الأستاذ الدكتور
صلاح رشيد الصالحي
تخصص تاريخ قديم
(غنائم الحروب قديما وحديثا)
كان ولايزال الجانب الاقتصادي هو المحرك الأساسي للحروب، واحيانا تغلف الحملات العسكرية بشعارات دينية أو وطنية، وحتى دفاعا عن الكرامة والسيادة، ولكنها في نهاية المطاف سببها اقتصادي شانا أم أبينا، وهذا الأمر ليس وليد الوقت الحاضر انما يضرب جذوره في عمق التاريخ.
الغنائم في التاريخ القديم
ففي العصور الحجرية القديمة كان الإنسان يعيش في تجمعات بشرية محدودة العدد يرأسها اقواهم بنية جسدية واذكاهم عقلا، وتشغل هذه المجموعة مساحة معينة تمارس فيها نشاطها الاقتصادي المتمثل بالصيد وجمع القوت وكثيرا ما تحدث معارك بين المجموعات البشرية لغرض توسيع منطقة النفوذ أو جريا وراء الطرائد، ومنذ الألف الثالثة وإلى الأولى ق.م ومع زيادة السكان أصبحت الحروب اكثر تنظيما وقوة في السلاح.
كانت الحملات العسكرية في بلاد الرافدين تنطلق سنويا تقريبا يقودها الملك أو من ينوب عنه (التورتان وهو برتبة جنرال)، ومن الطبيعي ان تكون الحملة العسكرية برعاية ومباركة الآلهة للقضاء على التمردات أو التطاول على سيادة ملوك العراق القديم، والنصوص المسمارية تذكر تلك الحملات وانتصار الملوك ضد الاعداء، ولا نجد معركة خسر فيها أحد ملوك بلاد الرافدين سواء (سومري أو بابلي أو آشوري) لان الإله ونائبة الملك يحققان النصر دائما، وبعد تحقيق الأنتصار يذكر ملوك العراق القديم تدمير مناطق التمرد مع ملوكها الاعداء وتأسير زوجاتهم وابنائهم وهو أمر معيب جدا خاصة مع هروب الملك تاركا زوجاته وابنائه يقعون في الأسر لانهم يدخلون ضمن قائمة الغنائم باعتبارهم عبيد، والعيب والخزي إذا هرب الملك على ظهر فرس وليس حصان، ثم تذكر النصوص المسمارية تنوع قائمة الغنائم لتشمل المعادن الثمينة، ثم يليها معادن الحديد والنحاس والرصاص، والأواني المعدنية..الخ، والمنسوجات، والأعشاب العطرية، والمواشي، والخيول، والحرفين (النجارين، والحدادين، والصاغة، والموسيقيين...الخ) والأسرى، فعلى سبيل المثال حملات اشوربانيبال ضد العرب البدو في بادية بلاد الشام والانباط استولى فيها على اعداد كبيرة من الجمال وجدت طريقها في سوق نينوى بابخس الاثمان.
وتنطبق حالة الحروب وذكر قوائم الغنائم على نصوص ملوك مصر وحروبهم في بلاد الشام، والنوبة سواء ضد ممالك الساحل الفلسطيني أو وصولهم إلى نهر الفرات، وتشير التوراة إلى حملة شيشنق الأول (الأسرة 22 المصرية) على فلسطين ونهب كنوز الهيكل، كما دمر القدس، وسبا أهلها وأخذ كنوز بيت الرب يهوذا وبيت الملك وآلاف الأتراس الذهبية المصنوعة في عهد الملك سليمان ولا ندري مدى صحة ما ذكرته التوراة لانها لا تتوافق مع النصوص المصرية، كذلك الحروب في بلاد اليونان فمثلا حملة الاسكندر المقدوني التي وصل فيها إلى حدود الهند، وخلال عودته إلى بابل كان يسير معه (80) الف نسمة من جنوده مع اسرهم يحملون غنائم لا حصر لها فشكلوا مدينة متنقلة، ونجد نفس الحالة في حروب الرومان التي شملت شمال افريقيا وبلاد الشام والمانيا (الجرمان) وفرنسا (الغال) وبريطانيا، وكانت مدينة روما تعج بمختلف البضائع من سرقة تلك الشعوب المهزومة ...الخ ، لقد عرف سكان الشرق الأدنى القديم الزراعة والتجارة والتعدين منذ أواخر العصر الحجري الحديث ولكن الاعتماد على الحروب كان جانب له اهمية في اقتصاد حكومات العالم القديم التي تفتقر إلى التخطيط الاقتصادي المتعارف عليه الان سواء من حيث الاستثمارات أو تدخل الدولة في اقامة مشاريع اقتصادية.
واشارت النصوص القديمة إلى تقسيم الغنائم والتي يستبعد منها نهب الجنود من منازل وقلاع الممالك المنهزمة فمن الصعب السيطرة على الجنود المقاتلين وقت الحرب والذين يعتبرون أخذ ممتلكات العدو حق مشروع لهم، واغلب غنائم المقاتلين تجد طريقها إلى السوق فتزدهر عملية البيع والشراء، ولهذا فان اسعار تلك الغنائم تكون رخيصة وتلبي حاجة السوق المحلية في المدن القديمة، ولكن تركز النصوص كافة على الغنائم المهمة الغالية الثمن والمعادن ذات فائدة للعجلة العسكرية، وتقسم الغنائم إلى:
1- جزء من الغنائم من نصيب الإله الرئيسي (انليل أو مردوخ أو آشور) وتسلم للمعبد حيث تمثال الإله، وللكهنة نصيب من الغنائم، وكلما كان نصيب المعبد والكهنة كبيرا مع التنوع في المواد كان رضا الإله وسروره واضحا ويقف إلى جانب الملك في مشاريعة التوسعية.
2- يذهب قسم من الغنائم إلى الملك واسرته الملكية الأمراء والملكات والمحضيات، وتضاف نساء جدد من المناطق المهزومة إلى حريمه.
3- قسم من الغنائم يقدم كهدايا لشخصيات موالية للملك مثل ضباط الجيش، وحكام الاقاليم التابعة، والكتبة.
الغنائم في الديانات السماوية
لم تلغي الديانات السماوية (اليهودية والمسيحية والإسلام) حالة الحروب انما اعطت لها طابع ديني لتشجيع الناس لخوض الحرب ضد الأعداء، ففي الدين اليهودي: تذكر التوراة حروب بني اسرائيل ضد الفلسطنيين على الساحل الفلسطيني، وحروبهم ضد الرومان، وانها كانت لغرض الدفاع وابعاد شر تلك الأقوام لكن الغرض الأساسي هو الاستيلاء على الأرض لصالح المجتمع اليهودي أو كما يطلقون على انفسهم (شعب الله المختار)، وفي الدين المسيحي: كانت حروب الامبراطورية الرومانية بعد تبني الدولة فكرة الدين المسيحي فتوسعت الحروب ضد القبائل الوثنية مثل قبائل الجرمان والوندال (هذه القبائل مشهورة في تعدين الحديد واستخراج الاحجار الثمينة)، ثم توسعت لتشمل الحروب بين الكاثوليك والبروتستانت من اجل الزعامة والحصول على أموال الضرائب لصالح (بابا روما) الذي يتزعم المذهب المسيحي الكاثوليكي، فهو وريث الرسول بطرس، أو حروبهم ضد المسلمين في الاندلس والبحر المتوسط، والتخلص من منافستهم في التجارة والاستحواذ على اراضيهم، وفي الدين الاسلامي: كان للغنائم دور مهم ، فكل ما أخذ من الكفار بقوة الخيل يدخل في الغنيمة مثل سلاح العدو وعتاده والحيوان من خيل وماشية وذهب وفضة، والأسرى كعبيد...الخ، ففي بداية الدعوة الاسلامية عندما كان الرسول محمد (ص) في المدينة أرسل سرية بقيادة عبد الله بن جحش بن رئاب للاستطلاع على الطرق التجارية لكنه وجد قافلة لقريش فقتل اثنان من التجار وأسر الباقي واخذ بضاعتهم إلى الرسول الذي رفض ان يستلم الغنائم حتى نزلت الآية الكريمة التي تجيز الغنائم، وهناك رواية اخرى عندما قرر الرسول غزو بني المصطلق طلب من المسلمين التطوع للقتال فقال له ابوسفيان (هل هناك غنائم؟) قال الرسول (نعم) فقال (انا معكم)، وتقسم الغنائم على أساس :
1- فان الله خمسه (بيت المال)
2- وللرسول عشيرته والقربى.
3- واليتامى والمساكين وابن السبيل
4- والقسم الاخر للمقاتلين الذين شاركوا في الحرب
ويذكر المؤرخين المسلمين قوائم الغنائم باسمائها وانواعها من بلاد الاندلس وبلاد فارس وممالك آسيا الصغرى ...الخ، والمفضل من الغنائم الأموال والنساء كزوجات أو(ما ملكت أيمانكم)، وهناك رويات اسلامية تذكر بعد معركة القادسية وفتح العراق تم توزيع الغنائم وكان أحد المقاتلين يحمل ذهبا وهو يسير في سوق مدينة المدائن وهو ينادي (من يبدل الأصفر بالأبيض) لانه لم يرى الذهب من قبل، وآخر يبيع درة ثمينة بالف فاشتراها منه يهودي فقيل له ان الدرة تستحق اكثر من الف فقال (لو كنت اعرف رقما اكثر من الالف لطلبت)......
الغنائم في العصر الحديث
في العصر الحديث الصورة أصبحت الصورة أوضح حول سبب الحروب، وهي السيطرة على اقتصاد الدول الضعيقة لنهب خيراتها من البترول، والمعادن، والمواد الزراعية، وصيد الاسماك ...الخ وكلها تخدم عجلة الاقتصاد في الدول الصناعية الكبرى التي تهيمن على الاقتصاد العالمي، فكانت حروبهم لها عدة اسماء واهداف كاذبة تارة باسم الارهاب، وتارة اخرى دول الشر، ومرة اخرى تهديد النظام العالمي، أو الدفاع عن حقوق الانسان، وحتى تخليص الشعوب من الانظمة الدكتاتورية، كما حدث في العراق سعت الولايات المتحدة الامريكية لتخليص الشعب من دكتاتورية صدام ونشر الديمقراطية ولكنها (اكلت العراق بكاملة خيراته وشعبة) ...
بغداد 2024
915 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع