فدرلة سوريا!!

الحرة:في شمال شرق سوريا، حيث تدير “الإدارة الذاتية” الكردية مناطقها، وفي السويداء جنوبا حيث يسعى الدروز لحماية مناطقهم من التوترات الطائفية، وعلى الساحل حيث يعيش العلويون تحت وطأة آثار المجازر، يطفو إلى السطح نقاش متجدد حول شكل الدولة السورية في المستقبل.

ومع دخول سوريا عامها الخامس عشر منذ اندلاع الثورة ضد نظام بشار الأسد المخلوع، ومرور نحو عشرة أشهر على تولي هيئة تحرير الشام بقيادة أحمد الشرع مقاليد السلطة، لم يعد سؤال إعادة بناء الدولة نظريا. إذ تنخرط الأقليات في نقاش علني بشأن الفيدرالية كخيار لضمان قدر أكبر من الأمن والتمثيل السياسي والإدارة المحلية. لكن هذا التوجه نحو اللامركزية يصطدم بإصرار حكومة الشرع على التمسك بدولة مركزية موحدة، ما ينذر بصراع معقد يهدد بقاء سوريا كدولة واحدة.

ولفهم تعقيدات هذا المشهد، لا بد من العودة قليلا إلى الوراء.

تاريخيا، أُخضعت الأقليات في سوريا لإدارة مركزية صارمة، مع سيطرة الحكومة المركزية في دمشق على معظم الموارد والخدمات الأساسية، ما خلق شعورا بالعزلة والتهديد.

ومع انهيار الدولة في ديسمبر 2024، برزت الحاجة إلى إدارة محلية أكثر فعالية، خصوصا في المناطق التي شهدت صراعا عنيفا مثل الشمال الشرقي، حيث أسست الإدارة الذاتية الكردية نموذجا لإدارة الخدمات والبنية التحتية، والدروز في الجنوب الذين اعتمدوا على تنظيم ذاتي محدود لحماية مجتمعهم.

يقول الممثل الأميركي الخاص السابق لشؤون سوريا جيمس جيفري “على المستوى الداخلي، هناك عدة مطالب تشترك فيها جميع الأقليات في سوريا”.

“هي تريد أولاً بنية حكم معقولة لا تمارس القمع في مجال حقوق الإنسان، أو تفرض عليها ضرائب تعسفية، أو تضطهدها عسكرياً، أو تفشل في توفير الخدمات الأساسية. وثانياً، تسعى إلى درجة معينة من السيطرة على إدارتها المحلية، لأنها اعتادت ذلك بالفعل سواء في شمال شرق البلاد حيث الأكراد أو في الجنوب الدرزي” يضيف جيفري لـ”الحرة”.

في المقابل يشير جيفري إلى أن المطلب الأساسي لحكومة الشرع “والأغلبية السنية” هو إقامة “دولة مركزية موحّدة لا تتفكك”.

مطالب فيدرالية جديدة
الأكراد يشكلون واحدة من أكبر الأقليات العرقية في سوريا، ويعيشون في مناطق تمتد من الحسكة والقامشلي إلى ريف حلب شمالي البلاد.

وتُقدَر نسبة الأكراد بنحو 10% من سكان سوريا البالغ عددهم 23.8 مليون نسمة، وفقا لأحدث الأرقام عن الصادرة عن الحكومة الأميركية.

منذ بداية الحرب الأهلية، أسس الأكراد إدارة شبه مستقلة تُعرف باسم الإدارة الذاتية، تشمل برلمانًا محليًا، قوات أمن محلية، ونظامًا لإدارة الخدمات.

“نحن اليوم أمام سوريا مجزأه بغض النظر عن الحدود الرسمية. على الأرض الديناميكيات مختلفة فهناك مناطق سيطرة مختلفة في سوريا وهي شبه دويلات” تقول عضوة بالمجلس الاستشاري النسائي لمكتب المبعوث الخاص لسوريا زوزان علوش.

“اليوم ليس بالإمكان أن تحكم سوريا بنموذج حكم واحد وبحلول مطلقة، لكن يجب أن يكون هناك شكل من أشكال اللامركزية” تضيف علوش لـ”الحرة”.

وإلى الجنوب، وخصوصًا محافظة السويداء، تشهد المنطقة ضغطًا متزايدًا نتيجة التوترات الطائفية وهجمات الجماعات المسلحة والقوات الموالية للحكومة في دمشق.

قُتل مئات الأشخاص في السويداء في أعمال عنف بدأت بين عشائر محلية وفصائل درزية في يوليو، وتصاعدت بعد إرسال القوات السورية إلى المنطقة، حيث اتهم أقارب القتلى القوات الحكومية بارتكاب عمليات قتل على شكل إعدامات أمام الكاميرات.

ويرى الدروز، الذين يشكلون 3% من عدد السكان، في الفيدرالية أداة حماية، لا وسيلة للانفصال، مع التركيز على التحكم في الأمن المحلي وإدارة الموارد والخدمات.

يقول مالك ابو الخير، الناشط السياسي من السويداء، مؤسس ورئيس حزب اللواء السوري، إن “الفكر الفدرالي يمكن أن يحمي المناطق ويضمن أن تعمل كل منطقة بنظام يوازن بين اللامركزية والمركزية، خصوصا في ظل فشل النظام المركزي في بناء ديمقراطية فعالة”.

انضم العلويون لهذه المطالب على خلفية المجازر التي تعرضوا لها في مارس 2025، حيث قُتل نحو 1400 مدني علوي في أعمال عنف نسبت إلى عناصر تابعة للحكومة، وفقا لتقديرات لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة المعنية بسوريا. بينما قال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن العدد تجاوز الـ1500 قتيل.

وتبلغ نسبة العلويين 15% من السكان في سوريا.

دفعت “مجازر الساحل” بعض العلويين، مثل ممثلي “حركة الشغل المدني” بقيادة عيسى إبراهيم، إلى المطالبة باستفتاء دولي لتحقيق حكم ذاتي في مناطقهم، لحماية أنفسهم من عمليات الانتقام.

والأسبوع الماضي جرى الإعلان عن تأسيس “المجلس السياسي لوسط وغرب سوريا”، الذي دعا إلى إقامة إقليم فيدرالي في محافظات طرطوس واللاذقية وحمص وأجزاء من ريف حماة تحت مسمى “إقليم وسط وغرب سوريا”.

“العلويون يريدون توخّي الحذر في نشر قوات الحكومة المركزية في مناطقهم قدر الإمكان. ويرغبون على الأقل في منحهم القدرة على إدارة الشرطة المحلية، كما هو معمول في الولايات المتحدة أو ألمانيا” يقول جيمس جيفري.

الفيدرالية واللامركزية والنظام المركزي
لفهم جدل الفيدرالية بشكل صحيح، يجب التمييز بين النماذج الثلاثة الأساسية للحكم.

فالفيدرالية السياسية تعني توزيع السلطة السياسية بين المركز والأقاليم، بحيث يكون لكل منطقة صلاحيات محددة في التشريع وصنع القرار.

أما اللامركزية الإدارية: فتعني منح الأقاليم القدرة على إدارة الخدمات العامة فقط، دون التأثير على السياسات العليا للدولة

وفي النظام المركزي تتحكم الحكومة المركزية في كل مفاصل الحكم والخدمات، مع قدرة محدودة للأقاليم على اتخاذ أي قرارات مستقلة.

وترفض الحكومة السورية في دمشق أي شكل من أشكال الفيدرالية، وتشدد على ضرورة الحفاظ على وحدة الدولة كأولوية، وعدم السماح للأقاليم بالحصول على صلاحيات سياسية واسعة قد تقوض صلاحيات السلطة المركزية.

في تصريحات أدلى بها بعد أيام من توليه السلطة في سوريا، أعلن أحمد الشرع صراحة موقفه المعارض للفيدرالية.

في 29 ديسمبر أكد الشرع أن “لا تقسيم لسوريا بأي شكل، ولا فيدرالية”.

وبعدها بأيام قال الشرع إنه “لا ينبغي للأكراد المطالبة بالفيدرالية في الوقت الحالي، لأن المجتمع السوري ليس مستعداً لفهم هذا النموذج، بل يعتبره جزءاً من مشروع تقسيم سوريا”.

لكن زوزان علوش تستبعد أن تعود الأضاع في سوريا إلى ما كانت عليه قبل عام 2011 على الأقل في المناطق الكردية.

“شمال شرق سوريا منطقة فيها كامل الموارد وفيها قوة عسكرية وقوى سياسية وناس متخوفون من المجازر، بالتالي من الطبيعي جدا أن لا يحصل قبول لما تطرحه دمشق اليوم،” تقول.

ينتشر الأكراد في مناطق الشمال والشمال الشرقي من سوريا، ويسيطرون على حقول النفط الرئيسية في البلاد. بالمقابل يعتمد الدروز في السويداء، القريبة من الحدود مع إسرائيل، بشكل كبير على الزراعة كمصدر للدخل.

أما العلويون، فيتركزون في مناطق الساحل السوري وبشكل خاص محافظتي اللاذقية وطرطوس وبنسبة أقل في حمص وحماة ودمشق. وبالإضافة للزراعة والسياحة، تمتلك المناطق التي ينتشر فيها العلويون مقومات اقتصادية رئيسية تتمثل في الموانئ البحرية في اللاذقية وطرطوس وهما من أهم الموانئ في سوريا، ويمثلان شرياناً حيوياً للتجارة الخارجية والاستيراد والتصدير.

الحل
“أحد الأدوات التي تمتلكها الحكومة المركزية، والتي يمكن أن تشكّل مجالاً للمفاوضات أو لتسوية أمر واقع وإن لم تكن رسمية أو قانونية، هي الخدمات، فطالما لا توجد دولة أخرى مستعدة لتأمين الخدمات الأساسية لتلك المناطق يبقى هذا ورقة بيد الحكومة المركزية” يقول جيفري.

“أما الورقة الكبرى الأخرى والأكثر أهمية،” يضيف جيفري، “فهي أن الحكومة المركزية تحافظ على علاقات معقولة مع جميع الجيران ومع المجتمع الدولي عموما. وبذلك لا يرى أحد أن الشرع أو هيئة الشام يشكّلان تهديداً كبيراً يستدعي دفع قوات عسكرية وأموال في سياسة دعم جيوب أو مناطق نفوذ منفصلة” يضيف جيفري.

على الجانب الآخر يمكن أن تكون هناك حلول وسطية يلخصها جيفري بالوصول لـ”نوعٍ من التفاهمات غير الرسمية، على شكل قوانين أو اتفاقيات فردية قد تمنح الأقليات المحلية شعوراً بأن لديها قدراً من السيطرة على مصيرها وأنها لن تكون عرضة للتنمر، وفي الوقت ذاته يمنح الحكومة المركزية شعوراً بأنها لا تواجه ما قد يتحول إلى انتفاضة أو محاولة لاقتطاع جزء من البلاد”.

“ويكون ذلك مقابل قيام الحكومة المركزية بتوفير الخدمات، ومشاريع البنية التحتية، والكهرباء، وغيرها من الأمور التي تعتمد عليها جميع هذه المناطق”.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

864 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع