لارنكا – فيرونيك أبو غزاله:مع كلّ طائرة تحطّ في مطار لارنكا آتية من بيروت، يتوافد عشّاق جدد إلى جزيرة قبرص رغبة في تثبيت حبّهم قانونياً بعقد زواج مدني، بعدما سدّت الأبواب أمامهم بسبب الانتماء الطائفي وهي الحالات الأكثر شيوعاً، أو بكلّ بساطة إيماناً منهم بأهمية الزواج المدني وأنّه الأكثر قدرة على حماية حقوق كلّ من الزوجين على رغم إمكانية الزواج الديني، ورغبة في توجيه رسالة حول أهمية إقرار قانون مدني للأحوال الشخصية في لبنان.
واستقبال اللبنانيين القادمين للزواج بات أمراً بديهياً بالنسبة إلى القبارصة، بعدما تعدّت عقود الزواج السنوية المسجّلة نحو 850 عقداً. فسياحة الزواج في قبرص مشهورة وعليها إقبال كبير ليس فقط من اللبنانيين بل من مختلف الدول المجاورة التي لم تقرّ الزواج المدني، وتعتمد عليها الفنادق والوكالات السياحية أيضاً.
لكن هل يُعتبر الزواج المدني في قبرص سهلاً كما يُصوّر له في الإعلانات المروّجة؟ «الحياة» رافقت زوجين في مسيرتهما لعقد زواجهما في لارنكا بين العوائق التي واجهاها والتسهيلات التي قُدّمت لهما.
إقناع الأهل
فكرة الزواج المدني لا تزال في لبنان عبارة عن «تابو»، ويحتاج الزوجان إلى بذل الجهود بهدف إقناع الأهل حول أهميتها بعد أن يكونا قد عانيا الأمرَين للوصول إلى مرحلة الارتباط في حال كانا من طائفتين مختلفتين. وغالباً ما تصل الأمور لأن يرفض الأهل هذا النوع من الزواج، فيسافر الحبيبان وحدهما أو مع أصدقاء إلى قبرص. لكن في حالة نور وسمير اللذين شاركانا بمسيرتهما، تفهم الأهل حبّ ولديهما ولو من طائفة أخرى ورضيا السفر إلى لارنكا لكن مع تكفّل العروسين بالمصاريف والنفقات بدلاً عن الزواج في لبنان وإقامة حفلة زفاف لا يمكن أن تقلّ كلفتها عن 10 آلاف دولار. وحين نسألهما عن السبب وراء عدم اتباع خطوات أزواج يعقدون زواجهم مدنياً حالياً في لبنان، يأتي الردّ بأنّهما يسمعان كثيراً عن العراقيل التي تواجه المتزوجين ضمن هذه الفئة والتلكؤ في تسجيل عقد القران، لذا فإنّ اللجوء إلى قبرص هو خيار أفضل وأكثر أماناً مع عدم التقليل من شأن ما يقوم به الشباب في لبنان على صعيد خوض معركة القانون المدني للأحوال الشخصية.
نصف ساعة كافية
حين رسا القرار على السفر إلى قبرص، بدأ سمير ونور بالسؤال في الوكالات السياحية والتي اتضح أنّ أسعارها مبالغ بها مقارنة بتلك التي يمكن إيجادها إلكترونياً لبطاقات السفر والفندق وكلفة الزواج هناك. لذلك عمل الحبيبان للحصول على أفضل العروض، خصوصاً أنّهما يصطحبان الأهل على نفقتهما. لكن ما طمأنهما هو السؤال مباشرة عن كلفة الزواج في بلدية لارنكا التي تبين أنها منخفضة جداً على عكس ما يروّج له أي نحو 500 دولار لتسجيل الزواج والحصول على صور مصدّقة عن الوثيقة والمعاملات اللازمة الأخرى. وقد احتاجا إلى الأوراق الأساسية المطلوبة من لبنان لعقد الزواج، والتي أنجزاها خلال أيام قليلة بمساعدة صديق.
رحلة السفر كانت سلسة، وعند الوصول ارتاح الأهل والعروسان في الفندق ليوم كامل ليتوجهوا في اليوم التالي إلى دار البلدية حيث تمّ عقد الزواج خلال نصف ساعة فقط، مع تلاوة التزامات الشريكين على بعضهما. وبعدها لا بدّ من التوجّه إلى السفارة اللبنانية لملء أوراق تُرسل ضمن ملف إلى وزارة الداخلية في بيروت.
هذه هي قصّة زواج سمير ونور، نصف ساعة فقط وأصبحا متزوجين مدنياً. بعدها دعيا الأهل والأصدقاء إلى المطعم للاحتفال وبكلفة معقولة جداً. وانطباعهما بعد إنجاز معاملات الزواج أنّ الأمور كانت مسهّلة جداً ولم تعترضهما عوائق فعلية، خصوصاً أنّ القبارصة كانوا متعاونين جداً وودودين. لكن مع قرب موعد العودة الى لبنان، يستعد الزوجان لمواجهة سيل من الأسئلة من المحيطين بهما عن سبب اختيار الزواج المدني وهل زواجهما «مبارك» دينياً، وهـــما يدركان أنّ الأمور لن تكون بسيطة في بلدهما، خصوصاً مع إنجاب أول طفل والأمور التي ستتوالى بعد ذلك كطريقة تربيته وقدرته على الاندماج مع طائفتي والديه والمجتمع المحيط بهما. فالزواج المدني ليس إلا الخطوة الأولى، أما الزواج الفعلي فيبدأ مع العودة إلى لبنان ومواجهة مجتمع بأكمله لا تعترف غالبيته إلا بالانتماءات الطائفية.
613 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع