العراق على أبواب أزمة مياه بسبب النهم التركي المتزايد لمياه دجلة والفرات

               

العرب/بغداد – أطلق انخفاض منسوب نهر الفرات صفارات الإنذار بشأن كارثة مائية وشيكة في العراق كان قد تواتر التحذير منها خلال السنوات الماضية بسبب وجود توجّه تركي نحو مضاعفة استغلال مياه نهري دجلة والفرات في مشاريع زراعية وصناعية ضخمة، فضلا عن تحذيرات من لجوء أنقرة إلى استخدام المياه كورقة مساومة على ملفات أمنية وسياسية متعلّقة بمطامعها في الأراضي السورية والعراقية.

وحذّرت لجنة الزراعة والمياه في البرلمان العراقي من مواجهة البلاد نقصا فادحا في المياه خلال الفترة المقبلة. وقال رئيس اللجنة سلام الشمري “إنّ تركيا تحاول بين الحين والآخر استخدام ورقة المياه لتنفيذ ما تخطط له بدولتي مسرى نهر الفرات (سوريا والعراق) بشكل خاص”.

وأضاف في بيان أصدره الثلاثاء أن “إعلان مسؤول في شمال سوريا عن انخفاض منسوب مياه نهر الفرات بأكثر من خمسة أمتار لأول مرة في التاريخ، أمر خطير وينذر بالأمر نفسه في العراق”.

ودعا الشمري الحكومة العراقية إلى الإسراع بتوقيع اتفاقية مع تركيا حول حصة العراق من مياه نهري دجلة والفرات وعدم السماح لها باستخدام الأمر كورقة ضغط لتنفيذ أهدافها.

وكان عبدالعزيز أمين مدير الموارد المائية في محافظة الحسكة بشمال شرق سوريا قد أعلن مطلع الأسبوع الجاري عن جفاف نهر الخابور وروافده بسبب حجز تركيا لكميات كبيرة من مياه نهر الفرات، بينما أشار مدير الزراعة في المحافظة رجب سلامة إلى “خروج مساحات واسعة من الأراضي الزراعية من الاستثمار نتيجة توقف مشاريع الري على سرير نهر الخابور من مدينة رأس العين حتى ناحية مركدا”.

كما أثّر تراجع كميات المياه المتدفّقة من تركيا صوب سوريا على إنتاج الكهرباء في البلد الذي يعيش أصلا أزمة طاقة حادّة بسبب فقده السيطرة على منابع النفط والغاز في أراضيه. وقال مدير الشركة العامة لكهرباء الحسكة أنور عكلة إن المحافظة أصبحت بلا كهرباء بعد توقّف عَنَفَات التوليد في سد الفرات جراء حبس تركيا كميات كبيرة من مياه النهر وانخفاض منسوب المياه فيه بشكل غير مسبوق.

ويخشى العراق وضعا مشابها للوضع السوري جرّاء عدم قدرته على إدارة مفاوضات ندّية وجادّة مع الجانب التركي، حيث ما تزال خلافات الطرفين حول الحصص المائية في دجلة والفرات معلّقة.

وأعادت بغداد فتح ملف المياه مع أنقرة في يناير الماضي وأرسلت إليها وفدا رفيع المستوى سعيا وراء التوصل إلى توافق بشأن تنظيم الحصّة المائية لكلّ من البلدين.

وأعلن وزير الموارد المائية العراقي مهدي رشيد حينها أن بلاده سلمت تركيا رسميا بروتوكول التعاون في المجال المائي الذي أقره مجلس الوزراء العراقي، لكن لم يعلن لاحقا عن أي تقدّم في الملف في ظل أنباء عن مماطلة تركية في حلّ القضية.

ويعتمد العراق في تأمين المياه بشكل أساسي على نهري دجلة والفرات، وروافدهما التي تنبع جميعها من تركيا وإيران وتلتقي قرب مدينة البصرة جنوبي العراق لتشكل شط العرب الذي يصب في الخليج.

ويعاني العراق منذ سنوات من انخفاض متواصل في الإيرادات المائية عبر دجلة والفرات بينما يربط خبراء عراقيون الظاهرة بمضاعفة تركيا لاستغلالها لمياه النهرين عبر مشاريع مائية ضخمة أقامتها بالخصوص على نهر دجلة.

وشكل شح المياه في دجلة خلال الأعوام القليلة الماضية صداعا لصناع القرار السياسي في العراق بعد دخول سلسلة سدود تركية الخدمة ضمن ما يعرف بمشروع “غاب”، حيث تأثرت بشدة معدلات تدفق المياه في النهر الذي ينبع من جنوب شرق الأناضول، ويصب في شط العرب المرتبط بالخليج العربي.

وعانت مناطق جنوب العراق العطش بعد العام 2014 بسبب الفوضى الأمنية وفشل الحكومة في تأمين تدفق مياه نهر دجلة.

ولا يقع اللوم على تركيا فقط في ملف المياه بل تتحمل حكومات ما بعد 2003 في العراق الجانب الأكبر من المسؤولية، حيث لم تفعل شيئا تقريبا على مستوى تطوير البنى التحتية في هذا المجال من سدود وبحيرات وغيرها من المشاريع المائية.

وتتجنب بغداد تصنيف الخلاف حول تدفقات مياه نهر دجلة مع تركيا الذي تعتمد عليه مساحات زراعية وسكنية كبيرة من شمال البلاد إلى جنوبها ضمن الملفات السياسية، مفضلة عقد تفاهمات تقنية مؤقتة مع أنقرة في هذا الصدد.

وعندما تشكلت حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي وضعت ملف مياه دجلة على رأس أولوياتها، متعهدة بالتوصل إلى حلول جذرية له.

وأعدت وزارة الموارد المائية في حكومة الكاظمي بروتوكولا للتعاون مع أنقرة في ملف المياه يستند إلى “مبدأ الإنصاف والعدالة في توزيع الحصص وضمان حقوق العراق المائية”، فيما عبرت تركيا عن استعدادها لتوقيعه دون أن تقوم بذلك فعلا.

وتدرك بغداد أن أنقرة تريد أن تبقي ملف مياه دجلة معلقا لاستخدامه ظرفيا في المساومة على ملفات أخرى. وقال الكاظمي لدى زيارته تركيا في شهر ديسمبر الماضي إنّه “لا ينبغي تقييم المياه كعامل خلاف، بل كمجال للتعاون”.

وتقوم مسودة البرتوكول العراقي على فكرة جوهرية تتعلق بحجم المياه التي يجب أن تتدفق في نهر دجلة سنويا حتى نقطة المصب.

وتقول مصادر سياسية إنّ تركيا لم تبد القدر اللاّزم من التفهم لحقيقة أن أي نقص في هذه الإمدادات سينعكس بشكل سلبي مباشر على العراق ولاسيما مدنه الجنوبية، مؤكّدة عدم امتلاك بغداد لأي ضمانات واضحة بشأن توقيع تركيا على البروتوكول في ظل تعمّد أنقرة الإبقاء على الغموض بشأن رؤيتها لملف المياه.

وتخشى جهات عراقية أن تتأثر مفاوضات العراق مع تركيا بشأن المياه بموازين القوّة في علاقة بغداد بأنقرة والراجحة بقوّة لمصلحة الطرف الثاني، وهو ما يتجلّى في التدخّل العسكري التركي داخل أراضي العراق دون تنسيق مسبق مع حكومته. وهو تدخّل عجزت بغداد عن وقفه رغم تنديدها المتواصل به، إذ تطالب السلطات العراقية نظيرتها التركية منذ سنوات بإزالة القاعدة العسكرية التي تقيمها في بعشيقة قرب الموصل دون أن تلقى استجابة من الجانب التركي.

   

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

625 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع