أُسرٌ لها تاريخ سلسلة من المقالات تكتبها جنان النعيمي و تتناول فيها لمحات من تاريخ العوائل العراقية العريقة التي ساهمت في صنع التاريخ الحديث وكان لها دور في بناء العراق ما قبل الأحتلال.
بقلم جنان النعيمي
متخصصة بالتاريخ والآثار
المقال الرابع:عميد أسرة الحسيني - أحمد شوقي الحسيني
احد ابطال الجيش العراقي ومن الذين شاركو في رفع معنوياته وكان احمد شوقي الحسيني من رموز تاريخ الدوله العراقية ولا يكتب تاريخها من غير المرور به وبأسرته ومساهماتهم الحميدة..
ولد في مدينة الموصل و انهى دراسته الاولية في دار المعلمين في الموصل، ثم التحق بكلية الهندسه العسكرية في تركيا و تخرج منها برتبة ملازم ثان مهندس عسكري في بدء الحرب العالمية الاولى، محرزا المرتبة الاولى كمهندس عسكري. لذلك رشح للاشتراك في حروب قفقاسيا و رومانيا وبلغاريا. جرح مرتين، و مع هذا اصر على الاستمرار بالخدمة. و عندما نسَّبهُ المرحوم القائد ياسين الهاشمي ضابط مهندس جسور و طرق ، و ذلك حين خاض الجيش التركي معركة تاريخية. فدحر فيها لواء الهاشمي الجيش الروسي في معركة غاليسا التي ساهم احمد شوقي فيها ببناء جسورٍ و طرقٍ للجيش التركي، مما مكنه من الالتفاف على الجيش الروسي و تدميره و تكبيده عددا كبيراً من القتلى والاسرى والاستيلاء على المعدات الحربية الروسية. وقد احتفلت القيادة العسكرية التركية بهذه المناسبة ومنح كل من ياسين الهاشمي واحمد شوقي الحسيني نوط الشجاعة من الدرجة الاولى، كما قدِم الى ارض المعركة إمبراطور ألمانيا غليوم الثاني ليقلّد ياسين الهاشمي واحمد شوقي الحسيني (وسام الصليب الحديدي) و هو اعلى وسام ألماني. و ما تزال عائلة المرحوم احمد شوقي تحتفظ بذلك النوط اضافة الى أنواط عديده اخرى.
شارك احمد شوقي في جمعية العهد في تركيا مع طه الهاشمي وآخرين بعد انتهاء الحرب العالمية الاولى 1918 ثم إنضم الى الامير فيصل حتى دخوله دمشق و قد ابلى بلاءاً حسنا بمعيته و ذلك مما اهّله لأن يكون رئيس مرافقين للامير فيصل بعد ان رشحه كل من جعفر العسكري و نوري سعيد و ياسين الهاشمي و مولود مخلص.واضيفت له فيما بعد مهمة الاستخبارت، لكن المستعمرين بعد ان استتبت الامور لهم بالانتصار تخلّو عن الوعود التي قطعوها للشريف حسين بن علي امير مكة وفصلو لبنان عن سوريا في مؤامرة قذرة تمهيدا لإضعاف الامير فيصل. وتحركت فرنسا لتلعب دور مخلب القط بإسقاط حكومة الامير فيصل والتوجه بالجيش الفرنسي الى احتلال سوريا وإبعاد الامير فيصل بمعركة غير متكافئة قاتل فيها الجيش العربي والشعب السوري في معركة ميسلون التي استشهد فيها وزير الدفاع السوري المرحوم (يوسف العظمة) و اختفى القادة العسكريون العراقيون ومنهم احمد شوقي الحسيني الذي غادر الى الموصل، وبقي فيها لحين تنصيب الامير فيصل ملكا على العراق، فالتقى ببعض القادة العسكريين الذين كانوا معه في سوريا، ومنهم احمد شوقي، فعهد اليه المرحوم الملك فيصل الاول بتأسيس المدرسة الهندسية العسكرية، وكان يحمل رتبة رئيس اول. ثم انتقل الى وظيفة مدنية باقتراح من اقرانه العسكريين كل من جعفر العسكري و ياسين الهاشمي و نوري سعيد و جميل المدفعي و طه الهاشمي و علي جودت الايوني. يومها اوعز الملك فيصل الاول بتشكيل مديرية المساحة العامة بعيدا عن مسح العراق من قبل بريطانيا، فكان اول مدير للمساحة العامة، فشمر عن ذراعيه وعين بعض العسكريين الذين خدموا في تركيا و سوريا والبدء بإعمالهم حسب توجيهاته و بعد سنتين كان قد انهى رسم اول خارطة للعراق ومساحة الدولة و اراضيها و تحديد الحدود مع الدول المجاورة.
الحاج احمد شوقي الحسيني وزوجته وحفيده محمد الحسيني
ويقول عبدالرزاق الحسيني: "كنت اول من عينه المرحوم احمد شوقي الحسيني، وكان يرعاني رعاية خاصة، وحماني من احابيل اليهود وعملاء بريطانيا، وكان احمد شوقي الحسيني يعمل حتى ساعة متأخرة من انتهاء الدوام الرسمي، فكان قدوة لمن يعمل معه ثم نسب ليكون مدير منطقة الاشغال العامة التي قضى فيها 4 سنوات قدم فيها اعمالا جليلة لفتت إليه الانظار، فأصدرت رئاسة الوزراء امرا بتعينه معاون مدير عام الاشغال، واضيف اليه الري."
وفي 1/ اذار 1930 صدرت ارادة ملكية بتعينه مديرا عاما للاشغال و الطرق و الجسور، وكانت درجة المدير العام وهي أعلى درجة وظيفية بعد الوزير (لأن وظيفة وكيل وزارة مستحدثة) فباشر عمله بكل اخلاص وتضحية بعد ان زادت الصلاحيات الموكلة إليه، فقام بتعبيد العديد من الطرق، منها طريق الموصل - عمادية، وتبليط الطريق بعد مسحه، وطريق خليفان - بارزان، وسرشما- مركه سور، وجامة - زيبار. كما فتح وبلط طريقآ طوله خمسون كيلو مترا بجانب راوندوز، وكذلك طريق سليمانية - بنجوين، وطريق سليمانية - بشدر، وسليمانية - جوارته، وقره داغ و حلبجه الى سليمانية، بعد ان مسحه مسحا فنيا، ثم بلطه بعد فتحه، وكذلك مسح طريق موصل - كركوك - طوز خورماتو و عبّده فكان طريقا مهما لفت اليه الانظار والاعجاب خاصة من قبل جلالة الملك فيصل ورؤساء الوزراء، حيث كان يقضي ثلاثة ايام في بغداد واربعة ايام يذهب للاشراف وتفتيش العمل في المنطقة التي يجري فيها العمل. ولم يهدأ له بال حتى بدأت المرحلة الثانية، فقد مسح و عبّد طريق سليمانية ، و طريق كركوك- كوسينجق، و تبليط طريق موصل - دهوك - زاخو، كما فتح ونظم امور مضيق زاخو ..
وكذلك شيد جسر في ناحية التون كوبري، والاشراف المباشر على جسري بغداد الحديدين، وجسر الامير عبدالاله على نهر ديالى، وكذلك جسرين على نهر الخازر، الاول على طريق عقرة، وجسرين شيدا بالحديد والكونكريت في زاخو الاول باسم الملك فيصل الاول والثاني باسم الامير غازي. ونظرا لخدماته التي اظهرت وجه العراق الحضاري فقد منحه جلالة الملك فيصل الاول ترقية خاصة وتلطيفه بوسام الخدمة الفعلية من الدرجة الاولى.
وفي لواء الحلة شيد جسر المسيب الحديد باسم الملك فيصل الاول، والجسر الحديد الاخر باسم الجسر العباسي، وفي لواء الديوانية على طريق الحلة الكوفة. وكذلك جسر المشرح في لواء العمارة، واشهر الجسور جسر الموصل الحديد الذي اطلق عليه فيما بعد جسر الملك غازي، ولم يكتف بالطرق والجسور فقد قامت مديريته العامة بنشاط من نوع آخر حيث توجه لبناء المستشفيات العصرية الواسعة منها المستشفى الملكي في الموصل ومستشفى كركوك الذي لا يقل ضخامة عن مستشفى الموصل ومستشفى الحلة الفخم بطابقين ببناية واسعة وبمساحة 40 الف متر مربع..وكذلك مستشفى الناصرية ومستشفى العمارة و مستشفى الديوانية و مستشفى الكاظمية. هذا عدا ما يقارب الستين مستوصفا في الاقضية والنواحي. وقد عرض عليه العديد من رؤساء الوزارات الوزارة خاصة زملاءه الذين كانوا معه عسكريين، لكنه رفض الدخول في العمليات السياسية.
كما شيد الكثير من السرايات الحكومية منها سراي البصرة، وسراي الحلة، وسراي السليمانية، وسراي اربيل، ومطار البصرة، ومحطة قطار الموصل، ومحاكم الموصل، ومحاكم كركوك، وبما ان أراضي جنوب العراق رملية أو اهوار او ملحية، وان المياه اثناء الامطار لا تبقى فيها عكس الطرق في الشمال لكونها صخرية وكلسية، لهذا اقترح على مجلس الوزراء ربط المنطقة الجنوبية وجميع محافظاتها بالسكك الحديد، ولو أحصينا الرئيسة منها في العراق لوجدناها حتى عام 1945 (5000) كم، بلط منها بعد التسوية ما يقارب (1800) كلم منها 60 كم عن طريق خانقين وحدود سوريا ومعظم البقية في المناطق الوسطى والشمالية.
اما الاسباب التي دعت الى تأخير رصف وتبليط الطرق في الجنوب فهي ثلاثة اسباب جوهرية:
الاول، عدم اكمال مشاريع الري الكبري هناك، حيث الفيضانات التي تسبب غرق الطرق المبلطة وتتلفها، حيث تذهب الاموال الطائلة سدى.
ثانيا، عدم وجود المواد الانشائية التي تتطلبها الطرق في المناطق الجنوبية، بينما تلك المواد متوفرة في المنطقة الشمالية.
ثالثا، عدم مساعدة ميزانية الدولة لتتمكن مديرية الاشغال العامة برصف الطرق الجنوبية ورصفها مع اعمال الري الكبرى التي تقام في تلك المنطقة لإحياء الاراضي البور الواسعة فيها، لكن المشاريع في المنطقة الجنوبية وفي مقدمتها مستودع الغراف و الحلة ونهر الغوار ودجيلة وغير ذلك فكلها مشاريع اقتصادية لها النفع الجليل في الانتاج الزراعي.
هذه بعض من الاعمال التي قام بها السيد احمد شوقي الحسيني في خدمة بلده.
الحاج احمد شوقي الحسيني وبجانبه صهره مهدي حنتوش الهيتي عالم معروف والحاج بهاء الدين الحسيني
يحمل المرحوم احمد شوقي الحسيني وسام الاستقلال من الدرجة الثانية ونوط الاستقلال ونوط الخدمة الفعلية ونوط المجيدية العثمانية ووسام اللياقة ووسام الحرب العثمانية ووسام الرافدين من الدرجة الثانية اضافة الى وسام الصليب الحديدي الذي قلده له غلوم الثاني بعد معركة غاليسيا. يتكلم بطلاقة اللغة الالمانية والانكليزية والتركية والكردية والصربية. زار الكثير من البلدان الاوربية خاصة اقطار اوربا الوسطى منها المانيا والنمسا وبلغاريا وصربيا واليونان وايطاليا وفرنسا وهنكاريا وهولندا. في عام 1952 صدر قرار بتعيينه مديرا عاما للمصايف والسياحة، وهو اول مدير عام لهذه المديرية.. ومن خلال علاقاته في المنطقة الشمالية فقد اختار منطقتين للقيام بعملية مسح وتأسيس دور للمواطنين الذين يرغبون بزيارة المنطقة الشمالية، وبالفعل جرت اقامة فندقين سياحيين في صلاح الدين وفي سرسنك ومن اجل تنشيط السياحة فقد وزعت اراض لمن يرغب في شراء ارض في هذه الاماكن وبأسعار زهيدة (60 دينارا) للموظفين يدفع عشرة دنانير، وفي كل شهر يستقطع منه ثلاثة دنانير، وقد اشترى العديد من الموظفين تلك الاراضي وبعضهم اقام له دار حسب مخططات السياحة.. ولتنشيط السياحة يقول اسماعيل الشيخلي: استدعانا نحن الرسامين وكان عددنا ثمانية، حيث وجه لنا دعوة لقضاء العطلة الصيفية في فندق صلاح الدين وسرسنك على ان نرسم حسب رغبتنا مناظر شمال العراق. وبالفعل رسمنا العديد من اللوحات، وكانت طلباتنا مجابة ومجانا، اضافة الى ذهابنا وعودتنا مجانا.
وقد شغل هذه الوظيفة لغاية عام 1955 ليعين مستشارا في مجلس الاعمار مع صديقه المرحوم طه باشا الهاشمي، وبقي في مجلس الاعمار لحين قيام انقلاب 14 تموز 1958.
والمرحوم احمد شوقي باحث ومؤلف خاصةٌ في الانساب العربية، له مخطوط بعدة اجزاء بعنوان (المنتخب من نسب السادة الاشراف في العالم) ومخطوط (نور العينين في نسب السبطين) ومخطوط (انساب السادة الاشراف في الوطن العربي) ومخطوط (القبائل العربية وانسابها واصولها في الوطن العربي) ومخطوط (عن جد السادة الحديدين) وغيرها من المخطوطات.
له 3 اشقاء الحاج عبدالرحمن (والد الكاتب)، والحاج محمد فاضل، وكانوا من موظفي الدولة بدرجات ممتازة، والشيخ ابراهيم حقي الذي
كان متفرغا للدين الاسلامي، ومن اصحاب الطريقة النقشبندية، وقد توفي قبل ان يبلغ الثلاثين، وكان من العلماء الاجلاء في مدينة الموصل. له قصائد عديدة في مدح اجداده من آل البيت عليهم السلام، ومدح الخلفاء الراشدين والعشرة المبشرين بالجنة.
كان احمد شوقي مولعا بالقراءة والكتابة، وله مكتبة واسعة تحوي انواع الكتب وبعدة لغات، ويرتاد يوم السبت من كل اسبوع مكتبة المثنى لصاحبها المرحوم قاسم محمد الرجب، ومكتبة الخاقاني ليلتقي العلماء والباحثين، وكل يوم أحد يقصد المجمع العلمي العراقي ليلتقي صديقه المرحوم العلامة محمد بهجت الاثري وغيره من علماء المجمع العلمي.
له من الذرية:المرحوم باْذن الله ذو الفقار علي الذي كان يدير الخطوط الجوية العراقية في القاهرة، والدكتور مؤيد من الاطباء المشهورين عالميا و المقيم في الولايات المتحدة والدكتور رافع احد الخبراء النفطيين في شركة موبايل اويل العالمية، والسيد ممتاز مدير عام الشركة العامة للسيارات سابقا. وكذلك السيدات: اقبال الاستاذة في كلية العلوم سابقا وزوجة العالم المعروف عالميآ الدكتور المرحوم مهدي حنتوش، والدكتورة سهاد، والمدرسات سعاد و نجاة و نظام و مائدة.
وكانت هوايته عند السفر هي جلب فسيلة نخل من تلك الاقطار العربية مثل ليبيا والسعودية ومصر والبحرين، وله نخلة نادرة في العراق جلبها من السعودية تدعى (الخلاص) لا وجود لها في العراق اضافة الى ولعه في حديقة قصره التي تحوي انواعا مختلفة من الزهور والفواكه خاصة سعة القصر، والحديقة اكثر من (1200 متر) اضافة الى هواية المشي، حيث يقطع في كل اسبوع من داره في الوزيرية الى المحطة العالمية أو الى باب الشرقي برغم ان لديه سيارة و سائقا.
الغريب ان سكناه في بغداد تزيد عن 75 سنة، لكنه لا يتكلم الا باللهجة الموصلية. وكان رحمه الله لا يضجر من طلبة الماجستير والدكتوراه عند مراجعتهم له ليساعدهم أو يزودهم بالمصادر.
موقف بكر صدقي من المرحوم احمد شوقي
استمرت وظيفته بصورة مستمره لحين انقلاب بكر صدقي ضد الوزارة القومية برئاسة ياسين الهاشمي الذي اراد اغتيال الهاشمي وجماعته ومنهم احمد شوقي الذي اصدر امرا بفصله واخوانه وملاحقته ما دعاه الى الهرب مع الهاشمي واستقر في دمشق، بينما الهاشمي استقر في لبنان، وقد حضر مراسيم تشيع المرحوم الهاشمي الذي دفن في مدخل ضريح البطل صلاح الدين الايوبي (رضي الله عنه) ووقف يتقبل التعازي بعد ان رفض بكر صدقي السماح بنقل الجثمان ليدفن في بغداد، وبعد مقتل بكر صدقي على يد الضباط القوميين عاد احمد شوقي الى وظيفته.
كان له مجلس يعتبر من المجالس المهمة في بداية الثلاثينيات، ففي يوم الجمعة صباحا يلتقي شخصيات سياسية ومؤرخين وادباء وعلماء مسلمين أمثال السادة محسن ابو طبيخ والسيد علوان الياسري وعبدالواحد الحاج سكر وهبة الدين الشهرستاني وطه الهاشمي ومحمود الشهواني وعبدالاله حافظ ومحمد بهجت الاثري واحمد سوسة وعبدالرزاق الحسني وابراهيم الراوي ومولود مخلص والسيد محمد الصدر وجميل المدفعي والشيخ عجيل الياور وساطع الحصري ومحمد مهدي كبة وابراهيم عطار باشي وابراهيم الواعظ وعبدالمنعم الغلامي وامين زكي وعلي محمود الشيخ علي ورؤوف البحراني وعبدالغفور البدري وعبدالمحسن شلاش والشبيبي والخاقاني وقاسم الرجب وغيرهم، وكان حافظا ومفسرا للقران الكريم، وقد حج رحمه الله اكثر من مرة.
يقول رحمة الله بكيت 4 مرات: مرة عند وفاة والدي، و مرة عند وفاة المرحوم ياسين الهاشمي، ومرة عند انفصال الجمهورية العربية المتحدة، ومرة عند وفاة الزعيم الوطني جمال عبدالناصر.
توفي رحمه الله عام 1990 وشيع تشيعيا مهيبا الى مقبرة الكرخ، وقد رثاه المرحوم جلال الحنفي عند قبره بقصيدة رائعة.. رحمه الله برحمته الواسعة.
تحدثت مع الحفيد محمد الحسيني.. كي أكمل سلسلة مآثر العائلة. فقال لي بلسانه اورده على لسانه:
"عشت وتربيت في احد قصري جدي احمد شوقي الحسيني في بغداد و انا ابلغ من العمر سنه بعد ان نزحت عائلتي و هي جدتي لابي و أمي و اختان و ثلاثة اخوه و انا رابعهم و أصغرهم من الموصل بعد ان اجتاحتها قطعان الشيوعين إبان حكم عبد الكريم قاسم و كان والدي مقبوضاً عليه أيامها لان السلطات كانت تعتقد بان له علاقه بحركة الشواف. و كان يومها قائمقام الموصل . بعدها اطلق سراح ابي و أعيد الى الخدمة لكن في مكان اخر (قضاء ابو صيدا) و انتقلت عائلتي للعيش في بيت اخر و بقيت انا في بيت جدي أعيش في كنف خالتي الكبرى التي أحبتني و انا صغير و أصرّت ان أبقى عندها لتربيتي و كذلك لتعين والدتي). و عشت معها لمدة ٣٢ عاماً ربتني خلالها باحسن ما يكون و لم تبخل علي بشئ و كانت لي نعم الام بالرغم من صرامتها و جديتها و لا عجب فكانت نسخة عن ابيها و هو جدي موضوع الحديث.
كما اسلفت ، فقد عشت في احد قصري جدي احمد شوقي (و كان لديه قصرين فارهين في الوزيريه ببغداد هذه المحله التي لي في كل شبر منها ذكريات طبعت في قلبي قبل فكري) حتى بلغت من العمر ١٠ أعواماً أياماً لا أنساها ما حييت بعدها انتقلت للعيش مع خالتي حين تزوجت و اصرت على ان أبقى بمعيتها."
ويختم الحفيد كلماته عن جده: "كان جدي يرحمه الله باذنه صارماً حازمًا شديد التمسك بقيم العائله و الدين، دقيقاً جداً في مواعيده، في الطعام و النوم و الاستيقاظ و أوقات الصلاة و خاصة صلاة الجمعه و يراعي أوقات الزيارات بدقه و الخروج و العوده من و الى البيت و لا عجب فهو خريج اربع مدارس في حياته: مدرسة الجيش و مدرسة الهندسة اللتان تمتازان بالدقة المتناهيه و الطاعه و مدرسة النظام الإنكليزي المحافظ الذي سيطر على حقبه من الزمن في العراق و عاشها كلها طوال حياته و مدرسة النظام الوظيفي في العهد الملكي من كل هذه خرج يرحمه الله تعالى باذنه بشخصيته التي جبلت على الرصانة و القيم الاصيله، قيم الدين و العائله و قيم المجتمع الشرقي الأصيل التي لم يتخل عنها أبداً بالرغم من كثرة احتكاكه بالمجتمع الغربي طوال حياته.
كان كل أفراد العائله يحترمونه و كيف لا و هو عميد العائله على مدى ٥٠ عاماً. لا أنسى على الرغم من صرامته مدى الرقه و الحنان اللتان يظهرهما حين تتطلب الأمور فعلى الرغم من ان الكل يشعر بالحرج من الكلام بحضوره الا انه كان في الملمات أباً حنوناً طيباً و اذكر كلماته التي كالبلسم عندما يطيب خاطري بكلمات رقيقه طيبه بعد جولة من التأنيب حين أسئ التصرف و كيف لا و انا ابن البيت المدلل الوحيد الذي تمشي كلمته على الكل.
اما والدي الحاج بهاء الدين الحسيني يرحمه الله باذنه و الذي مجموع ما عشته معه لا يزيد على السنتين او اكثر قليلاً (اذ انني عشت طوال حياتي بمعيّة خالتي) فانه كان نسخه عن جدي في رصانته و جديته في التعامل مع الأمور كلها لكنه كان ارق بعض الشئ من جدي (الذي هو عمه) علماً ان جدي لابي و جدي لامي هما اخوين و جدتي لابي و جدتي لامي هما اختان كذالك و من طرفي العائله من الام و الأب هما حسيني النسب و كلا الطرفين يعود الى جدنا الأكبر الرسول صلوات الله و سلامه عليه.
اما أنا، فأنا الابن السادس لوالدي واعمل مدير في شركة بناء دوليه كبرى تعمل حول العالم و انا أب لابنه واحده و ثلاثة اولاد كلهم يعيشون في كندا منذ نعومة أظفارهم منهم من تخرج و يعمل حالياً في حكومة كندا و منهم من لايزال يدرس و الجميع تربى على القيم التي تربى عليها ابوهم و جدهم و جدهم الأكبر. قيم العائله البغدادية / الموصليه و القيم العراقيه التي نعتز بها و قيمنا ألعربيه و قيم المجتمع الشرقي الأصيل و فوق كل هذا فهم يفتخرون بقيم الدين الاسلامي الحنيف.
اما اخوتي و اخواتي فانهم توزعوا منذ ما يقرب من الأربعين عاماً بين اصقاع الارض منهم من يعيش و يعمل في الولايات المتحدة او كندا او الإمارات او الملكه المتحدة او الاْردن ."
549 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع