مدينة التعايش العراقية.. أهالي كركوك يتمسكون بطقوس العيد

     

طه العاني- الجزيرة نت:تتميز مدينة كركوك العراقية بتنوع فريد من مختلف القوميات والأديان منذ آلاف السنين في أجواء من التسامح والتعايش السلمي. ومع حلول عيد الفطر تحفل المدينة بمزيج من العادات والتقاليد المتوارثة، لتكون فسيفساء متنوعة بأبهى صورة في نموذج يمثل العراق المصغر.

ويتحدث الإعلامي والأديب علاء الدين كركوك أوغلو عما سمّاه اللون التركماني الذي يطغى على أجواء العيد وسط التعايش الأخوي بين أهالي المدينة، ويروي للجزيرة نت كيف كانت العوائل تتسابق قبل العيد بأيام لشراء الطحين والجوز والتمر لإعداد الكليجة (معمول) في البيوت وإحضارها للأفران في المساء، وكان عدد الأفران قليلا قياسا للوقت الحاضر، لذلك كانت الطوابير تصطف أمام الأفران حتى منتصف الليل.

وحول التقاليد الأخرى، يشير إلى أن أغلبية الأهالي يشترون حلوى "الجكليت"، لأن عيد الفطر يسمى بالتركماني بـ(شكر بايرامى) أي عيد الحلوى، وكذلك من التقاليد زيارة القبور في مساء العيد وقراءة آيات من القرآن الكريم، لافتا إلى أن الأسواق تكون مفتوحة طوال ليالي العيد، والشوارع تكتظ بالأهالي، كما تنصب مراجيح الأطفال في الساحات العامة.


ويضيف كركوك أوغلو أن عند صباح أول يوم العيد تكون وجبة الفطور الصباحي عامرة بأنواع الطعام وكأنها وجبة غداء، حيث يتم تحضيرها في ليلة العيد لتكون جاهزة في الصباح بمختلف أنواع الأطعمة، مثل مرق الفاصوليا والطرشانة (طبق يحضر بالمشمش المجفف واللحم أو الدجاج) والرز وغيرها.

وأشار إلى أن أهالي المنطقة يحرصون على زيارة الأقارب وتقديم هدايا العيد للأطفال، مؤكدا أن الأوضاع تأثرت في الوضع الحالي وتراجعت الزيارات بعد ظهور الإنترنت وانتشار التكنولوجيا.

تقاليد كردية
من جانبه، يقول الناشط نبز صباح الهموندي إن أواصر المحبة والتعايش ما زالت موجودة في كركوك، ولمسناها في شهر رمضان المبارك خلال حملات جمع المساعدات والتبرعات وفطرة الصوم (زكاة الفطر) التي تسبق أيام العيد، حيث كانت تصل الأموال من كافة مكونات المدينة، ويتم توزيعها على المحتاجين دون السؤال عن قومية أو طائفة أو دين.

ويضيف الهموندي للجزيرة نت أن تقاليد العيد عند الكرد وخاصة في المناطق الشعبية تبدأ بتجمع رجال وشباب المنطقة بعد صلاة العيد، ثم يجوبون كل بيوت المنطقة ويطرقون الأبواب للسلام على أهلها، ويسلم جميع أهالي المنطقة على بعضهم بعضا، ورغم تأثر هذه العادة بوباء كورونا فإنها ما زالت مترسخة في المناطق الشعبية.

وتكون سفرة إفطار العيد عند الكرد كاملة ومتنوعة -بحسب الهموندي- حيث تضم أطباقا منوعة كمرق الفاصوليا والقيسي وكذلك اللحوم وغيرها، ويقول "إفطار العيد عندنا يختلف عن مناطق الوسط والجنوب التي يقتصر إفطارها غالبا على الكاهي والقيمر، كما تكون معجنات الكليجة حاضرة في كل عيد، وأصبحت من التقاليد المشتركة بين كل قوميات كركوك".

ويؤكد أن الأعياد تزيد الألفة بين المكونات حيث يتجمع الأهالي من كافة مناطق كركوك في الحدائق والساحات، لافتا إلى أن هذه التجمعات ألغيت مؤخرا بسبب ظروف كورونا.

أجواء عربية
ويقول رئيس فريق سفراء السلام التطوعي علاء عبدالواحد شاكر، إن مدينة كركوك المعروفة بتراثها وفلكلورها العريق والمتجذر منذ آلاف السنين، يتجسد فيها الوئام بين قوميات ذات حضارات وثقافات متعددة تمثل مختلف الأعراق والمذاهب والقوميات العراقية.

ويضيف للجزيرة نت أن روح الأخوّة والتسامح ترسخت في كركوك رغم كثرة المحاولات لتعكير هذه الصفوة، لكن بالرغم من ذلك ترى في البيت الواحد من قوميات ومذاهب، فتجد الأم من قومية والأب من قومية أخرى، فعامة الناس بسطاء ويتعاملون بإنسانيتهم ولا يتأثرون بالنزعات السياسية.

ويوضح شاكر كيف تستعد العوائل العربية قبل العيد بأعمال التنظيف وعمل المعمول (الكليجة) وشراء المكسرات والحلويات وشراء الملابس الجديدة للأسرة، وكان الرجال يذهبون إلى حمام السوق ليلة العيد لكن هذه العادة اندثرت.

ويتابع "في بداية الصباح يرتدي الأب الثوب الأبيض الجديد ويصطحب معه أولاده إلى المسجد لتأدية صلاة العيد مع جيرانهم، وتتعالى تكبيرات العيد من مختلف مساجد المدينة، فيما تباشر الزوجة بتحضير وجبة فطور العيد الصباحية التي عادة ما تتميز بأطباقها الدسمة من اللحم والدجاج وأطباق الرز المزيّنة باللوز والمشمش والشعرية".

وينوه إلى أن العيد فرصة لتجديد العلاقات وتوطيدها، ولكن هذا قد تأثر أيضا بسبب الأزمة الصحية وحظر التجول، لكن التواصل مستمر حتى لو عن طريق الهاتف.

وبالنسبة للأطفال -يقول شاكر- العيد هو اليوم الذي ينتظرونه بفارغ الصبر، فتجدهم يضعون ملابسهم الجديدة قرب فراشهم ليرتدوها في الصباح ويتجمعوا في بيت الجد، ثم ينطلقوا إلى مدن الملاهي والألعاب بعد أن يأخذوا "العيدانية" وهو مبلغ من المال يحصلون عليه من الأهل والأقارب لإدخال السرور والمحبة في قلوبهم.

عادات مشتركة
وتتكون كركوك من العرب والكرد والتركمان ومكونات أخرى تتعايش على أسس المحبة والاحترام، وتتبادل الزيارات خلال الأعياد وغيرها، كما يقول الباحث الاجتماعي أحمد الجبوري.

ويبيّن الجبوري للجزيرة نت كيف أسهم التنوع الإثني في إثراء عادات وتقاليد المدينة، حيث انتقلت العادات من قومية إلى أخرى، وأنتجت عادات جديدة تعزز النسيج الاجتماعي وتسهم في نشر المحبة والتسامح بين أبناء المدينة.

ونوه إلى اندثار بعض التقاليد وتلاشيها، لأن الإنسان يمر بمراحل تطور فكري واجتماعي واقتصادي، فمثلا كان معظم الناس يزورون قبور موتاهم ويضعون عليها الحلوى، لكن هذه العادة تلاشت.

ولفت إلى أن كركوك ما زالت تحتفظ بالكثير من العادات والتقاليد المتوارثة من الآباء والأجداد، كما تكيفت مع التطورات الجديدة مثل اللجوء للإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي لتبادل تهاني العيد بين الأصدقاء والأقارب، إضافة إلى السفرات الجماعية إلى مصايف الشمال وغيرها من العادات الجديدة، مختتما حديثه بالتأكيد على أن مدينة كركوك ستبقى عراقا مصغرا يعيش فيها الجميع بأمن وسلام.

   

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

740 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع