هل يخسر أيتام أبومهدي المهندس نفوذهم في العراق

    

             ميليشيات تائهة بعد رحيل مسيّريها

تتجمع معطيات سياسية جديدة تفيد بأن الميليشيات الموالية لإيران في العراق باتت أمام تحديات مصيرية تهدد نفوذها ووجودها. ومن هذه الميليشيات كتائب حزب الله التي أصبحت تعيش، خاصة بعد تولي مصطفى الكاظمي رئاسة الوزراء، مشكلة مزدوجة، فقد خسرت الجماعة شأنها شأن بقية الفصائل التابعة للحشد الشعبي أحد أهم قيادييها أبومهدي المهندس ما ينذر بتراجع قوتها، إضافة إلى أنها أصبحت مهددة بقرارات سياسية حاسمة سيتخذها الكاظمي، يرى مراقبون أنها ستساهم في تحجيم أذرع إيران في العراق.

العرب/بغداد - تشير التطورات السياسية في العراق إلى حدوث تغيرات جوهرية على مستوى موازين القوى في المستقبل القريب خاصة في ما يتعلق بالكتائب المسلحة الموالية لإيران ومنها كتائب حزب الله التي من المرجح أن تفقد نفوذها الذي حققته منذ تشكيل فصائل الحشد الشعبي في عام 2014.

وعلاوة على فقدان الميليشيات الموالية لإيران لزعيمها والعقل المدبر لها أبومهدي المهندس منذ يناير الماضي، باتت أيضا مهدّدة بتراجع في نفوذها منذ تقلد رئيس الوزراء الجديد مصطفى الكاظمي مهامه.

وكتائب حزب الله معروفة بعدائها للكاظمي حيث اعترضت في شهر أبريل الماضي على تكليفه بتشكيل الحكومة الجديدة التي يرأسها الآن. وفي أول رسالة موجهة إلى الميليشيات الموالية لإيران قال الكاظمي في تغريدة له على تويتر “وعدنا بأن المتورطين بدم العراقيين لن يناموا ليلهم”.

ويأتي تصريح الكاظمي بعد قتل متظاهر في محافظة البصرة جنوبي العراق برصاص مسلحين موالين لإيران أطلقوا النار على مجموعة من المتظاهرين الذين احتشدوا أمام مقر الحركة المتهمة برعاية عمليات فساد وتهريب للنفط وسيطرة على الوظائف في المحافظة.

مكانة المهندس

تواجه أذرع إيران في العراق وفي مقدمتها كتائب حزب الله تحديا كبيرا بعد مقتل أبومهدي المهندس، بوصفه حلقة الوصل والعقل المدبر والرأس المهيمن على كل الفصائل الولائية لايران، التي باتت منذ فترة في بؤرة ضغوط واشنطن عبر ضمها إلى لائحة المنظمات الإرهابية، وفرض عقوبات اقتصادية على عدد من قياداتها، فضلا عن ضربات الطائرات المسيرة الإسرائيلية والأميركية التي استهدفت معسكراتها ومواقع تخزين صواريخها.

ورغم أن مقتل أبومهدي المهندس في الغارة الأميركية على موكب قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني بالقرب من مطار بغداد في الثالث من يناير الماضي جاء بمحض الصدفة وفق تصريحات المسؤولين الأميركيين، إلا أنه لا يمكن إغفال أن مقتل المهندس يمثل خسارة كبرى لإيران؛ فالمهندس لعب دورا رئيسا، من خلف الستار، في تثبيت أركان النفوذ الإيراني في العراق، وتذليل العقبات أمام ربطه باستراتيجيات طهران للهيمنة على المنطقة.

ويجمع المراقبون على أن المهندس كان وكيل إيران في العراق بامتياز على غرار حسن نصرالله في لبنان، وهو ما قد يجعل خلافة المهندس داخل الحشد الشعبي سببا قويا للنزاع بين قادة الفصائل الولائية.

وخلقت الأشهر الأخيرة عددا من الأزمات التي وضعت كتائب حزب الله أمام تحديات مصيرية، يُتوقع لها أن تزداد تعقيدا بغياب المهندس ورفيق دربه الجنرال قاسم سليماني، المسؤول عن ملف العراق في الحرس الثوري الإيراني.

هذه التحديات الجديدة الموضوعة أمام كتائب حزب الله سلط عليها الضوء مركز الأبحاث الأميركي “فورين بوليسي” بعرضه تقريرا مفصلا عما ينتظر هذه الميليشيا الموالية لحكام طهران.

وتقول شيلي كيتلسون كاتبة المقال بعد مرور خمسة أشهر من مقتل أبومهدي المهندس في غارة أميركية بطائرة ذاتية القيادة في مطار بغداد، يبدو الآن أن نفوذ كتائب حزب الله المدعومة من إيران في العراق قد بدأت تتراجع”.

ورغم الفراغ السياسي منذ أن أجبرت الاحتجاجات في وسط وجنوب العراق ذات الأغلبية الشيعية الحكومة السابقة على الاستقالة أواخر عام 2019 وانسحاب التحالف الدولي مؤخرا من عدة قواعد عراقية، إلا أنه تجري بحسب الكاتبة خطوات لدمج بعض فصائل وحدات الحشد الشعبي بشكل كامل في سلاسل القيادة والهياكل الحكومية التي كانت موجودة قبل عام 2014، وقطع ارتباطها بإيران.

وإذا تمكنت الحكومة العراقية الجديدة من القيام بذلك، فإنها يمكن أن تقلل من تأثير الجماعات المسلحة القوية ذات الولاء المشكوك فيه للدولة العراقية.

وتم تشكيل وحدة الحشد الشعبي رسميا في عام 2014 من خلال فتوى أصدرها آية الله العظمى علي السيستاني للمتطوعين لمحاربة تنظيم داعش من أجل الدفاع عن الأماكن المقدسة الشيعية والعراق بشكل عام. ولعبت ميليشيات الحشد دورا رئيسيا في هزيمة تنظيم داعش الإرهابي، إلا أنها بعد ذلك استغلت سطوتها في الاستحواذ على مواقع وصفقات بعملية فساد كبرى تواطأت معها حكومة رئيس الوزراء السابق عادل عبدالمهدي.

وتنتمي غالبية الميليشيات المنضوية في وحدات الحشد الشعبي إلى الجماعات المسلحة التي كانت موجودة لسنوات عديدة قبل تشكيل وحدة الحشد الشعبي في عام 2014. وكانت هذه الفصائل تتلقى الدعم الكامل من فيلق القدس الإيراني منذ فترة طويلة.

أما الفصائل الأخرى التي تأسست عام 2014 والموالون للسيستاني فقد تأسست أثناء المعركة ضد تنظيم داعش في مدن غرب وشمال العراق.

وفي الثالث والعشرين من أبريل الماضي، بدا الإعلان الرسمي بتعيين أربعة فصائل من وحدات الحشد الشعبي المسماة بـ”وحدات الضريح” مباشرة تحت مكتب رئيس الوزراء في ما بدا وكأنه محاولة لجذب بعض الفصائل التي تنتمي إلى جماعة تتكون من 100 ألف عنصر مقاتل بعيدا عن إيران.

وتقود أربعة فصائل عراقية مسلحة، مقرّبة من السيستاني، حملة لإقناع مجموعات مقاتلة شبه رسمية بتغيير جهة ارتباطها لتكون الحكومة العراقية بدلا من هيئة الحشد الشعبي، التي تسيطر عليها إيران كليا.

وقامت هذه الفصائل الأربعة رسميا بفك ارتباطها بهيئة الحشد الشعبي والتحقت بالقيادة العامة للقوات المسلحة، وفقا لمرسوم وقعه رئيس الوزراء المستقيل عادل عبدالمهدي بصفته قائدا أعلى للمؤسسة العسكرية.

وقالت مصادر مطلعة على تطورات هذا الملف، إن تحول الفصائل المسلحة الأربعة هو الخطوة الأولى في مشروع يستهدف سحب المجموعات المنخرطة في هيئة الحشد الشعبي من مساحة الهيمنة الإيرانية.

ويسعى الكاظمي إلى وضع هذه المجموعات تحت إمرة جهاز مكافحة الإرهاب الذي أعاد الجنرال عبدالوهاب الساعدي إلى رئاسته هذا الأسبوع، بعد أن أقاله رئيس الوزراء السابق عادل عبدالمهدي بتعليمات إيرانية.

وكان قرار إعادة الساعدي إلى الخدمة وترقيته ليتسلم قيادة أهم تشكيل عسكري نظامي ظهر في العراق بعد 2003، من بين الحزمة الأولى التي أطلقها الكاظمي عقب إنهائه الاجتماع الأول على رأس وزارته التي يبلغ عمرها يومين فحسب.

وقال قائد لواء علي الأكبر علي حمداني، الذي عمل سابقا كضابط في سلاح الجو، إن جهاز مكافحة الإرهاب في العراق يخضع للسلطة المباشرة لمكتب رئيس الوزراء، والذي لعب دورا رئيسيا في محاربة تنظيم داعش، وتم دعمه وتدريبه من قبل التحالف الدولي المعادي لتنظيم داعش.

واتهمت الفصائل الموالية لإيران منذ فترة طويلة جهاز مكافحة الإرهاب في العراق بأنه قريب جدا من الولايات المتحدة. بعدما واصل التحالف الدولي بهدوء دعم جهاز مكافحة الإرهاب بعد أن أوقف مؤقتا مهامه التدريبية والاستشارية للقوات العراقية الأخرى في وقت سابق من هذا العام وسط تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة وإيران وتصويت البرلمان العراقي للدعوة إلى إزالة جميع القوات الأجنبية.

وقال كل من الجيش العراقي وضباط جهاز مكافحة الإرهاب لفورين بوليسي إن انسحاب التحالف سيحرم جهاز المخابرات المركزية من المعلومات الاستخبارية التي تعتبر أساسية لقتال داعش.

معاداة الكاظمي

وتعد كتائب حزب الله مجموعة مسلحة مرتبطة بإيران تنشط في العراق، لكنها تشكل منذ فترة طويلة خطرا على طموح الحكومة العراقية في أن تقود دولة بالمعنى التقليدي. وتمتلك كتائب حزب الله أراضي في العراق يقال إن المسؤولين الحكوميين أيضا ممنوعون من دخولها.

وتم دمج بعض كتائب حزب الله في وحدة الحشد الشعبي التي تتقاضى رواتب من الحكومة العراقية، كجزء من محاولة لكبح جماح الجماعة. ومع ذلك، يواصل العديد من مقاتليها العبور من وإلى سوريا وإيران، وفقا لمسؤولين أمنيين محليين في المناطق الحدودية.

ويتحدث قلة من العراقيين بشكل صريح عن كتائب حزب الله، ولا يستطيع وفق فورين بوليسي أي منهم تقديم تفاصيل عن بنية الجماعة الهيكلية وتدرج الرتب بها.

ونقلت شيلي كيتلسون عن أحد المتطوعين الإعلاميين في وحدة الحشد الشعبي، الذي ساعد في ترتيب اجتماعات مع القادة، قوله إن الجماعة المسلحة الغامضة تفضل أن تحتفظ بالأمر على هذا النحو.

وكان المهندس، الذي كان أيضا نائبا رسميا لرئيس وحدات الحشد الشعبي ذات الأغلبية الشيعية، قياديا هاما قادرا على التعاون مع بعض الجماعات السنية المقاتلة المحلية وقادتها في معركتهم ضد تنظيم داعش. وكان المهندس مفتاحا لتزويدهم بالأسلحة والدعم لاستعادة أراضيهم.

وكان من بين أشهر قادة هذه الجماعات يزن الجبوري، وهو من مواطني محافظة صلاح الدين قابلته كاتبة المقال في بغداد في مارس. وعلى الرغم من علاقة الجبوري الطويلة الأمد بالمهندس، فإنه أشار إلى أنه حتى بالنسبة له كانت كتائب حزب الله “مثل الشبح”.

وقال الجبوري إنه كان هناك منذ فترة طويلة توتر بين الجماعة المسلحة المرتبطة بإيران وأجهزة المخابرات العراقية، بسبب السرية التي تستخدمها الجماعة المرتبطة بإيران والتهديدات المختلفة.

وقال إن كتائب حزب الله هددت في أوقات مختلفة رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، ورئيس المخابرات مصطفى الكاظمي، الذي أصبح رئيسا للوزراء في العراق في السابع من مايو.

وعارضت كتائب حزب الله بشدة الكاظمي واتهمته بصلته بقتل المهندس وسليماني من خلال تقديم معلومات استخبارية للولايات المتحدة.

وحتى مع تولي الكاظمي مقاليد البلاد، تواصل كتائب حزب الله السيطرة على مدينة جرف الصخر وتشريد أهلها والاستحواذ على منازلهم وأراضيهم الزراعية في محافظة بابل، بزعم حماية مدينة كربلاء المقدسة لدى الشيعة في العراق ضد الهجمات المحتملة من تنظيم داعش القادمة من محافظة الأنبار ذات الأغلبية السنية. وتمت إعادة تسمية المدينة باسم جرف النصر، رغم أن سكانها الأصليين، الذين نزح الكثير منهم إلى الأنبار، يواصلون الإشارة إليها باسم جرف الصقر.

ترويع السنة

تواصل كتائب حزب الله منع سكان المدينة من السنة من العودة، كما يُزعم أنها منعت أي شخص آخر، بما في ذلك المسؤولون الحكوميون، من دخولها. وعندما سألْت المسؤولين الحكوميين عن كيفية الحصول على إذن لدخول المنطقة، ردوا “حتى نحن لا يُسمح لنا بالدخول”.

وورد في تقرير فورين بوليسي أن أحد ضباط جهاز مكافحة الإرهاب في العراق زعم أن هناك مهندسين بريطانيين إيرانيين يعملون في المدينة وأن هناك أيضا مصانع لتصنيع الأسلحة.

وقالت شيلي كيتلسون “لقد أخبرني في مقابلة عام 2018 أنه يعتقد أن العديد من الرجال الذين اختفوا من نقطة تفتيش الرزازة أثناء عمليات قتال تنظيم داعش قد يكونون محتجزين في هذه المدينة، حيث لا يُسمح بدخول أي شخص باستثناء كتائب حزب الله. ويبدو كذلك أن الجماعة احتلت مؤخرا منطقة في المنطقة الخضراء في العاصمة بالقرب من مكتب رئيس الوزراء”.

وبعد نفي التقارير التي تفيد بأن مكتب رئيس الوزراء قد أعطاهم المنطقة الخضراء، أشار المحلل العراقي مايكل نايتس في تغريدة إلى أن “عناصر كتائب حزب الله لا ينتظرون مكتب رئيس الوزراء ليعطيهم شيئا. هم فقط يستولون على الشيء، ثم يحاولون الاحتفاظ به”.

وتقوم الحكومة العراقية وأصحاب المصلحة الآخرون بفصل الجماعات المسلحة الأخرى عن كتائب حزب الله بهدوء بسبب المخاطر التي قد تنطوي عليها مثل هذه التحركات.

وأشار الجبوري إلى أن المهندس تمكن من ممارسة سيطرة كبيرة على مجموعة واسعة من الجماعات المسلحة العراقية المرتبطة بإيران. ويساوره القلق الآن لأنه مع رحيل المهندس، لا يوجد أحد قادر على فعل الشيء نفسه.

وقال الجبوري وهو نجل عضو سابق في البرلمان العراقي اعترف علنا بتلقيه رشى بالملايين من الدولارات إن مجموعة من وحدات الحشد الشعبي المعروفة باسم “سرايا الخراساني” أُجبرت على مغادرة محافظة صلاح الدين بعد “أن طلبنا من المهندس إخبارهم بذلك” لأن مقاتليهم “كانوا يعاملون السكان السنّة المحليين كما لو كانوا، سرايا الخراساني، قوة احتلال”.

لكن الخطر الآن يكمن في أن كتائب حزب الله قد تخرج الآن من إطار السيطرة عليها في محاولتها منع فقدان السلطة والنفوذ.

وفي التقارير عن المناطق الوسطى والجنوبية التي ضربتها الاحتجاجات في العراق خلال الأشهر القليلة الماضية، غالبا ما كانت هناك إشارة غامضة إلى بعض “الأطراف” -حيث خشي العديد من الناس من ذكر أسماء العديد من الجماعات المسلحة المرتبطة بإيران في البداية- باعتبارها مسؤولة عن قتل المتظاهرين المتورطين في المظاهرات الحاشدة التي بدأت في أكتوبر 2019، وكذلك عن اغتيال النشطاء.

وهذا يوضح حقيقة أن بعض السكان المحليين يجدون الآن صعوبة في تخيل أن الأحزاب السياسية غير مرتبطة بالجماعات المسلحة.

وأشار عدد من النشطاء إلى “عصائب أهل الحق” و”منظمة بدر” -وكلاهما من الجماعات المسلحة المرتبطة بإيران التي ينضم أجزاء منها لوحدات الحشد الشعبي التي تتقاضى رواتبها من الحكومة وكانت موجودة قبل عام 2014 بفترة طويلة وتشارك الآن في السياسة- باعتبارها الأكثر خطورة في مدينة الناصرية. يمكن للسكان المحليين في بغداد تسمية بعض الشوارع المحددة في العاصمة العراقية حيث يُزعم أنها ممتلئة بأفراد كتائب حزب الله يتصرفون كالمافيا.

ويبدو أن كتائب حزب الله تتلقى دعما ضعيفا في كل من بغداد والجنوب. ومع ذلك، وكما هو الحال في أي منطقة ذات معدلات بطالة وفقر مرتفعة، تنشأ هناك الأرض الخصبة لتجنيد الشباب وجني الأموال.

وتقول كاتبة المقال أخبرني “بعض السياسيين العراقيين في المقابلات التي أجريت على مدى الأشهر الستة الماضية من الإبلاغ عن الاحتجاجات المعادية للحكومة أن المجموعات المسلحة في البلاد يجب أن تنخرط بشكل كامل في السياسة من أجل التخلي عن أسلحتها والتنافس على مستويات مختلفة”.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

830 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع