عبدالناصر عليوي العبيدي
ظِلال عَلَى جِدار الرُّوح
-----
1 ـ يَلُفُّ الصَّمْتُ أَبْعادي ظَلامَا
وَيَزْرَعُ فِي مَسافاتي سِهامَا
2 ـ وَتَحْمِلُني هُبُوبُ الرِّيحِ ذِكْرَى
وَتَسْكُبُ فِي مَآقِيَّ الْهُلامَا
3 ـ تُواجِهُني الْمَرايا بِانكِساري
فَأَفْتَقِدُ الْأمَاكِنَ وَالْمَقَامَا
4 ـ وَأُطْرِقُ صامِتًا، وَالصَّمْتُ جُرْحٌ
كَسَابِقِ عَهْدِهِ كَانَ الخِتَامَا
5 ـ أَأَهْرُبُ مِنْ يَدَيَّ لِكَيْ أراها
تُشَيِّدُ حَوْلَ خُطْواتي الْخِيامَا؟
6 ـ وَأَرْجِعُ لِلْبِداياتِ اضْطِرارًا
كَمَنْ فَرَضُوا عَلَى الرَّفْضِ الْتِزامَا
7 ـ أَنَا الْوَجَعُ الَّذِي يَمْتَدُّ سِرًّا
كَجَذْرٍ يَشْتَهِي الْمَوْتَ الزُّؤامَا
8 ـ أَنَا الطِّفْلُ الَّذِي ضَلَّتْ خُطاهُ
فَأَلْفَى الْعُمْرَ مَنْفًى وَاصْطِدامَا
9 ـ يُصادِقُ ظِلَّهُ فِي كُلِّ دَرْبٍ
وَيَحْسَبُ صَمْتَهُ الْعالي اهْتِمَامَا
10 ـ أَنَا الصَّوْتُ الَّذِي قَدْ جَفَّ لَحْنًا
كَصَخْرٍ بَاتَ يَنْشَقُّ انْقِسَامَا
11 ـ تَكَسَّرَ فِي حَناجِرَ مُغْلَقاتٍ
فَمَا أَفْضَى إِلَى الدُّنْيا كَلامَا
12 ـ أَنَا النَّهْرُ الَّذِي تَاهَتْ خُطاهُ
فَأَهْدَى لِلصَّحَارَى الاغْتِرامَا
13 ـ أُخَبِّئُ فِي التَّجاعِيدِ انْهِزامِي
كَمَنْ قَدْ دَسَّ فِي ثَلْجٍ ضِرَامَا
14 ـ وَأَكْتُبُ فَوْقَ جُدْرانِ التَّجَلِّي
حُرُوفًا لا ترى فيها انْسِجَامَا
15 ـ فَإِنْ ضَحِكَتْ شِفَاهِي دُونَ قَصْدٍ
يَسِحُّ الدَّمْعُ شَلَّالًا مُدَامَا
16 ـ فَتُبْصِرُني الْعُيُونُ وَلَا تَراني
سِوَى طَيْفٍ يَزِيدُ بِهَا الْقَتَامَا
17 ـ أَنَا الْمَنْفِيُّ سِرْتُ إِلَى بِلادٍ
أُقاسِمُ شَعْبَها خُبْزًا حَرَامَا
18 ـ شَوَارِعُها تُراقِبُني اشْتِباهًا
وَتَرْمُقُني بِعَيْنَيْها اتِّهَامَا
19 ـ أَنَا الْجُرْحُ الْمُقَيَّدُ فِي كِياني
حِصَانٌ قَدْ أَعَدُّوا لَهُ لِجَامَا
20 ـ إِذَا حَرَّكْتُ أَطْرافي قَلِيلًا
أَحُسُّ الْقَيْدَ يَزْدادُ اضْطِرَامَا
21 ـ أَنَا الشَّوْقُ الَّذِي أَضْحَى رَمَادًا
وَكُلُّ مَلامِحي أَضْحَتْ رُكَامَا
22 ـ أَرَى فِي الْيَقَظَةِ الْأَحْلامَ وَهْمًا
وَكُلُّ مَطامِحِي أَمْسَتْ مَنَامَا
23 ـ وأَهْرُبُ مِنْ مَنَامِي نَحْوَ صَحْوٍ
فَأَلْقَى الصَّحْوَ أَغْلَالًا عِظَامَا
24 ـ أُسافِرُ فِي الْخَرابِ كَأَنَّ ظِلِّي
تَجَسَّدَ مِنْ رَمادٍ لَا عِظَامَا
25 ـ وَأَسْأَلُ كُلَّ بَابٍ عَنْ مَفَازٍ
فَيُغْلِقُ دُونَ تَنْهِيدِي اعْتِصَامَا
26 ـ أَنَا النَّايُ الَّذِي قَدْ شَاخَ يَوْمًا
فَأَخْفَى عَنْ كَواهِلِهِ السَّقَامَا
27 ـ تَهاوَى فِي ثُقُوبِ الصَّمْتِ لَحْنًا
وَصَارَ أَنِينُهُ الْعالي اتِّهَامَا
28 ـ أَنَا الْمِفْتاحُ ضَاعَ بِغَيْرِ بابٍ
أَنَا الْمَهْدُ الَّذِي أَمْسَى حُطَامَا
29 ـ أَنَا الْمَشْنُوقُ مِنْ حَبْلِ التَّمَنِّي
يَرَى فِي كُلِّ تَنْهِيدٍ حِمَامَا
30 ـ أَنَا الْعِطْرُ الْمُسَافِرُ فِي رِياحٍ
يُفَتِّشُ عَنْ دَوَارِقهِ هُيامَا
31 ـ فَلَا قَلْبٌ يَضُمُّ شَذَاهُ يَوْمًا
وَلَا أُفُقٌ يُحَدِدُهُ خِتَامَا
32 ـ أَنَا الْعَطْشانُ فِي صَحْراءِ رُوحِي
أُقايِضُ ماءَ أَيَّامِي سَلامَا
33 ـ وَمَا نِلْتُ السَّلامَ أَوِ ارْتِواءً
فَزِدْتُ بِهِ عَلَى ظَمَئِيَ أُوامَا
34 ـ أَنَا الصَّوْتُ الْغَرِيبُ بِأَرْضِ تِيهٍ
يُنَادِي: مَنْ لِهذَا النَّبْضِ رَامَا؟
35 ـ فَلَا يَأْتِيهِ غَيْرُ صَدًى شَحِيبٍ
عَلَى أَشْلَاءِ ذاتِ الصَّوْتِ حَامَا
36 ـ سَكَنْتُ الصَّمْتَ حَتَّى صَارَ بَيْتِي
فَأَوْرَثَنِي عَلَى صَمْتِي وِسَامَا
37 ـ أَنَا الْجُرْحُ الْعَمِيقُ بِلَا ضِمَادٍ
تَعَايَشَ لَمْ يَعُدْ يَرْجُو الْتِئَامَا
38 ـ أَنَا الْمَطَرُ الْخَجُولُ أَتَى لِأَرْضٍ
يُوَاسِي الْجُرْحَ شُحًّا مُسْتَدَامًا
39 ـ يُبَلِّلُ وَجْهَها الدَّامِي وَيَمْضِي
فيُوقِظُ مَنْ بِهَذَا الْكَوْنِ نَاما
40-عسى يأتي الربيع بُعَيد لأي
فتزهر كُلُّ أَزْهَارِ الْخُزامَى
----
1666 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع