عوني القلمجي
خامنئي ومقتدى .. التم المتعوس على خايب الرجا
لستة عشر عاما وايران تجند كل الوسائل المتاحة لها لبناء ركائز نفوذها في العراق، حتى جاءت ثورة تشرين العظيمة لتهدم في ايام معدودات ما بنته جارة السوء، الامر الذي افقد الولي الفقيه علي خامنئي صوابه. ومن ثم ليختل توازنه بعد الضربة الاخرى التي تلقاها بمقتل ذراعه الايمن الجنرال قاسم سليماني، الامر الذي دعاه الى تنصيب مقتدى الصدر قائدا للمليشيات المسلحة الموالية لايران مقابل انهاء الثورة العراقية. لكن مقتدى فشل فشلا ذريعا في اداء هذه المهمة القذرة، جراء الصمود الاسطوري للثوار في جميع ساحات التحرير. وهذا ما يفسر ظهور مقتدى على قناة الشرقية، لتوجيه رسالة الى سيده علي خامنئي هدفها مداراة خيبته والتعهد له بانهاء الثورة على امل استعادة ثقته المهزوزة به اصلا، ولا يغير من هذه الحقيقة اقواله الاخرى حول تاييده للثوار واعتبار ما قامت به قبعاته الزرقاء من قتل واختطاف وتعذيب الثوار هو "جرة اذن" من اب الى ابنه!!.
لا يعنينا كثيرا ادراك علي خامنئي بان مراهنته على مقتدى الصدره وتياره والمليشيات المسلحة التي انضوت تحت لوائه ستلاقي النجاح او الفشل، او ان مشروع ايران في العراق هو في حالة احتضار، ام انه لايزال على قيد الحياة وسيستعيد عافيته. فالحقائق والوقائع المتصلة بهذا الامر تدعو الى التامل والتحليل.
بداية لا ننكر وجود مشروع ايراني خطير في المنطقة عموما وفي العراق خصوصا، وهو موضوع اهتمامنا. ولا ننكر ايضا بان خطورته لا تكمن في قوة ايران وحدها، وانما تكمن في ادواته في العراق، والمتمثلة في التاثير المذهبي، والاحزاب الطائفية، والمليشيات المسلحة، اضافة الى الدعم الذي يلقاه هذا المشروع من المرجعية الدينية في النجف. وكاتب هذه السطور يذهب الى ابعد من ذلك، حيث ايران تشكل خطرا دائما، حتى وهي داخل حدودها. لكن هناك فرقا بين التبصير بدور ايران في العراق، ووضعه ضمن حجمه الطبيعي وما انتهى اليه، وبين تضخيم هذا الدور والنفخ في حجمه وتعظيم شانه من اجل توظيفه لتحقيق اهداف مشروعة او غير مشروعة.
"امريكا لا تذهب للصيد الا وكلابها معها". هذا ما قاله الزعيم الصيني الراحل ماو تسي تونغ". وايران قبلت ان تكون كلبا من هذه الكلاب قبل رحلة الصيد الى العراق. مقابل تحقيق مكاسب هامة، عجزت عن تحقيقها طيلة العقود الماضية، منها اسقاط النظام والقضاء على الرئيس صدام حسين، وتدمير البلاد، اضافة الى حصة في السلطة السياسية في العراق. وامريكا دفعت هذه الفاتورة وهي مطمئنة لعدم قدرة ايران على تجاوز حدودها دون رضاها. فقامة ايران تعد قصيرة امام العملاق الامريكي، الامر الذي لا يؤهل ايران لتكون ندا او شريكا، فكيف لها ان تكون بديلا لامريكا في العراق والمنطقة. فالقوات التي احتلت العراق قوات امريكية، والقواعد العسكرية العملاقة في كل انحاء العراق هي قواعد امريكية، والشركات الامنية والقوات الخاصة والمرتزقة والاجهزة الاستخباراتية تدار من قبل امريكا، في حين لم تقدم ايران سوى الضغط على انصارها ومؤيديها بعدم التصدي للمحتل اضافة الى اجبار المرجع الديني على اصدار فتوى بعدم مقاتلة الجيش الامريكي. بل ان احزابها ومليشياتها التي شكلت ودربت في طهران لم تساهم في احتلال العراق، كما ساهمت احزاب المعارضة في افغانستان، وانما اتت خلف دبابات المحتل، وليس كما اشاعوا على ظهورها، والفرق كبير بين الحالتين.
سياسيا، الذي يحكم العراق فعليا هو امريكا، سواء عبر سفيرها او عبر قائد قواتها المحتلة او كليهما. فهي التي شكلت مؤسسات الدولة، بدءا من مجلس الحكم، مرورا بحكومة اياد علاوي والجعفري والمالكي والعبادي، وانتهاء بحكومة عادل عبد المهدي، وهي التي كتبت الدستور، وعقدت الاتفاقات الامنية والاقتصادية والعسكرية والسياسية، التي جعلت من العراق مستعمرة امريكية. والاهم من ذلك كله فان اقتصاد البلاد ووارداته بيد امريكا. بمعنى اخر اكثر وضوحا، فان ايران ما كان لها ان تحرز موقعا في العراق، ولا تحقق مكسبا سياسيا او اقتصاديا او اجتماعيا بغفلة من الزمن. بل جرى ذلك ضمن رؤية امريكية تحولت الى اتفاقات شبه مكتوبة بين امريكا وايران قبل الاحتلال وعلى وجه التحديد بعد احداث ايلول / سبتمبر الشهيرة، واي تجاوز من قبل ايران لحصتها المكتوبة، فان امريكا لن تسمح به، ولن تسكت عليه. ومن الطريف ان ايران تعرف هذه الحقيقة وتتصرف على اساسها.
اما الحديث عن امكانية ايران ملء الفراغ في حال انسحاب القوات الامريكية من العراق، فانه حديث لا يستند الى اي تحليل دقيق للاهداف القريبة والبعيدة، التي جرى احتلال العراق على اساسها. واهمها بناء الامبراطورية الكونية التي ينتهي التاريخ عند ابوابها. ولو كان جورج كينان، صاحب نظرية ملء الفراغ حيا، لقدم اعتذاره للناس جراء هذا الفهم الخاطيء لنظريته. لقد ظهر هذا المصطلح الى الوجود، بشكل واضح، بعد اعلان بريطانيا انسحابها من الخليج العربي عام 1956 جراء هزيمتها في العدوان الثلاثي على مصر. لكي لا تقع المنطقة، بيد الاتحاد السوفيتي انذاك وتحرم من مخزونها النفطي الذي يشكل عصب الحياة للصناعة الغربية عموما. ثم تطورت هذه السياسة بعد حصول معظم الدول على استقلالها السياسي، الى نظرية جديدة سميت بالاحتواء المزدوج. ومع ذلك لم يتورط ايزنهاور حينها ويدخل قواته العسكرية الى المنطقة، كبديل لقوات الاحتلال البريطانية، تجنبا للمصير ذاته الذي انتهت اليه بريطانيا العظمى. وانما سلك طريقا اخر تمثل في تقديم مساعدات سياسية واقتصادية وعسكرية لدول المنطقة، ليتمكن من خلالها فرض التبعية على دولها، وسميت هذه السياسة حينها بالاستعمار الحديث. ومن الجدير بالذكر ان ملالي طهران قد ادركوا هذه الحقيقة على ارض الواقع. ففي ايلول سبتمرعام 2007 ، وحين سحبت امريكا قواتها من المدن العراقية تجنبا لضربات المقاومة العراقية، اعلن احمدي نجاد رئيس الجمهورية انذاك بان ايران ستكون القوة الوحيدة القادرة على ملء الفراغ ومنع المقاومة من السيطرة على المدن التي انسحبت القوات الامريكية منها، لكن نجاد تراجع عن تصريحاته جراء الرد الامريكي الصاعق والتهديد المباشر ضد اي بلد يحاول التدخل في العراق. وكررت ايران الامر ذاته قبل نهايات عام 2011 ، حين اعلن الرئيس الامريكي باراك اوباما عن سحب قواته المحتلة من العراق في نهاية العام نفسه، وتراجعت ايضا.
اما ما يشاع عن وجود صفقة يتم بموجبها تسليم العراق لايران، مقابل تامين مصالح امريكا الحيوية في العراق والمنطقة، فهذا مجرد اراء سياسين مغمورين، او مهووسين بالتحليلات النظرية، او من قبل دوائر مرتبطة بالاحتلال لاشغال الشعب العراقي والانصراف عن حقيقة ما يحدث وعن المعالجات الحقيقية للمازق العراقي. فامريكا لم تأت الى العراق وتتحمل كل هذه الخسائر، وتفقد هيبتها وسمعتها بين الخليقة، لتسلم العراق الى ايران، حتى اذا كان المقابل الحصول على نفط العراق كله. وفي كل الاحوال فالاطماع والاحلام شيء وتحقيقها شيء اخر. وبالتالي فان بقاء المشروع الايراني وخاصة في العراق حيا يرزق هو بسبب حاجة امريكا لايران التي قد تستمر طويلا. بمعنى اخر فامريكا وايران بحاجة الى بعضهما البعض، حيث يربطهما، اضافة الى الكيان الصهيوني، قاسم مشترك، يقوم على اساس تدمير العراق وتقسيمه وتهميشه واخراجه نهائيا من المعادلة الاقليمية. ولو كان الامر غير ذلك، فما الذي يمنع امريكا من اقصاء ايران من مشروع الاحتلال، واقتلاع احزابها الطائفية ومليشيات المرتبطة بها في ليلة ظلماء؟ فايران، ومهما نفخت في صورتها وقدراتها وتطور اسلحتها وعديد جيشها وتواجد مليشياتها داخل العراق، فانها لن تصمد اياما معدودات امام القوة العسكرية الامريكية.
بالمقابل فان الرهان على مقتدى لانهاء الثورة العراقية والحفاظ على نفوذ ايران في العراق جاء متاخرا جدا. فلقد اكتشف العراقيون بعد كل هذه السنين من الخداع والتضليل زيف ما يدعيه مقتدى من وطنية ونزاهة وكذب معاداته للعملية السياسية والمحاصصة الطائفية، ووقوفه ضد الفساد والمفسدين، او ضد تدخلات ايران السافرة في العراق. فالرجل اثبت انه هو جزء لا يتجزا من هذه العملية الفاسدة، بل واكثر حرصا من غيره على حمايتها من السقوط، ويقف بالمرصاد ضد اي خطر تتعرض له. في حين فشل في تحسين صورته بتحالفه مع احزاب مجهرية ومع الحزب الشيوعي العراقي والدخول في الانتخابات الاخيرة تحت اسم سائرون وفوز قائمته بالمرتبة الاولى. اذ سرعان ما تخلى عن برنامجه الاصلاحي الوردي، وذلك بالوقوف الى جانب القوائم المليشياوية من اجل تحقيق مكاسب اكبر في السلطة والغنيمة.
اما الضربة القاضية التي تلقاها الصدر وتياره فجاءت بقبضة الثورة العراقية حيث اضطر الى الاعلان عن موقفه المساند للحكومة والعملية السياسية حيث سحب تياره من ساحات التظاهر، وانتقل الى مواجهة الثورة بكل الوسائل الخبيثة لينتهي به الحال الى زج مليشياته المسلحة لقمع الثورة وانهائها. الامر الذي ادى الى غضب الناس حتى داخل صفوف تياره ورفع الشعارات التي تنطوي على عبارات قاسية وصلت حد الشتائم ضده. ومن ضمن هذه الشعارات والهوسات "ذيل لوكي انعل ابو ايران لابو امريكا" في اشارة الى ان مقتدى الصدر اصبح ذيلا علنيا لايران بعد اجتماع مدينة قم الايرانية السيء الصيت والسمعة. وظني ان مشروع ايران في العراق قد فشل تماما رغم محاولات احيائه وان مقتدى الصدر قد فشل ان يكون بديلا لقاسم سليماني، ان لم يصبح ثقلا على سيده خامنئي، ولا نستبعد قيام الاخير بتصفيته. وبالتالي استطيع القول بان لمة المتعوس خامنئي على خايب الرجا مقتدى قد زادت الطين بلة، بدليل ازدياد قوة الثورة واتساع مساحتها وانتشار اقكارها الثورية ودخول الناس في رحابها افواجا افواجا.
عوني القلمجي
27/2/2020
920 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع