الجنرال قاسم سليماني ودوره في الشرق الاوسط / ح٢

                                                

                         أ.د. سّيار الجميل

الجنرال قاسم سليماني ودوره في الشرق الاوسط

الحلقة الثانية : كيف أسّس السردار هيمنته الخطيرة في العراق ؟

مقدمة
لم يكن الجنرال الايراني ( او: السردار ) الحاج قاسم سليماني “جنرال ظل” ، او “الجنرال الشبح” ، أو “حفيد كورش” كما يصفه الإعلام الإيراني ويفاخر به العالم ، زعيما كبقية الزعماء او الضباط ، ولم يكن مسؤولاً عادياً في إيران، فلقد تنوعت خصاله ومواصفاته ، وتعددت صلاحياته ومسؤولياته بين دعم عسكري لوجستي لميليشيات تباينت أسماؤها في العراق وسوريا واليمن ولبنان وأفغانستان وباكستان، مع خروقات اقليمية لا حد لها لشؤون الاخرين ، فضلا عن تدخلات سياسية في شؤون بلدان اخرى تتجاوز العلاقات الخارجية والدبلوماسية الى فرض الهيمنة واصدار القرارات ، وفي ايران اخترق هذا الشخص حجمه ليصل الى درجة تعيين سفراء لإيران في الدول التي تستعر فيها الصراعات الإقليمية. واذا كان له هذا الدور في بلاده ، فقد تعدّى حدوده ليجعل من العراق وسوريا ولبنان مسرحا له يصول ويجول فيها ، ويبّت في شؤونها الداخلية في تعيين رؤسائها ومسؤوليها .. فكيف نجح في اختراق العراق والسيطرة على مقدراته ، بل وحتى على موارده ؟ وكيف هيمن على الحياة السياسية فيه ؟ ان المؤرخين في المستقبل سيسمون هذا الزمن للشرق الاوسط باسم عهد سليماني .. دعونا نتأمل في كيفية تأسيس هيمنته بعيدا عن التعّصب له والانحناء نحوه والتفاخر به وبعيدا أيضا عن شتمه ووصفه بأسوأ النعوت .

كيف اسس سليماني ادارته لشؤون المنطقة من العراق ؟
كتب مارتن تشولوف تقريره عن الجنرال الإيراني قاسم سليماني ونشره في 28 تموز / يوليو 2011 بوجهه الغامض ونظراته الزائغة وعقيدته الفارسية، وهو صاحب نفوذ كبير في العراق والمنطقة لدرجة أن البغداديين يعتقدون أنه يسيطر على البلاد من دون ان يعلموا ما الذي يفعله في الكواليس الخفية وهو يدير شؤون المنطقة كلها سراً من بغداد . ولقد اعادت الكارديان نشر التقرير مؤخرا ، وجاء فيه ان سليماني لا يقود مجرد لواء من المليشيا ، بل بأمرته عشرات المليشيات ، وقال خصمه ديفيد بتريوس انه تلقى في اوائل 2008 رسالة منه تقول : “الجنرال بترايوس ، عليك أن تعلم أنني قاسم سليماني ، أطبّق سياسة إيران واتحكّم بالعراق ولبنان وغزة وأفغانستان. ” لقد كان ذلك من اكبر خطايا الاميركان عندما تركوا العراق لقمة سائغة بافواه الايرانيين ، اذ لم تعد هناك حاجة لبتريوس. فتمّ تقويض مهام الاميركان في العراق ، وقام بترايوس ( منذ 2010 ) باخبار مراكز بحوث ومعهد دراسات الحرب عن مشكلة سليماني معه باتساع نفوذ الاخير اتساعا كبيرا، وان الدبلوماسية صعبة جداً لأنّ التعامل هنا مع عصابة في المنطقة طوال 3 سنوات ، وخصوصاً بعد أن غدت سوريا في دائرة نفوذ ايران الواسع .
كان النظام السوري وعلى مدى سنوات يجلب الارهابيين العرب ويدربهم ويمنحهم المال والسلاح ويرسلهم الى دواخل العراق عبر الحدود ليؤسسوا لهم نفوذهم باساليب عنيفة وقذرة ولا اخلاقية في القتل والذبح والتفجير وزرع العبوات ، ويقول تقرير منشور عام 2008 بأن ايران هي التي كانت تخطط ذلك مستخدمة النظام العميل لها في سوريا ، وان العديد من المسؤولين العراقيين يعلمون ذلك ، ولما اعترض المالكي على ارسال سوريا للارهابيين الى العراق باوامر من بشار الاسد وطلب محاكمته لما كان يفعله بالعراقيين ، اسكتت ايران المالكي والقمته حجرا ، فراح المالكي ليكون ربيبا تافها لايران رقم 1 ، وذيلا لقاسم سليماني ، علما بأن ايران كانت ممر عبور بين العراق وافغانستان . ( انظر : “Iranian who brokered Iraqi peace is on U.S. terrorist watch list”. McClatchy Newspapers. 31 March 2008. Archived from the original on 18 July 2008 ).

قوة سليماني تترسخ من خلال تفاهة المسؤولين العراقيين
لقد نجح سليماني ان يؤسس له نفوذه الصلب والصارم في العراق منذ ذلك الوقت وقد استخدم شتى الوسائل للوصول الى ذلك ، ومنه ليتحكم في شؤون الشرق الاوسط . لقد اكتشفنا قوّة العلاقة بينه وبين المسؤولين العراقيين، فمنهم من هو معجبٌ به ، ومنهم من كان يخشاه ويرتعب منه ، ومنهم وزير أمن الدولة العراقي السابق شروان الوائلي وكان يخشى سليماني كثيراً، اذ تتغير لهجته ويتلعثم بمجرّد ذكر اسمه أمامه وهو احد اتباع ايران ، وكان شروان يمنحها العطاءات بمعرفة الجميع . لقد أنكر أن إيران لعبت دوراً واسع النطاق في العراق، وتجاهل السؤال : متى كانت آخر مرة وصل سليماني المنطقة الخضراء، وهي المنطقة الحكومية المحصنة في قلب بغداد؟ اهتزت يد الوائلي اليسرى قليلاً ، وابتلع ريقه وحكّ جبينه. وقال: “تقصد سيد قاسم سليماني” ، وأضفى عليه شرفًا وتقديراً.. ان سليماني في بغداد، ولا يوجد اسم آخر يضاهي صولته ومكانته ، ويدرك بعض العراقيين ان قوة العراق غدت فجأة بيد جنرال ايراني غامض، وهذا ما يثير الانزعاج وعدم اليقين والخوف. لكن اتباعه من الكثرة بمكان وأغلبهم يتمّسحون بايران ، فهذا موفق الربيعي ، وزير الأمن القومي العراقي السابق ، يقول في يوليو / تموز 2010: بأن “سليماني أقوى رجل في العراق بلا شك. لم يحدث شيء في العراق من دونه”. ولكن حتى الآن لا أحد من العراقيين يتحدث بصراحة عن هذا الجنرال الإيراني الغامض ، وعن الدور الذي يلعبه في العراق ، وكيف يشكّل جداول أعمال رئيسية لا مثيل لها ويفرض هيمنته ويخضع له الجميع. وقال مسؤول أمريكي رفيع المستوى “بإنهم مشغولون للغاية في التعامل مع النتائج”. “فهذا الرجل يملي الشروط ثم يجعل الأمور تحدث ، ويترك العراقيين يديرون موقفًا مليئا بالازمات لم يكن لهم أي تدخل فيها ” . ان سليماني لا تهمه حالات العراق الامنية بقدر ما يهمه ابقاء نفوذه مهيمنا باسم ايران ومشروعها ..

قاسم سليماني وسياساته الصعبة
كان قاسم سليماني قد تسلّق بثبات في صفوف الجيش الإيراني منذ 1979 وحتى 2002 ، وتم تعيينه لقيادة فيلق جيش قدس التابع للحرس الثوري، وهو جيش لا مثيل له مهمته الأساسية المعلنة هي حماية الثورة، ولكنه مسؤول أيضًا عن تصدير أهداف الثورة إلى أجزاء مهمّة وجيوستراتيجية من العالم العربي . ولقي تعاطفاً من المجتمعات الشيعية في جميع أنحاء المنطقة كونها الارض الخصبة لرسائل ولي الفقيه الثورية، فتشكلت شراكات عميقة ودائمة لجماعات وأحزاب وقوى تحت هيمنة قاسم سليماني الذي كان يشتري النفوس الضعيفة والمواقف بسرعة نظرا لكثرة المرتزقة اولا ، ولاتساع حجم المتأثرين بالقداسة الايرانية ثانيا .
كان العراق ساحة رئيسية يصول سليماني ويجول فيها ، اذ شهدت السنوات الثماني الماضية حروباً عاصفة ونزاعات أهلية وآثاراً طائفية مدّمرة وهجمات ارهابية وسيناريوهات لا اخلاقية ولم تزل تفاعلاتها ساخنة حتى اليوم. وقال احد المشاركين في نظام الحكم في العراق بأن قوة قاسم سليماني ” تأتي مباشرة من ولي الفقيه خامنئي.. وإنها تتجاوز الجميع ، بمن فيهم أحمدي نجاد ” . وعليه ، فان سليماني اخطر من رئيس الجمهورية الاسلامية في داخل ايران وخارجها . وتابع المسؤول العراقي قوله : “كلّ الأشخاص المهميّن في العراق ينقادون اليه لتقديم الولاء له. الناس مفتونون به ويرونه ملاكا” ! لكن من وجهة نظر آخرى فهو سيد المجرمين وشرير اسطوري يشتبه به مذ اعتاد ممارسة الرعب والقسوة والتأثير المهيمن على الجميع ويحمل ركاما من الكراهية والاحقاد على العرب بالذات .. عنده استعداد ان يقتل كل العالم من اجل البقاء في السلطة ! ويعلق احد الاميركان قائلا : “لم يكن أحد يعرف من هو هذا الرجل فهو نفسه. إنه في كل مكان ، لكن ليس في أي مكان” !
وأضاف نائب شيعي بارز: “لقد تمّكن سليماني من إقامة روابط مع كلّ مجموعة شيعية على حدة .. وفي اجتماع عقد بدمشق تمخّض عن تشكيل الحكومة العراقية ، كان سليماني يدير الاجتماع مع قادة من سوريا وتركيا وإيران وحزب الله. “لقد أجبرهم جميعًا على تغيير رأيهم وتعيين المالكي زعيماً لولاية ثانية” . وعلى مدى السنوات الخمس التي قضاها المالكي في السلطة، مُنح سليماني جميع مستشاريه الرئيسيين صلاحيات كبرى في إيران ليحكموا العراقيين ، وكان الجنرال نفسه يلتقي الرئيس العراقي جلال طالباني بانتظام ، وأحيانًا على طول الحدود التي تفصل بين البلدين ليتلقى طالباني منه الاوامر !

استراتيجية ايران باتجاه العراق وسوريا
أن إستراتيجية إيران في العراق مع انتهاء النزاع المزمن بين الطرفين تتمّثل في إبقاء العراق في حالة فوضى دائمة يمكن السيطرة عليها. وقال مسؤول لبناني في بيروت “إن الايرانيين يبقون منطقتنا على نار هادئة ويديرونها صعوداً وهبوطاً عندما يريدون ذلك”. ويقول اللواء الاميركي جيفري بوكانان. “كانت استراتيجية ايران الشاملة هي إبقاء [العراق] معزولًا عن بقية جيرانه العرب وعن الولايات المتحدة ، ايران تريد من العراق مشلولاً ويلعب دورًا ضعيفًا وليس فعالًا”. ويقول سياسي كردي مستقل : “قاسم سليماني هو الرجل الرئيسي في كلّ قرار يتخذ في العراق.” ويضيف ” من العار أن يلعب مثل هذا الرجل دورًا نافذاً في هذا البلد. يجب أن تكون هناك علاقة طبيعية مع الدول المجاورة”.
وشارك قاسم سليماني في قمع الثورة السورية بتحويل سوريا الى بركة دم . لقد فرضت الولايات المتحدة عقوبات شخصية على سليماني واثنين من الجنرالات الايرانيين الآخرين نظراً لتنظيم الحملة التي يعتقد أنها قتلت أكثر من 1600 مدني “.. وكان لجهود سليماني الدور البالغ في ابقاء السلطة بيد بشار الأسد ، اذ عدَ سقوط الأسد نكسة استراتيجية خطيرة لإيران وسليماني بالذات . ولولا تدّفق الأسلحة عبر العراق أيّ من حدود دولة (ذات سيادة) ! و”إنها أسلحة مدمّرة ولا يمكن أبداً إنكار مسؤوليتها”. . واذا كان سليماني يعده الشيعة بطلاً منقذاً ويعجبون بمهاراته وموهبته واخلاقياته ، فانّ السنّة لا يطيقون ذكر أسمه كونه مصدر فجائع الشرق الاوسط برمته . أما الاميركان، فهم يشعرون بالحيرة تجاه أهدافه. ويدافع كل المناصرين والمؤيدين العراقيين لقاسم سليماني عنه وعن اهدافه ، ويتوقفون في ردّهم على معارضيهم من خصوم سليماني ليقولوا بأن الرجل دافع عن العراق والعراقيين ضد داعش ولولاه لكان العراق غدا لقمة سائغة في افواه الدواعش ..
انظر : ” Ali Mamouri, “The enigma of Qasem Soleimani and his role in Iraq”.
AL-MONITOR , 13 October 2013
وهنا نسأل هؤلاء : هل كانت الحرب ضد الدواعش فقط ، ام ذهب بجريرتهم الاف الابرياء سواء في تهجيرهم وقتل شبابهم وسحق مدنهم والاعلان عن اخذ الثأر والانتقام – كما جاء ذلك على لسان قيس الخزعلي – وتصفية حسابات طائفية بشكل علني مفضوح ؟ وهل جاء سليماني للعراق من اجل تحريره من داعش ؟ ام جاء منذ اكثر من عشر سنوات وهيمن على مقاليده بحيث اخذ يعين الرؤساء والوزراء في العراق ، ويصدر القرارات ويحرك المليشيات ويسحق التظاهرات وينفذ استراتيجيته الايرانية منتهكا سيادة العراق وكرامته؟ وبأية مشروعية يتدخّل ايراني بشؤون بلاد عربية وخاصة سوريا والعراق ؟

واخيراً أقول :
ان ” التقرير ” بجملته هو ادانة فاضحة للسياسة الاميركية في العراق لما فعلته عندما تركت ايران تعبث بالعراق بالطريقة التي دامت سنوات طوال حتى نال العراق كل الدمار ، فان كانت اميركا تعلم كلّ هذا وذاك عن هذا الجنرال الايراني ، فلماذا تركت مصير العراق بيديه طوال هذي السنوات ، وبالتالي جعلت كل المنطقة مشحونة بالبؤس والصراعات ومصبوغة بالدماء مع مقتل الاف البشر وتهجير الالاف مع سحق المدن ؟ لماذا بقي سليماني كل هذي السنين وهو يعبث بالعراق حتى اليوم ويهيمن على مقاليده ؟ ثم لماذا يثار هذا ” التقرير ” اليوم ؟

كتبت هذه ” الدراسة ” بالانكليزية قبل شهر تقريبا ، اي قبل مصرع قاسم سليماني من قبل الاميركيين. وتترجم على حلقات وتنشر باللغة العربية .
تنشر هذه الحلقة على الموقع الرسمي للدكتور سيار الجميل بتاريخ 4 / 1/ 2020

http://sayyaraljamil.com/
انتظروا الحلقة الثالثة ( وسيكون موضوع حلقتنا القادمة عن دور سليماني في سوريا ) .

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

704 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع