نوري جاسم
العدل سجية الملوك ....
عبر التاريخ، كانت العدالة هي الأساس الذي تُبنى عليه الأمم، وهي الميزان الذي يزن الحكّام والشعوب على حدّ سواء، ومن هنا تأتي تلك العبارة العظيمة: "ملكنا فكان العدل منا سجية، فلما ملكتم سال الدم بابطح"، المنسوبة للإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، لتكون شهادة حية على الفارق العميق بين حكم يستند إلى العدل، وسلطة تُبنى على القهر والدم، ان هذه الكلمات القليلة تختصر فلسفة حكم عظيمة، وتمثل مبدأً إنسانيًا خالدًا، وهو أن العدل ليس مجرد قانون يُسنّ أو إجراء يُطبق، بل هو طبيعة متأصلة في القادة الحقيقيين، فحين تكون العدالة سجيةً، تصبح ممارستها فطرةً وليست تكلفًا، أما حين تغيب، فإن الفوضى والدماء تصبح الثمن الفادح الذي يدفعه الجميع، والعدل في فلسفة الحكم عند الإمام علي (عليه السلام) فحين تتأمل سيرة الإمام علي (عليه السلام) تجد أن العدل كان منهجًا وسلوكًا، وليس مجرد شعار سياسي، ولم يكن الإمام يرى العدل ترفًا يمكن الاستغناء عنه حين تقتضي المصلحة، بل كان يعتبره جوهر الحكم ومصدر شرعيته، وهذا ما نلمسه في مواقفه ووصاياه، حين جعل الإنصاف ميزانًا للعلاقة بين الحاكم والمحكوم، وبين الدولة ورعاياها، وحين تولى الإمام علي الخلافة، كان همه الأكبر إرساء العدل حتى على حساب مصالحه السياسية، ولم يفرّق بين القريب والبعيد، ولم يتهاون مع الفساد مهما كان مصدره، وهذه العدالة المطلقة جعلت حكمه مثالًا نادرًا في التاريخ الإسلامي، والفرق بين العدل والاستبداد عبارة تشير إلى المفارقة بين حكم الإمام علي القائم على العدل، وبين أنظمة أخرى استباحت الدماء وظلمت الناس، وحين يغيب العدل، يتحول الحكم إلى آلة قمع، وتصبح السلطة هدفًا في ذاتها، لا وسيلة لخدمة الناس، والدم الذي "سال بابطح" هو نتيجة طبيعية لحكم يُدار بمنطق القوة بدل الحكمة، وبالأستبداد بدل الشورى، وفي هذه المفارقة التاريخية، نجد تحذيرًا من عواقب الظلم، ودعوة لتبني العدل كأساس للحكم الرشيد، والتاريخ شاهد على أن الأمم التي اختارت العدل نهجًا، هي الأمم التي ازدهرت واستقرت، فالعدل هو صمام الأمان الذي يحمي المجتمعات من التفكك، ويمنحها القدرة على مواجهة التحديات، أما الحكم الذي يفتقر إلى العدالة، فإنه سرعان ما يواجه الاضطرابات، لأن الظلم يولد الغضب، والقهر يُنتج الثورة،
وعبارة الإمام علي (عليه السلام) ليست مجرد وصف لمرحلة تاريخية، بل هي دعوة دائمة لكل من يتولى مسؤولية، أن يجعل العدل سجيةً، لا مجرد سياسة، فالعدل ليس فقط أساس الحكم الرشيد، بل هو ضمان الاستمرارية، وهو الطريق الوحيد لبناء مجتمع تسوده المحبة والسلام، لذا على كل قائد وحاكم أن يسأل نفسه: هل العدل سجية في حكمه؟ أم أن المصالح والاعتبارات السياسية غلبت على ميزان الحق؟ وصلى الله على سيدنا محمد الوصف والوحي والرسالة والحكمة وعلى آله وصحبه وسلم تسليما ...
666 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع