الاجتياح العراقي للكويت ... لُعبةٌ غربية و لاعبون عرب /٣

                                              

                        الدكتور رعد البيدر

الاجتياح العراقي للكويت ... لُعبةٌ غَربية و بيادق عَرَّبية / ٣

المقالة الثالثة

في الغالب بعد أن تُنشر مقالاتي - أرسل روابطها إلى من تستهويهم نفسي ، فتصلني تعليقاتهم على الخاص أو بمكالمات هاتفية أو بتحاور من خلال لقاء مباشر ؛ فأتفاعل معها وفقاً لما تحتويه من مضمون بمراعاة نوعية وعمق العلاقة بيني وبين الصديق المُرسل أو المُتحدث معي . من محاسن هذه الحالة - أنها أكثر صراحة من النشر العام ، و تُقلل من جهدي بكتابة الردود ؛ لكن أحدى مَساوئها فقدان التوثيق مع المنشور الأصلي . 

بناءً على تفاعلي مع ردٍ وردني من صديق عزيز- منطقي التفكير و التحليل ، كان زميلاً تدريسياً معي في جامعة البكر للدراسات العسكرية العُليا ؛ فقررتُ استبدال الكلمتين الأخيرتين من العنوان (لاعبون عرب إلى كلمتي بيادق عربية) ، و رَبما يطول تبرير السبب أو يُبعدنا عن الغاية ، ونحن ذوي الجذور العسكرية نتحدد بالغاية أيما تحديد ؛ لكي لا نتوسع في الكتابة دون ضرورة توضيحية . سَيُمَيز القارئ الفَطِن أثر تغيير الكلمتين في رُقَعٍ كثيرة من رُقَع اللعبة - إقليمياً و دولياً .

 

في المقالتين السابقتين بدأنا خطواتنا المُتعاقبة زمنيا لنَصِل إلى حلبة الصراع ( العراقي – العرو غربي ) عن قرب يُمكِننا مِن أن نسمع أو نشاهد تحركات اللاعبين من بين حِبال الحَلبَة – التي أظهرت لنا صوراً و انطباعاتٍ متباينة وفقاً لموقع الواقف من الحَلَبة و زاوية النظر إليها . مع ذلك ما زالت العُتمة المَقرونة بضبابية العَفوية والتَعَّمُد حائلاً بيننا وبين درجة واضحة من رؤية ، دون الاحتياج إلى ( نظارة – عوينات ) التعصب العاطفي ؛ لَعَلَّنا نُمسك برؤوس خيوط أجوبة الأسئلة الثلاثة :
1. هل أخطأت الكويت في سياستها الخارجية تجاه العراق ؛ فعوقبت عراقياً ؟
2. هل أخطأ العراق بإدارة الأزمة الكويتية - العراقية ؛ فعوقبَ دولياً ؟
3. هل كان العراق والكويت ضحيتا لعبة دولية أكبر من قدرتهما على استيعابها و تفسير أسبابها ونتائجها ؟

 

يمكنكم الاطلاع على مضمون المقالتين الأولى و الثانية من الرابطين التاليين :

 

https://algardenia.com/maqalat/41060-2019-08-01-06-38-54.html

 

https://algardenia.com/maqalat/41136-2019-08-07-09-48-33.html

قبل البدء من حيث انتهينا في المقالة الثانية بدعوة منظمة التحرير الفلسطينية لعقد قمة عربية استثنائية في بغداد و حصول إجماع عربي على انعقادها ؛ لابد لنا من الإشارة لحالتين ترتبطان بجانب من الجوانب التي رَكَّزَ عليها الرئيس العراقي صدام حسين في كلمته العلنية و احاديثه خلال الجلسات المغلقة ، واللقاءات الثنائية – هُما :

1. طرأت ثلاث زيادات على حصص انتاج "الأوبك" منذ الحرب الإيرانية - العراقية لغاية تاريخ انعقاد القمة ، وكل زيادة حصلت كانت بمطالبة و ضغط من الكويت

   

ترابطاً مع السطرين في المادة (1) أعلاه - نُشير لما حصل في اجتماع وزراء النفط لدول " الأوبك " المُنعقد في فيينا يوم 16 آذار / مارس 1990، والذي تصَدَّر جدول أعماله - تخفيض نسب معدلات الإنتاج النفطي ؛ إلا أن مقترح التخفيض قد جوبه برفض كل من الكويت و دولة الإمارات العربية المتحدة . 

      

 

يوم 3 أيار / مايو 1990 قدَمَ طارق عزيز وزير خارجية العراق شكوى على الكويت بسبب ارتفاع معدل إنتاجها النفطي خلافاً لما هو مُتفق عليه في دول "الأوبك" ؛ و تضَّمنَت الشكوى انعكاس المخاطر الاقتصادية على العراق من جراء تلك الزيادة .
وبناءً على الشكوى العراقية فقد عُقِدَ اجتماع طارئ "للأوبك" جرى فيه الاتفاق على تخفيض الإنتاج بمعدل مليون و خمسة و أربعين ألف برميل يومياً. إلا أن هيئة الطاقة العالمية في باريس أكدت أن الإنتاج الكلي دول منظمة " الأوبك " لم ينخفض أكثر من أربعمائة ألف برميل في اليوم؛ وهو التخفيض الذي التزمت به المملكة العربية السعودية لوحدها .
لم يكن العراق الدولة الوحيدة التي كانت تطالب الكويت بخفض إنتاجها؛ بل كان معه باقي أعضاء " الأوبك " وليس غريباً أن تقف إيران بجانب العراق كونها مُتضرِرَة اقتصادياً أيضاً من تجاوز الكويت للنسب المقررة من الانتاج ، وحتى السعودية كانت تؤيد اعتراض العراق على تخطي سماح الحصص المقررة .
ومن جانبه فسَّرَ العراق السلوك الكويتي بأنه ليس إلا تنفيذ لسياسة غربية مرسومة بمراحل تستهدف حاضره ومستقبله ؛ إذ ما كان للكويت أن تقوى على رغبةٍ لا توافق عليها بغداد و الرياض و طهران ، وما كان لها أن تتصَّرف بموقف من يحاول التعامل بتكافؤ مع العراق أو يتحداه - لولا وجود من يدفعها أو يساندها بصورة غير مكشوفة للعَلن . وفي ضوء التفسير العراقي رَفعَّت بغداد تحديها للكويت ؛ بينما ظل سعر النفط ينخفض مُسبباً مَزيداً من الخسائر الاقتصادية للعراق

     

قبل أسبوع من انعقاد القمة العربية الاستثنائية و تحديداً في يوم الثلاثاء 22 أيار / مايو 1990- نشرت وسائل الإعلام العراقية نص مذكرة موجهة من الإدارة الأمريكية إلى الأمانة العامة للجامعة العربية . اقتبسنا أهم ما جاء فيها بقدر علاقته بالعنوان الرئيسي لمقالاتنا . تضمنت مقدمة ( ديباجة ) المذكرة : أن الولايات المتحدة الأمريكية ملتزمة بدفع مسيرة السلام نحو الأمام ، تواصل دعم الدعوة إلى حوار إسرائيلي - فلسطيني في القاهرة ، وقد حققت تقدماً ملحوظاً خلال الأشهر القليلة الماضية من أجل إضفاء طابع الشرعية على مفهوم المفاوضات المباشرة بين الجانبين الإسرائيلي و الفلسطيني . تأمل الولايات المتحدة من الزعماء العرب أن يتجنبوا الحماسة اللفظية المُفرطة خلال القمة المُزمَع عقدها قريباً في بغداد و تحثهم على الاهتمام بمنهج بنّاء ، يُعزز آفاق تحرك حقيقي نحو مسيرة السلام، و تأمل منهم :

أ. أن لا تتبع القمة منهجاً مُتشدِداً لأنه سيُعزز مواقف المُتطرفين من طرفَي النِزاع (الفلسطيني- الإسرائيلي)، الذين لا يرغبون في تحقيق تقدُم في مَسيرة السلام.
ب. أن لا يَتَهِم العراق الولايات المتحدة الأمريكية ، بالسعي إلى الهيمنة على الشرق الأوسط ، إثر انحسار دور السوڤيت في المنطقة ، ولا يتهمها بشن حملة إعلامية ضد بغداد، لتبرير هجوم إسرائيلي مُرتقب يستهدف تدمير منشآت عراقية .
ج. تسعى الولايات المتحدة الأمريكية لترى العراق، يواصل إعادة البناء السلمي، و يضطلع بدور مسؤول في المنطقة، وتقر بدوره المهم، وبأنه يشكل قوة مهمة في العالم.
د. تُعَبِّر واشنطن عن قلقِها من محاولات العراق لخرق القوانين الأمريكية، وتصريحاته غير المسؤولة بشأن استخدام الصواريخ والأسلحة الكيماوية، ونقده للوجود السلمي الأمريكي في الخليج ؛ دعماً لأصدقائها.
د. تُعرِب واشنطن عن شَكِها في مدى احترام العراق لالتزاماته نحو معاهدة انتشار الأسلحة ، واتفاقيتَي عام 1972- حول الأسلحة البيولوجية، وبروتوكول استخدام الأسلحة الكيماوية الموقع عام 1925.
هـ. إن الضغوط المُتصاعدة الناتجة من إجراءات العراق في هذا الميدان، ماهي إلا دليل على الأخطار الناجمة عن انتشار أسلحة الدمار الشامل في المنطقة.
و. ترحب الولايات المتحدة الأمريكية بالاقتراح المصري ، الداعي إلى جعل الشرق الأوسط منطقة خالية من كل أنواع هذه الأسلحة ، وتعتقد أنه من المهم اتخاذ إجراءات مركزة وعملية - من شأنها أن تدعم هذا الاقتراح .
يُستدَلُ من مطالب المُذكرة الأمريكية العديد من المؤشرات – التي صيغَت بأسلوب التهَّذُب الدبلوماسي المُبطن بتوجيه و فرض إرادة غربية على القمة و بيانها الختامي - منها :
1. عُمق التحَّكُم الأمريكي بالواقع العربي و في تلك القضية بالذات.
2. بداية النهاية للقطبية الثنائية ، والإيحاء بعالم جديد يُمثِله القطب الأمريكي الواحد الذي بدأ بِدَفن القُطب الثاني في أرض الانهيار السوڤيتية .
3. أيها المجتمعون لا تتغافلوا أو تغفلوا دور الولايات المتحدة - التي تُلوِّح لكم بما تريد وما عليكم إلا الاستجابة و بخلافها فالويل والثبور لمن يتحدى أو لا يستجيب .
نتيجة للاستنتاج المشار إليه في المادة (3) وما سيتضح لاحقاً ؛ فإن مبدأ السيادة و المساواة بين الدول - الذي تضمَّنَهُ ميثاق الأمم المتحدة في الفصل الأول المادة 2 الفقرة الأولى ما هو إلا ( أكذوبة حبر على ورق ... تلك هي شريعة العالم الجديد التي تغافلت عن قواعد الشرعية الدولية ).
يتضحُ أن رؤساء وملوك الدول العربية قد حضروا القمة وفقاً لدواعيها وجدول أعمالها المتمثل ( بتزايد هجرة اليهود من الاتحاد السوڤيتي إلى إسرائيل ، واحتمالية قيام إسرائيل بعدوان مُرتقب تجاه العراق ) وفي تصورات كل الوفود - ما يلي :
1. عدم التزام الكويت بحصتها المُقررة من الانتاج النفطي وفقاً لتخصيصات "الأوبك" .
2. وجود توجيهات أمريكية على المجتمعين في القمة أخذها بنظر الاعتبار .
ومما زاد من صُعوبات الرؤساء والملوك – هو اشتداد الخِلافات بين وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم التمهيدي و اخفاقهم بتقريب وجهات النظر فيما بينهم حول الكثير من النقاط التي أحيلت مسؤولية مُعالجتها إلى اجتماع القمة . من بين الأمور التي تسببت بخلافات وزراء الخارجية – ما يلي :
1. اصرار العراق و منظمة التحرير الفلسطينية على إدانة الولايات المتحدة الأمريكية لتقديمها مساعدات إلى إسرائيل ضد الفلسطينيين.
2. رفضت كل من مصر والمملكة العربية السعودية إدانة أية دولة بالاسم الصريح دون وجود دليل مادي يبرر اتهامها.
3. رفض إدانة هجرة اليهود السوڤيت إلى إسرائيل .
4. رفض إدانة دعم الولايات المتحدة الأمريكية لمشروعات الاستيطان في الأراضي المُحتلة .
توجهت معظم الوفود المشاركة في القمة إلى بغداد و في أذهانهم توقع حصول اختلافات بوجهات النظر ؛ نتيجة إخفاق اجتماع وزراء الخارجية العرب . إضافة إلى صعوبات كيفية مراعاة ما جاء بالمذكرة الأمريكية - إذا ما علمنا وجود ثلاث أنواع من السياسات العربية (تابعة و مجاملة و متحدية ) للتوجهات الأمريكية . يضاف للصعوبات السابقة ما سينجم عن العلاقات المُتشنجة بين العراق مع الكويت و الإمارات للأسباب التي كررنا توضيحها.
بعد اكتمال وصول رؤساء الدول و استقبالهم وفق قواعد البروتوكول – اخذت الوفود وقتاً للراحة قبل الدخول إلى القاعة المُخصصة للمؤتمر التي شهدت انعقاد جلستَين علنيتَين، وأخريَين مغلقتَين، إضافة إلى الجلسة الختامية - التي أعقبها إعلان البيان الختامي للمؤتمر. بدأت الجلسة الافتتاحية في توقيتها و يومها المقرر بكلمة القاها الرئيس العراقي صدام حسين، شدَدَ فيها عدة نقاط - أهمها:
1. يجدر بنا أن نعلن بوضوح أن إسرائيل إذا ما اعتدت وضربت، فإننا سنضرب بقوة. وإذا ما استخدمت أسلحة دمار شامل، ضد أمتنا، سنستخدم ضدها ما نملك من أسلحة دمار شامل . ( نرى أن الرئيس صدام قد أخطأ بهذا الأسلوب من التلويح باستخدام قوة الردع بعلانية الاعتراف عن امتلاك العراق اسلحة دمار شامل ) .
2. أن لا تنازل عن تحرير فلسطين .
3. من الحقائق التي أكدتها التجارب أن الولايات المتحدة الأمريكية، تتحمل مسؤولية رئيسية بل مسؤولة أولى عن السياسات العدوانية والتوسعية، التي يمارسها الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني والأمة العربية .
4. إننا كعرب مستهدفون في صميم أمننا ومصالحنا من السياسات الأمريكية، وعلينا أن نقول ذلك للولايات المتحدة الأمريكية بصراحة ، و إنها لا يمكن أن تواصل هذه السياسة في الوقت الذي تدَّعي فيه صداقة العرب ؛ فهذه السياسة ليست سياسة صداقة ، وإنما هي سياسة تضر و تهدد أمن الأمة العربية و مصالحها الجوهرية.
5. علينا أن نعلن بصوت قوي أنه لا يحق لكائن من يكون ، أن يتمتع بحظوة في مواردنا وثرواتنا، في الوقت الذي يحاربنا أو يناهض تقدمنا العلمي والتكنولوجي. وأن نُحَوِّل هذا المبدأ إلى سياسة و مُفردات تطَبَق و يُلتزَمُ بها بصورة جماعية .
التحليل المنطقي للنقاط الخمس أعلاه لا يمنحها وصفاً أكثر من كونها أُمنيات خيالية - إذ طالبَ الرئيس العراقي بحماسٍ عالٍ بتلك المطالب بالوقت الذي كان فيه الرؤساء و الملوك صاغون بجلوسهم و شاردون بعقولهم .
فوجئ الرؤساء والملوك العرب بمقترح الرئيس صدام حسين بدعوتهم لعقد جلسة مُغلقة يقتصرُ حضورها على الرؤساء والملوك فقط وقد برَرَ ذلك قائلاً ( لا داعي بأن يسمع أعضاء الوفود ما سيدور بيننا من مُناقشات ) كان ذلك تصرفاً صائباً من الرئيس صدام ؛ لكي لا يتسبب بإحراج آني للرؤساء والملوك بحضور أعضاء الوفود لا سيما بعد ما اتضَّحَ من حدة و اسلوب طرح لنُقاط الخلاف

 

         

عاتبَ الرئيس صدام حسين كُل من أمير الكويت ورئيس دولة الإمارات العربية المتحدة بكلمات بليغة لكي يثبت حجته على تجاوزهما حصتَي الإنتاج المخصصتَين لهما من منظمة "الأوبك". وقال ما معناه :

انكما تستخرجان كميات كبيرة من النفط مما يتسبب باستمرار انخفاض أسعار النفط عالمياً ، ونتيجة لسياستيكما في الانتاج و التصدير تنخفض اسعار النفط عالمياً ؛ فكلما ينخفض سعر برميل النفط دولاراً واحداً يخسر العراق مليار دولار سنوياً .
بناءً على استمراركما على هذه السياسة الإنتاجية والتصديرية – يقصُد ( الإمارات و الكويت ) فأن حكومة العراق تُفسِرُ اصراركما - بأنكُما تشنان حرباً اقتصادية على بلدي و نحن بوضع لا يُمكننا من تحَمُّل هكذا نوع من الحروب . وكعراقيين نرى إن الحرب لا تعني استخدام الطائرات و الدبابات و المدفعية و السفن فحسب ؛ بَل قد تأخذ أشكالاً أخرى أقل ظهوراً وأكثر عدواناً - مثل زيادة انتاج و تصدير النفط ، واستخدام التخريب والضغوطات . وتجدر الإشارة إلى أن تقسيم " اوبك " للحصص كان يقضي أن لا تتعدى حصة الكويت 5 , 1 مليون برميل يومياً ، ولكنها كانت تستخرج باستمرار 1 , 2 مليون برميل يومياً – بمعنى أنها كانت مُتجاوزة ( 600) الف برميل يومياً أكثر من حصتها المقررة

  

تداخل الشيخ زايد آل نهيان رئيس دولة الامارات العربية المتحدة مع الرئيس صدام – الذي أجابه قائلاً : إنني اشكر دولة الإمارات العربية على موقفها الإيجابي مع العراق ؛ لكنني احذركُم من إنني لم انس إطلاقاً شحنات الأسلحة والاعتدة العسكرية التي شُحنت من دبي إلى إيران خلال الحرب ، وسوف يأتي يوم الحساب . 

تشير النصوص المكتوبة التي نُقِلت عن التسجيلات الصوتية لذلك الاجتماع المُغلق إلى تشَدُد الرئيس العراقي في بعض كلماته مع الرؤساء والملوك العرب و كأنه يتحدث مع اعضاء حكومته ؛ هذا ما يُحتَسَبُ تجاهُلاً بالقواعد التي تحكم العلاقات الدولية

            

تدَّخَل ملك السعودية فهد بن عبد العزيز لتهدئة أجواء المؤتمر بما تربطه من علاقات طيبة بالرئيس صدام حسين ؛ فأنفرد به جانباً وسأله عن العلاقات مع الكويت . أجابه الرئيس العراقي: الكويتيون لا يقبلون بأي شيء لحد الآن ، لا يلتزمون بحُصَص النفط ، ولا يرتضون بتخطيط الحدود ، و أخيراً بدأوا يُخَرِبون في داخل العراق.

استشعر الملك فهد انعكاس مُعاناة الوضع الاقتصادي على العراق و اقترح عقد اجتماع على مستوى القمة ، لعدد محدود من دول الخليج العربية المُنتجة للنفط ؛ للتوصل إلى حل مُنصِف لقضية الحُصَص و الأسعار و انتهى الانفراد بينهما بقول الملك فهد: كل المشاكل ميسرة إن شاء الله ، وعندما نجتمع معاً، ومعنا الشيخ زايد والشيخ جابر، فإننا سنَتوَّصل لحَل كل الخلافات

        

أشار مصدر سعودي إلى محاورة جرَّت بين الرئيس صدام حسين و الشيخ جابر الصباح أمير الكويت بعد انتهاء أعمال المؤتمر، وتحديداً أثناء مُرافقته في مَراسم التوديع . كان حواراً مُكَمِلاً لحديث الانفراد الذي جرى بين الرئيس صدام و الملك فهد ... من ناحيتنا لا نُنفي و لا نؤيد مضمون الحوار المنشور بصفة مطلقة ؛ لكننا نستوضح بمنطقية العقل عن كيفية توَّصُل المصدر السعودي إلى نصوص هذه المحاورة بين شخصين يتحدثان فيما بينهما ؟ اللهُم إلا إذا كان احد المتحاورين قد أفصحَ عن مضمون تلك المحاورة ، وبهذا ستكون من طرف واحد و سينخَفِضُ مستوى الموثوقية بها بسبب التناقض بين وجهتي النظر المُتسببة بطبيعة الأزمة – ومن باب الحيادية نرى من اللا ضَيرَ بأن نُطلِعَ القارئ عليها ؛ لنُعطي كُل ذي حقٍ حقه :
الشيخ جابر: أن لكل مشكلة حل و نحن إخوة و الكويت أول من يتفهم ظروف العراق.
الرئيس صدام ( بما معناه ) : حيرتمونا معكم ... نطالبكم بمساعدات ، تذَّكِروننا بالديون . نذكّركم بحُصَص النفط المُتفَق عليها في "الأوبك " لكي لا تنخفض الأسعار و نتحمل أضرارها ، تطالبوننا بالتوقيع و التنازل عن أرضٍ عراقية ، نحن بحاجة إليها كمنفذٍ إلى البحر. ( يُستنتجُ من النص أن المبالغ التي قُدِمَت من الكويت للعراق خلال فترة الحرب الإيرانية - العراقية ، كانت قُروضاً وليس مُنح كما تُشير لها بعض المصادر ).
أجاب أمير الكويت: نحن لم نُطالبكُم بدفع الديون .
رد الرئيس صدام: إذاً لماذا لا تتنازلون عنها بشكل صريح ؟
رد أمير الكويت: لا نتنازل عنها لسببَين :
الأول - يتعلق بمصالحنا لأننا لو تنازلنا عن ديوننا ؛ فكل مَدينٍ للكويت سيطلب التنازل عن ديونه بالمثل مع العراق ؛ ونحن لنا ديون كبيرة عند أكثر من طرف.
أما السبب الثاني - فيتعلق بمصالحكم فلو أعفيناكم من الديون ؛ فسوف تبدو مديونيتكم أقلّ في الصندوق الدولي، وسوف يضغط عليكم بقية الدائنين ليستحصلوا ديونهم منكم ؛ وبالتالي فأن من مصلحة العراق أن تبدو دينوه كبيرة على الورق .
وعندما تحول الحوار إلى موضوع الحدود - قال أمير الكويت :
لا بدّ من تنشيط عمل اللجان، وانتهى الحديث بينهما بالمُعانقة عند سُلَّم الطائرة .

بافتراض أن محاورة الرئيس العراقي و أمير الكويت لا يشوبها عاطفة الطرف الواحد من المصدر السعودي ؛ فنستنتج منها أن الموقف الكويتي كان إيجابياً ، وأن طرح الرئيس العراقي كان منطقياً ولو بسقفٍ عالٍ من المطالب ... لكن لو استُحضر حُسن النية لكان كافياً بإنهاء الأزمة ؛ من خلال تفاوض الحكمة و الرُشد و تنازل كل طرفٍ منهما عن سقف مطالبه العُليا – وصولاً إلى مقبولية لا تضُر المصالح الوطنية لكلاهما .

بمغادرة الوفود المشاركة بالقمة الاستثنائية يُفترض أن تكون الأزمة قد ( تنفَسَت - انكمشت ) و توَّقفَ نموها و تضَخُمها ... فهل كانت هذه هي الصورة الحقيقة للأزمة ، أمْ أن واقع الحال كان على خلافها ؟
المقالة الرابعة كفيلة بالإجابة على هذا السؤال بمشيئة الله

   

 

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

638 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع