الفرق بين اللغة الآرامية أو السريانية، والأكدية بلهجتي بابل وآشور ج١

                                                        

                            موفق نيسكو

الفرق بين اللغة الآرامية أو السريانية، والأكدية بلهجتي بابل وآشور ج١

مصطلح اللغات السامية هو مصطلح حديث أطلقه الألماني شلوتسر سنة 1781م، ورغم أنه أصبح مقبولاً ومتداولاً، إلاَّ أنه ليس مصطلحاً لغوياً علمياً بحتاً، والمصطلح العلمي الصحيح اليوم للغات السامية هو، اللغات الجزرية، نسبةً إلى الجزيرة العربية-السورية التي تقع غرب نهر الفرات من اليمن إلى غرب الفرات شمالاً في سوريا، وهي الموطن الأصلي للساميين ولغاتهم، واعتمد شلوتسر في تقسيمه لغات أبناء سام على سفر التكوين إصحاح 10، لكنه استثنى العيلامين والليديين رغم أن عيلام ولود هما ابنا سام، وفي نفس الوقت عَدَّ الكنعانية والحبشية لغات سامية رغم أن الكنعانيين والأحباش أي الكوشيين ليسوا من أبناء سام، بل من أبناء حام (يبدو أن سفر التكوين هدفه سياسي يهودي، فجعل كنعان ملعوناً وعبداً لإخوته ليستولوا على فلسطين أرضهِ، وقد ألمح بعض المؤرخين السريان والعرب واليونان إلى التسمية السامية لعوائل اللغات والشعوب أو علاقة اللغات ببعضها مستندين إلى العهد القديم قبل الاكتشافات الأثرية العلمية، مثل يعقوب الرهَّاوي وابن العبري وابن حزم والمسعودي وأوسابيوس القيصري وغيرهم، ويرتأي عدد من الباحثين اللغويين العراقيين اليوم أن يكون اسم السامية هو، اللغات العاربة أو العربية القديمة، وإني أرى أن مصطلح اللغات الجزرية أكثر توفيقاً كيلا يختلط مع اللغة العربية أولاً، ولأن الأقوام التي سكنت الجزيرة العربية-السورية أو نزحت منها، كان لها لغات خاصة بها كالآراميين والكنعانيين والحبشيين والعبريين ثانياً، وكيلا يؤول الموضوع سياسياً فيخلق مشاكل ثالثا).

إن اسم اللغة تحدده خصائص كثيرة كالقواعد والاشتقاق والبيان والأفعال وتصريفها والإعراب والإبدال والحركات والصوائت والصوامت والحلقيات وأسماء الإشارة وعدد الحروف والأرقام والإبدال والإدغام..إلخ، وليس تقارب بعض الألفاظ في اللغات الذي هو نسبي، فالمعروف أن هناك بحدود 2500-3500 لغة في العالم (امييه وكوهين، عدد اللغات الحية في العالم 1952م، وجراي، أصول اللغة 1950م). وجميع اللغات تنحدر من ثلاث مجاميع رئيسية هي السامية، الحامية، اليافثية (الآرية، الهندو- أوربية)، وهناك بعض التقارب حتى بين المجاميع اللغوية التي ليست ضمن العائلة الواحدة لدرجة أن بعض العلماء عَدَّ الساميين انحدروا من إفريقيا نتيجة تقارب الحامية مع السامية في بعض الأمور، ومن المعروف أن معظم اللغات تشترك في الحروف الأولى الأبجدية ألف باء، وكذلك ما يُسَمَّى بأولى الكلمات مثل أم، أب، أرض، حرف النفي، لا..إلخ.
هناك تفرعات وجداول عدة للغات السامية، وباختصار تقسم اللغات السامية عموماً إلى قسمين، شرقية وغربية، والشرقية هي الأكدية بلهجتيها الجغرافيتين، البابلية-الآشورية، فقط، ولا يوجد لها شقيقة، أمَّا الغربية فتقسم إلى الكنعانية (أحيانا تُسَمَّى الفينيقية) والعبرية والآرامية (السريانية)، والعربية والحبشية، وأقرب اللغات لبعضها هي السريانية والعربية، فهما ليستا شقيقتين فحسب، بل أختان توأمان، والعربية هي أنقى اللغات السامية، أي أنقى من السريانية كما يقول اللغويين السريان أيضاً، والسبب أن العرب عاشوا منعزلين في الصحراء ولم تدخل في لغتهم مفردات كثيرة من اللغات الأخرى كاليونانية والفارسية، وكتب كثير من السريان باللغتين السريانية والعربية، واقترضت اللغتان من بعضهما، فاقتراض العربية من السريانية، بحدود 3000 لفظة، 500 في كتاب الألفاظ السريانية في المعاجم العربية، للبطريرك السرياني أفرام برصوم، و2500، لفظة في كتاب، البراهين الحسية على تقارض السريانية والعربية، للبطريرك يعقوب الثالث، وهناك بحدود 3000 لفظة أخرى، وأغلب الألفاظ التي اقترضتها العربية من السريانية هي باللهجة السريانية الشرقية، أي بالفتح، أمَّا السريان فاقترضوا من العرب قافية الشعر وصناعة القواميس واسم الضمير وألفاظ قليلة.

مع أن اللغة الأكدية هي سامية شرقية يتيمة، لكن ساميتها ليست نقية وواضحة، وتختلف عن اللغات السامية الأخرى، فهي متأثرة تأثيراً مباشراً وكبيراً باللغة السومرية من كل الجوانب، وتأثرت بشكل أقل أيضاً بالحورية والحثية والعمورية وغيرها، وهي في النطق تشابه الكنعانية والعبرية، وفي التصريف واستعمال التراكيب تشابه العربية الجنوبية والحبشية، وحتى لهجتا الأكدية، البابلية والآشورية، تختلفان فيما بينهما اختلافاً ليس يسيراً، وقبل اكتشاف الآثار منتصف القرن التاسع عشر لم يكن العالم يعلم ماذا كان اسم لغة السومريين والأكديين والآشوريين القدماء وغيرهم، وبعد اكتشاف الآثار، تبيَّن أن البابليين والآشوريين لم تكن لديهم لغة، إنما كانت لغتهم أكدية بلهجتين جغرافيتين، بابلية وآشورية، والأكدية هي بأبجدية مسمارية لا تمت بصلة إلى أي لغة معاصرة، واقتبسها البابليون أصلاً من السومريين، وارتأى بعضهم تسميتها الأكدية السومرية، وكانت كتابتها قريبة في البداية من الكتابة الصينية الرمزية الصورية بحدود سنة 3000 ق.م. (هناك اعتقاد أن الكتابة وصلت الصين عن طريق تجار بلاد ما بين النهرين)، ثم تطورت من الصور إلى استعمال الأنماط المنحوتة الشبيهة بالمسامير، وبحلول سنة 2400 ق.م. اعتُمد الخط المسماري لكتابة اللغة الأكدية، واستُعمل نفس الخط بعدئذ في كتابة لهجتي بابل آشور التي يُسَمِّيها المستشرقون، الكتابة الأسفينية المثلثة أو المسمارية، ولم يكن بالإمكان كتابتها على الورق أو الجلود أسوةً باللغة الآرامية والهيروغليفية المصرية، بل على الطين فقط ثم يتم حرقه ويُسَمَّى الآجر، وهي كلمة بابلية قديمة تستعمل إلى اليوم وتُقسَّم أدوار اللغة الأكدية:
الأكدية القديمة 2340 تقريباً-1950 ق.م.
الأكدية بلهجتها البابلية القديمة 1950-1550 ق.م.
الأكدية بلهجتها الآشورية القديمة 1990-1330 ق.م.
الأكدية بلهجتيها البابلية والآشورية الوسيطة 1500-950 ق.م.
الأكدية بلهجتها البابلية الحديثة الأولى 950-625 ق.م.
الأكدية بلهجتها الآشورية الحديثة 950-610 ق.م.
الأكدية بلهجتها البابلية المتأخرة 625-500 ق.م.

بقيت اللغة الأكدية مستعملة منذ سنة 2300 ق.م. تقريباً إلى القرن السادس قبل الميلاد، ثم بدأت تسير إلى الموت نتيجة قواعدها الصعبة وكتابتها المعقدة، حيث أقصتها اللغة الآرامية (السريانية) لسهولتها، فاكتسحت الآرامية بلاد آشور وبابل ابتداءً منذ القرن الثامن قبل الميلاد، واستمرت اللغة الأكدية أحياناً وبشكل قليل جداً كلغة رمزية وعسكرية سرية ودينية في المعابد إلى أن ماتت تماماً في القرن الأول قبل الميلاد. (الدكتور سامي سعيد الأحمد، كلية الآداب جامعة بغداد، المدخل إلى اللغات الجزرية، ص10-18).
ولأن اللغة الأكدية صورية ومسمارية وغريبة، لذلك بعض الهواة وأوائل الرحَّالة والمنقبين عن الآثار في العراق عندما نقلوا بعض القطع المكتوبة بالخط المسماري إلى أوربا قبل القرن التاسع عشر، احتاروا وظنوا أنها نقوش أو زخارف، وهنري لايارد نفسه لم يعرف في بداية اكتشافاته الأثرية في نينوى وضواحيها ما هي هذه اللغة، فأرسل رسالة إلى والدته في نيسان 1846م يقول: يسرني أن أقول لكِ إني توصلت إلى بعض النتائج مثل أسماء المدن والأشخاص ولكن إلى الآن لم استطع فك خطوطها، ولكن بمساعدة الميجر راولنصون، آمل أن أتوصل قريباً إلى حل أبجديتها، أمَّا بالنسبة للغة فهل هي كلدانية؟، أو هي واحدة من اللهجات المنسية التي تعود لإحدى اللغات التي لم تزل موجودة ويمكن التوصل إليها بالبحث والمقارنة؟، أو هي لغة غير معروفة لا بد من إعادة بنائها من جديد؟ (طه باقر، مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة، ج1 وادي الرافدين، ص120، ونو أكوبي، الطريق إلى نينوى، ص269–270).

عندما بدأ المستشرقون المتخصصون في اللغات في القرن التاسع عشر، أمثال الألماني جورج فريدريك جورتفند (1775–1853م) والأيرلندي إدوارد هنكس (1792–1866م) وفريدريش ديلتش (1850–1922م)، وراولنصون أبو الخط المسماري، وجوليس اوبرت (1825–1905م) وغيرهم، بدراسة آثار نينوى وبابل، واجهوا صعوبات كبيرة في حل رموز لغتها المسمارية، واستطاعوا التوصل إلى حل رموزها بمقارنة نص واحد مكتوب بلغات أخرى معروفة إلى جانب الخط المسماري على نفس القطعة الأثرية كالفارسية والعيلامية والبابلية القديمة، ومقارنة ذلك مع المصادر التاريخية خاصة الكتاب المقدس، وأخيراً أعلنوا أنهم اكتشفوا لغة قديمة ميتة استطاعوا حل رموزها (حامد عبد القادر، الأمم السامية ص22. علماً أن مفتاح الحل كان حجر بهستون الإيراني الذي كان مكتوباً بثلاث لغات هي المسمارية والفارسية والعيلامية، واستطاع العلماء سنة 1850م ترجمة النصين الفارسي والعيلامي، وبعد مقارنة النصوص المترجمة حُلّت رموز الخط المسماري سنة 1860م. وانظر طه باقر، مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة، ج1 ص122-124).
في بداية الأمر احتار علماء اللغة ماذا يُسَمُّون هذه اللغة والكتابة، فسَمَّوها في البداية، لغة العصر الشبيه بالكتابي Proto Literate، ثم سَمَّوا الكتابة المكتشفة، الأسفينية أو المسمارية Cuneiform، لأنها ليست صورية بحتة كالصينية والهيروغليفية ولا حَرفية (ذات حروف) كالآرامية، بل شكلها يشبه الأسفين (الوتد) أو المسمار، ويقول الدكتور أحمد سوسة إن نقَّاري مدينة الموصل الذين كانوا يعملون في جامع النبي يونس (يونان) بإشراف هرمز رسام سنة (1888–1891م)، هم أول من أطلق اسم الكتابة المسمارية على الخط المسماري، لأنهم على بساطتهم لاحظوا أن الكتابة تشبه المسامير (أحمد سوسة، تاريخ حضارة وادي الرافدين، ص155. ونقَّار يعني المشتغل بالحجارة، علماً أن جميع نقَّاري مدينة الموصل هم من السريان تحديداً، مثل أسرة معمار باشي النقار، عازار، سكوني، عزوز، السبع، بطي، وغيرهم، وبذلك تكون الصدفة قد مكنت هؤلاء البسطاء من السريان أن تكون لهم كلمة تاريخية في هذا المجال).

كان من الطبيعي على هؤلاء العلماء أن يطلقوا اسماً معيناً على اللغة المكتشفة، ولأن أغلب الكتابات اكتشفت في نينوى عاصمة آشور القديمة، لذلك أطلقوا عليها في البداية اسم اللغة الآشورية، ولكن بعد أن انجلت آثار بابل في جنوب العراق ولاحظ العلماء التشابه الكبير بين اللغة البابلية والآشورية، اتضح لهم أن لفظة آشور لا تفي بالمراد، فأطلقوا على كتلة اللهجات السامية في العراق اسم اللغة البابلية الآشورية، ثم استخلص المستشرقون المحدثون من النقوش المسمارية أن أهل بابل أطلقوا على لغتهم اسم الأكدية، ومنطقة بابل كانت تُعرف بأرض أكد، وأن عدداً من ملوك بابل في الآثار والنقوش المكتشفة، لُقِّبوا باسم ملوك أكد وسومر، وهو مطابق لأسماء المناطق كما في التوراة (أ. ولفنسون، تاريخ اللغات السامية، ص22 هامش1 و (The Assyrian Dictionary قاموس آشوري)، 1964م، ص7.وبذلك استقرت التسمية الأكدية على هذه اللغة في منتصف القرن العشرين،وبين سنة 1921-1964م، وقبل أن يستقر اسم الأكدية نهائياً وعلمياً على اللغة، تم في شيكاغو طبع أجزاء قاموس اللغة الأكدية بالحرف اللاتيني وليس المسماري، سُمِّي (The Assyrian Dictionary قاموس آشوري)، ويقول البروفسور I. J.Geleb ، المشرف على طبع القاموس الأكدي الذي سُمِّي آشورياً، في مقدمة القاموس، ص7، وفي عنوان (بضع كلمات لازمة لتسويغ استعمال مصطلح الآشورية في عنوان القاموس المنشور): إن اسم القاموس الحقيقي والصحيح هو قاموس اللغة الأكدية، وطُبع باسم الآشورية إحدى اللهجات الأكدية قبل أن يستقر اسم الأكدية على اللغة، ويضيف سبباً آخر هو، لكي لا يختلط الأمر حينها بين كلمة (Akkadian، Accadian الأكديين)، وبين الجالية الفرنسية الأصل في مقاطعتين في كندا وأمريكا والذين اسمهم المتداول شعبياً هو ( Acadian أكديين) أيضاً، وانقل ترجمة كلامه حرفياً:

   

في السنوات الأولى من اكتشاف الآثار، أُطلق على اللغة السامية لبلاد ما بين النهرين مصطلح، الآشورية، والسبب معروف وهو: إن معظم اللوحات الأثرية المسمارية تم اكتشافها في موقع ما كان يُعرف ذات مرة ببلاد آشور القديمة، ومع اكتشاف الآثار البابلية في السنوات اللاحقة، اكتُشفت لوحات عديدة تُبيِّن أن لهجتين ترتبط ارتباطاً وثيقاً استُعملتا في بابل وآشور على التوالي، وليس ذلك فحسب، بل أن مستعمليها لم يُسمُّوا لغتهم، لا آشورية، ولا بابلية، لكن أكدية نسبةً إلى الأكديين الذين أسسوا أول إمبراطورية سامية كبيرة منتصف الألف الثالث قبل الميلاد بقيادة سرجون الأكدي، وهذه الحقائق أصبحت معروفة، لذلك بدأ مصطلح الأكدية بإزاحة مصطلح الآشورية من الآثاريين بشكل مُتقن، وبقي استعمال مصطلح الآشورية شعبياً، للغة الآشورية-البابلية، وبشكل محدود من بعض علماء الآثار الذين عزفوا عن استعمال مصطلح الأكدية في الأوساط الشعبية الأمريكية لكي لا تتداخل وتختلط مع اسم الأكديين (Acadian الأكديين) الذي يُطلق على (كاجون Cajun)، الذين أصولهم فرنسية في مقاطعة نوفا سكوتيا الكندية وولاية لويزيانا الأمريكية، لذلك استُعمل مصطلح الآشورية في تسمية قاموس شيكاغو سنة 1921م.
لهذا وبشكل عام استعملتُ مصطلح الآشورية في عنوان القاموس الذي طبعتهُ، لكن رغم ذلك إنني استعملت مصطلح الأكدية على لغة القاموس، وفي مقدمتي استعملت رمز CAD لقاموس شيكاغو الآشوري، لكنني استعملت مصطلح الأكدية عندما كنت أرمز إلى اللغة التي يُسَمِّيها آخرون في كثير من الأحيان، آشورية أو الآشورية-البابلية. (انتهت الترجمة). (طلب مني بعض الأدباء والمثقفين السريان في أمريكا مفاتحة الجهات العلمية لتغيير أسم القاموس إلى الأكدية، وكان جوابي: على العكس، فهذا الخطأ في اسم القاموس بتسميته آشوري بإحدى اللهجات الأكدية، هو أكبر هدية قُدَّمت للتاريخ ومنه للسريان، فعلى الآشوريين الجدد إن كانوا حقاً آشوريين كما يزعمون ويعتزون بأصلهم، استرجاع لغتهم القديمة الأصلية وحرفهم المسماري (لا لاتيني، ولا سرياني)، واستعمال هذا القاموس وتدريسه لرعيتهم وليس استعمال لغة وحروف الآخرين، أي السريانية (الآرامية)، وحتى لو استرجع الآشوريون الجدد هذه اللغة، وهو أمر شبه مستحيل، فلن يكون اسمهم آشوريين، بل أكديين).

   

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

860 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع