"الچنبر"..مهنة الفقراء والميسورين في العراق

               

العربي الجديد/بغداد ــ آدم محمود:ضدان متقابلان على رصيف واحد، مشهد أصبح مألوفا في العاصمة العراقية بغداد، التي يجتمع فيها بائعان على ذات الرصيف، الأول يبيع أشياء ثمينة والآخر ما يرغبه الفقراء.

منير صادق الملقب بـ "منير هاواي"، متميز بين زملائه الباعة على رصيف في شارع الرشيد وسط بغداد، هو أكثرهم أناقة ويستنشق المارة من أمامه أطيب العطور، كما أنه من بين الباعة الأعلى دخلاً في اليوم، بسبب اقتصار بضاعته على العطور العالمية المعروفة بارتفاع أثمانها.
يقابله على ذات الرصيف صلاح زين العابدين، بائع مواد كهربائية وإلكترونية مستعملة، تعرف عند العراقيين بـ "الخردة"، التي تصدر بعضها روائح عفنة، نتيجة تلف أجزاء منها، فيما زين العابدين من بين أقل الباعة دخلاً لرخص حاجياته، لكنّ التاجرين اتفقا في حديثهما لـ"العربي الجديد" على أن "الجنبر يوفر رزق عوائلهم اليومي".
ويطلق العراقيون على اتخاذ الرصيف مكاناً لكسب الرزق من خلال بيع حاجيات عليه بـ "الچنبر"، وفي الأسواق المزدحمة يكاد المرء لا يجد مكاناً في الرصيف للسير عليه، لاستغلاله من قبل البائعين أصحاب الجنابر.
وبالخلاف عما كان يطلقه العراقيون على الچنابر بأنها مهنة من لا مهنة له، صار مختصون وميسورون يتخذونها مكاناً لكسب المال، حيث تتنوع البضائع والأعمال على تلك الجنابر التي تختلف أحجامها بحسب البضائع المباعة فيها.
وتختلف أحجام الچنابر وفقاً لتخصصها، فبعضها يصل لنصف متر، يبيع أصحابها السجائر أو الميداليات الصغيرة وغيرها، حتى أن بعضهم اتخذها محلاً لصرف العملة النقدية، فيما يتجاوز بعضها الخمسة أمتار، تعرض فيها الملابس أو السلع المنزلية والكهربائية وغيرها، وغالباً توضع البضائع في تلك الجنابر على طاولات.
ويعتقد سيف ياسين (35 عاما) بأن الحظ ابتسم له ورزقه الله برزق جيد، حين ينتهي نهاره وقد جمع من "چمبره"، الذي يبيع فيه حلوى الأطفال ما يمكنه من شراء متطلبات معيشة أسرته ليوم كامل.
ويعزو باسم فياض (29 عاما) سبب تفضيله العمل على جنبر بمساحة ثلاثة أمتار في سوق متخصص لبيع المواد الاحتياطية للسيارات، بدلاً من شراء محل خاص به، لا سيما أنه ميسور حال، إلى أن حركة السوق هي من تفرض نفسها، لافتاً لـ"العربي الجديد"، إلى أنه اشترى جنبره بمبلغ 30 ألف دولار.

قيس الهنداوي الذي يملك هو الآخر جنبرا لبيع المكسرات، في وسط سوق الشورجة التجاري ببغداد، يقول إنه لا يستبدل جنبره في هذا السوق بمحل كبير في منطقة أخرى، مؤكداً أنه رفض مبلغاً يصل إلى 10 آلاف دولار مقابل ترك الرصيف الذي يعمل عليه.
ويوضح في حديثه لـ "العربي الجديد" أن صافي ما يكسبه في اليوم الواحد لا يقل عن 200 دولار، وهو مبلغ جيد لن يجنيه في مكان آخر، كما أنه وللرزق الوفير الذي يجنيه يساعده ثلاثة عمال يدفع لهم أجوراً يومية، بحسب قوله.
وعن انتشار اقتصاد الجنابر في العديد من المناطق العراقية في السنوات الأخيرة، يقول الخبير الاقتصادي، ضياء الحاج رسول، إن "الحاجة وفقر الحال كانا بداية الدافع لاتخاذ الطبقة الفقيرة من الرصيف مكاناً لكسب العيش، فمرور العراق بحروب متعاقبة وأزمات اقتصادية أدى إلى القضاء على الطبقة المتوسطة، التي انحدرت إلى الفقر، ما دعى حاجة هؤلاء إلى إيجاد عمل خاص لا يحتاج سوى إلى مبلغ بسيط للمباشرة فيه فكانت هذه الجنابر".
ويتهم الحاج رسول الحكومة العراقية بالتقصير وسوء إدارة الاقتصاد العراقي، مشيراً إلى وجود إمكانية لديها لتوفير فرص عمل تقضي على الفقر المتسبب بظهور الجنابر، لكن الفساد المستشري داخل المؤسسات الحكومية حال دون توجيه بعض من الميزانيات الحكومية طيلة سنين طويلة لبناء اقتصاد قوي، والولوج في مشاريع استثمارية حقيقية.
ويضيف أن "الجنابر لكثرتها ووجودها داخل مراكز المدن ووسط المناطق الحيوية، سحبت البساط من المحلات التجارية، وهو ما أظهر جنابر يعمل عليها ميسورو الحال".
ويواجه العراق مصاعب اقتصادية ومالية بسبب الاضطرابات الأمنية، فيما تم تجميد آلاف المشروعات، وأقرت الحكومة على الموازنة العامة بقيمة 119 تريليون دينار عراقي (105 مليارات دولار)، بينما يقدّر العجز بنحو 25 تريليون دينار (21 مليار دولار).
وانعكس تردي الأوضاع الاقتصادية بشكل سلبي على المجتمع، حيث ازدادت نسبة البطالة بشكل كبير، والتي تتجاوز 23% حالياً، وفق بيانات رسمية.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

543 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع