"تأخيرُ رواتب موظفي الإقليم وتلألأ العجلات في معرض أربيل الدولي للسيارات"

 د.أنور أبوبكر كريم الجاف

"تأخيرُ رواتب موظفي الإقليم وتلألأ العجلات في معرض أربيل الدولي للسيارات"

إنَّ بهرجة العجلات في معرض أربيل الدولي الحالي للسيارات وبهضِ أثمانها والسياسة العوجاء العمياء والصمت الدولي للحقوق هي التي تؤخر رواتب الموظفين في الاقليم!

فإنه يمرُّ اليومُ الرابع على معرض أربيل الدولي الذي يشهد عرض السيارات الفاخرة بأسعارها الخيالية يواجهُ موظفو إقليم كوردستان تحديات معيشية قاسية غير مسبوقة، حيث تأخرت رواتبهم لأكثر من أربعة أشهر ، وهذا التأخير مستمرٌ إلى اليوم، وها نحن في شهر آذار / مارس كما تعلمون ما زالت جيوبُ موظفي الإقليم تصدح بالفراغ وتصرخ خواءً دون حصول سنت واحد!
ولكن في تناقض صارخ يُفتتح معرض أربيل الدولي الفخم للسيارات حيث تُقدر قيمة السيارة الواحدة 300000$ بثلاثمائة ألف دولار أمريكي! فكيف يستقيم الأمر ُوالمعضلة واضحةٌ؟وكيف يستقيم الظل والعود أعوج؟
وهذا التناقض الصارخ يلقي الضوء على مشهد من الفساد الصريح والفشل الذريع للسلطات في حين يعاني المواطنون والموظفون والأساتذة والقضاة وبقية الشرائح من الفراغ المادي المؤلم بحيث تجاوزت الحدود الحكومية حتى تعطيل الكسبة وحركة السوق والتجارة .

وعلى الرغم من صدور قرار المحكمة الاتحادية العليا في 21 شباط الماضي الذي ألزم الـحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كوردستان بتوطين رواتب موظفي القطاع العام في المصارف الاتحادية تمرّ محنة الأيام بثقلها على موظفي الإقليم وعموم المواطنين يظهر تباطؤ الحكومة وتهربها من مسؤولياتها مما يزيد الوضع تعقيدًا.

هذه المفارقة الصارخة تطرح تساؤلات جوهرية عن الفساد وإدارة الثروات فتبرز الأسئلة: منْ يمتلك الجرأة لصرف وإنفاق مبالغ طائلة على السيارات الفخمة؟ ومنْ يجرأ على جلب نجوم السينمائيات والمغنين والمغنيات والفتيات الموديلات؟

كيف لا يتناقض هذا البذخ مع الإهمال الحكومي؟
وكيف يمكن لكوردستان أن تكون قدوة في الديمقراطية والتقدم وهي الآن تخوض في مسار مأساوي بعيدًا عن المثل العليا للعدالة والحكم الرشيد؟!.
هذا الوضع البائس يشكِّكُ ليس فقط في شرعية النظام الحاكم بل يعكس أيضًا انعدام الاحترام والثقة على الصعيد الدولي!.
فهل يمكن تسمية هذا الوضع المزري المستشري بغير الفساد الصريح والفشل الذريع للسلطات؟
ونتساءل بقلق وأسف شديدين، إذا لم تكن الثروات المتدفقة من آبار النفط المهربة والأموال الأخرى المستغلة من هذا الشعب، فمن يمتلك الجرأة والشجاعة لدفع 300000$ ثلاثمائة ألف دولار عن قيمة سيارة فاخرة واحدة؟ وكيف سيقودها عبرَ الشوارع المزدحمة بالسيارات القديمة والمتهالكة؟

وبفضل ذلك اصبح الإقليم يتيماً بلا دستور ولا قانون، إذْ أنَّ البرلمان في كوردستان العراق قد تحول إلى ما يشبه الصحراء السياسية مع إغلاق مستمر لأبواب برلمان كوردستان ودواليب الحكم وإلغاء للقوانين الصادرة فيه طيلة سنة كاملة مما أثر سلبًا على الوضع العام في الإقليم .

وان البرلمانيين الكورد الذين من المفترض أن يمثلوا صوت الشعب أعيدوا إلى منازلهم كأنهم أطفال شاردين وأُبعدت الحكومة الرشيدة لتحلّ محلّها سلطةٌ متنفذة تحوص وتنضح فسادًا وتسلطًا مخلّفةً وراءها ذلك الوضع المتردي الذي يَندى له الجبين .
والشركات الأجنبية والمستثمرون الذين يمثّلون عماد الاقتصاد ورواد التنمية قد غادروا الإقليم هربًا من الضرائب الباهظة والظروف غير المستقرة وهاجروا نحو آفاق العالم ومنها بغداد والمحافظات العراقية الأخرى تاركين وراءهم فراغًا ودليلاً على فشل الحكومة وإخفاق حكومي مريع !.
ويُلقي هذا السياق الضوء على الحاجة الماسة لتغيير جذري وإصلاحات عميقة ينبغي أن تبدأ فورًا، حيث يتطلب الأمر ثورة حقيقية في الحكم تعيد للشعب الكرامة والثقة في مؤسساته وتضمن حكومة تخدم مصالحهم وتحترم حقوقهم .

وفي إقليم كوردستان تثير الديناميكيات السياسية النمطية تساؤلات عميقة حول البروتوكولات الدبلوماسية، حيث يُلاحظ أن زيارات الشخصيات الأجنبية قد تتضمن لقاءات مع قادة لهم نفوذ تاريخي أو عشائري بدلاً من المناصب الرسمية. بل مكانتهم مستمدة من إرث عائلي أو تاريخي معين .

هذا النمط يبدو متناقضًا عند مقارنته بشخصيات مؤسِّسِية بارزة، كميشيل عفلق الذي أسس حزباً في نهاية الأربعينات من القرن الماضي وكان له تأثير محوري في تشكيل السياسة والحكومة في كل من العراق وسوريا، وكان لحزبه تاثير كبير في الدول العربية وحتى في بعض دول أفريقيا ولكنه لم يتلقَ نفس المعاملة الاستثنائية من قبل الزائرين الأجانب من الغرب والشرق !
هذه المقارنة تبرز تفضيلات قد تعكس تقديرًا للنفوذ الشخصي أو العائلي على حساب الإنجازات السياسية أو الحكومية. إنها تدعو إلى التفكير النقدي حول كيفية تأثير العلاقات الشخصية والتاريخية في السياسة الدولية، وتطرح أسئلة حول الاعتبارات التي تحكم التفاعلات الدبلوماسية في سياقات غامضة .
وهذه الممارسة تلقي بظلال من الشك على معايير الدبلوماسية والحكم، ويعكس نزعة تقديس الأفراد على حساب المؤسسات، مما يستدعي مراجعة نقدية لفهم ديناميكيات السلطة والنفوذ في سياق إقليمي ودولي معقد.
إن إقليم كوردستان يقف الآن على مفترق طرق تاريخي و يجب أن تكون الخطوات التالية موجهة نحو بناء مستقبل يسوده العدل والديمقراطية والازدهار، بعيدًا عن الفساد والتسويف والتباطؤ والإهمال فالوقت ليس في صالح الإبطاء أو التردد، بل يتطلب عملاً جادًا وملموسًا لضمان أن يكون الغد أفضل لأجيال الإقليم القادمة.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

885 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع