"جسور بغداد ما اجملها، القديم اندثر، والجديد يتطلع لاحيائه من الأهمال والاغلاق!"

            

"جسور بغداد ما اجملها، القديم اندثر، والجديد يتطلع لاحيائه من الأهمال والاغلاق!"

  

كل من سكن او عاش او زار بغداد، لا يمكنه ان يتجاهل نهر دجلة وجسورها العديدة ، لأن دجلة في ذاكرة ووجدان الجميع، دجلة شريان وواهب لحياة العراق، وعلى ضفافه قامت حضارات من أقدم الحضارات الانسانية مثل الحضارة البابلية والآشورية، من تلك الحضارات انتقلت إلى العالم المعرفة في مجالات عدة مثل الري والزراعة..، 

اصبحت نينوى عاصمة مملكة آشور، وبغداد عاصمة الدولة العباسية،ولكي تكون مركزا حضارياً يتضمن النواحي الثقافية والاقتصادية والاجتماعية، وان تكون مركزاً تجارياً، تطلب ذلك توفر المواصلات بين الجانبين، بانشاء واقامة الجسور لربط المدينة بجانبها الشرقي والغربي، فنشأت على نهر دجلة الفرض والقناطر والجسور، وبها دجلة النهر واهب الحياة شق بغداد الى نصفين.
بني الجسر على قوارب كبيرة ثم ثبتت بالسلاسل وصف عليها الخشب ليتم عبورها بسهولة، وعمل الخلفاء صيانتها والاهتمام بها، ذكر الخطيب البغدادي ان ابو جعفر المنصور امر بعقد ثلاث جسور، جسر للنساء، وجسر له ولولده، وجسر لخدمه وحشمه،عند باب البستان"سوق الثلاثاء حالياٌ، اما بالزنورد فكان جسران عقدها محمد المهدي، وعقد هارون الرشيد عند باب الشماسية جسين، بقيت هذه الجسور الى ان قتل الامين، وفي ايام المأمون بقي منها ثلاثة جسور وعطل واحد منها، فالجسور التي كانت على نهر دجلة وغيرها أبدعوا في وصفها كالذي يتضح من قول على بن الفرج الشافعي في وصفه لجسر أقيم على دجلة:
أيا حبذا جسرا على متن دجلة... بإتقان تأسيس وحسن رونق
تراه إذا ما جئته متأملا... كسطر عبير خط في وسط مهرق
كما قال علي ابن الجهم:
عيون المها بين الرصافة والجسر...جلبن الهوى من حيث ادري و لا ادري
كما قام العباسون في العصر الاول من حكمهم ببناء الزوارق والسفن، ومختلف وسائل النقل والعبور،وقنوات الري وخزانت المياه والسدود، وجففو المستنقعات التي تحيط بالمدينة، بحيث قضوا على الملاريا، كل ذلك كان مظهراً من المظاهر الحضارية التي عرفت بها بغداد، وهكذا ظهرت بغداد بالقها العالي المتطلع لأن تكون عاصمة الدنيا حين ذاك، فقد ورد عدد كبير منها في كتب المؤرخين والحغرافيين والرحالة، كما تردد ذكرها في شعر عدد من الشعراء وكان الخلفاء والأثرياء في مقدمة من يستخدم هذه المراكب التي ظلت تمخر عباب دجلة للعبور بين الجانبين أو للسفر فيها، كانت بغداد مدينة السلام ومجمع الرافدين ومعدن الطرائف ومنشأ ارباب الغايات وعروس الدنيا وبهجتها
متى ما وقفتم على جسورها او على شواطئها، وتأملتم جريان مائه العذب وهدير صوته الجميل، سحرت بغداد كل الذين زاروها من الأدباء و الشعراء و الظراف و غيرهم من كافة طبقات الناس و هم الأكثر حنيناً إليها، و في ذلك يقول ابن الرومي:
بلد صحبت به الشبيبة و الصبا... و لبست ثوب العيش و هو جديد
فإذا تمثل في الضمير رأيته... و عليه أفنان الشباب تميد
او كما وصفها علي بم الجهم حين قال:
عيون المها بين الرصافة والجسر...جلبن الهوى من حيث ادري و لا ادري.
كما تغنى أبناؤها بها، و ذكروها بحلهم و ترحالهم، و انطبعت قصورها وبساتينها وجسورها ومحالها و أزقتها و حاراتها و أسواقها، في أذهانهم، و صارت مصدر تغن في سفر، و حديث سمار في السهر.

        

يقول بـن بـطّـوطـة عندما زار بغداد 1328م : “ولـبـغـداد جـسـران مـعـقـودان عـلى نـحـو الـصّـفـة الّـتي ذكـرنـاهـا في جـسر مـديـنـة الـحـلّـة”، والـنّـاس يـعـبـرونـهـمـا لـيـلاً ونـهـاراً رجـالاً ونـسـاءً، فـهـم في ذلـك في نـزهـة مـتّـصـلـة .
اما غرق بغداد وانجراف جسورها من جراء الفيضانات فقد بدأ منذ سنة 367 هـ 978م حيث ان نهر دجلة في ذلك السنة زاد زيادة عظيمة واغرق كثيرا من الجانب الشرقي من بغداد واغرق أيضا مقابر التين (صوب الكرخ) واشرف الناس على الهلاك فنقص الماء فأمن السكان على أراوحهم.
وتحدثنا المصادر التأريخية بانه غرقت بغداد وانجرفت جسورها أيضا سنة 401 هـ 1012 م من جراء فيضان نهر دجلة فغمرت مدينة بغداد وكب سكانها السفن بغية النجاة، وأعقب هذا الفيضان فيضان آخر حدث في سنة 1073م ، فغرق الجانب الشرقي من بغداد وبعض من الجانب الغربي. حدث في بغداد سنة 1077م فيضان كان على جانب عظيم من الخطورة فاغرق الجانب الشرقي وبعض الغربي من بغداد لان نهر دجلة زاد زيادة ،وهلك خلق كثير تحت الهدم وشدت الزوارق تحت الثلج خوف لغرق وقام الخليفة القائم بأمر الله يتضرع إلى الله ويصلي وعليه البردة النبوية وبيده القضيب وغرقت في هذا الفيضان في الجانب الغربي من بغداد ايضا مقبرة احمد بن حنبل ومشهد باب التين
وفي سنة 1113م فاض دجلة فاغرق طرقات بغداد واتلف الزرع فارتفعت اسعار المواد المعيشية ارتفاعا فاحشا وقاسى الأهلون من جراء ذلك صعوبات جمة. اجتاح بغداد في سنة 1165م فيضان كاسح آخر، وتكرر ذلك مرات عديدة لسنوات متفاوتة.
جائتها سحب الظلام بسبب ضعف الخليفة المستعصم و ضعف الجيش الخاص به، اضافة الى عدم اتخاذه أي قرار لتأمين المدينة ضد المغول، وخيانة الوزير مؤيد الدين بن العلقمي، عوامل ساعدت الغزو الهولاكي لدخول بغداد، وفتكوا بأهلها دون تفرقة بين رجال ونساء وأطفال، ولم يسلم من الموت إلا قليل، ثم قاموا بتخريب المساجد ليحصلوا على ذهب قبابها، وهدموا القصور بعد أن سلبوا ما فيها من تحف ومشغولات قيمة، وأتلفوا عددا كبيرا من الكتب القيمة، وأهلكوا كثيرا من أهل العلم فيها، واستمر هذا الوضع نحو أربعين يوما، وكلما مشطوا منطقة أشعلوا فيها النيران، فكانت تلتهم كل ما يصادفها، وخربت أكثر الأبنية وجامع الخليفة، ومشهد الإمام موسى الكاظم، وغيرها من البنايات التي كانت آية من آيات الفن الإسلامي، ولم تنتهي مأساة بغداد بموت (هولاكو خان) اذ ظهر تيمورلنك الذي دمر ممالكا وبلدانا كثيرة وفي 1393 وطأ بغداد دون مقاومة الا انهم في 1401 تمردوا عليه. فغضب وراح يدمر بغداد من جديد في كل ما ابقاه (هولاكو خان) ما بعد الخراب الاول فسقطت بغداد الى التراب وغدت مآوي للحيوانات السائبة والغربان،اعقبه الاحتلال الصفوي، ثم اصبحت بغداد ضائعة في العهد العثماني.
في عهد الوالي نامق باشا الصغير تم الاحتفال بتجديد الجسر القديم في بغداد العام 1902، حيث صرفت على تجديد هذا الجسر مبالغ كثيرة. أقيم سياجه الخشبي اللطيف فوق دوب متينة، وفي أحد جانبيه شرفات مسقفة، وضعت فيها الكراسي، ومن غرائب الصرف إن السلطان أمر بعزل الوالي نامق باشا. إلا ان هذا الوالي أصرً على افتتاح الجسر لحين صدور أمر العزل، سحب الجسر الى جبهة القتال قرب نهر ديالى في سنة 1916 لإستخدام القوات العسكرية التركية، وعندما تراجعت القوات التركية من تلك المنطقة تم أحراق الجسر بالكامل لمنع القوات البريطانية من الإستفاده منه.
عند مجيء القوات البريطانية سنة 1917 الى بغداد. وجدت ان الجسر الوحيد في مدينة بغداد قد تم تخريبه من قبل القوات التركية المنسحبة وغرقت معظم أجزاءه، بدأ تفكيك احد الجسور قرب سلمان باك ومن ثم سحبه شمالا الى بغداد، واصبح الجسر صالحا" لم يكن الجسر يفي بمتطلبات عبور القطعات العسكرية المستمرة، وقد صاحب ارتفاع منسوب نهر دجلة، بعد نصب الجسر، حصول مشاكل يومية من أصطدامات وقطع الكيبلات، وسبب ذلك غرق احد المهندسين العسكريين وفقدان بعض المدافع، لذلك تم في 6 نيسان 1917، نصب جسر جديد بدلا عنه، طوفاته أكثر متانة، مصنوعة من الحديد، كان قد نقل الى العراق من مدينة كوتا في الهند، لذلك أطلق عليه الأنكليز بعد نصبه، اسم جسر " كوتا "، أو الجسر الشمالي. بينما كان يطلق البغادة عليه أسم "الجسر العتيق"

   

تمييزا عن الجسر الثاني الذي نصبته القوات البريطانية الى جنوب منه، والذي عرف فيما بعد، باسم جسر " مود " أو الجسر الجنوبي. فبسبب حاجة بغداد المتزايدة للنقل بين الكرخ والرصافة، خصوصا للمتطلبات العسكرية، قامت أدارة النقل المائي في الجيش البريطاني بعد بضعة أسابيع بنصب جسر جديد بين ضفتي نهر دجلة الى الجنوب من الجسر العتيق في فسحة شريعة سبع آبكار في منطقة رأس القرية من جهة الرصافة و بساتين الصالحية في جهة الكرخ. تم جلب هذا الجسر من كرمة علي في شمال البصرة وأكتمل نصبه في نهاية شهر حزيران 1917 وسمي بجسر مود.

         

جسر الأحرار: في نهاية عام 1937 تم إنشاء جسر على أعتاب جسر الجنرال مود، يربط الصالحية في الكرح برأس القرية في الرصافة، وسمي الجسر في حينها بجسر الملك علي، كان بعض البغداديين يسمونه جسر مود وهذا خطأ وقع فيه ايضاً بعض المؤرخين، لأن جسر مود كان مشيداً قبله من الدوب، وقد نقل الى جهة اخرى، كانت اهزوجة رددها الكثير تقول: اذا كانت روحك تحتصر روح الجسر مود العصر.
هذا الجسر شهد قصة تحليق صباح نوري السعيد فوق سماء الأعظمية وإنطلق مع إنحدار دجلة وإنخفض بطائرته بشدة ولما وصل فوق جسر المأمون (الشهداء) لحظتها شعر المارة البغداديون العابرون على الجسر بالذهول وأصابتهم الدهشة وإنتابهم الذعر لما رأوا ولأول مرة منظر الطائرة القريبة من رؤوسهم ودوي صوت محركها، ولما بلغ نقطة الهبوط المستقيمة التي حدد مسافتها قبل وصوله جسر الأحرار عبر بين إحدى الركزتين التي عينها وبلغ وقت العملية ما قبل وبعد العبور أقل من نصف دقيقة وكان المصور أرشاك وكامرته في حالة إستعداد تام وإلتقط عدة صور للطائرة رغم شعوره بالذهول هو الآخر كونه لم يتخيل أن صباح سيمر تحت الجسر بطائرته الأمريكية لكنه ظل يلتقط الصور بدقة وسرعة متناهية حتى عبر صباح سالما تحت جسر الأحرار، بقيت صورة وحيدة لم يقم أرشاك بتحميضها وبعد الحادثة أخذها منه صباح وإحتفظ بها حتى نشرتها زوجته الدكتورة عصمت سعيد بكتابها عن حياة نوري سعيد. أصدر يومها نوري السعيد قرارا أبرق به الى مدرسة الطيران بمنع صباح من الطيران وبقي مدة حتى عين على أثرها أول مدير عراقي للخطوط الجوية العراقية.
بعد تحول العراق إلى جمهورية في عام 1958 تم تغير أسم الجسر ليصبح جسر الأحرار.

   


جسر الشهداء: قام الانكليز باعادة بناء الجسر القديم، بطراز معماري يضاهي الدول المتحضرة يومذاك، وشيدوا له سياجاً حديدياً ودعامات كونكريتية، وصار أول جسر حديدي في بغداد وأنجز العام 1940م، وأطلق عليه جسر الملكة عالية ثم جسر (المأمون)، ثم سمي بجسر الشهداء بعد الانقلاب العسكري الذي ادى الى الجمهورية العراقية عام 1958 تخليدا للشهداء من الطلبة العزل الذين كانو يرفعون رايات الاحتجاج، والمنادين باسقاط معاهدة بورت سموث"بيفن-صالح جبر"، وفيها اطلقت عليهم الشرطة في العهد الملكي الرصاص وسقط العشرات من الشهداء والمئات من الجرحى، بعد ان نصبت الرشاشات والبنادق فوق البنايات والمساجد المطلة على الجسر وخاصة جامع حنان وجامع الاصفية في اكتاف الجسر، اسقطت مظاهرات جسر الشهداء الحكومة العراقية عام 1948، وفر رئيس الوزراء صالح جبر الى انكلترا. وفيها نظمت الشاعرة عاتكة الخزرجي احاسيسها الملتهبة قائلة:
هاب (العراق)؟ اصفوة امجاد...تؤدي السفهاء والاوغاد
مافيك باوطني؟ اشرذمت طغت...تبغي السيادة فيك تساد
انحب من باع البلاد بمنصب...فيه الصغار وفيه الاستعباد
في جانب الرصافة يلتقي الجسر بشارع الرشيد ليتفرع منه شارع المتنبي الذي يعتبر رئة بغداد الثقافية وسوق السراي، وفي جانب الكرخ يلتقي الجسر بسوق الشواكة وسوق الحدادين وشارع حيفا. نقل الجسر القديم» العتيك» ليكون بديلا عن الجسر الذي كان يربط بين الاعظمية والكاظمية، ثم نقل الى احدى المدن بعد بناء جسر الائمة الحديدي في نهاية الخمسينات، تعرض هذا الجسر العريق الى تدمير طفيف اثناء العدوان الثلاثيني عام 1991، وقامت شركة الفاو العامة باصلاحه.

   

جسر الصرافية: شهدت بغداد معلما حضاريا وجميلاً، الا وهو الجسر، الذي يربط الصرافية بالعطيفية، وفيها انشئ أول وأطول جسر حديدي للقطار في العراق وهو جسر الصرافية الحديدي والذي كانت له عدة اسماء هي : جسر القطار والجسر الحديدي وجسر الصرافية وجسر العلوازية، وكان الجسر معداً للإنشاء في مدينة سدني ألأسترالية قبل أن تقرر وزارة الأشغال والمواصلات العراقية شراء هيكله الحديدي وتعهد الى شركة (كوبر لايدزر) بادخال التحويرات المطلوبة على هيكله، ليناسب موقعه الجديد، وبدأ العمل بتنفيذه سنة 1948 من قبل شركة (هولو) البريطانية، وقد دفعت الحكومة العراقية تكاليفه، ويبلغ طول الجسر مع مقترباته 2166 متراً بينما يبلغ الجزء الواقع على النهر 450 مترا، لذا عد أطول جسر حديدي في العالم انذاك، لان الجسر الحديدي المقام على نهر الراين بالمانيا كان يحمل الرقم القياسي بين الجسور الحديدية ولم يكن يتجاوز طوله 1500 متر، افتتح عام 1952 حيث جرى احتفال رسمي كبير،برعاية الملك فيصل الثاني ومشى وهو لم يتجاوز الرابعة عشرة من العمر برفقة رئيس الوزراء جميل المدفعي وعدداً من كبار رجالات بغداد ليقطعه مشيا علىى الاقدام وهو يتقدم الناس الذين كانوا يهتفون له وهو يبتسم لهم ويحييهم، حيث شاهد الناس ولاول مرة بعجب واعجاب قطاراً يسير على جسر حديدي الذي كان يزين، جانبيه شعار "سكك حديد الحكومة العراقية"، يقوده ساتق القطار السيد عبد عباس المفرجي والمشرف السيد ياس علي الناصر ويرفع على هامته علم العراق، وهو خط السكك الحديد بين محطتي شرق بغداد وغربها.
يشكل الجسر معلماً من معالم بغداد، حيث كان متنفساً للعشاق، ولهواة المشي والطلاب بين العطيفية والعيواضية والوزيرية، كما كانت العائلات من اهالي العطيفية والرحمانية والعيواضية والصرافية والوزيرية والكسرة تسير عليه للترفيه وقضاء الأوقات الجميلة بعد مشاهدة لنهر دجلة والمناظر الجميلة للبساتين والاشجار والمتنزهات والقصور والمقاهي، التي تنتشر على ضفاف النهر من فوق الجسر، كما انهم تعودوا على السير فيه ايام الصيف الحار وبالتحديد في أوقات المساء للتخفيف من معاناتهم من جراء الحر الشديد الذي يعانون منه في تلك الايام الحارة من خلال الاستمتاع بالمرور فوق نهر دجلة الذي تكون فيه نسمات الهواء باردة نوعا ما، في التسعينيات قامت الحكومة العراقية بتحوير الجسر كي يتناسب مع ازياد حركة المرور في الشوارع ليستوعب اتجاهين في أن واحد وليحد من الاختناقات المرورية التي كانت تحدث قرب جسورأخرى واستخدم الحديد الموجود في سكة القطار الملحقة في نفس الجسر لعملية التحوير كي يحتفظ الجسر برونقه وعراقته، بالقرب من هذا الجسر عاش المطرب البدوي في الأربعينيات "سعيد عكار" الذي غنى (المولية) لمحبوبته التي احبها، فقال:
يا عين موليتين
يا عين مو ليّه
جسر الحديد انكطع
من دوس رجليه

https://www.youtube.com/watch?v=fD6cdomQ0R4
واعادت غنائها المطربة سميرة توفيق.
في نيسان 2007 جرى تدمير أجزاء كبيرة من بفعل شاحنة في مفخخة وضعت في وسطه بالتحديد، ولا نستغرب ان يكون للاحتلال الامريكي دور غير مباشر بغية، احداث تمزق في النسيج الاجتماعي بين سكان بغداد وتشجيع حالة من التحارب الطائفي، ونوعا من عدم التعايش بين المذاهب للدين الواحد والاديان الاخرى، وهكذا فأن اغنية جسر الحديد لم ينقطع من دوس رجلية بل قطعه الاحتلال وما سببه، يا حزناه وأسفاه لما حصل لهذا المعلم البغدادي، الملهم للعشاق وللشعراء والادباء والأحباء وعوائل الكرخ والرصافة، وكم غنينا وغنى الآخرين على مقترباته ونهاياته. بتاريخ 20 نيسان 2008 تم افتتاح الجسر بعد صيانة دامت لمدة عام.
في بداية الخمسينيات شهد العراق تغيراً و تطوراً في احواله الأقتصادية والاجتماعية، من خلال جعل امتيازات النفط الممنوحة للشركات الاجنبية، اكثر فائدة للبلاد مما هي عليه، مما اقدم على تأسيس مجلس للاعمار يمول من موارد النفط، و الذي اخذ على عاتقه قيادة النهضة العمرانية في العراق. فكان له الفضل بانشاء هيئات متخصصة لكل نشاط اعماري، توسعت آفاق عمل المهندسيين العراقيين. وبدأت وزارة الأعمار بدعوة المهندسين العالميين لوضع التصاميم ، واِلحاق المهندسيين العراقيين بهيئاتها، للمساهمة في تنفيذ تلك المشاريع. وقد حددت الحكومة العراقية الافضلية للمشاريع الانشائية، وفق الحاجة البلد الفعلية ، قد شهد عامي 1956 و1957 افتتاح العديد من المشاريع، شملت السدود والطرق والجسور والابنية. افتتحت بعض المشاريع ومنها الجسور وهي:

   


جسر الجمهورية (جسر الملكة عالية): افتتح الملك في اذار عام 1957جسر الملكة عالية ،بعد ان نفذته شركة زبلن الالمانية، يشرف الجسرعلى منطقة جميلة في وجدان العراقيين، حيث ساحة التحرير ونصب الحرية وشارع ابو نؤاس من جهة الرصافة، وبناية وزارة التخطيط وكرادة مريم من جهة الكرخ ، يتميز بجاذبية خاصة بين مختلف الجسور المقامة على دجلة، نظراً لأطلالته لنصب الحرية وشارع ابو نؤاس الذي يمتد على شواطئ دجلة بدءا منه حتى إلى ما بعد الجسر المعلق في زوية الكرادة والجادرية، على رصيفه الأيمن من جانب النهر أنواع الأشجار و الورود، و ما بين الرصيف و النهر تجد الكازينوهات والمطاعم، وياما كان الكثير من جلساءه يتمتعون بالنظر الى تقوسه الجميل واضوائه الجاذبة، في عهد الزعيم عبد الكريم قاسم تم تغيير اسمه الى جسر الجمهورية.
تعرض الى التدمير خلال العدوان الثلاثيني عام 1991 م، وأعيد بنائه من قبل الطاقات الهندسية والفنية وبالجهود الذاتية لشركة حمورابي احدى تشكيلات وزارة الاعمار والاسكان والبلديات.

     

جسر الائمة: افتتح الملك فيصل الثاني في 15 آذار 1957 هذا الجسر بدلاً من الجسر العائم الذي كان موجوداً بمحلة السفينة، وكان الجسر القديم العائم على النهر والتي كانت تروى قصص وحكايات ظريفة عنه، اذ كثيرا ما كان يتحرر من وثاقه الذي يربط بالضفة، لينطلق عائما في نهر دجلة، فيستيقظ الناس وقد وجدوا ان جسرهم قد هرب. ويتطوع الكثيرين للبحث عنه، ثم يجدونه راسياً على بعد كيلومترات، وتتم اعادته مرفقا بالعزف الموسيقي الشعبي وهلاهل النسوة لمصالحته، ظناً منهم انه ترك مكانه زعلاً او غضباً.
هذا الجسر الجميل الشبيه من حيث التصميم جسر باترسي في لندن. سمي بهذا الاسم لوقوع مقبرتين تأريخيتين،على طرفيه، دفن فيها رفاة من العلماء وأئمة بغداد اضافة الى شخصيات كثيرة، وهي مقبرة قريش والتي دفن فيها الامام موسى الكاظم ومحمد الجواد في الحضرة الكاظمية، ومقبرة الخيزران التي دفن فيها الامام ابو حنيفة النعمان في جامع الامام الاعظم
يتذكر الكثير كيف كان شباب الكاظمية يلتقي صيفاً مع شباب الاعظمية في جزرة دجلة بالقرب من المقبرة الملكية، التي كانت تظهر في النهر بمجرد ان تنتهي الامتحانات النهائية فيمارسون لعبة كرة القدم أو الكرة الطائرة او المصارعة، كما كانت كثير من العوائل من كلا المنطقتين يتمشون عابرين ذلك الجسر الجميل كما شهد الجسر ملتقى العشاق والاحباب.
في يوم 31 اب 2005 وبينما كان الآلاف من الزوار متوجهين لأحياء ذكرى وفاة موسى الكاظم، عمت اشاعة بوجود مفجر انتحاري، مما اثار الذعر بين الجموع الحاشدة على الجسر واغلاقه من احد الاطراف بنقطة تفتيش، ادى ذلك الى التدافع الشديد وفوضى عارمة، ادت الكارثة الى سقوط الكثيرين يقدر عددهم باكثر من الق شخص من الاطفال والنساء والرجال، مما ادى الى غرقهم. ساعد اهالي الاعظمية الغرقى والجرحى وتم انتشال الكثيرين من النهر، ومات اكثر من عشرة من سباحي الاعظمية ومن بينهم السباح عثمان العبيدي الذي استطاع انقاذ العشرات من الغرق، وبذلك تحقق جسر المحبة والوصال بين " الكواظمة والمعاظمة.

   

الجسر المعلق :هو واحد من مشاريع لجنة الاعمار، صممه المهندس الأمريكي ديفيد ستينمان وذلك عام 1956،الا نه توفي عام 1960، لم يباشر في العمل بالجسر بسبب انقلاب 14تموز 1958.
بدء العمل ببناء الجسر عام 1961 والذي يبلغ طوله 167.64م، بواسطة شركة بلجيكية وافتتح عام 1964 من قبل الرئيس عبد السلام محمد عارف، وهو أول جسر معلق في الشرق الأوسط يربط كرادة مريم بالزوية على جانبي نهر دجلة. اكتسب الجسر أهمية أكبر بعد أن شيدت بجانبه مبان رسمية للدولة مثل قاعة الخلد ومبني وزارة المواصلات والمسبح الأولمبي.

     

وقد تعرض إلى التدمير الشامل اثناء العدزان الثلاثيني عام 1991 م، الا الجهد الهندسي والفني للتصنيع العسكري اعادت ترميمه عام 1995بالرغم من الحصار الظالم الذي فرض على العراق.
بعد غزو العراق في نيسان 2003 اغلق هذا الجسر الجميل ضمن الاجراءات الامنية لحماية المنطقة الخضراء حيث مقرات الحكومة والسفارة الامريكية لكنه افتتح في 25 تشرين الأول 2003، إلاّ أن التفجير الذي وقع في بغداد في اواخر 2003 تسبب بإغلاقه مرة أخرى حتى منتصف عام 2004. وبعدها بفترة تم إغلاق الجسر نهائيا أمام حركة المواطنين، باعتباره يؤدي إلى المنطقة الخضراء.
توقف انشاء الجسور من عام 1964 حتى عام 1975 بعد ان بلغ عددها 6!!، في السبعينات وصل العراق الى حالة من القدرة الى احداث تغيرات اجتماعية واقتصادية وتنمية بشرية وعمرانية ادت الى مشاريع للأعمار في كل مجالات الحياة ومنها اقامة الجسور وهي:

    

جسر باب المعظم: في عام 1977 افتتح جسر باب المعظم (جسر 17 تموز) نفذته الشركة العامة للمقاولات الانشائية بالاشتراك مع شركة يابانية.

   

جسر المثنى: في عام 1970 افتتح جسر المثنى. وهو اقصى جسر في شمال بغداد، فوق نهر دجلة، يربط منطقة صدر القناة في شرق دجلة بمنطقة التاجيات غرب دجلة. فهو يعد من الجسور المهمة والرئيسية لكونه يربط المحافظات الجنوبية بالمحافظات الشمالية، اثناء الغزو دمرت احدى روافده، وبعد سنين جرى اصلاحه.

            

جسر الجادرية: في عام 1982 افتتح جسر الجادرية(جسر 30 تموز) على دجلة. فهو يربط بين حي القادسية و السيدية في الكرخ بحي الجادرية في الرصافة. تم تصميمه من قبل رود كونسلت الجيكوسلوفاكية بمعاونة مهندسين عراقييون، نفذته شركة بولنسكي وزولنر الالمانية.
يعتبر الجسر ملاذا سياحيا للعوائل البغدادية حيث تقف السيارات، ومنها تتمتع العوائل على ارصفته لجمالية ما يحيط منطقة الجسر من بساتين و جزيرة الاعراس و بحيرة الجادرية و بعض من مطاعم الحدائق المفتوحة والعائمة على جانبي الجسر.

             

جسرالسنك: في عام 1985 افتتح جسر السنك(الرشيد) على دجلة.فهو بربط فتدق ميليا منصور والصالحية في الكرخ بمجمع السنك التجاري وساحة الخلاني في الرصافة.

   

جسر الاعظمية: في نهاية عام 1983 افتتح جسر الاعظمية(جسر 14 رمضان) ضمن الجسور التي تربط جانبي الرصافة والكرخ فوق نهر دجلة في بغداد. من الجانب الشرقي تقع منطقة الأعظمية ومن الجانب الغربي تقع منطقة العطيفية. نفذته شركة مونسيل للاستشارات المحدودة " بريطانيا" و شركة الكبيسي وشريكه فيما يخص اعمال التصميم و مجموعة شركات ماروبيني "اليابان" المقاول الرئيسي التي استعانت بمقاول فرعي سوميتومو للانشاءات لتنفيذ مقتربات الجسر واعمال الفولاذ والكونكريت. وهو من نوع الجسور المشدودة اوالمدعومة بكوابل تصميم القيثارة و هي من انواع الجسور المعلقة. ويعد جسر الاعظمية، اول جسر من هذا النوع ينفذ في منطقة الشرق الاوسط ومن اضخم الجسور في بغداد التي تربط الكرخ بالرصافة وتكون فضاءات الجسر بقياسات مختلفة، ويعتبر تحفة فنية.

     

جسر الدورة : في عام 1987 افتتح جسر الدورة( جسر صدام الكبير) مع مقترباته الطويلة في منطقة الدورة، وهو جسر استراتيجي يربط المحافظات الجنوبية بالطريق السريع محمد القاسم مرورا بمعسكر الرشيد وبغداد الجديدة.

   

جسر ذو الطابقين: في عام 1992 افتتح جسر ذو الطابقين(جسرالقائد) وبمدة زمنية كانت 15 شهراً. ويربط هذا الجسر الكرادة خارج بالدورة، وهو من الجسور الكونكريتية، ويحتوي على طابقين، الأسفل هو للذهاب والعلوي هو للإياب.
تم تصميمه وتنفيذه بجميع مراحله وفق نظامي الصب الموقعي والجاهز من قبل الكوادر الهندسية والفنية العراقية، دون الاستعانة بأي خبرات أو استشارات هندسية من شركات عربية أو غربية، هذا الانجاز الفريد من نوعه في المنطقة جاء بفضل عنصري التحدي والبناء والرغبة لاستمرار التنمية، رغم الحصار الظالم على العراق آنذاك.
بعد الاحتلال استغلته احدى الاحزاب الدينية فاستحوذت على منطقة واسعة من الجادرية، واستخدموا الدعامات السفلى للجسر كركائز لبناء قاعاته الفخمة، بعد ان قطعوا الشارع الذي يربط سدة العرصات بمنطفة الجادرية واصبحت حكراً لهم.
جسور بغداد الاصالة والارث واحدة من معالمها، وأحد وجوهها المتعددة، وواحدة من العديد من تجليات هذه المدينة العاشقة للتواصل،اضواؤها ليلاً تداعب وتنادي على كل بعيد ليقترب ويتواصل.
فوراء كل جسر رمزاً للحب والتواصل والمظاهرات السياسية، وحكايات تحكى، هي جماليات معمارية وارث وتواصل اجتماعي، هي التي شهدت احداثاً تأريخية هامة، تباهى بها البغداديون والعراقيون، تشكوا من الاغلاق والاهمال وبالقدر القليل من الصيانات الترقيعية منذ الاحتلال في 2003 والى يومنا هذا، فبالرغم من النمو السكاني والتوسع السكني العشوائي الفوضوي، لم تشهد بغداد انشأء اي جسر جديد، بل العكس فقد اغلق الجسر المعلق بوجه المواطنين اضافة الى القطع لبععض من جسورها..، فان ماهو مطلوب وكحلول جذرية، ادامة الجسور الثلاثه عشربالطرق الحديثة وليست الترقيعية، وانشاء جسور اضافية تمتد من الكريعات وحتى الزعفرانية. لتكون انجازا يليق باهل بغداد والعراق، ومن الله التوفيق.
سرور ميرزا محمود

    

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

944 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع