محمد أبو سيف: ذاكرة سينمائية عراقية في منزلٍ واحد

   

     أبو سيف: أشتري كلّ ما يتعلق بالسينما من مالي الخاص

العربي الجديد -بغداد / علاء المفرجي:محمد أبو يوسف عاشقٌ غريب لفنّ السينما. هوايته أصبحت، بمرور الوقت، مشروعاً سينمائياً مهمّاً، يقصده جميع المختصّين بهذا الفنّ وعشّاقه في العراق. منذ أكثر من عقدين، وبجهدٍ شخصيّ وإمكانات ذاتية، أسّس متحفاً للسينما في منزله، بسبب عدم تبنّي الدولة المشروع، أو تقديم أيّ مساعدة له.

يحتوي المتحف على عددٍ كبيرٍ من مُلصقات أصلية نادرة، وأشرطة أفلام روائية ووثائقية، ومواد فيلمية أصلية ونادرة أيضاً، وعارضات سينمائية بأحجامٍ مختلفة، وكتب سينمائية ومجلّات فنية نادرة، وخطابات بين مُلّاك دور العرض وشركات توزيع الأفلام، وأشياء أخرى نادرة.

عن هذا كلّه، يتحدّث محمد أبو سيف إلى "العربي الجديد"، في هذا الحوار:

(*) كيف كانت البداية؟

ـ بدأتُ هوايتي منذ الصغر. كنتُ أشتري الأشياء بما أحصل عليه من يومياتي، وهي قليلة. بدأتُ بالصحف، جامعاً إعلانات دور السينما المنشورة فيها، وصُور فنانين وفنانات، أوائل سبعينيات القرن الـ20. بعدها، بدأتُ أواظب أسبوعياً على حضور فیلمٍ في إحدى الصالات المنتشرة في بغداد. لاحقاً، اقتنيتُ كلّ ما يخصّ السينما: ملصقات وصُور ومواد فيلمية. بعد عام 2003، حصلتُ على عارضات سينمائية، إذْ بيعت غالبية دور السينما، وتحوّلت إلى مخازن. حينها، بدأت الصالات تتهاوى شيئاً فشيئاً، بين هدمٍ وإغلاقٍ، وتحويل بعضها إلى مواخير. كأنّ هناك حالة عداء، وحان وقت الانتقام.

(*) لكنّ موجودات المتحف تتطلّب أموالاً طائلة للحصول عليها. كيف تصرّفت إزاء ذلك؟

ـ موجودات المتحف التي تراها كانت، في يومٍ ما، تُعادل مبلغاً كبيراً لا قدرة لي على توفيره لشرائها. لكنْ، بعد الظروف التي مرّت بها السينما في العراق، من توقّف الإنتاج السينمائي، وإغلاق صالات العرض كلّها تقريباً، أصبح ثمن هذه التُحف زهيداً جداً. بالإضافة إلى هذا، لا يستطيع اقتناء هذه التحف هواةٌ كثيرون، بسبب حاجتها إلى حيّز كبير في المكان الذي توضع فيه. ثم أنّ المؤسّسات السينمائية غير معنية بشرائها. لذا، ولأنّ لدي مكاناً كبيراً، امتلأ هذا الأخير بتلك التُحف.

(*) كيف تعاطت مؤسّسات الدولة مع المشروع: هل تبنّته، أو على الأقل خصّصت مكاناً ملائماً للمتحف؟

ـ لم أوجّه أيّ دعوة إلى أيّ جهة حكومية. عندما تغيب مركزية القرار، تكون النتيجة معروفة. لا يوجد اليوم ما يُشجّع على المُناشدة. في المقابل، عُرضت عليّ أماكن، لكنّي لم أرغب فيها، لأنّها تحدّ من حريتي في العمل، علماً أنّ هناك أبنية تُراثية كثيرة، تمتلكها أمانة العاصمة أو وزارة الثقافة العراقية، تصلح لأنْ تكون مكاناً ملائماً للمتحف.

ـ لم يقتصر اقتناء هذه التُحف على المصادر العراقية، رغم أهميتها. سافرتُ إلى مصر مرّتين، بحثاً عن أفلامٍ وصُور، واقتنيتُ عدداً من الأشرطة النادرة وملصقات، فأنا لا أستطيع العثور على شيء نادر يخصّ السينما، في أي مكان، إلا وأسارع إلى شرائه من مالي الخاص. لكنْ، أهمّ ما في المتحف هو من مصادر عراقية، ويخصّ السينما العراقية أساساً. فبعد عام 2003، كما تعرف، كان الباعة يفترشون الأرصفة لبيع الأشرطة الخاصة بدائرتي "السينما والمسرح" و"الإذاعة والتلفزيون"، بأسعار زهيدة، فاشتريتُ أشياء عدّة من الموزّع المعروف حكمت فرنسيس، قبل أنْ يهاجر إلى أميركا، وحصلتُ منه أيضاً على أكثر من 100 فيلمٍ سينمائي. كما أهداني فيلماً نادراً عن تتويج الملك فيصل الأول، مُصوّر بكاميرا 16 ملم، إنتاج بريطاني. حصلتُ كذلك على وثائق متعلّقة بخطابات ومراسلات بين الموزّعين العراقيين وشركة "بهنا فيلم" في الإسكندرية، بين منتصف ثلاثينيات القرن الـ20 وستينياته. من بين هؤلاء الموزّعين وشركات التوزيع، هناك مثلاً مكاتب إسماعيل شريف وحبيب الملاك وروكسي والأضروملي والزوراء، وغيرها.

(*) ما هي أبرز الموجودات في المتحف؟

ـ أقتني كلّ ما يتعلّق بالسينما. هناك عدد كبير من الملصقات الأصلية النادرة، وأشرطة أفلامٍ روائية ووثائقية، ومواد فيلمية أصلية ونادرة أيضاً. بالإضافة إلى عددٍ من العارضات السينمائية بأحجامها المختلفة، وكتبٍ سينمائية ومجلات فنية نادرة، والخطابات والمراسلات التي ذكرتها لك سابقاً، ومنها المتبادلة بين ملّاك دور العرض وشركات توزيع الأفلام. عام 2009، اقتنيتُ آلات عرضٍ سينمائي تعود إلى "سينما الأندلس" في الناصرية، من نوع "فكتوريا"، وعددها 4، بينها قطعتان في العراق. ولديّ نحو 60 ماكنة عرض سينمائي، بينها 35 ملم، و16 ملم، و8 ملم. أول ماكنة اقتنيتُها كانت "شينكو" اليابانية، من نوع "بورتبل".

في ما يخصّ الورقيّات، لديّ عدد كبير من سيناريوهات أفلامٍ سينمائية ومسلسلات قديمة، بالإضافة إلى فيديو خاص لوصيّ العراق عبد الإله والملك فيصل في هوليوود، ونسخ أصلية لعدد من الأفلام العراقية. أما المقُتنى الذي أعتزّ به كثيراً، فهو عارضة سينمائية من نوع "فورود"، ذات المنشأ الياباني، التي أستخدمها للعرض في منزلي، وفيه صالة عرض صمّمتها بنفسي. من الأفلام التي أملكها، هناك "الضوء الخافت"، ومدّته نصف ساعة، تمثيل سعاد حسني وأحمد مظهر، وهو فيلمٌ نادر.

(*) ماذا عن "رابطة هواة السينما" التي أسّستها؟

ـ إنّها تجمّع لعددٍ من محبّي فنّ السينما وهواته. في البداية، كنا نلتقي كلّ يوم جمعة في مقهى في منطقة الميدان (بغداد)، عام 2010، وكان يحضره محبّو السينما من مختلف المحافظات. حينها، اقترحتُ تأسيس "رابطة هواة السينما"، فأعجب بالفكرة جميع الهواة، وشجّعوني على تأسيسها وقيادتها، فأصبحت موجودة منذ عام 2010، وأصبحتُ رئيسها. تضمّ الرابطة أعضاء من مختلف المحافظات، ونشاطاتها منحصرة في إنعاش دور السينما في المجتمع. فبعد إغلاق الصالات السينمائية في بغداد والمحافظات، وبيع محتوياتها، اشترى كلُّ واحد منا على حدة كلّ ما يعثر عليه أو يُعلن عن بيعه، من أفلام وأفيشات وعارضات سينمائية بأحجامها ونوعياتها المختلفة. ثم أنشأ كلّ واحد منّا صالة عرض في منزله، وكنّا نتجمع كلّ أسبوع في منزل أحدنا لمُشاهدة فيلم، حتى أُطلق علينا لقب "مجانين السينما". شاركنا في أبرز المهرجانات والمناسبات السينمائية، ونظّمنا عروضاً أسبوعية في "المتحف المتجوّل"، في شارع المتنبي (بغداد).

   

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1008 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع