هل دفن لقمان الحكيم بالعراق؟ وما حكايته مع كمون والمثل الشهير الذي ربط بينهما؟

                   

              ما يعتقد أنه ضريح لقمان الحكيم من الداخل

الجزيرة/بغداد- على الأطراف الشمالية لبغداد، ثمة مرقدان متقابلان تحيطهما فسحة أرض واسعة ومناطق زراعية بعيدة عن الأحياء السكنية، أحدهما يزعم أنه للعبد الصالح لقمان الحكيم، والآخر لغريمه كمون، حيث يشاع المثل العراقي القائل "أواعدك بالوعد وأسقيك يا كمون"، أي أنني سأعدك وأفي بوعدي.

وللمثل حكاية سنأتي على ذكرها في سياق هذا التقرير، ولكن أين الحقيقة بشأن مكان وجود مرقد العبد الصالح لقمان الحكيم الذي توفي قبل آلاف السنين وعاصر الأنبياء والملوك؟ وهل دفن في العراق بعد عودته من منطقة النوبة الواقعة بين مصر والسودان؟ كما تشير بعض الروايات التي ذكرت ذلك في سياق الأماكن التي مرت بها الحملة العسكرية التي قادها السلطان العثماني سليمان القانوني لفتح بغداد وانتزاعها من الدولة الصفوية عام 1534، وما قصته؟

ولقمان الحكيم رجل حكيم، ذُكر في القرآن الكريم وأطلق اسمه على سورة لقمان، ووصاياه هي إحدى القصص القرآنية التي تبرز حكمته التي وهبها الله له، وتعدّ لدى المسلمين من أعظم الحكم والمواعظ، إذ كانت حكمته تأتي في مواضعها، وحسب كتب التفسير فإن لقمان كان أهون مملوك لدى سيده، ولكن الله تعالى منّ عليه بالحكمة فغدا أفضلهم لديه.

هو لقمان بن ياعور، ولد في 10 سنين من ملك داود عليه الصلاة والسلام، ولم يزل باقيا بالأرض مظهرا الحكمة والزهد إلى أيام يونس بن متى عليه الصلاة والسلام، وليس في القرآن الكريم أي إشارة تمكن من تحديد عصره، بحسب المسعودي في مروج الذهب.

اختزال الحكمة
يقول الباحث في الشأن الإسلامي محمد البخاري إن التاريخ الإسلامي يحتفظ لنا بشخصية لقمان الحكيم الذي كان رجلا حكيما، ذُكر في القرآن وأطلق اسمه على سورة لقمان، وعندما نزاوج بين مفهوم الحكمة من خلال القرآن وبين لقمان والسورة القرآنية التي خلدته نجد ثمة مضمونا حضاريا تختزنه الحكمة يختلف جذريا عن مفهوم الحكمة الذي تتناوله الفلسفة، مشيرا في حديث للجزيرة نت إلى أن لقمان الحكيم الذي عاصر النبي داود عليه الصلاة والسلام وعرف بالحكيم، ولد وعاش في بلاد النوبة.

وبينما يؤكد الباحث البخاري أن مدفن الحكيم في العراق، مستشهدا بأن جميع الأنبياء كان العراق قبلتهم، يرى الشيخ منتصر الطائي أستاذ تفسير القرآن الكريم في حوزة أنيس النفوس للدراسات الإسلامية أن لقمان الحكيم وفقا للروايات نزل بالموصل شمالي العراق في قرية يقال لها كومليس أو كوماس، وأنه مات في الشام التي يوجد قبره بها شرق بحيرة طبرية، وبناء على ذلك لا صحة لوجود مرقد له في بغداد أو غيرها من المحافظات العراقية.

ويقول الباحث البخاري إن بعض قبور الأنبياء والصالحين موجودة في العراق رغم اختلاف موطنهم الأصلي عنه لقدسيته المتوارثة عندهم، ومن هنا يُعلم أن أقرب الاحتمالات لموقع قبر لقمان هو هذا الموجود حاليا شمال شرق بغداد، وقيل إن قبره في اليمن، وقيل في الشام، وسبب اختلاف هذه الروايات هو تنقّل هذا الرجل الصالح بين هذه البلدان.

وفي معرض حديثه للجزيرة نت، يشير الشيخ الطائي إلى أن المصادر التاريخية التي يُطمأن إلى صحتها تؤكد أن لقمان الحكيم قد عاصر نبي الله داود عليه الصلاة والسلام.

وللباحث والمؤرخ عباس شمس الدين صاحب كتابي "أنبياء العرب" و"مراقد مزيفة"، رأي آخر، إذ يؤكد للجزيرة نت أن الأرجح فيما يعرف بقبر لقمان شمال شرق بغداد هو قبر لأحد شيوخ الصوفية، لاسيما وأن المنطقة الممتدة من منطقة الحسينية ومحمد سكران امتدادا إلى مقبرة حبش بن الكاظم وصولا إلى مدينة الجوسق القديمة كانت مناطق مأهولة، واستخدمت شهرة حكمته في عدة أماكن ومن عدة شعوب مثلما وردت باللغة السريانية عن أحيقار الحكيم الآشوري. كما يشير شمس الدين إلى أن كمون هو كناية عن ابن لقمان وتلميذه، في حين أنه وفق النص الآشوري قد يرمز إلى ابن أخته الخائن الذي غدر به.

وعلى الرغم من بعض الترميمات التي تقوم بها البلدية للمرقدين، فإنهما يعانيان من الإهمال، وهما بطبيعة الحال لا يتبعان الوقفين السني أو الشيعي وإنما يخضعان إداريا إلى مديرية السياحة والآثار في وزارة الثقافة، بحسب المشرف على إدارة المرقدين إسماعيل إبراهيم، الذي أكد أن كمون كان أميرا حسب الروايات المتواترة، وقد آمن بحكمة العبد الصالح لقمان الحكيم ومعرفته ببواطن الأمور.

وتحيط بالمرقدين متنزهات متواضعة، تأتي العوائل لزيارتها والترفيه فيها، والغالب من العوائل يحضرون طعامهم معهم ويفترشون الأرض ويتناولون الطعام، بسبب خلو المكان من المطاعم والمحال التجارية خاصة حينما يكون الطقس مشمسا.

قصة المثل المتواتر
يقول الباحث في التراث البغدادي نبيل عبد الكريم إن المثل الشائع لدى العراقيين وبعض الدول العربية "أواعدك بالوعد وأسقيك يا كمون"، جاء على خلفية قصة مشهورة بين العبد الصالح لقمان الحكيم وصنوه كمون، مفادها أن لقمان الحكيم راهن كمون على أن يصنع كل منهما سما قاتلا، وكان أول من تلقى السم هو لقمان بشربه كأس السم الزعاف الذي صنعه كمون، وبحكمته طلب من والدته أن تشرح أجزاء من جسده وتنقله إلى مكان بعيد، حيث تبدأ الدبابير بالوقوف على الجروح لامتصاص الدم وبذلك يخرج السم من جسده.

وبعد فترة قصيرة من الزمن طلب لقمان من والدته حمله إلى الدار، فاغتسل وبعد أيام خرج للسوق فرآه كمون فصعق مما رأى وكان ظنه أن لقمان مات من أثر السم، ثم جاء الدور إلى لقمان لسقي صنوه السم، فأحضر بعض الحصى وطلب من بعض المقربين منه طحنها واستمر ذلك لأيام، الأمر الذي زاد من قلق كمون ومخاوفه، وكل ما سأله عن السم الذي ينتظره يجيبه بالانتظار، وهكذا طال انتظار كمون حتى عثر عليه في أحد الصباحات ميتا لأنه خاف من قوة السم المزعوم، وهكذا تمكن لقمان من كمون بالصبر والاحتساب.

ويوضح عبد الكريم للجزيرة نت أن المثل متداول في العراق وبعض مدن بلاد الشام، مشيرا إلى أن لقمان كان حكيما وطبيبا، في حين كان كمون أميرا أو وزيرا، نافيا وجود مرقديهما في العراق، إذ عاشا في بلاد الشام قبل آلاف السنين، مشيرا إلى أن هذين المرقدين اتخذا في وقت سابق من قبل الأهالي للعيش والتكسب.

وبحسب ما جاء في معجم البلدان لياقوت الحموي، فإن مرقد لقمان الحكيم من المزارات في شرق بحيرة طبرية، ومشهور بأنه في بيت لحم في المغارة التي ولد فيها النبي عيسى عليه الصلاة والسلام، وله باليمن قبر، وقيل إن قبره بمنطقة بلجرشي بقبيلة غامد في قرية تدعى حزنة.

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1083 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع