المعماري أيوب عيسى أوغنا
خبير ومحكم دولي وخليجي معتمد
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
من ذكريات الماضي , أعتصام الطلبة في السفارة العراقية ٨ شباط ١٩٦٣
جمعية الطلبة العراقيين في بريطانيا , كان لها نشاط سياسي قوي بين الطلبة العراقيين , ففي اليوم الثاني لوصولنا الى لندن 21 سبتمبر 1962 , طلبوا منا الأجتماع بهم في السفارة العراقية بينوا فيها أنشطة الجمعية لصالح الطلبة العراقيين و حشد روح الوطنية في نفوسهم للدفاع عن أهداف ثورة 1958 ضد الأهداف الأمبريالية و الناصرية و البعثية , لأن جمعية أخرى للطلاب العرب و العراقيين كانت أيضا تنشط بين الطلبة ذو الأهداف الوحدوية و العروبية للسياسة التوسعية لجمال عبد الناصر , ولكن بتأثير أقل .
وكانت الجمعية تقوم مرة كل سنة بأعداد مهرجانات للطلبة في مدن سياحية لعدة أيام وأول مهرجان حضرته كان في مدينة بلاكبول الساحلية المعروفة , حيث أقيمت حفلات غنائية و شعرية ومحاضرات , لأن فرع الجمعية في مانجستر كان له حضور قوي بعد لندن المركز الرئيسي , وكانت أول سفرة لي خارج مانجستر , حيث ألتقيت بعدد من طلاب سنوات الدراسة الأبتدائية و المتوسطة و الأعدادية من مختلف المدن البريطانية , وكنت سعيدا بأقتناء أول كاميرا في حياتي , أشتريتها من أحد الطلبة الخريجيين , لذا بدأت بأخذ العديد من الصور معهم وكان لها قاعدة ذو 3 أرجل تلسكوبية و سلك للتصوير الذاتي , وفي أحدى تلك المناسبات على الشرفة المطلة على البحر , نصبت الكاميرا وضغطت على الزر, وهرعت بسرعة للوقوف مع عدد 2 أصدقاء قبل أن تنفتح العدسة , ولكن الكاميرا أختفت فجأة بلمح البصر , ونحن ننظر بذهول الى الفراغ أمامنا , ويبدو أن أحد أرجل القاعدة لم ينفتح جيدا وبحركة ريح خفيفة أنقلبت الكاميرا فوق السياج و غاصت في مياه البحر , لقد كانت هذه صدمة قوية لخسارة لا تعوض , وبدأنا ننظر الى الأمواج عسى أن نعرف مكان وقوعها , حيث أتيت في صباح اليوم التالي ونزلت الى ساحل البحر بعد أنحسار الماء و في فترة أنخفاض الموج , وتمكنت من أيجاد الكاميرا المشؤومة , وأخذتها لمحل تصوير لتصليحها , ولكن كان ثمن تغيير العدسة الألمانية ( زينيث) باهضا , وهكذا كانت السفرة بالرغم من مسراتها ولقاء الأصدقاء قضت على طموحي في هواية التصوير لأن شراء كاميرا أخرى على مخصصات البعثة = 40 باون شهريا حتى للمعيشة والكتب كان أمرا تعجيزيا , وكان أملي أن أجمع ألبومات من الصور لتلك الذكريات , لأن هواية التصوير التي أشتهر بها أخي جورج لم أتمكن من ممارستهابعد ذلك لسنوات , ولقد كتبت على صفحتي في الفيسبوك عن خسارة أخرى لاتعوض للسكوتر( الدراجة النارية) الذي أشتريته من خريج آخر هو زهير المصلاوي , هكذا كان حظي التعيس , ولا حاجة لتكرارها (وتستحق القراؤة) . Lambretta
نظرا لأنني عنكاوي من أربيل , كنت أعتبر نفسي كردي مع الأكراد و عربي مع العراقيين لذا أنضممت الى جمعية الطلبة الأكراد واتي كان يرأسها في مانجستر كاك عبد الرزاق من السليمانية بالرغم من نشاطها القليل لأن الطلبة الأكراد أيضا كانوا ضمن جمعية الطلبة الواسعة الأنتشار . وأنني لم أنتمي لأي حزب سياسي قط , وأعتبر نفسي وطنيا عراقيا ذو ميول ليبرالية , ولكن ضد العروبية و البعثية القومية . وأهتمامي كان في الفعاليات الترفيهية و الحفلات الغنائية التي كان يقيمها الطلبة , حيث كان للطلبة في مانجستر فرقة للغناء و الموسيقى التراثية .
وكان خبر الأنقلاب العسكري للقوميين والبعثيين في 8 شباط (فبراير) 1963 , وقع علينا كالصاعقة وخبر أغتيال الزعيم عبد الكريم قاسم الذي في عهده حصلنا على البعثات العلمية , وأخبار المجازرالتي أرتكبت بعشرات الالاف من خيرة أبناء العراق , ونظرا لعدم وجود وسائل الأعلام متوفرة لدينا سواء التلفزيون الأسود والأبيض وحتى الراديو ولم نكن من متصفحي الصحف اليومية , فكأن كارثة عظيمة أطاحت بالعراق ومصير أهلنا وأحباؤنا كان مجهولا , وتوقعنا الأسؤا في مصيرهم , وكنت خائفا على حياة ومصير
(2)
أخي دنحا الذي كان الوحيد في العائلة ذو ميول سياسية و نشاط حزبي طويل , ولقد تم رصد بيتنا في تل محمد في بغداد أكثر من مرة وكانت والدتي ترى هؤلاء يشيرون الى الباب وهي في حالة رعب , حتى قبل الأنقلاب الدموي بأشهر عديدة لأن قوة منتسبي حزب البعث كانت واضحة وجلية للعيان , ومحاولة أغتيال الزعيم عبد الكريم قاسم في شارع الرشيد و محاولة قتله من قبل عبد السلام عارف لاتزال حديثة العهد ولم يتعض و يأخذ القرارات الصارمة للتخلص من أعداؤه , وسياسته عفى الله عن ما سلف أدت الى نهايته المأساوية . خاصة وأن معظم الشباب في العراق كان تقدميا ومناصرا لأهداف ثورة 14 تموز 1958 . (التي تبين لنا بعد خراب البصرة , أنها أيضا كانت أنقلابا عسكريا ضد الملكية وقيام جمهورية الأنقلابات العسكرية بعدها) , لذا أستجبنا لنداء الجمعية للطلبة بالذهاب الى لندن و الأعتصام في السفارة العراقية والأحتجاج القوي والمناؤي للأنقلاب الفاشي , ومن مانجستر عدد من الباصات تم تجهيزها على الفور وأثناء الرحلة و بعد سماع الشائعات مما كان معلوما لدى بعض الطلبة , أصبح كياننا مهزوزا ومستقبلنا في مهب الريح . وهكذا تم أجتياح مبنى السفارة بعدد غفير من الطلبة والعراقيين المقيمين في بريطانيا , زأحتشدوا داخل وخارج السفارة , ونحن نهتف بلأنكليزية ضد الأنقلاب وللتدخل لأنقاذ العراق من نيران ذلك الجهنم , وبدأت الشرطة البريطانية وعناصر مكافحة الشغب بالتجمع دون أن يتدخلوا في البداية لتفريق الحشود الغفيرة , أنتظارا لتلقي الأوامر لما ينتج عن تلك الأحداث المتسارعة , وخاصة وأن الحكومة البريطانية كانت سياستها مناوئة في الأصل لما يحدث في العراق وخروج العراق من حلف بغداد و محاولات تأمين النفط و تهديد أمن الكويت وغيرها من السياسات التي أنتهجها العراق ضد الغرب . وبدأت وسائل الأعلام بتغطية ما يجري في السفارة , و خاصة وأن الأنقلاب قد أحدث زلزالا كبيرا في المحافل الدولية ومستقبل العراق و الشرق الأوسط . وبقينا طيلة اليوم و حتى معظم ساعات الليل و نحن لانلبي طلبات الأخلاء السلمي لمبنى السفارة , ولكن في النهاية , قررنا أنهاء الأعتصام خوفا من الأعتقال ونتائج لاتحمد عقباها بعد أن أدينا المهمة بما كان متوفرا لدينا من وسائل , وأبلاغ العالم بهول تلك الفاجعة , عسى أن تفشل تلك العملية بقدرة قادر , وتنقشع تلك الغيوم السوداء من سماء العراق والقضاء على تلك الفوضى العارمة وأستتباب الأمن بعدها الى ربوع العراق . وفي اليوم التالي تصدرت جميع الصحف و وسائل الأعلام الأخرى ذلك الأعتصام الحاشد والهتافات المدوية الذي لم تتعهده لندن من قبل , ولكنني رأيت في صورة على صفحة جريدة التايمس الواسعة الأنتشار صورة أظهر أنا فيها بوضوح بالرغم من أنني حاولت الأختباء في الزوايا و الحشود لأن وجودي في المقام الأول لم يكن بدواعي وطنية بحتة وأنما خوفا على مصير أخي الحزبي المعروف في بغداد . وكما توقعنا تم فصل عدد من الطلبة النشطاء المعروفين لدى مخبري عناصر البعث و جمعية الطلاب العرب الناصرية , وأحدهم كان طالبا في نفس الكلية التي ندرس فيها , وتم توفير مخصصات لأكمال دراستهم من قبل مساعدات نقدية تم توفيرها من بقية الطلاب وخاصة وأن حكومة حزب البعث التي أستلمت السلطة قامت بزيادة مخصصات البعثات العلمية للطلبة لأسترضاؤهم من 40 باون الى 45 باون شهريا , تمكنت من تقديم باون واحد شهريا مع من قبل دفع تلك التعويضات لهذا الطالب أثناء دراستي في الكلية , والأهم حصلت على رسالة من أهلي تطمأنني على سلامة أخي دنحا من تلك الأحداث , والحمد لله لم تستمر تلك الحكومة الفاشية في السلطة نتيجة بشاعة و دموية المجازر التي أرتكبتها و أنقلب عليهم عبد السلام عارف وهكذا بدأ مصير العراق ينزلق الى الهاوية بعد سلسلة أنقلابات من العسكر الذين عاثوا في الأرض فسادا أحترق فيها الأخضر و اليابس , ولا ضوء في نهاية ذلك النفق المظلم , و لو أستمر الحكم الملكي منذ أنقلاب 1958 لأصبح العراق الآن في مصاف الدول المتحضرة
وللحديث بقية
947 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع