد البانگو من عصابة أوقاس بالمغرب ثم تقوم بتسويقها بداخل مصر على نطاق واسع.
عبد السلام : إذاً خضراء لم تكن عرافة وانما رئيسة عصابة اليس كذلك؟
النائب العربي : بالطبع. لقد قامت شرطة مكافحة المخدرات المصرية بمتابعة خضراء وترصدت تحركاتها وعلمت ان مصدر بضاعتها هو المغرب لذلك خاطبتنا واعلمتنا بذلك فقمنا نحن بالمزيد من التحريات حول الموضوع واكتشفنا ان مصدر تلك المخدرات هو عصابة أوقاس. وبعد ان تم التأكد من صحة البلاغ المصري، قمنا بفتح قنوات الحوار بيننا وبين المصريين بشكل واسع كي نتمكن من غلق منبع البانگو وتجفيفه. بعد ذلك قامت الشرطة المصرية بتجنيد احد منتسبي الشرطة المصرية الجدد الذي تخرج للتو من كلية الشرطة حتى يعمل بشكل سري للغاية يدعى محمود يسن عبدالودود كي يتسلل الى عصابة خضراء بصعيد مصر فيصبح عضواً فيها ولكي يتعرف على مصدر المخدرات المصدرة الى مصر...
قاطعه عبد السلام وقال،
عبد السلام : إذاً محمود هو شرطي مصري ويعمل بالخفاء مع عصابة خضراء ومن بعدها عصابة أوقاس؟
النائب العربي : اجل هذا صحيح.
عبد السلام : وكيف وقع خيارهم عليه؟
النائب العربي : بما انه خريج جديد لكلية الشرطة وكان من المتفوقين بدفعته وبنفس الوقت وجهه غير مألوف لدى تجار المخدرات. كان الانسب لمثل هذه المهمة.
عبد السلام : وكيف جاء الى المغرب؟
النائب العربي : استطاع محمود ان يقنع رئيسة العصابة خضراء ان ترسله الى المغرب كي يسهل عملية ارسال شحنات المخدرات عبر عدة طرق بحرية ومنها الاسكندرية. وكان ذلك بعلم شرطة مكافحة المخدرات المصرية. وهذا ما جرى بحثه بالمحادثات الثنائية بين شرطة مصر وشرطة المغرب.
عبد السلام : وما كفائة ذلك الضابط؟
النائب العربي : يا عبدو. انه الرجل الذي نعتمد عليه ونضع جميع آمالنا لكشف جميع اوراق عصابة أوقاس ولاننا نعتقد ان عصابة اوقاس قامت بتوسيع اعمالها وقد تطورت من مخدر البانگو الى استيراد المخدرات الاكثر خطورة كالهروين والكوكايين من مصادر يعتقد انها اوروبية. والآن دعني اكمل الحديث، قام محمود بالدخول الى عصابة خضراء بصعيد مصر بحكم معرفة خضراء لوالدته بلقيس في الماضي.
عبد السلام : بما ان خضراء تعرف والدة محمود كونها انسانة ثرية جداً. فكيف انطلت عليها لعبة محمود؟ وما اقصده هو، لماذا يأتي رجل ثري ليعمل بتجارة المخدرات؟
النائب العربي : محمود اخبر خضراء ان والدته تبخل عليه كي يكافح ويعتمد على نفسه لكنه كان يرغب بكسب الكثير من المال بفترة قصيرة. ولم تعرف خضراء ان محمود دخل الى كلية الشرطة لانه التحق بالكلية بعد مغادرة خضراء للقاهرة.
عبد السلام : وكيف استطاع ان يكسب ثقة العصابة؟
النائب العربي : وثقوا به بعد ان جربوه بعدة عمليات توزيع خطيرة قام بها لصالح عصابة خضراء وبعلم شرطة مكافحة المخدرات بمصر. بقي يعمل معها لمدة سنة كاملة مما جعلها تجنده وتبعثه الى المغرب كي يسهل عليها عملية استيراد البانگو كي لا تكتشفها الجمارك المصرية الا ان محمود ترك مصر ولم يعود اليها فاعتقدت خضراء انه خانها وبقي مع عصابة أوقاس كي يجني ربحاً اكبر. وبالمغرب تمكن محمود بحنكته وكفائته العالية بالاقناع ان يكسب ثقة عصابة أوقاس حينما فضح عملية المداهمة الكبيرة التي قامت بها شرطة طنجة ولم يموت بتلك الحادثة سوى الحارس الامين لتانيلا ماجريس وبعض من اعوانه الصغار، لكن تانيلا ماجريس نفذت بجلدها استناداً لتحذير محمود المسبق مما عزز ثقتها به بشكل كبير وجعلها تأخذه معها اينما ذهبت. وبذلك صار يطّلع على كل اسرارها مهما كان حجمها.
عبد السلام : ولماذا تخبرني بكل تلك الاسرار الآن سيدي؟
النائب العربي : لقد علمنا بلقائك مع السيدة بلقيس من اليوم الاول. لكننا اردنا ان نعمل منك بومرانغ. هل تعرف ما هو البومرانغ؟
عبد السلام : كلا سيدي.
النائب العربي : البومرانغ boomerang يا محمود هي آلة خشبية تدور بطيرانها بالهواء ويستعملها السكان الاصليون لاستراليا كاداة للصيد، فهي تشبه حرف L ومن ميزتها ان الصياد يرميها على فريسته ليقتلها. فإن لم يصب الهدف فانها تستمر بالدوران بالهواء وترجع اليه ليلتقطها بيده.
عبد السلام : إذاً انتم استعملتموني كبومرانغ، اليس كذلك؟
النائب العربي : اجل، اردنا ان نتعرف على كفائتك بالتحقيق وراء عصابة أوقاس. وما اخذ منا اشهر طويلة في التحقيق والتقصي والمراقبة والبحث اخذ منك بضعة ايام يا عبدو فقد تقفيت اثر العصابة من الرباط الى فاس الى طنجة ثم الى هنا . لذلك اردنا ان نفسح لك المجال كي تستمر بتحقيقك وتحاول ان تبرز معلومات للسطح كانت غائبة عنا. وبما انك توصلت لكل تلك المعلومات بشكل فردي وجدنا من الانسب ان ندعوك كي تعمل معنا وتكون عضواً بفريقنا حتى نتمكن من: اولاً العثور والتعرف على جميع افراد عصابة أوقاس. ثانياً الوصول الى محمود يسن عبد الودود سالماً كي ندعه يرجع الى مصر وينهي عصابة خضراء هناك. ثالثاً تجفيف جميع مصادر اوقاس الخارجية والداخلية. فهل توافق ان تنتمي الى فريقنا؟
عبد السلام : اجل سيدي بكل تأكيد. ولكن لدي سؤال اخير ما زال يحيرني.
النائب العربي : وما هو؟
عبد السلام : إذا كان العميد حميد معكم ولم يكن من طرف العصابة، فلماذا قال وهو يتحدث بالهاتف (اجل سأل عن الـ دي ان اي وقلت له انه كان مطابقاً لتانيلا وابنها ازم)؟
النائب العربي : هذا يعد اقوى انواع الاختبارات لك يا ملازم كي نرى مدى ثباتك في البحث عن الحقائق. وانت نجحت بامتياز.
عبد السلام : طيب ماذا تسمون فريقكم هذا؟
النائب العربي : اسمه FDP وهي مختصر لـ filet de pêcheur وتعني بالعربية...
قاطعه عبد السلام وقال،
عبد السلام : اعلم سيدي تعني شبكة الصياد لاننا سنصطاد العصابة بها.
النائب العربي : هذا صحيح. وانا سيصبح اسمي بجميع المعاملات من الآن فصاعداً "خالي" وانت اسمك "عبدو" والآن دعني اخذك الى صالة العمليات.
خرج النائب العربي وبصحبة عبد السلام من مكتبه ودخلا قاعة كبيرة تشبه قاعات الرياضة. تكتلت فيها مجاميع صغيرة موزعة على عدة زوايا من القاعة. سار النائب مع عبد السلام وصار يشرح،
النائب العربي : هنا خلية جمع وتحليل المعلومات الحاسوبية Informatique. وهنا خلية متخصصة بتهيئة وارسال الشرطة المتنكرين لداخل العصابة. هنا تكمن خلية العناصر التي تقف بالشارع وترتدي ملابس مدنية لتراقب المنازل التي تتردد عليها العصابة عن كثب.
عبد السلام : هذا شيء عظيم.
النائب العربي : اسمع مني يا عبدو. لا بلقيس ولا زوجتك فاطمة الزهراء ولا اي شخص بهذه الدنيا يمكنه ان يعرف اي معلومة عن الـ FDP هذه. فاي معلومة تتسرب الى الخارج قد تفشِل مجهود سنين طويلة. هل فهمت ذلك؟
عبد السلام : بالتأكيد يا خالي. بامكانك الوثوق بي.
النائب العربي : والآن يا عبدو اقول لك bonne chance حضاً اوفر.
عبد السلام : ما هي الطريقة التي تتبعونها كي تتصلوا بمحمود؟
النائب العربي : لدينا رقم هاتفي لسيدة عجوز تجلس بالشارع وتبيع السجائر بالقرب من منزل ازم هنا بالرباط. نخبرها باي معلومة فتقوم هي بدورها تبليغ محمود او العكس.
عبد السلام : ولكن حسب علمي محمود لا يدخن.
النائب العربي : اجل هذا صحيح لكنه اضطر لان يمارس التدخين فقط كي يتمكن من التواصل معنا من تلك السيدة.
عبد السلام : وهل لديكم علم بمكانه الآن؟
النائب العربي : اجل هو الآن بشقة بحي الرياض بالرباط مع ازم ابن تانيلا ماجريس.
عبد السلام : لكن هذا شيء خطير جداً. فوالدة محمود السيدة بلقيس تسكن بفندق بحي الرياض وقد تلتقي بابنها بالصدفة وتفشل كل ما خططنا له.
النائب العربي : احسنت، لذلك وبحكم معرفتك بالسيدة بلقيس اريدك ان تقنعها كي تنتقل الى منطقة بعيدة عن حي الرياض.
عبد السلام : حسناً سيدي، اترك الامر لي.
خرج عبد السلام من الـ FDP وتوجه الى فندق ذي ڨيو هوتيل وطلب من السيدة بلقيس مقابلته بالبهو. وما هي لا دقائق وجائت بلقيس مسرعة فدخلا وجلسا مقهى الفندق فسألته بحماس كبير،
بلقيس : هل عثرت على ابني يا عبدو؟
عبد السلام : انا قريب جداً من ان اعرف مكانه.
بلقيس : وهل سيدخل السجن يا ترى؟
عبد السلام : لا اعلم بعد يا حاجة. لكني جئتك اليوم لسبب آخر.
بلقيس : وما هو هذا السبب؟
عبد السلام : اريدك ان تغادري هذا الفندق فوراً.
بلقيس : لماذا يا ولدي؟ انا مرتاحة هنا.
عبد السلام : لدينا معلومات مؤكدة تفيد بان ارهابيين موجودين بداخل الفندق وقد يقوموا بعملية تفجير ضد الزوار.
بلقيس : يا ساتر يا ربي. واين ساذهب؟
عبد السلام : ساخذك الى فندق آمن، جيد جداً اسمه فندق سوفيتيل بحي الامام مالك.
بلقيس : وهل هذا قريب من هنا؟
عبد السلام : كلا يا امي. نحن نريد ان نبتعد من هنا، اليس كذلك؟
بلقيس : اجل، اجل. ساحاسب الفندق فوراً وساجلب امتعتي ثم نذهب سوية قبل ان يفجرونا. يا ساتر يا ربي.
عبد السلام : ساكون بانتظارك هنا ولكن عجّلي لو سمحتِ.
خرجت بلقيس مسرعة نحو المصعد وتقول بسريرتها، "يا ربي يا الهي ارجو ان لا ينفذوا عمليتهم قبل رحيلي. اريد ان ارى ابني محمود ولو مرة واحدة قبل ان اموت"
بعد مرور عشر دقائق او اقل بقليل انفتحت ابواب المصعد وخرجت منها بلقيس جارّةً ورائها حقيبتها وتوجهت مباشرة الى الاستعلامات حيث قامت بتسديد حسابها ثم دخلت المقهى وقالت،
بلقيس : انا جاهزة يا عبدو، هيا بنا.
عبد السلام : دعنا نخرج من هذا الفندق اللعين على عجالة.
اخذتهم سيارة الاجرة الى الفندق الجديد وبعد اتمام كل اجرائات التسجيل هناك، ودعت عبد السلام وصعدت الى غرفتها الجديدة بينما اتصل عبد السلام بالنائب العربي وقال،
عبد السلام : يا عمي انا عبدو. كل شيء تم كما كنت تريد. لقد انتقلت السيدى بلقيس الى فندق بعيد عن حي الرياض.
النائب العربي : براڨو يا عبدو نجحت باول مهمة.
ركب عبد السلام سيارة اجرة ورجع بها الى الـ FDP كي يباشر عمله. وهناك سأل احد العناصر عن اي معلومات قاموا بالحصول عليها تدل على مكان رئيسة العصابة فاخبره،
عنصر : نحن مازلنا نراقب الشقة ولا نعرف مكان رئيسة العصابة لانها اختفت تماماً عن اعيننا. قد تكون بداخل المغرب او بخارجه. وليس لنا سوى شقة ازم بالرباط.
عبد السلام : إذاً، اريد ان ابعث برسالة الى محمود. مضمون الرسالى يقول: هل يتصل ازم بامه تانيلا ماجريس هاتفياً؟
عنصر : ساتصل ببائعة السجائر الآن وسابلغها بهذه الرساله.
رفع الهاتف واتصل ببائعة السجائر. تحدث معها ثم عاد بعد ان اغلق الخط ونظر الى عبد السلام قائلاً،
عنصر : تقول بائعة السجائر انها لم ترى محمود اليوم. وستبلغنا فور تسلمه الرساله.
عبد السلام : اريدك ان تعلمني متى ما يستلمها واريد ان اسمع رده.
سحب ملف تانيلا ماجريس وصار يقلب بالمعلومات التي فيه طوال اليوم علّه يستطيع ان يستدل على بعض الامور التي قد تنفعه في تحقيقه. وبنهاية الدوام الرسمي حمل حقيبته وودع الفريق ثم عاد الى منزله. باليوم التالي دخل قاعة التحقيق الـ FDP وبدأ يتابع التحقيق من كل الجوانب حين سأل احد العناصر،
عبد السلام : هل وصلكم رد لرسالتي من محمود خلال بائعة السجائر؟
عنصر : كلا.
عبد السلام : اريدك ان تتصل بها ثانية وتسألها عن الرسالة.
ذهب عبد السلام الى طاولة القهوة وصب لنفسه كأساً كبيراً ثم رجع به الى مكتبه ينتظر الرد من العنصر. وما هي الى دقائق وجائه العنصر وقال،
عنصر : تقول بائعة السجائر ان محمود لم يستلم الرسالة وانها لم تره بالامس نهائياً وكذلك هذا الصباح. ماذا تريدني ان اخبرها؟
عبد السلام : اخبرها ان تستمر بالمحاولة للوصول الى محمود.
ابلغ العنصر بائعة السجائر ما قاله عبد السلام. باليوم التالي وببداية العمل صار القلق يدب باوصال عبد السلام لان اخبار محمود قد انقطعت وهذا مؤشر سيء. لان محمود يجب ان يبعث بتقريره خلال فترات قصيرة لا تتعدى ال 24 ساعة. لذلك يجب ان يقوم بخطوة اكثر نجاعة. طلب من احد العناصر ان يذهب الى شقة ازم ويسأل عن شخص خيالي يدعى فارس. وبنفس الوقت يتحقق من الشقة من خلال فتحة الباب. بعد ساعتين عاد العنصر وقال انه لم يستطع ان يشاهد اي شيء يدل على وجود محمود بالشقة. انتصب عبد السلام من كرسيه وصار يجول القاعة ذهاباً اياباً يحاول ان يحلل كل المعطيات ثم رجع وطلب اجتماعاً طارئاً. بدأ الاجتماع وقال،
عبدو : انا خائف جداً ان يكون غطاء محمود قد انكشف. وهذا يعني خطورة على حياته. لذلك علينا ان نكثف ابحاثنا.
مارادونا : وماذا تقترح يا عبدو؟
عبدو : هل قمتم بتفحص القمامة يا مارادونا؟
مارادونا : كلا، لماذا؟
عبدو : اطلب من احد العناصر ان يجلب لي كيس القمامة بعد ان يلقيها ازم او احد مساعديه بالليل.
مارادونا : وماذا نعمل بها؟
عبدو : سنجلبها الى هنا وسوف ندقق بها كي نحاول الحصول على ادلة.
مارادونا : حسناً سيدي. ساقوم انا بالمهمة اليوم بنفسي.
خرج مارادونا بالمساء وذهب الى موقع شقة ازم وصار يراقبها من بعيد. وبعد الساعة 11 مساءاً لمح احد رجال ازم وهو يرمي كيس القماماً ثم يرجع للشقة ثانية. انتظر مارادونا قليلاً حتى تأكد من خلو الشارع من المارة ثم ذهب والتقط الكيس وتم راجعاً الى مركز الـ FDP وحالما دخل هناك وجد عبد السلام بانتظاره. قاموا بارتداء قفازات مطاطية وبدأوا يتفحصون القمامة. شاهدوا الكثير من بقايا الطعام والقناني البلاستيكية الفارغة وعلب كارتونية وعلب طعام معدنية وعلب سجائر فارغة. وبينما هم يبحثون بالقمامة لمح عبدو وصلاُ مجعداً للبقالة. التقطه وصار يعدله كي يحاول ان يقرأه
الوصل كان باللغة الفرنسية لان اليوم كان مكتوب (Mardi) اي الثلاثاء. وبما ان الكثير من متاجر البقالة بالمغرب تستعمل اللغة الفرنسية لذلك لم يكن ذلك غريباً. لكن مما كان غريباً هو ان العنوان غير واضح ابداً. كلما يمكن قرائته هو اسم البقالة (مارغاريت) وتاريخ الوصل بشهر اغسطس. اي انه ليس قديماً. فكيف ومتى واين؟
كل هذه الاسئلة صارت تقلق عبد السلام. فتح حاسوبه ودخل على الانترنيت ليطلق العنان لاصابعه كي تحصل على اجوبة. بالوهلة الاولى بحث بجميع المتاجر المغربية التي تحمل الاسم (مارغاريت) فلم يجد اي بقالة مسجلة بهذا الاسم. هنا علم انه يجب ان يوسع البحث ويحاول ان يعرف مصدر ذلك الوصل.
قام عبد السلام بتكبير الوصل ووضعه على اكبر شاشة تلفزيونة موجودة بداخل القاعة وصار يتفحصه بشكل تفصيلي.
هنا لاحظ ان العملة المستعملة بالوصل هي اليورو. وبما ان المغرب لا يستعمل اليورو بالبقالات فهو بالتأكيد يعني بلد آخر يستعمل اليورو.
وضع قائمة باسماء الدول التي تتعامل باليور (النمسا ، بلجيكا، قبرص، استونيا، فندلندا، فرنسا، المانيا، اليونان، ايرلندا، ايطاليا، لاتفيا، لثوانيا، لكسمبورغ، مالطا، هولندا، البرتغال، سلوفاكيا، سلوفينيا، اسبانيا). قام بوضع خط تحت البلدان التي تتحدث بالفرنسية. فوجدها اثنتان فقط وهما فرنسا وبلجيكا. إذاً هذا الوصل صدر باحدى البلدين. وعليه قرر ان يبدأ بفرنسا. وعندما بحث بالانترنيت عن اسم المتجر بفرنسا عثر على اربعة متاجر تحمل نفس الاسم. واحدٌ بالعاصمة باريس وواحد بتولوز واثنان بمارسيليا. المتجر الذي بباريس هو متجر لبيع الاثاث. لذا فهو خارج عن نطاق البحث، قام بشطبه من القائمة. الثاني بتولوز هو مطعم لذا اخرجه عن القائمة هو الآخر. اما الاثنان الباقيان الذان بمارسيليا فهما محلي بقالة. تفحص عناوينهما فوجد ان الاول عنوانه مطابق لبداية العنوان الغير مرئي على الوصل ويحمل الرقم 31. لذا فان ذلك هو بالتأكيد المحل الذي اخذ منه الوصل. فوراً دخل مكتب رئيس اللجنة وقال له،
عبدو : لقد وصلنا الى خيط يا خالي.
خالي : ممتاز حدثني عنه.
هنا قام عبد السلام بشرح الطرق التي ادت الى توصله الى ذلك المتجر وقال،
عبدو : يجب ان نراقب ذلك المتجر سيدي.
خالي : ساتصل باحد عناصرنا بفرنسا كي يتوجه الى مارسيليا ويراقب ذلك المتجر.
عبدو : كلا سيدي. هذا لا ينفع. يجب ان اذهب بنفسي. فاهل مكة ادرى بمخارجها.
خالي : تقصد (اهل مكة ادرى بشعابها) سوف لن اجادلك بذلك. انت ادرى يا عبدو. ستذهب الى مارسيليا غداً.
عبدو : شكراً يا خالي. ساذهب لبيتي الآن لاجهز نفسي للسفر.
خالي : خذ معك ملابس سميكة لان الجو هناك بارد للغاية.
خرج عبدو من مكتب خالي وعاد الى منزله. اخبر زوجته بانه سيذهب بمهمة خارج المدينة. وعندما سألته باي مدينة؟ لم يخبرها بشيء بل اكتفى بابتسامة وقبلة.
باليوم التالي اقلعت طائرة للخطوط الملكية المغربية متوجهةً الى باريس. ومن باريس ركب طائرة اخرى نقلته الى مارسيليا. ركب سيارة اجرة وطلب من السائق اخذه الى شقة فندقية تسمى Appart'City Marseille Euromed وبعد نصف ساعة اوصلته السيارة الى الفندق. صعد الى شقته فوجدها شقة اكبر بقليل من غرف الفنادق فهي تحتوي على صالة نوم وصالة جلوس وحمام ومطبخ صغير جداً. ابتسم عبدو بسريرته وقال بتهكم، "يبدو ان الادارة قد اغدقت علي كثيراً هذه المرة كي يمنحوني شقة بمثل هذا الترف"
وزع ملابسه بداخل الخزانة واغتسل ثم جلس بالصالون وفتح حاسوبه النقال وصار يدخل كلمة السر للواي فاي التي اعطيت له بمكتب الاستعلامات بالفندق فدخل على الانترنيت. اخرج خرائط گوگل وكتب عنوان فندقه ثم كتب عنوان البقالة مارغاريت فاكتشف ان البقالة تبعد بضعة مئات من الامتار عن فندقه. لذا تذكر نصيحة خالي فقام بارتداء معطفه الثخين وخرج يقصد البقالة. لما وصلها وجدها صغيرة جداً وليس فيها اي شيء مميز. بقي يراقبها عن كثب لفترة من الزمن حتى رأى سيدة فرنسية شقراء تدخل البقالة فقام عبدو بالتقاط صورة لها بهاتفه وواصل المراقبة ثم خرجت بعد بضع دقائق. بقي عبدو واقفاً في الشارع يراقب حتى رأى رجلاً مسناً تبدوا على وجهه تقاطيع شرقية يدخل البقالة ثم خرج على عجالة. قام عبدو بالاتقاط صورة له بهاتفه النقال عند الخروج ثم واصل المراقبة. بقي هكذا طوال اليوم حتى جمع 55 صورة. رجع الى الفندق وقام بانزال الصور على حاسوبه ثم ارسلها الى الـ FDP لغرض التدقيق بها. لكنهم اجابوه بعد نصف ساعة ان لا احد معروف لديهم من هذه المجموعة. وبالايام الثلاثة التالية قام بجمع صور لما يقرب من 400 شخص يرتادون تلك البقالة. وهنا اتصل به احد العناصر الذي اسمه السري حمودة هاتفياً على الواتساب وقال،
حمودا : احدى الصور التي ارسلتها اليوم كانت لشخص لديه سوابق بالمغرب. اسمه نمرود سعيدي، رجل امازيغي يتيم الابوين ولديه اخ معاق، كان بنفس زنزانة ازم عام 2015. افرج عنه عام 2017 ثم اختفى عن شاشة الرادار.
عبدو : هل لك ان تبعث لي بصورته فقد اختلطت عندي الصور؟
حمودا : سابعثها فوراً.
انتظر عبدو بضع دقائق ثم وصلته الصورة.
نمرود سعيدي (صورة من الارشيف)
عبدو : اجل شاهدته اليوم يدخل البقالة. بقي بالداخل اكثر من نصف ساعة ثم خرج وهو يتحدث بهاتفه النقال. شكراً لك حمودا.
اغلق الهاتف مع العنصر حمودا ووضع صورة بهاتفه النقال بالمكان الدائم كي يستطيع الوصول اليها على عجالة. باليوم التالي وقف بموقعه كي يراقب البقالة فشاهد نمرود يتجه الى البقالة. دخلها فدخل عبدو ورائه وصار يراقبه عن كثب. وجد انه يشتري مواد غذائية مجمدة وصابون غسيل ملابس وشكلاطا وبصل وطماطم وعلب سجائر وكوندوم. دفع ثمنها وخرج فتبعه عبدو بطريقة يصعب الشعور بها. بقي يتتبعه حتى شاهده يدخل منزلاً منعزلاً. بعد ان سجل عنوان ذلك المنزل على هاتفه صار يراقب المنزل حتى الليل حين شعر بتعب كبير فقرر الرجوع لشقته. هنا ابلغ عبدو الادارة عن المعلومات التي عثر عليها وعن العنوان ثم طلب منهم ان يزودوه بشخص يستطيع ان يناوبه في المراقبة فاخبروه ان المناوب سيصل اليه في الغد من العاصمة باريس. بفجر اليوم التالي دق الباب ففتحه واذا بشابة مغربية في غاية الجمال طويلة القامة، لا يزيد عمرها عن 27 او 28 سنة. قالت،
ميمي : صباح الخير عبدو. انا ميمي
عبدو : صباح الخير ميمي. تفضلي.
دخلت ميمي الصالة فقدم لها فنجان شاي اخضر وسألها،
عبدو : ما هي الاوقات التي تستطيعين المراقبة فيها؟
ميمي : انا لا يهمني الوقت.
عبدو : لكنك... اقصد انت...فتاة و...
ميمي : اسمع يا عبدو، انا املك المستوى الثاني من الحزام الاسود بالكراتيه ولدي بطولة الرماية بالمسدس بسيدي افني بالمغرب. احمل الماجستير بالقانون من جامعة كازا. والاهم من كل هذا وذاك فانا اجيد اللغة الامازيغية والانكليزية والفرنسية. بالاضافة الى العربية.
عبدو : وكم يبلغ عمرك يا ميمي؟
ميمي : 32 عاماً.
عبدو : يبدو لي انك افضل مني بهذه المهمة لانك مؤهلة تماماً.
ميمي : لكن خبرتك البوليسية ستكون قيمة كذلك لعمليتنا يا عبدو. اطلعت على ملفك عندما اتصلوا بي بالامس.
عبدو : طيب وكيف سنقوم بالتناوب إذاً؟
ميمي : خذ انت المناوبة النهارية وانا اخذ الليلية. سالبس ملابس فتياة الليل واتسكع خارج المنزل الذي نراقبه.
عبدو : طيب يا ميمي. تفضلي الشاي الاخضر.
شربت الشاي معه ثم غادرت وقالت له اثناء خروجها من الباب،
ميمي : ستجدني واقفة خارج المنزل تماما الساعة 11 مساءاً.
بذلك اليوم وبينما هو يراقب شاهد نمرود يخرج من المنزل وبصحبته سيدة نحيفة ترتدي قبعة كبيرة تغطي منتصف وجهها، تضع نظارة شمسية على عينيها وتربط على رقبتها لفافاً وردياً مما كان يخفي ملامحها بالكامل. دخلا سيارة خضراء فرفع عبدو هاتفه وصور رقم السيارة. فوراً رجع الى الفندق وبعث الصورة الى ميمي. وبعد بضع دقائق اتصلت به وقالت،
ميمي : اتصلت بشرطة مارسيليا واعطيتهم رقم السيارة فاخبروني انها سيارة مسروقة منذ بضعة ايام. ماذا نعمل؟
عبدو : لا شيء. دعيها تحتفظ بالسيارة وسوف نكثف المراقبة.
ميمي : حسناً. ساكون بموقعي بالقرب من المنزل تمام الحادية عشر ليلاً. ستجدني واقفة على الرصيف ابحث عن زبائن.
عبدو : طيب يا ميمي. اتمنى لك الرزق الوفير ها ها ها.
بالموعد المحدد جائت ميمي الى موقع المراقبة بملابس مثيرة جداً وصارت تختلف تماماً عن الشرطية التي كانت عنده بذلك اليوم. ودعها ورجع الى شقته كي يرتاح. وفي اليوم التالي استلم مكالمة هاتفية من ميمي تقول،
ميمي : صباح الخير عبدو. لقد دخلت المنزل مع نمرود بالامس بغرض ممارسة الجنس لكنه لم يطلب مني الممارسة لانه يشكوا من امراض نفسية. ارادني ان اجلس معه لانه اراد ان يفضفض عن نفسه فقط؟
عبدو : وهل فضفض يا ترى؟
ميمي : اكثر مما تتوقع. لقد اخبرني بصورة غير مباشرة انهم مسكوا جاسوساً مصرياً واحتجزوه بقبو الدار. وهو يشفق عليه الا انه كان يحرمه من الطعام بعض الاحيان بنائاً لاوامر رئيسته.
عبدو : هذا يعني ان غطاء محمود قد انكشف وهو سجين بداخل الدار. يبدو انهم عرفوا انه شرطي متخفي. يجب علينا مداهمة المنزل الآن لننقذ محمود.
ميمي : انا اقترح ان نترصد الفترة التي يكون فيها حارسه نمرود خارج الدار حتى ندخل وننقذ محمود من اسره.
عبدو : اسمعي مني يا ميمي، ساراقب نمرود عندما يذهب للبقالة بينما تدخلين انتِ وتفكين اسر محمود.
ميمي : فكرة صائبة. سننفذها اليوم.
عبدو : لكنكِ لم تنامي ليلة امس فكيف تقوين على ذلك؟
ميمي : لا عليك. انا اتحمل التعب يا عبدو. المهم اننا ننقذ محمود.
عبدو : إذاً كوني مستعدة لاشارة من عندي. ساخبرك فور خروج نمرود من المنزل.
وما ان اغلق الهاتف مع ميمي حتى شاهد نمرود يقفل باب المنزل فعاد واتصل بميمي وقال،
عبدو : انه يستعد للخروج الآن. لا تتحركي حتى يبعد تماماً فاعطيك الاشارة كي تداهمي المنزل.
ميمي : انا جاهزة رهن اشارتك.
بقي يراقب المنزل من بعيد حتى شاهد نمرود يخرج من الدار ويحكم اقفال الباب بالمفتاح ثم يفتح المظلة المطرية. فوراً اتصل بميمي واعطاها الاشارة كي تتحرك. اراد ان يسألها ان كانت تعرف كيف تفتح اقفال البيبان الا انه تراجع وقال لنفسه انها لابد تكون قد تدربت على ذلك. وبينما هو ينظر من بعيد رأاها تعالج قفل الباب بكل سهولة وتدخل المنزل. بقي يراقب الشارع بينما دخلت ميمي الى داخل المنزل. اثناء تجولها صارت تبحث وتتفحص بداخل المنزل لترى باباً تحت السلم. فتحته فوجدت سلماً آخر يهبط للسرداب. هبطت عليه ببطئ وحذر شديدين ثم ضغطت على زر النور فاضائت المكان وصارت تتجول هناك فلم تجد اي شيء هناك فقررت الرجوع. وقبل ان تهم بالصعود على السلم شاهدت محمود باحد الزوايا جالساً على الارض مكبل اليدين والرجلين حُشِرَت خرقة بيضاء فوق فمه وخرقة اخرى تثبتها. هرعت اليه وازالت الخرقة وقالت،
ميمي : انت محمود اليس كذلك؟
محمود : اجل من انت؟
ميمي : انا ميمي جئت لافك اسرك. لقد بعثت شرطة مكافحة المخدرات المغربية رجلاً من الرباط كي يقتفي اثرك ويرجعك الى المغرب. اطمئن يا محمود سافك وثاقك الآن.
محمود : لا يا ميمي لا تفعلي ذلك، توقفي.
ميمي : لماذا؟
محمود : اسمعي مني جيداً فليس لدينا الكثير من الوقت. بالامس سمعت افراد العصابة يتحدثون عن شحنة كبيرة جداً من المخدرات ستنتقل عن طريق الجو من مطار مارسيليا الى الدار البيضاء بالمغرب بعد يومين. واذا فكّيتي وثاقي فسوف يعرفون انني قد بلّغت عن تلك الشحنة وسوف يلغون الرحلة ويغيرون الخطة. يجب ان تعلمي شرطة الرباط بذلك.
ميمي : حسناً وماذا الآن؟
محمود : ارجعي اللثام على فمي كما وجدتيني ثم اخرجي بسرعة قبل عودة الحارس. لا تنسي ان تقفلي الباب الخارجي قبل ان يرجع الحارس نمرود فيكتشف دخولك.
ميمي : حسناً سافعل ذلك. انتبه لنفسك.
ربطت ميمي لثام محمود ثانية وحيته فحياها بعينه وخرجت ثم عادت فاغلقت النور. صعدت السلم الى الطابق الارضي بكل حذر وفجأة سمعت هاتفها يرن فاجابت وقالت،
ميمي : ماذا تريد يا عبدو؟
عبدو : اسرعي بالخروج فنمرود في طريقه للمنزل.
ميمي : هذا غير ممكن. يجب ان احكم اقفال باب المنزل من الخارج لا يمكنني ان اترك الباب مشرعاً. اريد المزيد من الوقت.
عبدو : هل وجدت محمود؟
ميمي : اجل.
عبدو : لماذا تريدين قفل الباب إذاً؟
ميمي : ساخبرك لاحقاً.
عبدو : حسناً سالهيه انا ولكن استعجلي.
انطلق عبدو صوب نمرود وسأله،
عبدو : هل تتكلم العربية؟
نمرود : اجل تفضل.
عبدو : اريدك ان تدلني الى اقرب متجر للمواد الغذائية لو سمحت.
نمرود : واصل السير من هذا الاتجاه ثم استدير الى اليمين وبعدها استدر اول شمال فتجد المتجر على شمالك. انه ليس بعيداً، مجرد 5 دقائق.
عبدو : آسف جداً يا اخي انا جديد هنا ولا اعرف الطرقات. الا اسديت لي معروفاً واخذتني اليه؟
نمرود : آسف يا اخي لدي اعمال كثيرة. اذهب وحدك او اسأل شخص آخر.
عبدو : ارجوك اعمل بي المعروف فانا اريد ان احضر الطعام لاخي المعاق.
شعر نمرود بالشفقة لانه قال (معاق) فقال،
نمرود : حسناً دعنا نذهب على عجالة.
فتح عبدو الهاتف واتصل بميمي كي تسمع حديثه مع نمرود فسمعته يقول،
عبدو : اطمئن يا اخي احمد سوف اجلب لك الطعام وساعود بعد قليل لا تخف يا حبيبي. الله بعث لنا رجل صالح سيدلني على متجر لاشتري لك الطعام منه.
ثم اقفل الخط مع ميمي.
نمرود : يبدو انك تحب اخاك كثيراً.
عبدو : اجل انه يتيم الاب والام وقد قمت برعايته منذ اكثر من سنتين وقد احضرته من باريس الى هنا لان هناك طبيب يستطيع علاجه بمارسيليا.
نمرود : اعانك الله يا اخي.
سار الاثنان قاصدين المتجر بينما خرجت ميمي من المنزل واحكمت اغلاق الباب وتوارت عن الانظار. وعندما دخل عبدو المتجر سأله،
نمرود : هل تحتاج الى اي مساعدة اخرى؟
عبدو : كلا يا اخي. بارك الله فيك. بامكانك ان تذهب الآن. شكراً جزيلاً. كثر الله من امثالك. الله يخليك.
خرج نمرود من المتجر لكنه بدأ يشك بالامر لان عبدو بالغ بالثناء عليه. لذلك قرر ان يبقى خارج المتجر يراقبه عسى ان تكون تلك مكيدة. فإن لم يشتري شيئاً من المتجر فهذا يعني انها مكيدة مدبرة. بقى نمرود واقفاً بالشارع خارج المتجر لمدة ربع ساعة حتى شاهد عبدو يخرج وبيده ثلاثة اكياس بلاستيكية مَلأى بالمشتريات فاطمأن ورجع الى المنزل. وعندما شاهد عبدو نمرود يختفي فتح الهاتف وطلب ميمي ليسألها،
عبدو : هل سارت الامور على ما يرام؟
ميمي : اجل انت فنان يا عبدو. رأيتك تحمل المواد الغذائية من المتجر. ماذا ستفعل بها؟
عبدو : لا اعلم.
ميمي : تعال معي لشقتي وسوف اعد لك كسكسي تاكل اصابعك العشرة من بعده.
عبدو : حسناً. اذهبي انت الى الشقة واعدي الطعام ثم اتصلي بي كي نأكل سوية. ولكن ماذا عن محمود؟ هل عثرتِ عليه؟
ميمي : اجل لكنه لم يقبل الخروج معي لانه اراد ان يبقى بالاسر كي لا تفشل الخطة لانه سمعهم يتحدثون عن شحنة كبيرة من المخدرات. ولكن من سيراقب المنزل بغيابنا؟
عبدو : بما انهم لم يقتلوه لحد الآن فهذا يعني انهم قد اعدوا خطة للمساومة به. وليس من مصلحتهم ان يقتلوه الآن.
ميمي : إذاً تعال الى شقتي بعد نصف ساعة. سابعث لك العنوان.
اغلقت الهاتف مع عبدو وتوجهت الى شقتها بينما بقي عبدو يراقب منزل نمرود حتى حان موعد اللقاء بميمي فتوجه اليها. قرع جرس الباب. بعد قليل فتحت الباب وكانت ترتدي لباساً جذاباً وكأنها تنتظر حبيبها فقالت له،
ميمي : لماذا تأخرت حبيبا.
عبدو : ابداً انها مجرد مسافة الطريق. خذي مني هذه المواد التي اشتريتها من البقالة.
ميمي : الطعام جاهز. تفضل معي.
اقتادته الى غرفة الطعام فوجد مائدة كبيرة وضعت عليها الكسكسي والصحون والمعالق وكؤوس الماء. جلس على الطاولة وبدأ يأكل معها حتى انتهى من الطعام وحمد الله وقتها قالت له،
ميمي : هل تريد شيئاً حلواً.
عبدو : ماذا لديك؟
هنا فتحت له صدرها فابرزت نهديها الكبيرتين. نظر اليهما ثم رفع رأسه الى وجهها وقال،
عبدو : شكراً لك يا ميمي. ارجو المعذرة فانا متزوج.
مسك باطراف ثوبها وارجعه الا مكانه مغطياً نهديها. نظرت الى الارض بكل خجل وقالت له،
ميمي : انا اسفة جداً يا عبدو تخيلت انك ربما تريد ان تحوي...
عبدو : لا يا ميمي. انا متزوج واحب زوجتي واولادي ولا اخونها ابداً. لكني اشكرك وسنستمر بعملنا كالسابق.
ميمي : اجل، اجل. انا اكرر اعتذاري.
خرج عبدو من شقتها ورجع الى مكانه حيث كان يراقب منزل نمرود. وعندما وصل هناك اخرج هاتفه وارسل المعلومة عن شحنة المخدرات التي ستذهب الى كازابلانكا. وبالمساء جائت ميمي واخذت المناوبة من عبدو فعاد هو الى الفندق.
بعد يومين وقف نائب المدعي العام السيد العربي بن فيلال في مطار (كازا) الدار البيضاء ومعه قوة كبيرة من الشرطة ينتظرون الطائرة القادمة من مارسيليا. ولما حطت الطائرة ونزل الركاب منها. اتصل نائب المدعي عن طريق اللاسلكي بقائد القوة وقال،
النائب : اريدكم ان تحتجزوا جميع ركاب الطائرة بصالة الوصول. اريد منكم ان تجمعوا منهم كل هواتفهم واجهزتهم اللوحية وحواسيبهم.
قائد القوة : نعم سيدي.
النائب : واريدك ان تبعث مجموعة من رجالك كي يبدأوا بتفتيش حقائب المسافرين.
قائد القوة : نعم سيدي.
النائب : لا تعملوا اي شيء ولا تخبروا المسافرين باي شيء.
قائد القوة : نعم سيدي.
تجمع المسافرين بالقاعة وبداوا يأخذون منهم هواتفهم وحواسيبهم المحمولة على الرغم من احتجاجاتهم وسخطهم للمعاملة السيئة.
وبمخزن وصول الحقائب نزل النائب ليتابع عملية تفتيش حقائب المسافرين بحثاً عن المخدرات. بقي هناك لاكثر من ساعة ونصف فلم يعثر رجاله على اي شيء بداخل الحقائب. قدم رئيس المجموعة المكلفة بالتفتيش تقريره فقال،
رئيس المجموعة : لم نعثر على اي مخدرات بداخل حقائب المسافرين سيدي.
النائب : هل استعملتم الكلاب؟
رئيس المجموعة : اجل سيدي.
النائب : هل هناك شيء مثير للريبة؟
رئيس المجموعة : كلا سيدي.
صعد النائب الى مكتب غرفة العمليات بشرطة المطار تنتابه الحيرة. "كيف لم يتمكنوا من العثور على المخدرت؟ لقد كان تقرير عبدو واضحاً ولا يقبل الشك. يا ترى هل وقفت الطائرة بمكان ما قبل ان تصل الى هنا؟ دعني اسأل"
النائب : هل وتوقفت الطائرة باحدى المطارات قبل الوصول الى هنا؟
رئيس المجموعة : كلا سيدي. كانت الرحلة مباشرة من مارسيليا الى كازا.
النائب : هل تفحصتم جميع الركاب اذا كان احدهم من ذوي السوابق؟
رئيس المجموعة : اجل سيدي ولم يكن بين المسافرين اي احد من ذوي السوابق.
النائب : هل انت متأكد من ان جميع الحقائب فتشت؟
رئيس المجموعة : نعم سيدي جميعها فتشت ما عدى...
النائب : ما عدى ماذا؟
رئيس المجموعة : ما عدى التابوت.
صرخ النائب باعلى صوته،
النائب : مــــــــــاذا؟ لم تفتشوا التابوت؟
رئيس المجموعة : سيدي ان ذلك حرام ولا يجوز لانها حرمة الميت.
النائب : وماذا عن حرمة الذين سيدمنون على تلك المخدرات الخطيرة؟ هيا افتحوا التابوت ودعنا نرى ما بداخله.
وضع الرجال التابوت على الارض ثم فتحوه فوجدوا جثة رجل اسمر نحيف طويل القامة.
النائب : وهل جاء التابوت لوحده؟
رئيس المجموعة : كلا سيدي، جائت زوجة المتوفي بصحبته.
النائب : والآن، ارفعوا الجثة، اخرجوها من التابوت وضعوها على الارض.
رفعوا الجثة فلم يجدوا تحتها اي شيء. بدأ النائب يتحسس قعر التابوت ثم صار يضرب عليه فبدأ يسمع اصواتاً تدل على وجود تجويف تحته. اخرج سكينه وبدأ يزيل القماش اللماع الذي يغطي القعر ثم بدأ بازالة الغطاء الخشبي بقعر التابوت بالسكين حتى تمكن من رفعه الى الاعلى فوجد اكياس بلاستيكية كثيرة تحتوي على دقيق ابيض اللون. اخذ واحدة من هذه الاكياس وثقبه بسكينه واخرج الغبار ثم قدمه لرئيس المجموعة. اخذه وقربه من انفه ثم لعقه وقال،
رئيس المجموعة : هروين عالي الجودة يا سيدي.
النائب : يا ســـــــــلام مسكنا الشحنة بكاملها يا ترى من هي السيدة التي تسطحب التابوت؟
نظر رئيس المجموعة بقائمة الركاب وقال،
رئيس المجموعة : انها سيدة مغربية تدعى بشرى الوزاني.
النائب : دعني اذهب الى صالة الوصول واتكلم مع هذه السيدة.
خرج النائب من مخزن الحقائب وسار بالممر الطويل ثم توقف واخرج هاتفه النقال وطلب عبدو بفرنسا وقال،
النائب : يا عبدو انا خالو.
عبدو : تفضل يا خالو، ما الامر؟
النائب : داهموا المنزل وانقذوا محمود فوراً. لقد عثرنا على المخدرات.
بناحية اخرى من العالم وبمارسيليا بالتحديد فتح عبد السلام هاتفه وطلب ميمي فاجابت،
ميمي : اهلاً عبدو، ما الامر؟
عبدو : يجب ان نداهم المنزل الآن فوراً لنحرر محمود.
ميمي : حسناً ساتوجه اليك، اين انت؟
عبدو : انا بالقرب من المنزل.
ميمي : ساصل عندك خلال ربع ساعة.
بعد ربع ساعة اوقفت ميمي سيارتها الرينو من نوع R5 ونزلت وهي ترتدي بدلة رياضية من نوع اديداس تسمح لها الحركة والمناورة. شاهدت عبدو واقفاً قالت،
ميمي : كيف ستتم العملية؟
عبدو : اريدكِ ان تبقي انتِ خارج المنزل وان يبقى هاتفك مفتوح الخط معي. سادخل انا واخرج محمود. واذا ما احتجتك فسوف اطلب منك الدعم.
ميمي : حسناً يا عبدو ولكن ماذا عن نمرود؟
عبدو : لقد خرج من الدار للتو.
ذهب محمود الى المنزل وصار يعالج قفل الباب حتى فتحه. التفت الى ميمي فوجدها تنظر اليه فهز برأسه بمعنا كل شيء على ما يرام فارجعت له الهزة مغمضة عينها وهزة من رأسها بمعنا انا جاهزة. دخل عبدو الصالة ثم توجه مباشرة الى السلم حيث ادلته ميمي ثم فتح باب القبو وصار يهبط على السلم. ضغط على زر الضوء وصار يتفحص المكان حتى وجد محمود جالساً على الارض مكمم الفم مربوط القدمين واليدين فاسرع نحوه وفتح لثامه.
عبدو : انا عبدو من شرطة المغرب.
محمود : اهلاً يا اخي. هل تم التقاط شحنة المخدرات.
عبدو : اجل مسكوها بكازا لذا علينا الخروج فوراً.
محمود : عظيم جداً، فك وثاقي ودعنا نخرج من هنا على عجالة.
هم عبدو بفتح الحبال التي ربطت بها قدمي محمود لكنه قبل ان يفرغ من فك الرباط جائته ضربة قوية على رأسه افقدته الوعي. وقف نمرود ينظر الى محمود وبيده عصىً غليضة يسأل،
نمرود : كيف عرفوا بمكانك يا محمود؟
محمود : انهم لم يعرفوا بمكاني وحسب بل ارسلوا لي ملاك الرحمة.
نمرود : واين هو ملاك الرحمة إذاً يا مصري؟
محمود : انظر خلفك يا بهيم.
وبهذه اللحظة جائته ركلة من قدم ميمي اسقطته ارضاً. انتصب ثانية وحمل عصاه الغليظة من الارض وتوجه بها نحو ميمي. الا انها كانت مستعدة له تماماً فركلت العصى ركلة دائرية بقدمها الايمن لتسقطها من يده ثم قامت بتسديد لكمة من قبضتها اليمنى بقوة شديدة ادارت رأسه الى جهة اليمين جاعلة الدم يتدفق من فمه ويتبعثر على الارض. التفت نحوها ثانية واراد ان يسدد لها ضربة معاكسة الا انها قفزت بالهواء وركلت وجهه بكلتا قدميها فسقط مغشياً عليه.
بمطار كازابلانكا الدار البيضاء بالمغرب اغلق النائب العام هاتفه مع عبدو ثم دخل صالة الوصول فوجد المسافرين يصدرون ضجيجاً كبيراً صاح بهم باعلى صوته قائلاً، "هـــــــــــــــــــــدوء" فسكت الجميع ثم قال، "من هي بشرى الوزاني؟"
تقدمت سيدة ترتدي لباساً اسوداً ووشاحاً اسوداً شفافاً على وجهها قالت،
بشرى : انا بشرى الوزاني سيدي. ما الامر؟
النائب : تعالي معي لو سمحت.
خرج النائب تتبعه بشرى الوزاني ودخلا مكتب العمليات فامرها بالجلوس وقال،
النائب : ازيلي الوشاح عن وجهك.
بشرى : هذا لا يجوز سيدي، انا في حداد على زوجي المرحوم محمد الوزاني.
النائب : قلت لك ازيلي الوشاح فوراً والا اقوم انا بازالته عنكِ.
رفعت الوشاع من وجهها. نظر اليها النائب واخرج هاتفه النقال ثم صار يبحث بالصور التي بداخل هاتفه لبضع دقائق حتى نظر اليها ثانية مبتسماً وقال،
النائب : اهلاً، اهلاً، اهلاً تانيلا ماجريس. نورت المغرب وستنورين السجن المركزي. اخيراً وقعت اللبوة بالشباك.
بشرى : انا لا اعرف عما تتحدث سيدي. يبدو انك قد اشتبهت بيني وبين سيدة اخرى.
النائب : وهل يخفى القمر يا تانيلا يا بنت مجريس؟ لقد دوختينا لسنين طويلة واليوم ارتكبت خطأ كبيراً عندما جازفت بنفسك وجئت تحملين معك 130 كغم من الهروين النقي. كان الاجدر بك ان تبعثي الشحنة مع احد اعوانك اليس كذلك؟
تانيلا ماجريس : سوف لن تستطيع ان تمسني باي شيء وسوف تدعني اخرج من هنا والا...
النائب : والا ماذا يا مجريس؟
تانيلا ماجريس : والا فسوف يموت جاسوسكم المصري محمود.
وبهذه اللحظة رن هاتف النائب فوضعه على اذنه بينما اشر لها بسبابته كي تتوقف عن الكلام وقال،
النائب : ها عبدو ماذا فعلتم؟ هل فرغتم من المداهمة؟
ميمي : انا ميمي سيدي انا استعمل هاتف عبدو. لقد اخرجنا محمود من الاسر وهو بحالة جيدة الآن وقد القينا القبض على نمرود سعيدي وسلمناه لشرطة مارسيليا. جميعنا بخير سيدي ما عدى عبدو، فهو يعاني من الصداع قليلاً.
هنا فتح مكبر الصوت بالهاتف كي تسمع تانيلا ماجريس الحديث وقال،
النائب : ارجوك يا ميمي كرري تقريركِ.
ميمي : قلت لك سيدي لقد اخرجنا محمود من الاسر وهو بصحة جيدة الآن، وقد القينا القبض على نمرود سعيدي وسلمناه لشرطة مارسيليا ونحن جميعاً بخير.
النائب : شكراً ميمي. اعطني عبدو.
اعطت ميمي الهاتف لعبدو فقال،
عبدو : تفضل سيدي.
النائب : الو عبدو اركب اول طائرة وارجع للرباط سالماً باذن الله لا تنسى ان تحضر بيدك محمود. فاطمة الزهراء والاولاد بانتظارك. والسيدة المصرية بلقيس تنتظر ابنها محمود على احر من الجمر. بلغ ميمي ان ترقية كبيرة ستصلها لاحقاً.
اغلق الهاتف ثم نظر الى تانيلا ماجريس وقال،
النائب : هل سمعت يا تانيلا ما قاله الملازم عبد السلام؟
بدأت تانيلا تنفث غضباً وكأن النار تخرج من انفها كالتنين وقالت،
تانيلا ماجريس : اريد التحدث مع المحامي ديالي دابا.
النائب : سيكون لك الكثير من الوقت كي تتحاوري معه من خلف القضبان. لديك باقي عمرك كي تتسامرين معه.
مسك الهاتف ثانية واتصل برئيس العمليات في الـ FDP وقال له،
النائب : داهموا شقة ازم ابن تانيلا ماجريس والقوا القبض عليه هو الآخر وإن قاومكم فاقتلوه على الفور.
قفزت تانيلا من مقعدها وركعت على الارض ممسكة بساق النائب العام قائلةً،
تانيلا ماجريس : ارجوك سيدي لا تقتلوا ابني ازم، ارجوك اتوسل اليك.
النائب : تتوسلين الي كي لا اقتل ابنك ازم بينما تسممين مئات الشبان وتقوديهم نحو الادمان والموت المحقق؟ لم تكتفي بزرع وتسويق البانگو بالمغرب؟ والآن صرتِ تستوردين السموم الخطيرة من فرنسا. كم انت شريرة وعديمة ضمير وحقيرة.
اغلق النائب هاتفه وامر رجاله كي يكبلوا تانيلا ماجريس من يديها وارجلها وينقلوها الى الشرطة المركزية بكازا. ثم امر باخلاء سبيل جميع المسافرين العالقين بقاعة الوصول وارجاع هواتفهم وحواسيبهم. هنا سأله رئيس الشرطة،
رئيس الشرطة : بالمناسبة سيدي، لماذا حجزنا هواتفهم اذا لم تكن لديك النية ان تتفحصها؟
النائب : كنت اخاف ان يقوم المجرم وبهذه الحالة تانيلا ماجريس الاتصال بفرنسا واعطاء الامر كي يقتلوا محمود إذا ما انفضح سرها.
---------------------------------
بعد يومين وقفت السيدة بلقيس داخل قاعة الوصول بمطار الرباط يقف الى جانبها الضابط خالد الطيب زميل عبد السلام مع العقيد احمد المكناسي مدير مركز شرطة حي الرياض ونائب المدعي العام السيد العربي بن فيلال ووقفت خلفهم فاطمة الزهراء زوجة عبد السلام ومعها اولادها ولواء الشرطة المصرية ياسر مرسي عبد المعطي. كلهم جائوا لاستقبال عبد السلام ومحمود يسن عبد الودود من فرنسا. حالما خرجوا من بوابة الوصول صار الجميع يحييهم ويقبلهم ويهنئهم بالنصر الكبير الذي حققوه بحربهم ضد المخدرات. ولما لمح محمود والدته ركض اليها وحملها ثم صار يقبلها من يديها ووجنتيها ويمسح دموعها. كانت السيدة بلقيس فاقدة للنطق لا تتمالك نفسها من شدة الفرح ولم تتمكن من التوقف عن البكاء وذرف الدموع. وفجأة شاهد محمود اللواء ياسر مرسي واقفاً بجانبه. ترك والدته واستعد استعداداً عسكرياً ثم ادى التحية الرسمية للواء ياسر وقال بصوت مرتفع،
محمود : الملازم محمود يسن عبدالودود تمام يافندم.
اللواء ياسر مرسي : بل قل النقيب محمود يسن عبدالودود.
محمود : ماذا؟ ماذا قلت سيدي؟ هل... اقصد...
اللواء ياسر مرسي : وهل تعتقد اننا سوف لن نحتسب لك كل هذه الفترة التي عرضت فيها حياتك للخطر؟
محمود : لكنني كنت ملازماً سيدي. هذا يعني...
قاطعه اللواء مرة ثانية وقال،
اللواء ياسر مرسي : اجل يا محمود اجل لقد رفّعت رتبتين بآن واحد. مبروك يا ابني. والاهم من كل ذلك قمنا بارسال قوة كبيرة الى قرية عزبة الصعايدة والقينا القبض على جميع افراد العصابة
محمود : ومن كان رئيس العصابة الحالي؟
اللواء ياسر مرسي : علمنا ان ادهم اصبح رئيس العصابة بعد موت والدته خضراء.
بزاوية اخرى من القاعة كان عبد السلام يتحدث مع زوجته واولاده، يسألونه عن مغامرته الكبيرة بفرنسا حتى جائه العقيد احمد المكناسي مدير مركز شرطة حي الرياض وقال له،
العقيد احمد : الف مبروك يا عبدو. انت ايضاً رفعت الى رتبة نقيب ومكافئة مالية قدرها 2 مليون درهم. آن الاوان ان تسكن بمنزل تتملكه وتبتعد عن الايجار الذي سبب لك المتاعب.
بدأت فاطمة الزهراء تزغرد وتهلل وتقبل زوجها فعمت الفرحة على الجميع. هنا نظر عبد السلام الى السيدة بلقيس وقال،
عبد السلام : ها قد رجع لك محمود يا حاجة وكما يقول المثل: ما طار طير عالياً الا رجع سريعاً على الارض.
بلقيس : تقصد ما طار طير وارتفع الا كما طار وقع.
عبد السلام : هذا صحيح. والآن اخبريني يا حاجة ما هو شعورك؟
بلقيس : انا دابا فرحانة بالزاف بالزاف. شحال هذا مابقى شفتو لولدي.
عبد السلام : وليتي تهدري بالداريجا يا حاجة! براڨو.
بلقيس : ماش هادا الشي.
عبد السلام : زوين بالزاف. ربي عاودلك ولدك محمود. انا فرحان ليكي بزاف بزاف.
بلقيس : وانا كنبغيكم بزاف حبيبا.
بعد 3 ايام اقلعت طائرة الخطوط الملكية المغربية وعلى متنها 162 راكباً، كان من بين الركاب ضابطاً مصري برتبة نقيب
بصحبة والدته ومعهم لواء بالشرطة المصرية متوجهين الى القاهرة.
تمت.....
965 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع