مكتبة في الموصل تحتفل بيوبيلها المئوي بعد أن دمرتها الحرب

         

العرب/ د.باهرة الشيخلي:في كل محنة تمرّ بها مدينة الموصل العراقية، يشمّر أهلها عن سواعدهم لمداواة الجراح التي خلفتها تلك المحنة، ولا محنة أقسى من المحنة الأخيرة التي عصفت بالموصل إذ عاقبها الاحتلال الأميركي بعد غزو العراق سنة 2003 على المقاومة التي أبدتها في وجهه.

بعد ما ألحقته بها الحرب، عمّر أهل الموصل الخراب الذي طال المدينة، لكن اجتاحها بعد ذلك تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) واتخذ منها عاصمة لدولته وأنزل بها الخراب، ثم حررتها قوات التحالف والحكومة العراقية وميليشياتها متبعين سياسة الأرض المحروقة حتى لم يبق فيها حجر على حجر، ودمرت معالمها التاريخية الجميلة فتنادى أهلها لإعمارها لأن المدينة، كما يقول الكاتب العراقي هارون محمد، “كتب عليها أن تبقى مخربة، وقد شاع بين العراقيين القول إن الموصل لن يبنيها إلا أهلها”.

المكتبة الأولى
من آيات إعمار الموصليين لمدينتهم أنهم احتفلوا بإعادة افتتاح “المكتبة العربية” بعد أن دمرتها الظروف التي مرت بالموصل تماما، ومن الطريف أن هذه المكتبة كانت أول مكتبة تفتح أبوابها بعد تحرير الموصل من داعش في عام 2019، لتحتفل هذا العام بمرور قرن كامل على افتتاحها الأول في العام 2021.

تقع هذه المكتبة في شارع النجفي وهو ثاني أقدم شارع في الموصل أنشئ في العام 1913، وافتتحه الوالي سليمان نظيف باشا سنة 1914، ثم أصبح هذا الشارع القلب النابض لمدينة الموصل إذ غلب عليه، في خمسينات القرن الماضي طابع الثقافة بافتتاح عدد كبير من المكتبات تخصصت معظمها في بيع الكتب الأدبية والدينية والتعليمية وغيرها، وكان يشهد نشاطا ملحوظا قبل افتتاح المدارس وكأن فيه كرنفالا ومهرجانا خاصا بالقراء والطلاب والتلاميذ.

من آيات إعمار الموصليين لمدينتهم أنهم احتفلوا بإعادة افتتاح "المكتبة العربية" بعد أن دمرتها الحرب ضد داعش

أنشأ المكتبة عبدالرحمن الكركجي، عندما كان شابا تواقا للقراءة، واستهوته مؤلفات المنفلوطي فزار سوق المكتبات في بغداد (شارع المتنبي اليوم) ليشتري مجموعة متنوعة من كتب أدبية ودينية، فقرأ بعضها وباع بعضها الآخر في محل والده في سوق العطارين، حتى خامرته فكرة إنشاء مكتبة يديرها بنفسه.

هجر الكركجي الوظيفة ليستأجر دكانة في شارع النجفي زودها بالكتب وأطلق عليها اسم “المكتبة العربية”، ومع مرور الزمان أضاف إليها تجارة الكتب الأدبية التي يستوردها من سوريا ومن مصر، فضلا عن المصاحف وكتب التفسير والكتب المدرسية والمنهجية لوزارة المعارف (التربية) لمختلف المراحل الدراسية.

كانت مكتبة عبدالرحمن الكركجي مكانا دائما لملتقى الأصحاب والأصدقاء والمعارف، واهتم صاحبها طوال عمله في إدارة المكتبة ولأربعة عقود ونيف بجمع الكتب الخطية القديمة والنفيسة (المخطوطات)، وباع قسما عظيما منها إلى مكتبة متحف بغداد في حقبة الستينات من القرن الماضي، وظل مواظبا على عمله حتى توفي في مايو سنة 1976.

شارع المكتبات

لم تبق “المكتبة العربية” هي الوحيدة في الموصل، إذ يقول الباحث أزهر العبيدي “في خمسينات القرن الماضي غلب على الشارع طابع الثقافة بافتتاح عدد كبير من المكتبات تخصصت معظمها في بيع الكتب القيمة القديمة، وتخصص بعضها الآخر في بيع المجلاّت المصرية واللبنانية الدورية وبيع الجرائد اليومية الموصلية والعراقية، وفي مكتبات أخرى بيعت القرطاسية للمدارس والدوائر الرسمية ومن أهمها مكتبة العسلي، وكانت هذه المكتبة الأخيرة تحمل اسم مكتبة الجزائر للأخوين هاشم ومقداد العسلي قبل انتقالها إلى مكانها الحالي، فضلا عن مكتبات ‘النبراس‘ و‘العراقية‘ لصاحبهما ذنون المصري، و‘الشباب‘ لهشام محمد عبدالله، و‘الخيام‘ لحسين الجبوري، و‘المعارف‘ لمحمد شهاب، و‘الإمام‘ لصديق الإمام، و‘الغانم‘ لسعدالله الغانم”.

تركّز وجود المكتبات في القسم الجنوبي من شارع النجفي مع عدد من محال بيع الأحذية، وتميزت مكتبة الأهالي التي كان صاحبها عبدالرحمن نصّار (أبوعوف)، من أهالي البصرة ويتحدّث باللهجة البغدادية، ببيع الكتب القيمة والمجلاّت المصرية، وكذلك مكتبة الأمل لصاحبها عصام محمد عبدالله، والمكتبة العصرية لآدمون الصائغ، ومكتبة العروبة لصبحي، ومكتبة الموصل لشمس الدين السيد حاتم، ومكتبة المسيرة لقيس قاسم بشير، ومكتبة محمد ثامر، ومكتبة الأمين لسيد على أحمد الغنام، والمكتبة الوطنية لزهير ووالده شاكر شنشل، ومكتبة أبوبكر لصدّيق قاسم محمد لبيع الكتب الدينية.

ومن مكتبات بيع الصحف والمجلاّت مكتبة أزهر الطائي وعبدالفتاح جاسم (أبوبسّام) في مدخل شارع النجفي، ومكتبة علي محمود مقابل جامع العباس، ومكتبة مجيد، وتخصصت مكتبة أخرى لذنون المصري ببيع بطاقات اليانصيب.

إن إعادة افتتاح “المكتبة العربية”، وعمرها 100 سنة، بعد تدميرها مؤشر واضح على أن أهل الموصل مصممون على إعمار مدينتهم حجرا حجرا بعد أن لم يبق فيها حجر على حجر.

    

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

762 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع