العرب/بغداد – يجد رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي نفسه أمام خيارات معقدة في حال انفلت عقال المواجهة مع الميليشيات الشيعية التابعة لإيران.
وفتحت عملية اعتقال قيادي كبير في ميليشيا عصائب أهل الحق بزعامة قيس الخزعلي لتورطه في تنفيذ هجمات صاروخية على السفارة الأميركية في بغداد، الباب أمام احتمالات اندلاع مواجهة مفتوحة بين حكومة الكاظمي وفصائل مسلحة.
وتكشف الأزمة بشكل علني عن الوضع الملغوم الذي تعيشه الدولة العراقية في ظل انتشار السلاح ومحاولة إضفاء الشرعية على ذلك السلاح دون أن تستند تلك المحاولة على أسس قانونية.
فالصدام بين الحكومة التي تمثل الدولة العراقية وفصائل الحشد التي تمثل المصالح الإيرانية وارد في أية لحظة. ولا يعني تخطي الأزمة الحالية سوى محاولة لتأجيل ذلك الصدام.
وينقسم المراقبون في بغداد بشأن قدرة الحكومة على القيام بعملية استفزاز أخرى للميليشيات التي تلقت تدريبا إيرانيا جيدا، فيما يوازي تسليحها ما يوجد لدى جهاز الشرطة الرسمي، أو ربما يفوقه.
وبعيدا عن السلاح ونوعه وكميته، ربما يسأل الكاظمي نفسه عن حقيقة وجود إرادة فعلية لدى أجهزته الأمنية لخوض مواجهة مسلحة مع ميليشيات ربما تضم شقيق هذا الشرطي أو نسيب ذاك الضابط.
وتتذكر المؤسسة العسكرية العراقية كيف استعان رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي بقوات مكونة من جنود ومقاتلين سنّة من الأنبار عندما قرر أن يهاجم ميليشيا جيش المهدي الشيعية في البصرة عام 2008.
ولا يمكن للكاظمي تكرار هذه التجربة بأي حال من الأحوال، بالرغم من أن وزير الدفاع جمعة عناد ضابط سني، لكنه بلا صلاحيات تقريبا.
ويحاط رهان الكاظمي على المؤسسة العسكرية في حال قرر مواجهة الميليشيات ببعض الشكوك، بالرغم من أن القوات العراقية قاتلت ببسالة كبيرة بين 2015 و2017 ضد تنظيم داعش.
وعلى مستوى الدعم الخارجي، لا يبدو أن الكاظمي سعيد بما آلت إليه أمور الرئاسة الأميركية، فخصم إيران الشرس دونالد ترامب سيغادر البيت الأبيض في غضون أسابيع.
ومع أن خبرة الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن بالملف العراقي كبيرة جدا، وسبق له أن أشرف عليه شخصيا عندما كان نائبا للرئيس باراك أوباما، إلا أن قيمة هذا الملف تراجعت كثيرا منذ الانسحاب العسكري من البلاد عام 2011.
ولا يرتفع في بغداد سقف التوقعات الخاصة بأداء إدارة بايدن في الملف العراقي كثيرا، لأن التقديرات تشير إلى أن الرئيس الجديد سينشغل ببضعة ملفات داخلية خانقة، أبرزها الركود الاقتصادي الناجم عن جائحة كورونا.
أما على المستوى الإيراني، فلا يمكن القول إن الكاظمي هو حليف موثوق لأحد في طهران، ما يعني أن إمكانية حصوله على مساعدة من الشرق تبدو ضعيفة للغاية.
وتبدو علاقة الكاظمي بإيران أقرب إلى الاضطرار، إذ يتعامل كل طرف مع الآخر مضطرا، بصفته أمرا واقعا، فلا الكاظمي يمكنه تجاوز حقيقة النفوذ الإيراني الغالب في العراق، ولا إيران يمكنها تجاهل أن الكاظمي مدعوم من الخليج والولايات المتحدة.
ويبدو أن الكاظمي يريد أن يفهم ما إذا كانت إيران تريد تهدئة دائمة مع الولايات المتحدة، أم تريد أن تتجنب منح ترامب أي مسوغ لمهاجمته في أيامه الأخيرة.
وأرسلت إيران جنرالها الأبرز حاليا، إسماعيل قاآني إلى بغداد، كي “يقسم بأن بلاده لا علاقة لها بالعمليات الأخيرة لقصف السفارة الأميركية”.
وتشير مصادر مطلعة إلى أن الكاظمي يريد أن يتأكد من نوايا إيران في هذا الشأن، من خلال تشكيل وفد من بعض أصدقائها العراقيين وإرساله إلى طهران لاكتشاف الأجواء.
إلا أن مراقبين عراقيين يرون أن استضعاف رئيس الوزراء من خلال توجيه الإهانات العلنية له لا يقع في مصلحة الحشد الشعبي في هذا الظرف الحساس الذي يسعى فيه أتباع إيران إلى توجيه الأنظار إلى الصراع الإيراني – الأميركي باعتباره محور اهتمامها. وهي لعبة يُراد من خلالها حجب حقيقة الانهيار الاقتصادي وتدهور الأحوال المعيشية للمواطن العادي.
ويقول الكاتب السياسي العراقي فاروق يوسف “الصراع بين الحكومة وأحد فصائل الحشد الشعبي بطريقة مبتذلة سيؤدي بالضرورة إلى أن يفقد الطرفان قدرتهما على الإقناع بسلامة موقفهما، كما أن هناك احتمالا كبيرا في أن تزيد تلك الحملة من شعبية الكاظمي على حساب مرشحي الحشد في الانتخابات المقبلة”.
وعبر يوسف في تصريح لـ”العرب” عن توقعه بأن تتم لملمة الفضيحة من خلال تدخل قيادات الحشد. فليس من مصلحة الحشد وقوع أي صدام داخلي كما أن إيران ستكون حذرة في التدخل بين الطرفين خشية أن يتيح تدخلها الفرصة لتدخل أميركي واسع، لن تكون فصائل الحشد قادرة على مواجهته.
753 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع