الحياة ... حكايات فرنسا .... وضعها الأمني والتوقعات

                                                           

               لواء الشرطة الحقوقي محي الدين محمد يونس

           

الأحداث الدامية التي شهدتها فرنسا خلال هذه السنة والأيام القريبة الماضية والتي قام بها إرهابيو الدولة الإسلامية ذكرني بموقف حصل معي في عام 2007 عندما أرسلتني الحكومة العراقية ( وزارة الداخلية) مع مجموعة من الضباط من منتسبيها وكان عددنا عشرون ضابطاً إلى فرنسا لغرض الاشتراك في دورة أمنية خاصة لغرض الإطلاع على إمكانيات الدولة المذكورة وإجراءاتها الوقائية والإجرائية في مكافحة الجريمة بشكل عام والجرائم الإرهابية بشكل خاص.

              

                                    الطابق الأخير من برج أيفل – باريس

            

                  في حديقة قصر فرساي - باريس

استمرت الدورة اعتباراً من 25 حزيران 2007 ولغاية 17 تموز 2007 والتي أقيمت في معهد الأمن الداخلي في مدينة ليون الفرنسية وتضمنت مختلف المعلومات في مجال الإجراءات الأمنية بشقيها النظري والعملي من خلال إلقاء المحاضرات من قبل اساتذة كبار مختصين في هذا المجال , بالإضافة إلى الجولات اليومية على مختلف الدوائر والمؤسسات الأمنية وفي مختلف مجالات عمل هذه الدوائر والمؤسسات .

خلال احدى المحاضرات قام المحاضر بتقسيم المشاركين في الدورة الى  أربعة مجموعات تتألف المجموعة الواحدة من خمسة ضباط ووزع علينا سؤالاً محدداً فحواه (( حدد سبب تدهور الوضع الأمني في العراق وعدم تمكن الأجهزة الأمنية المختلفة السيطرة على هذه الحوادث الإرهابية ووضع حد لها بالرغم من الأعداد الغفيرة من منتسبي وزارة الداخلية والدفاع والأجهزة الأمنية الأخرى, ورصد ميزانية ضخمة لها وتأمين مختلف احتياجاتها من الأسلحة والمعدات الفنية والآليات )).
تم وضع كل مجموعة من المجموعات الأربعة في مكان منعزل وطلب منا الإجابة تحريرياً على السؤال من قبل كل مجموعة وكنت على رأس مجموعتي وكنا أول من سلم ورقة الإجابة عن السؤال وبعد أن قام المحاضر بجمع إجابات المجموعات الأربعة , وبعد فرز الإجابات أعلن الأستاذ المحاضر عن كون إجابتي مع مجموعتي هي الإجابة الأكثر واقعية في كشف وتشخيص أسباب الوضع الأمني المتدهور الذي يمر به العراق بعد قيام الولايات المتحدة الأمريكية ودول التحالف بغزوه والقضاء على النظام السياسي القائم فيه برئاسة ( صدام حسين).

عند قراءة الأستاذ المحاضر لفقرات إجابات مجموعاتنا , وكانت الفقرة الأولى منها (( ضعف الوازع الوطني والولاء للتوجهات الحزبية والطائفية والعرقية )) , إجابتي أغاضت البعض من زملائي من المشاركين في الدورة ولم ترق لهم هذه الإجابة وربط ما يعاني منه العراق وشعبه من مآسي وتخريب وإرهاب إلى ضعف الشعور الوطني لدى المواطن العراقي وتلاشي الإيمان بحق تقديس الدفاع عن الوطن وتغليبه على أي ولاء وانتماء .
في اليوم الأخير وقبل العودة إلى باريس زارنا في المعهد أحد كبار مسؤولي وزارة الداخلية الفرنسية وتحدث إلينا عن ضرورة الاستمرار في ايفاد الضباط العراقيين الى فرنسا والدول المتقدمة في مجال السيطرة الأمنية النظرية والعملية بغية الاستفادة من خبرات العاملين في مختلف المؤسسات الأمنية فيها .
في نهاية اللقاء استفسر عن مدى استفادة المشاركين في الدورة من البرامج والمناهج التي تليت علينا وتطبيقها في مجال عملنا في العراق عند عودتنا وتعميمها على زملائنا كل ضمن مجال اختصاصه ومكان عمله.

                        

     أمام مبنى منظمة الانتربول الدولي في مدينة ليون الفرنسية

كنت أول المتحدثين :
لا نستطيع انكار الاستفادة من مناهج الدورة النظرية والمشاهدات في المجالات العملية في مختلف وأقسام وصنوف دوائر قوى الأمن الداخلي الفرنسية , ولكنني لا أجانب الصواب عندما أذكر وأنا متأكد من قولي بأن ما شاهدناه هنا في فرنسا ليس علاجاً لما يعانيه العراق من خلل في الوضع الأمني المتردي ولكل دولة من الدولتين ظروفها الخاصة المرتبطة بالوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي ولا يمكن لنا نقل ما مطبق في هذا المجال الأمني إلى العراق من أجل معالجة أوضاعه وما يمر به من محن ومآسي فالإجراءات والخطوات الأمنية المتخذة في فرنسا تلائم ظروفها وواقعها المستند على استقرار نظامها السياسي وانسحاب ذلك على السلوك الصحيح لمؤسساتها المختلفة في كافة مجالات عمل الدولة المبرمج وفق سياقات نظرية وعملية علمية ثابتة وعلى الرغم من ذلك فإن ضمان بقاء حصانتها للحفاظ على الوضع الأمني مرتبط بالمتغيرات في الأساليب الإجرامية للجماعات الإرهابية عند شروعها بتنفيذ مخططاتها التي تتجاوز البرامج الوقائية للأجهزة الأمنية والتي تفاجأ بالعمل الإرهابي بعد وقوعه من حيث أسلوب التخطيط وزمانه ومكانه وأشخاصه .

          

عميد المعهد مع بعض أعضاء الهيئة الادارية والتدريسية والمشاركين في الدورة بحضور السفير العراقي في باريس
ذكرت للمسؤول الأمني الفرنسي بأنني شاهدت في الفترة المتواجد فيها عندكم الكثير من الثغرات الأمنية التي يمكن للجماعات الإرهابية الاستفادة منه في تنفيذ مخططاتها الإجرامية.
لقد أوردت له الكثير من الأمثلة فيما يخص سياقات عمل الأجهزة الأمنية وتحصين ذاتها أولاً ومن ثم وضع البرامج الحديثة في حماية أماكن الاجتماعات واللهو وأماكن الخدمات العامة وعلى الخصوص وسائل النقل العامة من محطات سكك الحديد ومترو وحافلات, والأخذ بنظر الاعتبار احتمالات نجاح الارهابيين في أعمالهم الإجرامية عندما يكونون على استعداد في التضحية بأغلى ما يملكه الإنسان ألا وهي حياته.
العمليات الإرهابية خلال هذا العام وفي الفترة القليلة التي مضت أثبتت صحة توقعاتي وما ذهبت إليه من تفسير وتحليل للوضع الأمني في فرنسا في تلك الفترة ومقارنتها بما هو سائد في العراق وضرورة عدم الاعتماد على برامج ثابتة واعتبارها صالحة لكل الأوقات.
وأخيراً : لابد من القول بأنه يتحتم على الدول المتحضرة دراسة واقع الجريمة والأعمال الارهابية في الدول المبتلية به ووضع الحلول والبرامج الوقائية قبل انتقال تداعياتها إلى هذه الدول .

              

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1132 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع