وكالة أورـ حوار/ شامل عبدالقادر:هذا الحوار جزء من كتاب سيصدر قريبا عن ناظم كزار وهوكتاب موسع تحليلي مصور ويسلط الاضواءعلى سيرته الشخصية والسياسية للفترة 1940-1973 وبرغم شحة المعلومات المتوفرة عن ناظم، ولأن الاخير نفسه كان مقلا جدا في الظهور الاعلامي بل يتحاشى كليا الاضواء والتصريحات، ليس بحكم منصبه الامني الخطير، بل لأن شخصية ناظم بطبيعتها غير ميالة للتصريحات والتألق الاعلامي، وتفضل الانزواء بعيدا في الزاوية المعتمة!.
الكتاب الجديد الذي حمل عنوان (ناظم كزار.. السيرة السياسية والشخصية 1940-1973) فيه معلومات دقيقة مستقاة من مصادرها الموثوقة عن سيرة ناظم ويضم تحليلا ينشر للمرة الاولى عن حركته واسباب فشلها والدور السوفيتي في الكشف عنها، وبالتالي افشالها لمصلحة البكر - صدام، ودور السفارة السوفيتية في التغلغل بين فريق ناظم الخاص باغتيال البكر - صدام. كما يحتوى الكتاب لأول مرة على صور نادرة وتاريخية لناظم كزار لفترات من حياته. وبهذه المناسبة اتوجه بالشكر الجزيل لعائلته المحترمة، وفي المقدمة الاستاذ الدكتور محمود كزار الذي ساعدني كثيرا في هذا المجال.
التقيت الدكتور محمود كزار لازم شقيق المرحوم ناظم كزار مدير الامن العام العراقي في مكتبي بعد موعد مسبق نظمه لنا الاخ الصديق الدكتور كريم النداوي صهر المرحوم الشهيد بدن فاضل. وكانت فرصة تاريخية بالمعنى الحرفي للكلمة، لأن عائلة ناظم ومنذ اعدامه في تموز 1973 قاطعت الاعلام والصحافة الرسمية بسبب الموقف السلبي الذي اتخذ ضد ناظم وبطريقة ظالمة وتعسفية، وبعد زوال النظام السابق تهيأت الفرصة لكشف الحقائق وتسليط الاضواء على شخصية ناظم كزار من دون تبشيع وتلفيق وتحريف.
في الواقع تعرض ناظم اكثر من غيره من الشخصيات الامنية في عراق البعث الى التشويه المتعمد والاساءات البالغة. وروج النظام السابق عنه قصصا وحكايات مرعبة لايمكن تصديقها، ونسبت له اكاذيب مثل احواض التيزاب والمثرمة!.
ناظم لم يكن اكثر اجراما وعنفا وقسوة من سعدون شاكر الذي مهد الطريق لصدام في تصفية المنافسين عبر جهاز التصفيات والاغتيالات التي اشرف عليها سعدون وبتوجيه مباشر من صدام، ونفذ عمليات مرعبة ضد المعارضين في الداخل والخارج، واستمر سعدون يعاضد صدام في جرائمه لسنوات طويلة، وفي المقابل اذا قورن ناظم ببرزان التكريتي فإن الاخير بطبيعته المتخلفة الهمجية فاق الكثيرين اجراما وقتلا، ولم يتردد هو واشقاؤه وطبان وسبعاوي من قتل بعثيين كبار في القيادة لحساب صدام.
لم يثبت ولايوجد دليل واحد ان ناظم قام بقتل بعثي واحد في أي مستوى في الحزب، ولم يشارك أو يشجع عملية تستهدف تصفية أي رفيق بعثي، بالعكس تماما من صدام وسعدون شاكر وسبعاوي وفاضل البراك وبرزان التكريتي الذين شاركوا في تصفية رفاق كثيرين بعضهم نجوم لامعة في سماء العراق السياسي..
ناظم لم يقتل أو يغتال أو يعذب بعثيا واحدا طوال فترة رئاسته للامن العامة، بالعكس تماما من صدام وسعدون شاكر وبرزان ابراهيم وعلي حسن المجيد الذين اخرجوا مسرحية قاعة الخلد في22 تموز 1979ولفقوا تهمة التآمر لرفاقهم فأعدموا (22) بعثيا قياديا بينهم (5) اعضاء في القيادة القطرية، و(23) آخرون سجنوا وعذبوا، وقتل بعضهم داخل السجون. ولا نخفي سرا ان بعض المحكومين تعرضوا للاعتداء الجنسي في سجن "ابو غريب" و" الحاكمية" بموافقة صدام وبرزان، كما قتلوا المرحوم عبدالخالق السامرائي عضو القيادتين القومية والقطرية...
وتمت تصفية المرحوم منيف الرزاز الامين المساعد للحزب بأوامر من صدام.. فأين نضع ناظم كزار من جرائم صدام حسين وسعدون شاكر وبرزان التكريتي وعلي حسن المجيد الذين قتلوا من البعثيين ما لم يتجرأ اي نظام سياسي عراقي قبل مجيء صدام على على قتل أمثالهم!.
سبعاوي إبراهيم
اذا كان ناظم - وهذا ليس دفاعا عنه بل توثيق للامانة التاريخية - قد عذب البعثيين اليساريين، والشيوعيين من جماعة القيادة المركزية واللجنة المركزية أو امر باغتيال بعضهم بدوافع سياسية باركها البكر وصدام واوامر مباشرة منهما خلال الفترة 1968-1973 فإن جماعة مكتب العلاقات العامة برئاسة صدام واخيه غير الشقيق سبعاوي ابراهيم ومن بعد رئاسة المخابرات
هم الذين اغتالوا ناصر الحاني وعبدالرزاق النايف وحردان التكريتي وعبدالكريم الشيخلي ووهاب كريم وعشرات القياديين البعثيين من الصفين الثاني والثالث!.
هل يبدو لنا ناظم كزار حملا وديعا قياسا بالجرائم البشعة التي ارتكبت بعد عام 1973وذهب ضحيتها عشرات المناضلين من اهل العراق ثمنا لطموحات صدام حسين وتشبثه بمشروعه الخاص ليصبح رئيس العراق بأي ثمن، بعد ان سخر لتنفيذ المشروع عمالقة الشر والجريمة الذين احتضنهم ورعاهم؟!.
يجب ان نعلم ان كل ما حذر منه ناظم تحقق بعد سنوات قليلة من حكم صدام..حذر من العشائرية في الحزب ومناصب الدولة وتغلغل أهل العوجة من اقارب البكر وصدام، وتحقق هذا الامر في عهدهما، واستفحل في عهد صدام الى درجة مقرفة، بحيث اصبح عريفا في الجيش وزيرا للدفاع، وولده المراهق مشرفا على الحرس الجمهوري، ومعلم أمي مديرا للمخابرات، وفلاح بدائي مديرا للامن العامة، ومضمد صحي في الدبلوماسية العراقية. منح عشرات الاميين رتبة ملازم، وعين مئات اخرى من دون اي تحصيل دراسي في الامن الخاص والمخابرات والقصر والحمايات الخاصة من اقاربه وابناء عشيرته، ناهيك باستهتار ولده عدي وفضائحه المالية والاخلاقية، وقبله جده خير الله طلفاح الملقب بـ(حرامي بغداد).. ولم يكتفوا بسرقة المناصب واغتصابها من دون أي وجه حق، بل راحوا يتقافزون كالدجاج منفوش الريش للحصول على الشهادات العليا، والبعض منهم زوروا له شهادة الابتدائية والاعدادية للدراسة في الجامعة، والبعض رشحوا للدراسات العليا ونالوا الماجستير والدكتوراه مثل:
الفلاح الامي سبعاوي وسائق الدراجة موزع البريد (الفريق) عبد حميد حمود وعشرات الاميين الذين مكنهم ابن عمهم صدام من الحصول على (مخ الهدهد).. كان الناس والبعثيين المخلصين متذمرين من استهتار اقارب صدام واستغلالهم البشع للثروات والنفوذ بحكم وجود ابن عمهم على رأس السلطة، ناهيك بتجاوزاتهم على اقدار الناس ومقاماتهم وعشرات الامثلة السيئة التي حذر منها ناظم رحمه الله.
حذر ناظم ومحمد فاضل وعبدالخالق السامرائي من تحول الحزب الى حكم العشيرة والاقارب، ولكنه تحوّل فعلا وحقيقة الى أسوأ نموذج تنظيمي في تاريخ البعث.. كما كان عبدالخالق يحذر من (سجن) الحزب في (قصر النهاية)، وكان كثير الملاحظة للعاملين الكبار في قصر النهاية كناظم ومحمد فاضل والاخرين حول تجاوزاتهم بحق العناصر الوطنية والشيوعيين المعتقلين في القصر!.
بصراحة انا شخصيا اشك بكل الرواية الحكومية الرسمية، لأن مصدرها خصم وعدو لناظم وجماعته، فمن يؤكد لنا ان مطاليب ناظم التي دعا اليها عبر جهاز اللاسلكي هي نفسها التي اذاعها صدام من دون تحريف او اضافة؟!، وكيف يثبت لنا صدام وسعدون شاكر وبرزان التكريتي تورط عبدالخالق السامرائي في حركة ناظم؟! ما الدليل الاخر غير الحكومي الرسمي؟!.
ان صدام والسلطة هما وحدهما اللذان كانا يمتلكان الحق المطلق بالكلام والتصريح، اما المتهمون ناظم وجماعته فلم تسنح لهم الفرصة للدفاع عن انفسهم، ولم يمنحوا هذه الفرصة على الاطلاق، وما قيل عن تحقيق ومحاكمة هو مجرد اكذوبة من اكاذيب صدام حسين، وقد اكتفى صدام بالتحاور السريع مع ناظم، وهو مقيد اليدين ثم أمر ساعده الأيمن سعدون بإعدام ناظم بالرصاص!.
ان جرائم كثيرة ارتكبت بعد رحيل ناظم، كان قد حذر الرجل من وقوعها: قتل الشيوعيين ومطاردتهم واجبار عناصرهم على الالتحاق فيما سمي بالصف الوطني وتحطيم الجبهة الوطنية بتوجيهات من صدام لفرض صيغة الحزب الواحد بدلا من صيغة الحزب القائد، ثم التمهيد لصيغة الرجل القائد.
إذاً كان ناظم على حق 100% في حركته الانقلابية ضد العشائريين والمناطقيين من منتسبي البعث.. وهناك حقيقة لمسناها جميعا وقد لمسها ناظم قبل الجميع بسنوات وهي افتقار البكر وصدام وبعض البعثيين في القيادة الى العمق الفكري البعثي المجرد من العشائرية والعنصرية.. كانوا عشائريين وعنصريين وطائفيين في تعاملهم مع الدون.. ومنح صدام الضوء الاخضر لجميع اقاربه بالتسلق الى المراكز العليا، وهو طبق 100% الاية الكريمة (الاقربون اولى بالمعروف)!، بينما نجده يقذف بآية قرآنية ثانية عرض الحائط (ولاتزر وازرة وزر اخرى) ولايعيرها اي اهتمام واحترام، بحيث كان يحاسب المتهم حتى الدرجة الرابعة من اقاربه، بينما كان اقاربه وافراد عشيرته خارج المساءلة والقانون برغم ارتكابهم عشرات الجرائم والتجاوزات. وكان صدام يطلق سراحهم فورا حال صدور الاحكام القضائية عليهم، بينما لايتردد لحظة عن اعدام طفل باع بطارية قلم بسعر يفوق السعر الرسمي بفلس!.
بصراحة وللحقيقة التاريخية أعد - من وجهة نظري وهذا ما ثبته في مقالات لي سابقة عن ناظم كزار نشرتها واعدت نشرها في كتابي "مجزرة قاعة الخلد" الذي طبع ثلاث طبعات- ناظم كزار هو البعثي الاول الذي تمرد على عصابة البكر - صدام اخلاصا منه للحزب ومبادئه بعد ان لمسَ بشكل جلي الانحراف والتشويه في مسيرة الثورة التي رسخ من وجودها بجهوده وسهره ودم قلبه، ولاحظ ببيانات وشواهد واثباتات محاولات البكر وصدام في تعزيز قوة وجودهما العشائري والمناطقي على حساب المبادئ البعثية التي آمن بها ناظم وسجن وتشرد بسببها!.
وللحقيقة التاريخية أنفي من جانبي ثورة كزار أو انتفاضته ضد البكر - صدام بسبب العامل الطائفي والعنصري.. هذا غير صحيح ابدا.. لم يتمرد كزار ويضحي بحياته ومنصبه بسبب ما زعمه الاخرون من انه كان يشعر بالظلم الطائفي، لكونه شيعيا أو "شروكيا" من الجنوب كما حاول احد الكتاب ترويجه بعد عام 2003.. لقد انتفض كزار من اجل مبادئ حزبه التي آمن بها والتي ادرك هو قبل غيره بحكم منصبه الخطير والمعلومات التي وضعت تحت تصرفه ما كان يفعله البكر- صدام بالدولة والحزب .. كما اؤكد ان ناظم لم يكن ضد التكارتة أو اهل العوجة من اقارب البكر وصدام كأشخاص، بل كان ضد خرق نسيج الحزب ومبادئه أو استغلال المواقع القيادية في الدولة والحزب لتعزيز السلطات الشخصية وتحقيق الطموحات الفردية كالتي كان ينجزها صدام حسين منذ الايام الاولى لنجاح انقلاب 17 تموز 1968.
واود اعلام القارئ العزيز ان هذا الحوار انجز بعد تحضيرات عسيرة استغرقت اكثر من عام .. واود اعلام القارئ ايضا انني سبق ان تسلمت ردا على موضوع نشرته عن ناظم كزار في هذه الصفحة في عام 2005 وكان الرد بتوقيع عائلة المرحوم ناظم، وتحديدا بتوقيع شقيقاته الفاضلات في مقدمتهن السيدة الفاضلة نظيمة كزار.
وهنا استثمر نشر هذا الحوار لأعلن للقارئ الكريم عن قرب طبع كتاب موسع ومصور من تأليفي عن ناظم كزار يتضمن حقائق ومعلومات جديدة غير منشورة من قبل عن ناظم كزار وسيرته الشخصية والسياسية وتفاصيل عن حركته في 30 حزيران 1973، كما زودني الدكتور العزيز محمود شقيق ناظم بصور جديدة لم تنشر من قبل ايضا عن ناظم ستنشر في صفحات كتابي الجديد، علما ان لناظم صورة واحدة يتداولها الاعلام العراقي والعربي فقط، فقد كان الرجل عازفا عن الاضواء والاعلام .. واخبرني الاخ محمود ان مجموع الصور التي التقطت لناظم وبقيت محفوظة حتى الآن هي (8) صور فقط!.
994 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع